تفاصيل الخبر

أي حدود جغرافية لفيديرالية في سوريا؟  

04/03/2016
أي حدود جغرافية لفيديرالية في سوريا؟  

أي حدود جغرافية لفيديرالية في سوريا؟  

بقلم خالد عوض

السعودية-5

يكثر الحديث هذه الأيام عن حلول سياسية في سوريا، على أمل أن تكون المفاوضات المزمع عقدها المنطلق الحقيقي لبداية نهاية الأزمة السورية. فجأة لم يعد أحد يتحدث عن التقسيم بل أصبحت كلمة الفيديرالية هي الأكثر تداولاً. الانتقال من فكرة التقسيم إلى بحث في الفيديرالية يعود إلى أسباب اقتصادية ومالية بحتة، اذ لا يمكن لأي دويلة طائفية أو عرقية أن تعيش اقتصاديا في إطار صغر الجغرافية أي شح الموارد. بالعكس، الحل المستدام هو الذي يأتي بقاعدة اقتصادية واسعة قادرة أن تتفاعل مع محيطها وأن تؤمن التكامل التجاري والمالي والبنيوي مع الدول المجاورة لها لتعزيز امكانياتها.

وإن المثال الأحدث والأهم لفشل التقسيم في عالم اليوم هو دولة جنوب السودان التي من المُفترض أنها غنية بالنفط وبالتالي قادرة نسبياً على بعض الاكتفاء الذاتي، ولكن حتى قبل انهيار أسعار البترول كانت عاصمتها <جوبا> تعاني أسوأ أنواع أزمات الغذاء والماء بسبب الصراعات على السلطة. هناك اليوم أكثر من مليوني مهجر من جنوب السودان من أصل ١١ مليون ونصف مليون مواطن، بينهم أكثر من سبعمئة ألف غادروا إلى الدول المجاورة بسبب الحروب القبلية والعرقية. الكل اعتقد أن دولة جنوب السودان، ذات اللون الطائفي الواحد وأحدث دولة في العالم، ستكون نموذجاً سياسياً واقتصادياً ناجحاً في أفريقيا، ولكن منذ استقلالها عن السودان عام ٢٠١١ أصبحت أفقر دولة في العالم بل هي النموذج الصارخ للدولة الفاشلة. هناك عدة أسباب لذلك، منها ما يتعلق بالعصبيات العرقية، وأخرى بنسبة الأمية المرتفعة التي تؤثر في قدرة الناس على اختيار زعمائهم، وأخرى مرتبطة بالفساد وحب السلطة. وبغض النظر عن كل تفسيرات الفشل، تبقى النتيجة الأكيدة لتقسيم السودان هي أن مستوى عيش المواطن في جنوب السودان تراجع كثيرا ًبعد الاستقلال عما كان عليه قبله.

المثال الثاني يأتي من قبرص، الجزيرة التي ارتضت التقسيم منذ أكثر من أربعين عاماً، وها هي اليوم تسعى حثيثاً إلى الوحدة رغم الاختلاف الطائفي والعرقي وحتى الاجتماعي بين الجزء التركي والجزء اليوناني. اكتشاف الغاز، وسعي تركيا إلى الاقتراب من الاتحاد الأوروبي بكل الوسائل، والأزمات الاقتصادية والمالية، كلها أسباب اجتمعت لتشجع <القبارصة> على تجاوز كل الاختلافات والبحث عن مستقبل أفضل عبر الوحدة.

المثال الثالث يأتي من العراق ومن كردستان بالتحديد، فبعد هبوط أسعار النفط وجد الإقليم الكردي نفسه في حالة اقتصادية سيئة جداً، فعاد إلى الدولة المركزية يبحث عن حلول معها تحفظ له سيادته النسبية ولكنها تعيده إلى حضن العراق بعدما كان قد شرع في خطوات انفصالية جدية.

انطلاقا من هذه الأمثلة المعاصرة يُستنتج أنّه لا يمكن لدولة سنية أو علوية أو كردية أو أي دويلة أخرى أن تعيش في سوريا. مصير هكذا تقسيم هو مزيد من الأزمات، لذلك جاء طرح الفيديرالية بدل التقسيم مع أن سلامة-1تطبيقه أصعب بكثير.

ولكن هل يمكن أن تكون الفيديرالية حلاً مستداماً في ظل كل الانقسامات العرقية والمذهبية في سوريا بل المنطقة؟ وهل يمكن للتقسيم الفيديرالي أن يعيش اقتصادياً ومالياً؟ ومن يسيطر على النفط والغاز في المنطقة؟ ومن يتحكم في الغذاء الذي تشكّل منطقة الحسكة الواقعة اليوم في قبضة <داعش> المصدر الرئيسي له؟

هناك أسئلة كثيرة تعترض الحل النهائي في سوريا، وكلما اقترب المتفاوضون من إمكانية حل أو شكل سياسي صالح لسوريا المستقبل سيتبين أن الدولة الفيديرالية المنشودة يجب أن تشمل أكثر من مساحة سوريا حتى تتمكن من الاستمرار اقتصادياً ومالياً، وعندئذٍ يمكن تصور <كانتون كردي> و<كانتون شيعي> و<آخر سني>، ولكن ضمن بوتقة نظام حكم واحد وتحت لواء دولة مركزية مثل سويسرا، وانما تحت اسم جديد ربما، لن يكون سوريا أو العراق بل مزيجاً من الاثنين.

أين لبنان في الخريطة الفيديرالية التي يتحدثون عنها؟ دور لبنان المستقبل وحدوده يحددهما الأداء السياسي الداخلي في هذه المرحلة بالذات. فإذا عرف لبنان كيف يحفظ نفسه أمنياً وسياسياً واقتصادياً ومالياً مما يحصل حوله يكون قد أثبت أنه ليس بحاجة لفيديرالية حتى يعيش، بل ربما تكون الفيديرالية الإقليمية هي بحاجة إليه حتى تزدهر مالياً وانتاجياً.