تفاصيل الخبر

اطمئن يا وليد... ”الأفكار“ مستمرة وما زرعته سيبقى يثمر وطنية وعنفواناً وموضوعية ومسؤولية... وكلمة حرة !

04/07/2019
اطمئن يا وليد... ”الأفكار“ مستمرة وما زرعته سيبقى يثمر  وطنية وعنفواناً وموضوعية ومسؤولية... وكلمة حرة !

اطمئن يا وليد... ”الأفكار“ مستمرة وما زرعته سيبقى يثمر وطنية وعنفواناً وموضوعية ومسؤولية... وكلمة حرة !

 

أذاب ذاته فوق صفحاتها، فغدت المجلة لغته، وصوته الرصين، ومنبر حرقته الوطنية حين يشعر أن الوطن ليس بخير، وسهام النزاعات السياسية تمزق أوصاله، ورسالته، وأحلام أبنائه.

المرة الأولى منذ عشرات السنين، يلملم وليد عوض أوراقه والأقلام، ليعبر إلى الضفة الأخرى. وفي يقين كل من عرفه، أنه يريد لمقالاته أن تُقرأ من جديد، ولنصائحه أن تُسمع، ولنقده البناء أن يصل إلى الأذهان ولا يتحطم عند حيطان المصالح، والغرائز، والاستهتار.

علَّه من هناك يسهر على الوطن، ورسالته الإعلامية التي صنع منها مدرسة قلَّ نظيرها في هذه الأيام، وهي سليلة أيام العز، والريادة، حين كان لبنان مطبعة الشرق، وصوت العرب، وصحيفتهم، والمنفذ إلى الحريات والتعبير وتلاقح الأفكار.

نعم، شكل وليد عوض مدرسة إعلامية قوامها الموضوعية في مواجهة بعض من الإعلام المسيَّس، والفئوي، والحزبي. وهل يمكننا الكلام عن إعلام من دون موضوعية؟ شكل هذا السؤال نهجاً في إدارة وليد عوض لمجلة <الأفكار>، عكسه في أسلوب كتابته لمقالاته، حيث غلَّب النبرة الهادئة على الضجيج، والكلمة الطيبة على التجريح، والنقد البناء على التهجم والغوغائية والانفعال.وكل من عرف وليد عوض ادرك كم كان يحرص على ان تكون صفحات <الافكار> مساحة واسعة للاصوات والاقلام الهادئة، حيث لا مجال لكلام كبير يتجاوز الخطوط الحمر احياناً، ويسيء دائما...

اعتمد وليد عوض المقاربة الوطنية الجامعة في قراءة الأحداث وتحليلها، بدلاً من المقاربات الضيقة المرتكزة على مصالح الأطراف المتناقضة، والشخصية، ولعل لسان حاله: لكم أبواقكم، وصراخكم، وتحليلاتكم، ولي قلمي المستقيم والمتمسك بدور الاعلام كسلاح للمعرفة، والمصداقية، والنصح، والتحاور الصريح.

مراراً وتكراراً، أكد وليد عوض التزامه بالقضايا الوطنية، والقضايا العربية وكانت صفحات هذه المجلة شاهدة لهذه الحقيقة التي لم يخجل يوماً في الدفاع عنها. ولأجل ذلك بنى في الداخل شبكة من العلاقات مع المسؤولين الذين كانوا يقدرون فيه صراحته، وموضوعيته، ونظافة كفه. وعلى الساحة العربية نجح في أن يكون محطَّ ثقة القادة العرب، الذين لمسوا فيه غيرته على الحقِّ، والعدل، والانفتاح. وكم من مرة سلم قائد عربي <سّره> لوليد عوض لأنه كان يدرك ان هذا الاعلامي الموثوق به، يعرف كيف يحفظ الاسرار، ويميز بين ما هو معد للنشر، وما هو يصنف في خانة <اسرار الدول> و<المجالس بالأمانات>. وبعد كل لقاء مع زعيم او قائد عربي، كان يعود بغلة وفيرة من الاخبار والمعلومات يصارح من حوله ان بعضها سيبقى من دون نشر، لاسيما اذا كان المضمون من نوع ما تقتضي المصلحة العليا ان يبقى طي الكتمان. وهذا الحرص والالتزام كانا من اسباب الثقة الكبيرة التي حظي بها لدى الكثير من القادة العرب..

يدرك من عمل مع وليد عوض او صادقه انه لا يكتب من أجل الكتابة، ولا يحكم كلماته الانفعال. عرف الرجل جيداً أن الرؤوس الحامية، تحتاج إلى برودة المنطق، وتناتش المصالح يحتاج إلى التمسك بالقانون والانحياز إلى مصالح الناس. إن انتقد عدل، وإن صارح لم يوارب. وكان لديه من الجرأة ما يجعله قادراً على وضع الإصبع على الجروح علَّ المكاشفة تشفي، أو على الأقل تلبي حاجة اللبنانيين إلى الاطلاع على الحقائق. كذلك يدرك من عرفه كم هو عاشق للدقة، عشقه للحقيقة، فأي

خبر يصله او معلومة تتسرب اليه، يحرص على التدقيق فيهما ويجمع المعلومات عنهما من اكثر من مصدر... كان باختصار يعيش قلق الخبر الصحيح والتحليل الواقعي.

والحقّ يقال أنه طبع المجلة التي أسَّسها ورأس تحريرها بشخصيته وخطه الإعلامي، حتى تخال وانت تقرأها، أنك أمام كاتب واحد لا مجموعة من الصحافيين المقتدرين. وفي أحلك الظروف، كان قراره واحداً: لا يجب أن تتوقف مجلة <الأفكار> عن الصدور حتى لو اقتطع من لحمه الحي من أجل ذلك. من هنا بقيت <الأفكار> تصدر في موعدها حتى في زمن الحروب والاقتتال والطرق المقطوعة... فهو لم يرد مجلته لمنطقة من دون اخرى، او لفريق من اللبنانيين، وتحمل من اجل ذلك الكثير من الضغوط والقلق، وتنقل من مكان الى آخر كي تكون المجلة بين ايدي قرائها في كل لبنان، وفي الدول العربية، في موعدها الاسبوعي، وهو الذي فتح صفحاتها لكل الآراء والمواقف، فكان القارىء هو الرابح الاول اذ يجد بين صفحات

المجلة الرأي والرأي الآخر..

ألا يجدر بمثل هذه المدرسة الإعلامية، أن تحيا من بعد صاحبها؟

أليس من المحزن أن نفتقد برحيل وليد عوض اليوم، واحداً من آخر رجالات الإعلام الرصينين؟

وفي زمن طغيان مواقع التواصل الاجتماعي، وتحولها إلى منابر إعلامية فجَّة وغير خاضعة لأصول الإعلام، وضوابطه، وقوانينه، ودوره، نشعر أن غياب وليد عوض سيكون أكثر فداحة، وتأثيراً في جسم الإعلام اللبناني.

ولكن في يقين كل من عرف وليد عوض وتابع مسيرته، أن الزرع لن يموت، وما بذره صاحب <الأفكار> على الورق وفي النفوس، سينبت إلى مستقبل بعيد، والشجرة الظليلة التي غرسها ستظل حاضنة للكلمة الحرة، والموضوعية، والجريئة.

ستبقى <الأفكار> وفية لقرائها، وصوت الناس الذين يبحثون عن ثقة بغدهم، تهدمت بفعل المعاناة الطويلة، والتقاعس في تحمل المسؤوليات. ستبقى كما ارادها صاحبها ورئيس تحريرها، مجلة لبنان والعرب، الحاضرة دائماً على مكاتب القادة والمواطنين العاديين، المثقفين، والسياسيين، واهل الكلمة والفكر النير، الذين رافقوا وليد عوض واستمع اليهم، وسمعوا منه، واكبروا فيه عطاءات باتت في هذا الزمن الرديء عملة نادرة.