تفاصيل الخبر

 أثر التعلّم عن بعد على نفسية الأولاد في زمن الـ "كورونا"

16/12/2020
 أثر التعلّم عن بعد على نفسية الأولاد في زمن الـ "كورونا"

 أثر التعلّم عن بعد على نفسية الأولاد في زمن الـ "كورونا"

بقلم وردية بطرس

 

الاختصاصية في علم النفس العيادي الدكتورة ريما بجاني: الوضع مختلف واستثنائي لهذا يشعر الأولاد بالقلق والضغوط النفسية أثناء التعلّم عن بُعد...

[caption id="attachment_83940" align="alignleft" width="516"] وطفلة في صف افتراضي.[/caption]

 اقتحم فيروس "كورونا المستجد" حياة الناس وغيّر اسلوب حياتهم، وفرض عليهم مسافات اجتماعية، وكان لهذه الجائحة تأثير سلبي على نفسية الصغار والكبار، إنما طبعاً تأثر الأولاد أكثر، حيث تغيّرت حياتهم خلال هذه السنة، ومنعهم هذا الفيروس من الذهاب الى المدرسة والتفاعل مع زملائهم وأساتذتهم فكان البديل الصفوف الافتراضية... ولا شك أن التعلّم عن بُعد كان الخيار المتاح ليتسنى للأولاد ألا يهدروا وقتهم وأن يتعلموا، ولكن نقل الطلاب من الصفوف التقليدية الى الصفوف الافتراضية ليس انتقالاً جغرافياً جسدياً بل هو أعمق وأكبر بكثير من ذلك، لأنه متعلّق بالعقلية التي تتحكم بكيفية تقبّل هذا التغيير المفاجىء والقدرة على التماشي مع التكنولوجيا الحديثة.

ولقد تمكّنت بعض الدول المتقدمة من التماشي مع هذا الأسلوب الجديد في التعليم لأنها تمتلك بنى تحتية تساعدها على انجاح العملية التعليمية، لكن في لبنان التعلّم عن بعد هو تحد يومي يعيشه الطلاب والأساتذة والأهل، في ظل نقص الكثير من التقنيات الرقمية، ولا ننسى انقطاع الكهرباء المستمر وضعف الانترنت والاتصالات الذي يزيد الأمر سوءاً، وبالتالي كان للتغييرات الفجائية في طريقة التعليم وقع سلبي على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، حيث إن القلق الزائد هو من أبرز آثار تغيير طريقة التعليم وانخفاض الحركة الجسدية، وأيضاً القلق من خسارة الأصدقاء ومن المستقبل. كما ان الشعور بالوحدة هو من نتائج تأثير التعلّم عن بعد على الأولاد. ولا يغيب عن البال بأن توقف الأنشطة المدرسية واللقاءات مع الأصدقاء في المدرسة يزيد من شعورهم بالقلق والوحدة.

الدكتورة ريما بجاني وقلق الأولاد

فكيف يؤثر التعلّم عن بعد على نفسية الأولاد؟ ولماذا يشعر الأولاد بالقلق والضغوط النفسية أثناء التعلّم عن بعد؟ وما هي الحلول؟ وغيرها من الأسئلة أجابت عنها الاختصاصية في علم النفس العيادي الدكتورة ريما بجاني ونسألها:

[caption id="attachment_83938" align="alignleft" width="250"] الدكتورة ريما بجاني:على الأهل ان يتأقلموا مع الوضع الحالي بطريقة يتخطى فيها أولادهم هذه المرحلة.[/caption]

* لا شك أن جائحة الـ"كورونا" غيّرت حياتنا من كل النواحي ولكن تأثيرها السلبي على الأولاد أكثر لاسيما منذ أن اعتمد التعلّم عن بعد حيث يشعرون بالقلق والضغط النفسي، فما السبب؟

- أولاً يختلف الأمر بحسب الأعمار، فمثلاً وضع الولد في سن الثالثة او الرابعة لا يشبه وضع الأولاد والمراهقين. ثانياً بما يتعلق بالتكنولوجيا ففي لبنان لا ننسى أن التكنولوجيا أُدخلت الى المدراس منذ وقت قصير. ربما المدارس الكبيرة بدأت بادخال التكنولوجيا منذ أربع أو خمس سنوات أو أكثر بقليل اذ أدخل "Tablet  Whiteboard" بالاضافة الى ذلك أن الأساتذة غير معتادين على التكنولوجيا. واذا أردنا ان نتحدث عن نفسية الولد فالمدرسة بحد ذاتها تسبّب له القلق وعندما يدخل اليها يشعر بالقلق، وايضاً عندما ينتقل من مرحلة الى مرحلة يصاب أيضاً القلق. ويُضاف الى كل ذلك أن الأهل يشعرون بالقلق، اذ إنهم لا يقلقون فقط من حيث تعليم أولادهم بل هناك قلق من وباء الـ"كورونا" والأزمة الاقتصادية الخانقة في البلد، وأيضاً من تداعيات انفجار مرفأ بيروت، فكل هذه الأمور تزيد من قلق الأهل، مما يؤثر سلباً على نفسية الأولاد. كما أن هناك مدارس رسمية لا تتوافر فيها التكنولوجيا، اذاً هم غير معتادين على ذلك اولاً. ثانياً الاساتذة غير مهيئين. ثالثاً الوضع استثنائي ومقلق. وعادة في الأيام العادية كنت أطلب من الأهل ألا يجعلوا أولادهم يشعرون بالقلق عندما تُفتح المدارس، ولكن اليوم هم يجعلونهم يشعرون بالقلق. ولا ننسى أن الولد يشعر بالقلق عندما يرى أهله بحالة قلق، لهذا أطلب من الأهل اليوم ألا يجلسوا الى جانب أولادهم اثناء صفوف "الاونلاين"، والسبب أنه بالأساس يجب ان يكون الولد في المدرسة وبالتالي الوضع غريب بالنسبة اليه الآن لأن حياته الروتينية تغيّرت كلها، فمن قبل عندما يذهب الى المدرسة كان يحظى بوقت  يرتاح فيه قليلاً ويلعب مع زملائه في المدرسة، ولكن الآن الوضع مختلف تماماً، ولهذا أتمنى من الأهل ألا يجلسوا الى جانب أولادهم أثناء صفوف "الاونلاين"، واذا  كان الاهل يخشون ألا ينتبه ابنهم الى الدرس وما شابه فبامكانهم ان يدخلوا الى الغرفة بين الحين والآخر للاطمئنان فقط بأن كل شيء يسير بشكل جيد وبذلك يمنحونه مساحة أكثر ليدرس ويتواصل مع استاذه او معلمته. وأيضاً عندما يجلس الأهل الى جانب اولادهم اثناء الدرس فبدون ان يدركوا سيقومون بتصحيح الاجابة وما شابه وهذا أمر غير جيد، اذ لن نعرف اذا تلقى الولد الدروس بشكل أفضل اذا كان أهله يزودونه بالاجابة.

الحلول والاستفادة من التكنولوجيا المتاحة

* برأيك ما هي الحلول في هذه الحالة؟

- بما أن الوضع استثنائي في العالم ككل منذ بداية جائحة الـ"كورونا"،  وتحديداً في لبنان، فاذا كان الولد لا يحصل على العلم كما يجب لأنه لا يذهب الى المدرسة فعلى الأهل ان يقبلوا بأن أولادهم يتعلمون ولو كحد أقصى من خلال صفوف "الاونلاين"، واذا أكملوا العام الدراسي كله من خلال صفوف "الاونلاين" فعندما ينتقلون الى مرحلة او صف أكبر أقله قد تعلّموا الأساس لأن الكثير من المواد المدرسية  تتضمن الحشو بما فيه البرنامج المدرسي. وهنا على المدارس المهمة ان تساعد التلميذ الذي يجد صعوبة في تعلم مادة ما لكي يتحسن، وهذا يخفف من قلق الأهل وبدورهم لن يضغطوا عليه.

[caption id="attachment_83939" align="alignleft" width="443"] طفل يعتمد خيار التعلم عن بعد.[/caption]

* على الرغم من أن هذا الجيل يحب التكنولوجيا ويقضي وقتاً طويلاً أمام شاشة الكمبيوتر والايباد والهاتف، نرى الاولاد اليوم يشعرون بالقلق والضغط النفسي بسبب صفوف "الأونلاين"، فما السبب؟

- صحيح أننا نقول إن الولد سيشعر بالفرح والمتعة اذا كان يستخدم التكنولوجيا وما شابه، ولكن لا ننسى أولاً ان حياته الروتينية قد تغيّرت وهذا يؤثر على نفسيته أيضاً لأنه كان معتاداً على نمط حياة معين، فمثلاً في فصل الشتاء يذهب الى المدرسة وفي فصل الصيف يتحضر لتمضية العطلة الصيفية وبالتالي هذا التغيير يخلق لديه حالة من القلق. ثانياً صحيح أن الولد يحب التكنولوجيا ولكنه يحبها ليلعب وليس ليدرس. ولهذا كل شيء مرتبط بالالتزام يُشعر الولد بالتعب والقلق، حتى لو كان اشطر تلميذ سيشعر بالتعب من الدروس. ثالثاً استخدام عبارة التباعد الاجتماعي لم أحبّذها يوماً فهي أسوء تسمية: "Social Distancing" بل يجب ان نسميها "Physical Distancing" أو التباعد الجسدي، فاليوم يستطيع الولد ان يستفيد من التكنولوجيا، حيث انه لو لم ير صديقه او زميله في الصف يمكنه ان يستخدم الهاتف للتحدث معه او ان يتشاركا بلعبة الكترونية من خلال استخدام التكنولوجيا وبالتالي أكثر من تضرر من هذه المسألة هم المراهقون لأن المراهق يشعر بالأساس بالخوف والقلق من التواصل مع الآخر،  فاذا بنا وبسبب جائحة الـ"كورونا" نطلب منه الا يخرج من المنزل والا يلتقي بأصدقائه وزملائه في المدرسة وما شابه، لذا هناك مراهقون شعروا بالعزلة أكثر من غيرهم وهناك مراهقون تشاجروا مع أهاليهم.

حرمان الأولاد من النشاطات الترفيهية والشعور بالوحدة

* لا شك انه بسبب هذا الوباء حُرم الأولاد من مزاولة نشاطات مسلية وترفيهية، فكيف يؤثر ذلك على نفسياتهم وهم يعيشون نوعاً من الانعزالية والوحدة في منازلهم؟

- هناك نوعان من الأهل. أولاً الأهل الذين تأقلموا مع الوضع بطريقة يتخطى فيها أولادهم هذه المرحلة، حيث استطاعوا أن يبتكروا أشياء لأولادهم ولهذا لن يتأثروا سلباً ، وثانياً هناك اهل كانوا يمنعون أولادهم من كذا وكذا خوفاً من التقاط الفيروس وأثاروا الخوف في نفوسهم، وبهذه الحالة سيؤثر ذلك سلباً على نفسيتهم ويصبحون منغلقين أكثر ويعانون من صعوبة في التواصل، وستتراجع ثقتهم بالمجتمع. بالنسبة للأعمار بين 13 و14 وحتى 16 فإن أهم عامل هو الطاقة لأن المراهقين بهذه الأعمار لا يمكن منعهم من اخراج الطاقة التي بداخلهم، لهذا ننصح الأهل بأن يشجعوا أولادهم على القيام بذلك، وبالتالي يمكن اخراج الطاقة في البيت من خلال القيام بأنشطة، كما بامكانهم ان يهتموا بموهبة قد تكون مخبأة وحان الوقت لابرازها. وهنا  أردد دائماً أنه في كل مرحلة صعبة يجب ان ننظر بطريقة ايجابية، طبعاً نحن نعيش في ظل وباء الـ"كورونا" ولا نقدر أن نقول إن الدنيا بألف خير، ولكن يجب أن نسأل أنفسنا كيف سنتخطى هذه الفترة لأن الوباء  في النهاية سينتهي، ولكن السؤال كيف ستكون حالة الناس بعد انتهائه، لذا يجب ان يحاول كل شخص ان يستفيد من الوقت من خلال القيام بأنشطة أو أمور تعزز الطاقة الايجابية لديه او موهبة ما.