تفاصيل الخبر

اذكروهـمـــــا بالـخيـــــر.. شهيــــــدا حريـــــــــق مـــــار الـيـــــاس الأطـفـائـيـــــان مـحـمــــد وعــــادل!  

07/08/2015
اذكروهـمـــــا بالـخيـــــر.. شهيــــــدا حريـــــــــق  مـــــار الـيـــــاس الأطـفـائـيـــــان مـحـمــــد وعــــادل!   

اذكروهـمـــــا بالـخيـــــر.. شهيــــــدا حريـــــــــق مـــــار الـيـــــاس الأطـفـائـيـــــان مـحـمــــد وعــــادل!  

بقلم علي الحسيني

20150803_152441_resized على الرغم من مرور أكثر من شهرين على استشهاد الرقيبين في فوج إطفاء بيروت عادل سعادة ومحمد المولى، فإن التحقيقات في الأسباب التي أدت إلى وفاتهما لم تصل إلى نتيجة نهائية بعد، وهو الأمر  الذي يترك في نفوس أهاليهما خشية من لفلفة القضية على غرار ما يحصل في العديد من الملفات العالقة في أدراج القضاء.

المشكلة في لبنان أن تكريم الأشخاص عادة يتم بعد رحيلهم عن هذه الدنيا وليس في حياتهم. هذا هو قدر عادل ومحمد اللذين رقيا الى رتبة رقيب بعد رحيلهما خنقاً أثناء محاولتهما إخماد حريق كان قد اندلع داخل مطبعة عند منطقة مار الياس في بيروت منذ أكثر من شهرين. لم يكن الشابان يعلمان أن رحلتهما هذه المرة على متن سيارة أطفائية بيروت سوف تكون الاخيرة، ولم يكونا على دراية مسبقة أن القيام بالواجب الانساني مكلف خصوصاً في ظل إهمال دولة لا تعطي أهمية لشبابها إلا عند الحاجة، ولما احتاج الوطن الى جهود خيّرة من أبنائه وشبابه حتى الرمق الأخير، تنكّرت لهم الدولة وبدأت تتراشق فيما بينها عبر الإعلام رامية مسؤوليتها عن فاجعة بحجم الوطن في المجهول وغياهب الغرف السوداء حيث ينفض هناك المسؤولون أيديهم من رواسب حريق قضى على شابين في عمر الورود.

20150803_152750_resizedفضيحة مدوية في فوج إطفاء بيروت

 هي فضيحة بكل ما للكلمة من معنى أن يُقتل عنصران من فوج الإطفاء خنقاً. فاليد التي لطالما ساعدت الناس في البقاء على قيد الحياة في لحظات الخطر لم تجد من يتحنن عليها في أصعب لحظات العمر لينتشلها من الموت. فقد كشفت حادثة وفاة العريفين سعادة والمولى عن فضيحة مدوية في آلية عمل فوج اطفاء بيروت إن لجهة التجهيزات او لجهة كفاءة ضباط الفوج الذين جرى تعيينهم قبل شهور بناء على  نتائج امتحانات، مطعون بنزاهتها أمام القضاء أجرتها لجنة الامتحانات التابعة لفوج إطفاء مدينة بيروت، لترفيع رقباء ومعاونين لرتبة ملازم، والتي أفضت إلى استبعاد لعدد من العناصر الاكفاء، وخرقت المبادئ والأصول المنصوص عنها في نظام فوج إطفاء مدينة بيروت.

تفاصيل لحظات الموت

يقول شهود انه أثناء قيام فوج اطفاء بيروت بإخماد حريق اندلع داخل مستودع نبيل الترك للقرطاسية في مبنى في شارع مار الياس، فقد الاتصال بكل من العريف المولى والعريف سعادة أثناء اطفاء الحريق ليتبين بعد ساعات على فقدانهما انهما قضيا اختناقاً داخل المستودع بسبب سوء تنسيق وأوامر خاطئة بالدخول الى المستودع المشتعل، وعدم متابعة دقيقة من قبل الضباط المولجين بعملية امرة العملية. هنا يؤكد احد عناصر الفوج الذي يمتلك خبرة في إطفاء الحرائق منذ أكثر من ١٥ عاماً لـ<الأفكار> ان طبيعة الحريق المذكور وموقعه والمواد المحترقة (ورق وكرتون) كانت تحتم عدم الدخول اليه بل الاكتفاء بتبريده من الخارج عبر الابواب ومن خلال فتح ثغرات في جدران المستودع من الجهة الخلفية. وكان يتوجب على قائد الاطفاء الميداني قبل البدء بتنفيذ عملية الإطفاء المعاينة والكشف، إذ من غير المعقول ان يتم والدة-الشهيد-المولى-عند-قبره-في-الباشورةالدخول الى مستودع يحترق إلا في حالة إنقاذ أرواح بشرية عالقة، كما ان عملية اقتحام المستودع كانت تتوجب متابعة ومؤازرة من قبل فريق من الاطفائيين من خلال أجهزة الاتصال وحبال تربط بالارجل.

عنصر آخر شارك في عملية الإطفاء وفي عملية إجلاء الشهيدين يقول عبر <الافكار> ان قارورة الاوكسجين التي يرتديها الاطفائي تصدر صفيراً عالياً عندما ينفذ منها الاوكسجين وان العريفين سعادة والمولى قد تقطعت أوتارهما من الصراخ ولم يسمعهما أحد، وقبل معرفة مصيرهما سرت شائعات انهما هربا من مكان الحادث. ولاحقاً زارت مؤسسة  (green area) زارت موقع الحادث ووثقت شهادات لعدد من عناصر فوج الاطفاء في بيروت، الذين فضلوا عدم الكشف عن اسمائهم، ولقد أجمع هؤلاء على تحميل الضباط المشاركين في إدارة عملية الاطفاء والذين أعطوا الأوامر بالدخول الى المستودع كامل المسؤولية عن وفاة سعادة والمولى.

عائلة سعادة والمولى ترفضان اتهام ضباط الفوج

عائلتا المولى وسعادة ترفضان من جهتهما توجيه أصابع الاتهام الى ضباط الفوج المناوبين بانتظار انتهاء التحقيق الذي أمر بتنفيذه محافظ بيروت زياد شبيب الذي أكد في تصريحات إعلامية ان التحقيقات لن يتم لفلفتها وان هذا الحادث سوف يفتح الباب على مصراعيه حول طريقة إدارة فوج إطفاء بيروت ان لجهة العتاد والعديد او لجهة كفاءة وجدية وانضباط الذين يتولون المسؤولية فيه.

 

سعادة-وخطيبتهوالدة المولى: كان خير سند لنا

 

تجلس بالقرب من قبر ولدها محمد المولى تبكي فوق رأسه لتندبه: <يا ماما والله بعد بكير عليك يا تقبرني، رحت من دون ما تعرف اذا كانت زوجتك حامل ببنت او صبي>. تتابع الوالدة: لم يكن كبيرهم لكنه كان يتحمّل مسؤولية الجميع، لن يتصل بي أحد بعد اليوم ليطمئن الى صحتي في الصباح والمساء. قبل استشهاده بيومين كنت في منزله في بشامون طلب مني ان أبقى يوماً آخر، لكنني تحججت بأن والده بحاجة الي كي أعطيه الدواء فأجابني بأنه سوف يطلب إجازة لفترة عشرة أيام من عمله لكي يبقى الى جانبي لكنه رحل قبل ان يفي بوعده.

وتقول والدة المولى <لقد سقط ولدي نتيجة الإهمال، بالامس جاءني في الحلم وقال لي: <إذا لم تأخذوا حقي فسوف آخذه بنفسي>، ثم حدثني طويلاً عن لحظات العذاب التي مر بها قبل استشهاده. تهدأ قليلاً ثم تعود لتقول <نحن لم نحتمل هذا الطقس الحار هل سأل المسؤولون كيف تحمل أولادنا الحريق والنار والاختناق؟ لن أسامحهم فقط أدعو وزير الداخلية نهاد المشنوق الى ان يتابع التحقيق وهو مشكور على ما قام به فهي المرة الاولى التي يقال فيها مسؤولون من خدمتهم بسبب إهمالهم>.

والدة سعادة: الله أكبر منهم

منذ استشهاد عادل سعادة ووالدته لم تفارق قبره. تحمل ما تيسر لها من متاع لتأتي بشكل يومي الى جبانة الباشورة حيث يرقد ولدها والدة-سعادة-1الى جانب رفيقه في الواجب والشهادة محمد المولى. تقول: رفعنا دعوى على كل من يظهره التحقيق مقصراً بحق الشهيد فالجميع يتهرّبون من مسؤوليتهم ونحن علمنا بأن مناقصة تجهيز فوج الاطفاء بمعدات اتصال مركزية وفردية عالقة في أدراج رئيس المجلس البلدي بلال حمد منذ شهور والخلاف هو على آلية التلزيم والجهة التي سترسو عليها المناقصة.

بالأمس حملت والدة سعادة معها الى قبره شتلة ياسمين علّ ابنها يستطيع ان يتنشق عطرها عوضاً عن السموم والحريق اللذين تنشقهما لحظة استشهاده. تنظر الى الوجوه من حولها لتحكي لهم قصة بطل رخصت روحه أمام واجبه الوطني. <سأقول لكل أم في العالم، اشبعوا من أولادكم اعملوا لهم وساعدوهم فنحن في وطن يهدر دماء أبنائه والمسؤولون فيه لا يأبهون الا لأبنائهم فقط. الله يرحمك يا عادل ويرحمك يا محمد انتو حرقة بقلبنا، حرقة تشبه حريق مار الياس الذي أودى بحياتكما>.

رواية زميل محمد وعادل

يرفض الكشف عن اسمه لكنه لا يرفض الكشف عن تفاصيل استشهاد رفيقيه، يقول: <قدمت الى موقع الحريق عند الساعة الثانية عشرة منتصف الليل يومئذٍ أنا وزميل آخر لاستلام المهمة عن المولى وسعادة، وحين وصلت علمت بأن لا أحد يعلم إن كانا لا يزالان في المستودع ام غادرا المكان كون قارورة الاوكسجين التي يتنفسان منها تنفذ بعد نحو 20 دقيقة وهما دخلا الى المستودع قبل ساعة. اتصلت بالمولى فلم يجب إذ ذاك حريق-مار-الياستأكدنا انهما في الداخل وبدأنا رحلة البحث عنهما التي استغرقت ساعات على أساس ان المستودع على شكل حرف (U) مظلم يلفّه دخان ونار>.

يتابع: <مهمة إطفاء الحريق كانت لمركز الباشورة حيث يخدم سعادة، لكن بسبب كبره تم الدعم من اطفائية الملعب البلدي في الطريق الجديدة حيث يخدم المولى، نزل محمد الى المستودع للإطفاء مرتين وعاد الى المركز لتعبئة المياه وأصر على العودة لإكمال مهمته. الحريق كان على يمين المستودع الذي يمكن الدخول إليه من باب آخر من جهة الشمال، سعادة والمولى دخلا من الباب الذي يقع على الشمال كي يصلا الى آخر الممشى حينئذٍ يلتفّان الى جهة الشمال ليصلا الى مكان الحريق للسيطرة عليه، بالتأكيد وصلا الى آخر الممشى لكن ماذا حصل معهما؟ هل انتهت قارورة الأوكسيجين ولم يستطيعا الإكمال؟ ام هل أضاعا الطريق بعد ان ابتعدا عن خرطوم الماء في سبيل الاستدلال على المكان؟ هنا السؤال>.

وينهي الشاهد حديثه: <وُجد سعادة ممدداً على الارض بلا قناع وعلى فمه رغوة ومصابا ببعض الحروق في رجله وتحت إبطه بتأثير الحرارة، كما ان أصابع يديه كسرت بسبب الطرْق على الجدران، اما المولى فلم يكن ممدداً بل كان رأسه الى الامام ورجلاه ملتويتين، من دون طاسة على رأسه، كان وجهه منتفخاً مع بعض الدماء  بسبب القناع الذي لم يخلعه. واذا استطعنا غسل سعادة قبل دفنه فإن المولى دفن في ملابسه فحتى جراباته لم نستطع خلعها>.

20150803_152802_resized  خطيبة سعادة: أنتظر نتائج التحقيق

تشرد في ذهنها لوقت طويل لتعود وتخبر حكاية حبيب وأب وصديق، انها خطيبته وحبيبته لارا. <اشترى عادل منزلاً في منطقة عرمون قبل فترة، وهو يسدد أقساطه 700 دولار كل شهر، كان يسعى الى أخذ قرض من مؤسسة الإسكان لتسديد ما تبقى عليه من دفعات، حتى انه أنهى ديكور المنزل وبدأ بشراء الفرش، وقبل يوم من الحادث كنا في شمال لبنان من أجل شراء غرفة جلوس، وفي طريق العودة قال لي إنه يتمنى ان يموت قبلي وقبل والدته لأنه لا يحتمل ان يفقدنا>. وتقول: <الخسارة كبيرة، خسرت أخاً وأباً وحبيباً، خسرت الرفيق الذي لم أفارقه على مدار الساعة، كنت أبقى الى جانبه ولا يبعدني عنه إلا النوم، وحين يكون في عمله أبقى على تواصل معه من خلال <الواتس اب>، وفي ذلك اليوم المشؤوم ترك عمله وقصد دكان والدته، التقيته هناك وتحادثنا الى ان تلقى اتصالاً من عمله اخبِر خلاله ان عليه العودة الى دوامه، فهناك حريق في منطقة مار الياس بانتظار إطفائه، كانت تلك آخر مرة أرى فيها من شاركني لحظات فرحي وحزني. لقد لعبنا وركضنا وضحكنا وتشاجرنا ورضينا سوية. كان مفصل حياتي وأنا متأكدة أنه قاوم حتى الرمق الأخير كي يبقى بقربي لكن الظلام خانه. اذا كان موته ليس بسبب اي تقصير فأنا راضية، لكن إذا تأكد وجود إهمال، حينئذٍ أريد ان يذوقوا ما أذاقوه لحبيبي>.

 

الرسالة-الاخيرة-بين-عادل-وخطيبته لبنان بلد متخصص بتأجيل المشاريع

من المعلوم ان اقتراح القانون لإنشاء هيئة وطنية لإدارة الكوارث لا يزال عالقاً في مجلس النواب منذ تقديمه في شباط/ فبراير ٢٠١٢ وينص مشروع القانون على ربط الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث برئيس مجلس الوزراء مباشرة وأن تعطى استقلالاً مالياً وإدارياً في ممارسة مهماتها، وتضمن الاقتراح ان تلغى سائر اللجان والهيئات والمديريات التي أنشئت في السابق لهذا الهدف ولاسيما الهيئة العليا للإغاثة والمديرية العامة للدفاع المدني وافواج الاطفاء التابعة للبلديات، وان تنتقل إلى الهيئة جميع مهماتهما وأعمالهما وموجوداتهما العينية والمالية والبشرية.

وبحسب تقرير لبنان  2011- 2013 حول تنفيذ إطار العمل للحد من مخاطر الكوارث، تم تشكيل لجنة وطنية تضم مختلف الوزارات والإدارات المعنية بإدارة الكوارث عملت بشكل حثيث لمدة سنتين ووضعت خطة وطنية مفصلة للكوارث تتضمن إطاراً عاماً للخطة واجراءات لكل وزارة وإدارة في حالات الكوارث الكبرى لا سيما الزلازل والفيضانات و<التسونامي> والحرائق وحالات النزوح في خلال الحروب. ويتبين من قاعدة البيانات الدولية حول الكوارث الطبيعية ان لبنان واجه في الفترة الممتدة من 1980 لغاية 2010 ست كوارث طبيعية قتل فيها 46 شخصاً وتأثر بها اكثر من 123 ألف شخص وبلغت كلفة هذه الكوارث 165 مليون دولار أميركي بمعدل سنوي يصل الى5,23 مليون دولار أميركي.

 

قصة بطلين من لبنان

 

لحظة-حريق-مار-الياسمحمد المولى وعادل سعادة اندفعا حين طلبهما الواجب، حملا خرطوم المياه كسلاح لهما وانطلقا. لم يعلما انهما سينتهيان في المستودع وان قاروة الاوكسجين التي يحملها كل منهما ستنفذ من دون ان يتفقدهما المسؤول عن المهمة، حاولا إنقاذ نفسيهما والوصول الى المخرج لكن عادل سقط داخل مكتب وعلى بعد حوالى ثمانية أمتار منه سقط محمد. مسافة ثلاثة أمتار كانت تفصل عادل عن باب الحياة لكن الظلمة حالت دون رؤيته فخلع قناع الاوكسجين عن وجهه ووقع أرضاً لكنه لم يحترق، لعل النيران خجلت ان تلامس جسده، وكذلك محمد الذي غطته أغلفة رسائل وجدت في المكان، ربما غطته لتعري دولة لا تعطي أبناءها حقّهم لا في دنياهم ولا في آخرتهم. والمصيبة الأكبر ان نتائج الكشف على جثتي الشهيدين بينت ان عادل كان مصاباً بنزفٍ حاد في قصبته الهوائية نتيجة الصراخ الشديد، لكن أحداً لم يسمع صراخه فرحل بصمت من دون ان يزعج رفاقه في الخارج.