تفاصيل الخبر

اتهامات متبادلة لأركان الدولة بمحاولة ”الاستيلاء“ على المراكز القيادية لأسباب مذهبية وسياسية!  

15/04/2016
اتهامات متبادلة لأركان الدولة بمحاولة ”الاستيلاء“  على المراكز القيادية لأسباب مذهبية وسياسية!   

اتهامات متبادلة لأركان الدولة بمحاولة ”الاستيلاء“ على المراكز القيادية لأسباب مذهبية وسياسية!  

بقلم جورج بشير

roger-nasnas

قبل أن يغادر الوزراء في جلسة الأسبوع الماضي قاعة اجتماعاتهم في سرايا الحكومة، وعلى أثر احتدام النقاش داخل الجلسة حول وضع جهاز أمن الدولة، وإدلاء كل وزير بدلوه، خاصة وزير الخارجية جبران باسيل، طلب الوزير باسيل من رئيس الحكومة تمام سلام أن يتخذ موقفاً من النقاش الذي اتّسم بالحدّة حول موضوع رئيس هذا الجهاز اللواء جورج قرعة ونائبه العميد محمد الطفيلي، فما كان من الرئيس سلام الذي كان يضع كفّيه حول رأسه مُظهراً الاستياء والألم على ما حصل ويحصل، خصوصاً النقاش الحادّ الذي دار بين الوزراء، سوى أن قال: <نعم، سأتخذ موقفاً فورياً> وأقفل النقاش ورفع الجلسة...

هذه العبارة التي نطق بها رئيس الحكومة في تلك الجلسة، كانت كافية للتعبير عن موقفه، ولأن يقدم الوزراء على جمع أوراقهم والتأهّب لمغادرة جلسة مجلس الوزراء التي تعدّدت الأوصاف التي أطُلقت عليها <طائفية ومذهبية بامتياز... سياسية، انتخابية، وحتى شخصية>، كونها في نظر البعض قد جسّدت الخلاف أو الصراع على السلطة القائمين بين الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون، وجوهر الخلاف أصلاً هو على قانون الانتخابات النيابية الجديد الذي تطالب به الاحزاب ذات الطابع المسيحي لضمان صحة وسلامة التمثيل، إضافة إلى الخلاف الحاد حول انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية الذي تسبّب ولا يزال بأزمة سياسية خانقة مستمرّة منذ سنة ونيّف من دون أن تلقى لها حلاً، أو ان تلقى النداءات الملحّة الصادرة عن مراجع عليا روحية وسياسية لبنانية وإقليمية ودولية آذاناً صاغية لانهائها وانتخاب الرئيس العتيد...

هذه هي خلفيات الازمة التي كانت حتى جلسة مجلس الوزراء في الأسبوع الماضي صامتة، قبل أن تنفجر وتخرج الى العلن حيث أسهبت وسائل الإعلام كما وسائل التواصل الاجتماعي في وصفها وتحليلها... كما أن مختلف البعثات الديبلوماسية العربية والأجنبية المعتمدة لدى لبنان، أسهبت بدورها في إرسال التقارير الى حكوماتها عنها وعن خفاياها، انطلاقاً مما حصل في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء برئاسة تمام سلام حيث تجاوزت الحكومة عشرات المشاريع والمعاملات الملحّة التي تخدم المصلحة العامة ولم تُعرض في الجلسة كما كان مقرراً بسبب النقاش الحامي حول وضع جهاز أمن الدولة.

 

<الكواتلة> وحقوقهم

 

في الماضي، أيام المرحومين هنري فرعون وانطون الصحناوي وجوزف سكاف، كانت المطالب التي تهم طائفة الروم الكاثوليك يجري تداولها في غرف ومنتديات سياسية مغلقة ويجري التوافق في شأنها وإيجاد الحلول لها على الطريقة اللبنانية، ويأخذ بها مجلسا النواب والوزراء. لكن في هذه الأيام، أي في عهد الشلل الضارب أطنابه في مختلف أركان الدولة ومؤسساتها بفعل الأزمة السياسية، ضُربت بدورها مصالح الروم salam-2الكاثوليك والمراكز التي يعتبرونها من حقوقهم في الدولة اللبنانية.

على سبيل المثال، لقد جرى إنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي يضمّ ممثلين عن أرباب العمل والعمال، وافتُتح مقرّه عند ساحة النجمة في بيروت بحضور رئيس الجمهورية محاطاً برئيسي مجلس النواب والحكومة، على أمل أن هذا المجلس الذي يضمّ ممثلين أساسيين فعليين عن القطاعين العام والخاص في لبنان، يمكنه أن يشكّل برلماناً اجتماعياً - اقتصادياً تجري في داخله وفي كواليسه ولجانه درس وتحليل وإقرار كل القضايا الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، خصوصاً ما يمتّ منها بصلة إلى العلاقة ما بين أرباب العمل والعمال، كما وتجري مناقشة المشاكل التي تواجههم قبل انتقالها الى الشارع في محاولة لحلّها بالفرض أم بالإضرابات والاعتصامات، فيتمّ الحوار والمناقشة في شأن هذه المشاكل واستدراكها قبل استفحالها. ويومئذٍ أُسندت رئاسة هذا المجلس الى كاثوليكي (روجيه نسناس) الذي انفق كما قال في تقريره الى أركان الدولة (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير المال ورئيس مجلس النواب) على أعمال هذا المجلس من جيبه الخاص، لأن الحكومة أمسكت عن مدّ موازنة هذا المجلس بالاعتمادات اللازمة والضرورية تباعاً برغم إلحاحه ومراجعاته، مما فسّره أركان طائفة الروم الكاثوليك وخصوصاً البطريرك <بأنه محاولة لإلحاق الأذى بالمجلس وبالمركز الذي يحتله الممثل عن هذه الطائفة اللبنانية التي تعتبر ذاتها محرومة>.

مركز رئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي المشار إليه شاغر منذ سنوات حيث انتهت مدة ولاية رئيسه ولم يُعيّن بديل عنه أو يُجدّد لرئاسته، وهو (روجيه نسناس) ما زال الى اليوم ومنذ 12 عاماً يمارس تصريف الأعمال من دون أن تبادر الحكومة الى البتّ بوضعه تعييناً أو تجديداً، خصوصاً أن معظم المسؤولين يشيد بكفاءاته وبتضحياته لتأمين استمرار هذا المجلس.

ورئاسة المجلس الاقتصادي - الاجتماعي ليست وحدها أحد مظاهر الإهمال لما يعتبره الروم الكاثوليك هدراً لحقوقهم في الدولة، بل أن مناصب إدارية وعسكرية وديبلوماسية شغرت ولا تزال شاغرة من دون الاهتمام بملئها من الذين ترشحهم هذه الطائفة ما دام نظام لبنان مبنياً على قواعد طائفية.

 

ما هو تحت الطاولة؟

 

الأسباب الآنف ذكرها، كما يقول نواب كاثوليك ووزراء في الحكومة (جبران باسيل والياس بو صعب) وغيرهما ووزراء الكتائب والوزراء الكاثوليك سواء كانوا من 8 آذار أو من 14 آذار، من بينها: <الخلاف على الصلاحيات بين المدير العام الحالي لجهاز أمن الدولة ونائبه حيث ان رئيس هذا الجهاز - على حدّ قول وزراء - لا تُستجاب مطالبه المالية والإدارية من الجهات الرسمية، خصوصاً من الوزراء المعنيين (وزير المال علي حسن خليل) إرضاء للرئيس بري الذي يحرص رئيس الحكومة وبعض الوزراء على مسايرته لأسباب سياسية وغير سياسية كما يقول هؤلاء الوزراء والنواب سراً وعلناً، ولأن هناك رغبة دفينة في الإمساك بقرار بعض مؤسسات الدولة لأسباب سياسية أو انتخابية أو مذهبية، وذلك سنداً لكلام هؤلاء الوزراء والنواب، وذلك خلافاً للقواعد المُتّبعة في هذا المجال في مؤسسات وأجهزة أمنية أخرى في الدولة (المخابرات، وجهاز باسيل-بو-صعب-1المعلومات، وشرطة مجلس النواب، والأمن العام)، حسب ما يقوله هؤلاء الوزراء والنواب سراً وعلناً.

لا شك بأن ما حصل في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة وأدى الى رفع الجلسة بقرار من رئيسها، كان فعلاً <جرصة> للبنان، ودليلاً جديداً على عجز الحكومة التي لها 24 رأساً ورئيساً فيما رئيسها واحد هو تمام سلام... وقد رسم أمام الدول الشقيقة والصديقة، وأمام الشعب اللبناني صورة بالغة السواد عما وصلت إليه حدّة الأزمة السياسية في البلاد، خصوصاً في ظل عجز الطاقم السياسي ومجلس النواب عن إنهاء الخلاف الحاصل حول موضوعين أساسيين هما: التوافق على قانون جديد للانتخابات النيابية وحول رئاسة الجمهورية اللبنانية.

الخلاف لا بل النقاش الحاد في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة كان العنوان التعبيري الأبرز للأزمة التي تقضّ مضاجع اللبنانيين، من دون أن يتمكّن هؤلاء (اللبنانيون) الى اليوم من <زحزحة الحجر الكبير> الذي تمثله هذه الأزمة الخانقة الجاثمة على صدورهم بكل تداعياتها، وخاصة تلك المتعلقة بالفضائح الكبيرة للفساد المستشري في البلد، وفي طليعتها فضائح <الانترنت> وشبكات الاتصال مع إسرائيل، وتلزيم النفايات جمعاً وفرزاً وطمراً، وما يتردّد في صالونات سياسية وشعبية وديبلوماسية حول تورّط مسؤولين سياسيين أو حكوميين او إداريين في هذه الأزمات، وعجز القضاء والأمن عن ملاحقتهم وإنزال القصاص بهم نظراً لنفوذهم السياسي والطائفي في البلاد...

وعندما يسأل صحافيون زملاء أركان الحكومة عن موعد الاجتماع التالي لمجلس الوزراء، سرعان ما يضعون أيديهم حول رؤوسهم ويعصرونها بشدة لحدّة الازمة، ولما حصل من نقاش حاد حول مواضيع تهم الشعب من دون أن يجدوا لها حلولاً، تماماً كما فعل الرئيس تمام سلام قبل أن يتخذ قراره بانهاء النقاش <الطائفـــــــــــــــــــــي والمذهبي> ويرفع الجلسة حتى إشعار آخر، أو حتى يأتي الحل من الخارج، فيما الخارج لا يرى دوراً له في الحل، إنما الدور الأساس هو للبنانيين، وأي لبنانيين؟!