تفاصيل الخبر

اتهامات دياب لـ”جهات“ بمحاصرته وعزل حكومته أطلقت الشرارة الأولى لمواجهة مستمرة مع ”المستقبل“!

05/03/2020
اتهامات دياب لـ”جهات“ بمحاصرته وعزل حكومته  أطلقت الشرارة الأولى لمواجهة مستمرة مع ”المستقبل“!

اتهامات دياب لـ”جهات“ بمحاصرته وعزل حكومته أطلقت الشرارة الأولى لمواجهة مستمرة مع ”المستقبل“!

لم تستغرب الأوساط السياسية انتقال رئيس الحكومة حسان دياب من الموقع الرمادي الذي استقر فيه منذ تشكيل حكومته، الى مواقع الهجوم والاتهام والمواجهة في فترة زمنية قصيرة نسبياً لم تتجاوز الشهر الواحد. فالرئيس دياب الذي وصف بـ<الهادئ> و<المسالم>، تحول في فترة زمنية قياسية الى خيارات أخرى لاسيما يوم وجه اتهامات الى أشخاص وجهات، تعمد عدم تسميتها، بالعمل على تخريب متعمد لعلاقاته مع عواصم عربية للحيلولة دون زيارتها أو الانتفاح عليها، كما شملت اتهاماته الجهات نفسها بالإساءة ليس الى شخصه بل الى الدولة ومكوناتها الاقتصادية والاجتماعية.

لم تتأخر الأوساط السياسية في تلقف اتهامات الرئيس دياب لتؤكد ان نمطاً جديداً من التعاطي السياسي سوف يعتمده رئيس الحكومة بعد فترة من <المهادنة> شاءها مع بداية عمله الحكومي على أمل أن يبادل بالمثل، فإذا بالهجمات السياسية تتكرر عليه وتشتد ضراوتها الى حد محاصرته والحؤول دون تمكينه من الانفتاح على الدول العربية والصديقة...وفي تقدير الأوساط نفسها ان دياب أراد من كلمته المكتوبة في مستهل جلسة مجلس الوزراء والتي اختار عباراتها بعناية، أن يبلّغ من اتهمهم من دون تسمية، حلفاء كانوا أو خصوماً، بأنه انتقل الى موقع الهجوم المضاد على كل من يستهدفه ويعمل على عرقلة مسيرته التي يحرص على وصفها بـ<الانقاذية>، بعدما كان اكتفى لأسابيع خلت بموقع الدفاع والرد <الديبلوماسي جداً> حيناً و<الحضاري> أحياناً ترجمة لرغبته في الانفتاح على الجميع وعدم فتح <معابر> المواجهة أو وضع خطوط تماس سياسية مع أي جهة.

أما الهدف الثاني من ردة فعل دياب فهو الظهور أمام متتبعي حركته السياسية وأدائه في رئاسة الحكومة، انه لم يعد راغباً في البقاء في خانة <المتردد>، بل ان ساعده اشتد ولن يغادر الميدان الذي أراد البعض الايحاء بأنه ليس ميدانه، وهو فيه في مرحلة انتقالية. لقد شاء دياب أن يقول لهؤلاء انه اكتسب شرعية الحضور والاعتراف في دخول نادي رؤساء الحكومات في لبنان الذي لم يعد مقتصراً على أربعة رؤساء يتحركون دائماً: سعد الحريري، ونجيب ميقاتي، وفؤاد السنيورة، وتمام سلام، وعلى رئيس خاص هو سليم الحص يراقب من بعيد ولا يتدخل إلا وفق قناعاته وعند الضرورة... وبذلك يريد الرئيس دياب أن يقول لـ<زملائه> رؤساء الحكومات السابقين انه بات واحداً منهم، يُستشار عند الضرورة، ويُسمع رأيه، ما يعني استطراداً ان التفرد في الرأي للرؤساء السابقين الأربعة لم يعد قائماً. ولعل الزيارة التي قام بها الى دار الفتوى والحديث الذي دار بينه وبين مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان حمل هو الآخر اشارات واضحة الى رؤساء الحكومات السابقين بأنه موجود وله دوره وحضوره وتأثيره المستمد من موقعه كرئيس للحكومة.

متى التواصل مع الرياض وأبو ظبي؟

وفي السياق عينه، فإن الأوساط السياسية ترى انه عندما قرر الرئيس دياب اعتماد خيار <الهجوم> تعمّد تجاهل الجهة أو الجهات التي يقصدها، تماماً كما تعمّد عدم الافصاح عن اسم العاصمة أو العواصم التي يتم فيها التحريض عليه لكي يحول دون زيارتها والانفتاح عليها لاحقاً. صحيح ان البعض اعتبر ان الجهة المقصودة هي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لكن الصحيح أيضاً ان أي تواصل لم يحصل بين الرئيس دياب وسفيري الدولتين المذكورتين منذ تشكيل الحكومة، وفي هذا الواقع أكثر من علامة استفهام وانطباعات يمكن أن تؤكد صحة ما رمى إليه دياب في حديثه غير المباشر. أما الجهة المحرضة، فلا تحتاج الى جهد كبير لمعرفتها، لأنها <تيار المستقبل> الذي لم يشأ دياب في بادئ الأمر الدخول معه في أي مواجهة، سياسية كانت أم اعلامية، إلا أنه وجد نفسه مضطراً في النهاية الى هذا الاشتباك السياسي المباشر والوتيرة العالية التي سجلت فيه لأنه لا يرغب في أن يبقى في منطقة رمادية كرمى لعيون البعض، فيما الهجمات تتوالى عليه من أكثر من جهة، والعمل على محاصرته يشتد يوماً بعد يوم. ولا ينكر الرئيس دياب ان <انتزاعه> رئاسة الحكومة من الرئيس سعد الحريري قد أغضب رئيس <التيار الأزرق> الذي يعتبر نفسه صاحب حق <شرعي> بالرئاسة الثالثة التي <اغتصبت منه اغتصاباً>، إلا انه يؤكد انه لم يدخل هذا المعترك إلا بعدما رفض الحريري، لمرتين متتاليتين الاستمرار في ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة. ويضيف دياب في هذا الإطار انه لو رغب الحريري في أن يستمر في الترشح لما قبل هو ــ أي دياب ــ بالترشح لهذا المنصب، لكن انكفاء الحريري الطوعي جعله يقدم على الترشح لأن البلاد كانت في حالة فراغ في الموقع السني الأول وكان لا بد من ملئه لئلا يستمر هذا الفراغ، مع العلم بأن كلمات مفتي الجمهورية أمام المرشح السابق سمير الخطيب عن ان العائلات السنية تريد الحريري رئيساً للوزارة، كانت لا تزال تتردد في كل مكان. ومع ذلك لم يتجاوب الحريري مع رغبة المفتي دريان ولا مع الزعامة الاحادية التي أسندت إليه، فاعتكف مفسحاً في المجال أمام غيره لتحمل هذه المسؤولية، فكان دياب المبادر لهذه <المغامرة> الكبرى التي شاء أن يقوم بها وهو مدرك خطورتها ودقتها في آن.

وتعتبر مصادر سياسية متابعة ان أسباب <الهجوم> الذي قام به الرئيس دياب ضد <الجهات> التي تحاول عزله ومحاصرته، ليست فقط نابعة من اعتبارات شخصية أو رغبة في الرد على منتقديه أو محاصريه، بل ان دوافعها أوسع بكثير من الاعتبارات الشخصية، فالرئيس دياب بات يشعر انه بات جزءاً من المعادلة السياسية التي لا يمكن حذفها بسهولة بعد اعتراف كل القوى السياسية الداخلية به أولاً وبحكومته ثانياً، وبدوره في ادارة شؤون البلاد خصوصاً بعدما عجزت الجهات السياسية المعنية بتقديم بديل عنه عندما وصلت الأزمة الى عنق الزجاجة قبل تكليفه رئاسة الحكومة. وفي يقين الرئيس دياب ان القوى السياسية منحته مع حكومته شرعية سياسية تضاف الى الشرعية النيابية من خلال الثقة التي نالها في مجلس النواب من كتل رئيسية لها وزنها وإن كان عدد مانحي الثقة لم يتجاوز نصف عدد النواب. ولعل محاولة البعض تشبيه حكومة دياب بحكومة الرئيس الراحل أمين الحافظ، لم تنجح لأن حكومة دياب وصلت الى مجلس النواب ونالت ثقته، فيما حكومة الحافظ لم تصل واضطر الى الاستقالة. وباختصار فإن الرئيس دياب بات يشعر بـ<حاجة> الطبقة السياسية إليه وإن كان انتمى إليها <غصباً عنها> على رغم كونه

من الاختصاصيين و<التكنوقراط>...

شرعية دولية باكورتها أوروبية!

 

وثمة عامل إضافي، تقول المصادر السياسية المتابعة، وهو حصول حكومة دياب على شرعية دولية لعل أبرزها ذلك الصوت الآتي من باريس على لسان وزير المال الفرنسي الذي أبدى استعداداً لتقديم دعم مالي للحكومة اللبنانية إذا ما قامت بالاصلاحات اللازمة، وفي هذه الخطوة اعتراف أوروبي بشرعية الحكومة اللبنانية الجديدة، تكرست لاحقاً في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتي الى العاصمة الفرنسية واجتماعه بنظيره الفرنسي <جان ايف لودريان>، وما صدر من مواقف من العاصمة الفرنسية. أما بالنسبة الى المظلة الأميركية التي لم تُبسط فوق حكومة دياب بعد، فإن المصادر ترى ان واشنطن تتعمد <تجاهل> الواقع اللبناني الراهن ولا تقاربه لا سلباً ولا ايجاباً، ولكن ما يهمها من لبنان حالياً، هو فرض عقوبات على جهات تتهمهم بمساعدة حزب الله، وقد صدرت الأسبوع الماضي دفعة جديدة من هذه العقوبات. لقد بدا واضحاً للأوساط السياسية بأن واشنطن لا تراقب ولا ترصد أداء الحكومة ومدى جديتها في تقديم حلول ومعالجات، لكن ذلك لا يلغي الاهتمام الأميركي بالجيش اللبناني التي تعتبر واشنطن انه الأساس في المعادلة اللبنانية. لكن الادارة الأميركية لن تتمكن من الاستمرار في تجاهل الواقع الحكومي، واستطراداً، رئيس الحكومة والطاقم الوزاري، لكنها تتريث في إبداء الاهتمام الى حين <تتبلور> مسيرة حكومة دياب أكثر وتتأكد خياراتها وهذا ما سوف يظهر قريباً من خلال ما ستعتمده الحكومة من اجراءات في ما خص معالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والأزمة المالية الحادة وعقدة <اليوروبوندز>...

أما في ما يتعلق بالبعد العربي، فإن الرئيس دياب يرى ان ما استطاع الحصول عليه من اشارات ايجابية من دول خليجية هي قطر وسلطنة عمان والكويت، يؤشر الى انه <غير متروك> عربياً وخليجياً، وان بقاء السعودية ودولة الإمارات خارج دائرة تأييده مع حكومته، لن يطول أكثر لأن اعلان الدول الخليجية الثلاث جهوزيتها للوقوف الى جانب لبنان من دون أن تظهر في مظهر التحدي للإرادة الأميركية والمشيئة السعودية، لن يبقى من دون ترجمة عملية مهما طال الوقت. وفي يقين الرئيس دياب ان ولوج باب الرياض لن يتأخر لأنه ــ أي دياب ــ يكتسب دريجاً شرعية الحضور والدعم، وهذا ما يجعله واثقاً من القدرة على الاستحصال من الرياض على <درع التثبيت> السعودي مع وجود دولة لها تأثيرها والتي تعمل على تأمين <الرضى> السعودي عليه وعلى حكومته. وترى الأوساط نفسها ان دياب سوف يتريث في زيارة أي دولة عربية خليجية منعاً لاستفزاز الرياض لأنه لا يزال يعتقد ــ وسيبقى ــ بأن الرياض <سترضى> عنه عاجلاً أم آجلاً، وبالتالي سوف تتأمن التغطية الخليجية والاسلامية المطلوبة. ولعل مهاجمته الجهات التي تعمل على عرقلة تواصله مع الرياض هي المؤشر على <فضح> هذه الجهة التي يعتبر ان المسؤولين السعوديين لن يقبلوا في النهاية من الاستمرار في مقاطعته كرمى لعيون الجهة المحرضة، خصوصاً إذا ما استطاعت الحكومة تحقيق بعض التقدم الذي يعطيها المزيد من الزخم والقوة الشرعية والقدرة على معالجة أمور أخرى تحتاج الى مقاربات متتالية.

في أي حال، رسم الرئيس دياب في موقفه الأخير في مجلس الوزراء، طريقاً جديداً للسير فيه، وهو طريق المواجهة، في وقت تتأهب القوة المناوئة، وفي مقدمها <تيار المستقبل> لخوض هذه المواجهة معتبرة ان الرئيس دياب انضم الى الجهات التي تريد تصفية حساباتها مع <الحريرية السياسية>، ما يعني حسب مصادر <المستقبل> ان حكومة دياب أسقطت من طرف واحد فترة السماح التي أعطيت لها من قبل أطراف المعارضة التي آثرت عدم اصدار الأحكام على الحكومة الى حين ملامستها لأفعالها.