عون وجعجع يتعادلان سلباً قبل 25 أيار... إذا التأم المجلس والبديل لاختصار «الفراغ الرئاسي »... الاتفاق على «مرشح توافقي »!
مع بداية المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية بدءاً من يوم الثلاثاء 25 آذار (مارس) الجاري، قفز الاستحقاق الرئاسي الى الواجهة واضعاً ما عداه من استحقاقات وتحديات خارج الاهتمام المباشر للرسميين والسياسيين الذين بدأوا الحديث بحرية أكثر عن <معركة> رئاسة الجمهورية، بعدما كان الهم قبل ذلك تمرير <قطوع> الثقة بالحكومة بعدما ساهمت <التنازلات> و<التسويات> في تشكيل الحكومة بعد طول انتظار.
وإذا كانت الانظار تشخص مع بدء المهلة الدستورية الى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي منحه الدستور حق دعوة مجلس النواب الى الانعقاد قبل شهرين من انتهاء الولاية الرئاسية لانتخاب الرئيس العتيد، فإن الاجواء التي رشحت من عين التينة تفيد بأن الرئيس بري «غير مستعجل> للمباشرة بتوجيه الدعوات في انتظار نتائج مروحة واسعة من الاتصالات ينوي القيام بها مع القيادات السياسية والكتل النيابية <لاستمزاجها> الرأي ودرس امكانية التوصل الى توافق حول اسم الرئيس المقبل نظراً لأهمية الاتفاق في هذا الاستحقاق الاساسي لتجنب <معركة> تلوح في الافق معطيات بأنها ستكون <قاسية> إذا ظل الخلاف قائماً بين القيادات السياسية، ما سيعني استطراداً أن توافر غالبية الثلثين لانعقاد الجلسة الانتخابية لن يكون ممكناً. وفي هذا السياق، تقول مصادر نيابية معنية ان الرئيس بري الذي حدد نصاب جلسة انتخاب الرئيس بثلثي اعضاء المجلس يدرك أن الوصول الى هذا النصاب لن يكون سهلاً إذا لم يتوافق رؤساء الكتل النيابية الاساسية على أحد احتمالين: الأول التوافق على اسم الرئيس العتيد، والثاني الاتفاق على الحضور الى مجلس النواب لتأمين النصاب ولتأخذ اللعبة الديموقراطية دورها كاملاً في دورات الاقتراع.
وتضيف المصادر نفسها ان الامل بالوصول الى الاتفاق على أحد الاحتمالين، ليس كبيراً، لا بل يكاد يكون حلماً ما لم تطرأ عوامل خارجية «تضغط> على بعض القيادات لسلوك أحد <المسارين>، لان التجاوب الطوعي مع أحد الاحتمالين غير ممكن، قياساً الى المعطيات السياسية الراهنة، ومشهد التجاذبات والخلافات التي تعصف بفريقي 8 و14 آذار. من هنا - تقول المصادر نفسها - لا بد من <رصد> التحركات الديبلوماسية التي تجري خارج لبنان، ومتابعة ما يصدر عنها من مواقف، لاسيما وان معظم القائلين بضرورة جعل الانتخابات الرئاسية نتاج قرار لبناني صرف يدركون ان مثل هذا الأمر صعب المنال في الحالات العادية، فكيف في الظروف الاستثنائية التي يمر بها لبنان؟
الجميل - عون - جعجع
في أي حال، <المعركة> الرئاسية باتت امراً واقعاً على الرغم من ان الدستور لا ينص على وجوب التقدم بالترشيح للموقع الدستوري الاول، غير ان <الواقع> يفرض نفسه، إضافة الى ما يصدر من مواقف وما يلاحظ من <إيحاءات> اعتاد اللبنانيون على إدراك اهدافها على قاعدة <ان اللبيب من الاشارة يفهم>... وفي هذا السياق، تتحدث المصادر المتابعة عن وجود ثلاثة <مرشحين جديين> لم يعلن أي منهم ترشيحه رسمياً، لكن الظروف السياسية تفرض التعامل معهم على كونهم <مرشحين أقوياء> وهم الرئيس أمين الجميل، والعماد ميشال عون، والدكتور سمير جعجع. صحيح أن الرئيس الجميل لم يشر يوماً الى احتمال ترشحه، إلا أن <مبادراته> توحي بذلك، ووزير الحزب سجعان قزي كان واضحاً في طرحه وكذلك فعل عدد من نواب الحزب، مباشرة أو مداورة. أما العماد عون، فلم يعد هناك من مجال للشك بقراره الترشح، علماً أنه أعلن في اطلالة إعلامية له الاسبوع الماضي، أن مسألة ترشحه <احتمال جدي>، ومن يرصد لقاءات <الجنرال> وتحركات صهره الوزير جبران باسيل وزيارات بعض الديبلوماسيين يعرف أن العماد عون قرر وضع كل ثقله السياسي والشعبي في المعركة الرئاسية وأن المواصفات التي حددها لـ <الرئيس القوي> تنطبق عليه وحده. أما الدكتور جعجع، فالاستحقاق الرئاسي بات عنده أولوية لا تقبل التأويل، وهو لهذه الغاية حدد مواصفات الرئيس العتيد خلال احتفال <البيال> ويعتقد أنها تنطبق عليه وحده، ثم اتبعها بـ<اعلان نوايا> عن رغبته في <حوار جدي> مع حزب الله عبّر عنها هو شخصياً، ثم أوكل الى زوجته النائب السيدة ستريدا جعجع إعادة تأكيدها في الكلمة التي ألقتها في مستهل جلسات مناقشة البيان الوزاري. وبصرف النظر عما ستكون عليه ردة فعل حزب الله على دعوة جعجع للحوار، فإن كل المعلومات تشير الى أن فريق عمل من القوات اللبنانية بدأ حراكه للتعاطي مع الاستحقاق الرئاسي على انه <أم المعارك>، وأن مشاركة جعجع في السباق الرئاسي باتت محسومة، وهو - كما العماد عون - ماضٍ الى النهاية ولو أحرج ذلك <الحلفاء> في الداخل والخارج.
وفيما ترى مصادر متابعة ان لائحة <المرشحين الاقوياء> يجب أن تضم ايضاً اسم رئيس تيار <المردة> النائب سليمان فرنجية، فإن الذين زاروا <ابو طوني> خلال الايام الماضية خرجوا بانطباع خلاصته ان الاولوية في الظرف الراهن هي للعماد عون الذي يعتبر مرشح قوى 8 آذار، ولا مرشح سواه، وان كل الدعم يجب أن يصب لمصلحته.. حتى اشعار آخر. وينقل عن فرنجية قوله ان دعمه للعماد عون <ليس مناورة> كما يقول البعض، ولا هو <من باب رفع العتب>، لأنه اذا لم ينتخب العماد عون رئيساً للجمهورية، فلن يرى أي مرشح من 8 آذار باب قصر بعبدا في العام 2014!
في غضون ذلك، ترى مراجع سياسية متابعة ان <المنافسة> الرئاسية بين <الاقوياء> ستنحصر في النهاية بين عون وجعجع لاسيما وان الرئيس الجميل قد يؤثر لعب دور <الناخب الابرز> على أن يكون <المرشح غير المضمون> في ظل تنافس <صقري> الرابية ومعراب.. إذا لم يتمكن البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من جمع القادة الموارنة في بكركي والاتفاق في ما بينهم على مرشح واحد، لن يتمكن <الشركاء> في الوطن من رفضه.. علماً أن هذا <الانجاز> ليس بالامر السهل بدليل أن البطريرك لا يزال يتريث في الدعوة الى اجتماع الاقطاب الموارنة مفسحاً في المجال امام الاتصالات التحضيرية الضرورية، وإذا لم يتم التوصل الى نتيجة ايجابية، فقد يكتفي البطريرك بإجراء مشاورات افرادية لانتزاع موافقة القيادات على حضور الجلسة الانتخابية وعدم تعطيل النصاب.
وفي رأي المراجع السياسية نفسها ان العماد عون ليس في وارد <التراجع> عن قراره بخوض الانتخابات الرئاسية، وان الحلفاء في 8 آذار أمام خيار واضح وهو تبني هذا الترشيح لاعتبارات عدة. في حين لم تحسم قوى 14 آذار ترشيحها للدكتور جعجع الذي ينوي هو الآخر وضع حلفائه أمام خيار واضح، فإذا ما اتفق هؤلاء الحلفاء على دعم ترشيح جعجع، فإن الاحتمالات المطروحة محصورة عملياً بطرحين اثنين:
الأول، عدم توافر النصاب القانوني (غالبية الثلثين) لانعقاد مجلس النواب، وبالتالي استهلاك المهلة الدستورية حتى 25 أيار (مايو) المقبل من دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما سيدخل البلاد في فراغ رئاسي تختلف بعده <السيناريوات> الموضوعة لمسار الاستحقاق الرئاسي.
أما الطرح الثاني، فهو الاتفاق على حضور الجلسة وترك اللعبة الديموقراطية تأخذ مداها في الجولة الانتخابية الثانية لأن الاقتراع الاول يفرض حصول <الرئيس> على ثلثي اصوات النواب، وفيما الاقتراع الثاني يحدد الاكثرية المطلقة، اي النصف زائداً واحداً. وهنا - تضيف المصادر - يعود النائب وليد جنبلاط ليصبح مع نواب كتلته <بيضة القبان> في تحديد هوية الرئيس المقبل في ظل التقارب الحاصل في عدد الاصوات في 8 و14 آذار. ولأن جنبلاط <غير متحمس> لكل من عون وجعجع، فإن المراجع نفسها تتحدث عن ان عدم تأمين اكتمال النصاب المطلوب يبقى الطرح الاكثر واقعية وان كان ثمنه.. الفراغ الرئاسي.
مسؤولية <الفراغ> لا يتحملها المسيحيون وحدهم
وترى المراجع السياسية نفسها ان الواقع السياسي الراهن في لبنان لا يلقي بمسؤولية حصول أي فراغ في الموقع الرئاسي على المسيحيين في حال عدم اتفاقهم على مرشح واحد للرئاسة، بل يتحمل شركاؤهم في الوطن مسؤولية مماثلة نتيجة الخلاف السني - الشيعي الذي أقام فرزاً سياسياً، بحيث بات الفريق الشيعي مع الفريق المسيحي في 8 آذار (أي عون وفرنجية والحلفاء)، والفريق السني مع الفريق المسيحي في 14 آذار (أي القوات اللبنانية والكتائب والمستقلون...)، وبالتالي فإن توزع أصوات النواب المسلمين بين المرشحين المارونيين الاثنين (عون وجعجع) يحول دون انتخاب أي منهما، في حين أنه لو التقى السنة والشيعة على دعم مرشح مسيحي واحد يجسد <الشراكة الوطنية> المطلوبة، فإن <المعركة> الانتخابية تحسم من الدورة الاولى، بصرف النظر عما سيكون عليه خيار النواب السنة والشيعة، إذا ما اعتبرت اصوات النواب الدروز على الحياد.. من هنا تقول المراجع السياسية انه من الخطأ تحميل المسيحيين وحدهم مسؤولية عدم حصول الانتخابات الرئاسية و<تبرئة> المسلمين من هذه النتيجة، علماً انه من الافضل ايضاً ان يتوافق المسيحيون على مرشح واحد لوضع <الشركاء> أمام مسؤولياتهم.
من هنا، فإن متابعي الملف الرئاسي يعتقدون أن المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية قد تنقضي إذا لم يتم الاتفاق بين القيادات السياسية المسيحية والاسلامية، طوعاً أو نتيجة تدخلات خارجية، على انتخاب العماد عون أو الدكتور جعجع قبل 25 أيار (مايو) المقبل، سواء حصل الانتخاب في الدورة الاولى او في الدورة الثانية، وإلا فإن دخول البلاد في فراغ رئاسي قد يطول أو يقصر يصبح أمراً واقعاً، لكنه سيفسح في المجال إذ ذاك أمام تكثيف الجهود الداخلية والخارجية للوصول الى <رئيس توافقي> بعد <اقتناع> كل من العماد عون وجعجع أن لا مجال لوصول احدهما الى قصر بعبدا. وعندما يتقدم خيار <الرئيس التوافقي>، فإن مروحة المرشحين تتسع او تضيق حسب الظروف التي سيمر بها لبنان، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، علماً أن بورصة اسماء <المرشحين التوافقيين> تضم السادة: جان عبيد، روبير غانم، رياض سلامة، جوزف طربيه، فارس بويز، ناجي البستاني، زياد بارود، روجيه ديب، عبد الله ابو حبيب، شارل رزق... واللائحة الى ازدياد تبعاً للتطورات!