تفاصيل الخبر

اتفاقية الطائف هل كانت نسخة جديدة لـ «الاتفاق الثلاثي » عام 1985 الذي سقط بانتفاضة قواتية داخلية؟

16/01/2015
اتفاقية الطائف هل كانت نسخة جديدة لـ «الاتفاق الثلاثي » عام 1985 الذي سقط بانتفاضة قواتية داخلية؟

اتفاقية الطائف هل كانت نسخة جديدة لـ «الاتفاق الثلاثي » عام 1985 الذي سقط بانتفاضة قواتية داخلية؟

1 اعتبر البعض ان <الاتفاق الثلاثي> الذي وقعه الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة <أمل> والقوات اللبنانية في دمشق يوم 28/12/1985 برعاية سورية، كان <النسخة الاولى> لاتفاق الطائف الذي وقع في المملكة العربية السعودية، وان النظام السوري الذي تلقى ضربة من خلال انتفاضة القوات اللبنانية التي قادها الدكتور سمير جعجع ضد ايلي حبيقة في 15 كانون الثاني/ يناير 1986، لإفشال <الاتفاق الثلاثي> وبالتنسيق مع الرئيس أمين الجميل يومذاك، عاد ليمرر مضمون هذا الاتفاق، عبر اتفاق الطائف الذي جرت صياغته بالتنسيق والاتفاق مع الرئيس حافظ الاسد.

لقد كان <الاتفاق الثلاثي> نتيجة للتقارب الذي بدأه ايـــــلي حبيقــــة مـــع النظـــــام الســـــوري منـــــذ صيف 1985 حيث اتخــــذ حبيقــــة قراره بتقوية علاقاته مع سوريا بعد مرحلة من الصراع العسكري معها، فــــزار دمشق عدة مرات وكانت زيارته تلك، كما يشير ابراهيم مسلّم - احد مسؤولي القوات اللبنانية السابقين في دردشة مــــع <الافكار>، بمنزلة تمرد على مبادىء وأهداف القوات اللبنانية ، وتخليه عن دماء الشهـــــداء، خصوصــــاً الذين ســــقطوا بالقــــذائف والقنابــــل الســــورية كان هدفــــه ان يصبح الناطـــق الاول باسم الموارنة، وان يــــــؤدي تقاربـــــه مع سوريا الى الوصول لرئاسة الجمهورية في لبنان.

رسالة الى دمشق

وكان ايلي حبيقة قد قال في سلسلة حوارات مع مجلة <الوسط> ان قصة <الاتفاق الثلاثي> بدأت برسالة وجهها الى دمشق في ختام خلوة استمرت أياماً في منزل رجل الأعمال آنذاك رفيق الحريري في <دوردان> قرب باريس. حصل لقاء تعارف مع عبد الحليم خدام ولقاء آخر في يوم توقيع الاتفاق. كان اللقاء جيداً، واللقاء مع ابو جمال سهل دائماً. في اللقاء الاول، قال ما معناه انه كان يشك في ان تصدر عن فريق <القوات> خطوة متقدمة في اتجاه الحل. الواقع انه خيمت على كل اللقاءات آنذاك حصيلة التجارب بين القيادة السورية والرئيس أمين الجميل ومحاولات الاتفاق المتكررة وما تخللها من مناورات. لهذا ربما كانت هناك علامة استفهام حول قدرة فريقنا على الثبات في موقفه وعلى التزام ما يتعهده.

واضاف: بعد عودتي من دمشق، التقيت جعجع و كان كريم بقرادوني قد سبقني إلى زيارته فور عودتنا وابلغه ان الاجواء لم تكن جيدة. هذا ما عرفته لاحقاً. ابلغه ما معناه <ان حبيقة ابرم اتفاقاً مع السوريين ووضعك خارجه>. وفي الفترة التي كنا نتفاوض حول <الاتفاق الثلاثي> كان سمير يحاول، من تحت الطاولة، مد خيوط مع أمين الجميل بواسطة مخابرات الجيش التي كانت بقيادة العقيد سيمون قسيس. وبدأت عملية تنسيق بين جماعة سمير وفريق من المخابرات. وأرسل سمير في اتجاه أمين الجميل إشارات مفادها انه لا يؤيد العملية التي تحدث. هنا نشــــــأت علاقــــــات بين جعجع وفريــــق من الكتائبيين المؤيدين للجميل، وتحديداً ما كان يسمى سابقاً بـ<قوات الـ75> وإقليم المتن الشمالي الكتائبي. وضع سمير هذه العلاقة على نار خفيفة في انتظار حصوله على ضمـــــانات وتأكده من حصته، وحين أبلغه بقرادوني أوحى اليه بأن وضعه ليس مضموناً قرر سمير السير في علاقته مع أمين.

7

 

عون أعد الجانب العسكري

وعن اللقاء مع الرئيس الراحل سليمان فرنجية قال بقرادوني: <كان اللقاء جيداً وقلت له يا فخامة الرئيس انت قمت سابقاً بمحاولة وفاقية نحن نريد منك ان تساعدنا لإنهاء هذه الحرب ونريد دعمك. وقد أبدى الرئيس فرنجية حماسه، كان الرئيس فرنجية مهتماً بالتوجه العام وليس بالتفاصيل...>.

وقال حبيقة إن سقوط الاتفاق يرجع في جانب منه الى عدم تمكن <شريكه> العماد عون من القيام بما وعد به. أنا كنت أستبعد الحسم العسكري بسبب وجود هذا الشريك. كان عون مطلعاً على تفاصيل الاتفاق والى أين نذهب، وكان مطلعاً ايضاً على تحركات استخبارات الجيش وبدايات التنسيق بينها وبين سمير. والحقيقة ان لقاءات سرية كانت تعقد ليلاً بيني وبين العماد عون مرة في حالات وأخرى في منزله وكان الواحد منا قريباً من الآخر. والجانب العسكري في <الاتفاق الثلاثي> اعده عون وتسلمناه بخط الضابط فؤاد الاشقر وهو كان المسؤول عن أمنه ومن اقرب الناس اليه وضابط التنسيق بيننا.

ايلي سالم يتذكر..

 

اما نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اللبناني السابق إيلي سالم رئيس جامعة <البلمند> فتذكر كيف كانت سوريا في تلك الفترة قد بدأت هي ايضاً تبني جسوراً جديدة مع القوات اللبنانية  بقيادة حبيقة، ولم تكد تحل نهاية ايلول (سبتمبر) 1985 حتى كانت اجتماعات القوات اللبنانية وحركة <أمل> والحزب التقدمي الاشتراكي تعقد في دمشق بتشجيع من نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام. وكانت <القوات> ترغب في بحث المسائل الأمنية، كإزالة حواجز الطرق وإطلاق سراح الرهائن. اما حركة <أمل> والحزب التقدمي الاشتراكي>، فكانا يرغبان في بحث الاصلاحات السياسية اللبنانية، ولا سيما مستقبل الطائفية السياسية.

وأضاف: في منتصف تشرين الأول/ اكتوبر عام 1985، سرت شائعات بأن زعماء الميليشيات توصلوا الى اتفاق على مجموعة من المبادئ الاصلاحية الرئيسية. واستبعد الرئيس ورئيسا مجلس النواب ومجلس الوزراء من العملية برمتها. وانتهت محاولات الجميل لاختراق اسرار المفاوضات الى الفشل. وأخذ حبيقة يهيىء الطائفة المارونية لتقديم التنازلات التي قال انه يقدمها من اجل لبنان لا من اجل هذا الحزب او ذاك. وكان الرئيس مهتماً بدخول العملية السياسية تلك.. وفي العشرين من ذلك الشهر، غادر الجميل الى دمشق لعقد اجتماع قصير مع الرئيس السوري، ومن هناك طلب مني الحضور والاجتماع بنائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام الذي أبلغني ان زعماء الميليشيات الثلاثة بري وجنبلاط وحبيقة سيتوصلون الى اتفاق في شأن وثيقة مشتركة. وسيعقد مؤتمر وطني في دمشق للموافقة على تلك الوثيقة وستشكل حكومة لتنفيذ بنودها وسيكون دور السوريين حفظ السلام في انحاء لبنان حتى لو كان ذلك على مستوى المراقبين.

 وقال خدام: إن الطرف السوري اتفق مع الجميل على تأليف حكومة من أربعة وعشرين وزيراً، لكنه بدلاً من ذلك شكّل حكومة من عشرة وزراء نصفهم بلغ سن الخرف. مع ذلك نحن ندعم الجميل ونقول لحلفائنا إننا لن نجبره على الاستقالة، والعملية الدستورية يجب ان تأخذ مجراها، والرئيس الجميل يجب ان ينهي فترة رئاسته، والموارنة لن ينعموا بالأمن اذا أصروا على الاحتفاظ بامتيازات الماضي، وليس في وسع سوريا ان تدعم الطائفية. وبري وجنبلاط وحبيقة لا يزالون شباباً، وعندهم أفكار جريئة ويهدفون الى الغاء الطائفية. وحبيقة رجل ذكي، ولن نبحث مع الرئيس الجميل او معك الآن محتوى الوثيقة التي يجري اعدادها. وحين تنتهي سنرسلها اليكم للتعليق عليها، وفي امكانكم حتى طرحها في استفتاء شعبي.

4

مواجهة حبيقة

وكان الموارنة يتضايقون من تحركات حبيقة في سوريا، وأخذ حزب الكتائب بزعامة جورج سعادة يدرس امكانية مواجهة حبيقة عسكرياً اذا دعت الضرورة، لكن اسهم حبيقة كانت على ارتفاع متزايد، وأطلق السوريون سراح واحد وثلاثين رهينة من المسيحيين ليظهروا لمسيحيي لبنان ان حبيقة قادر على تحقيق مكاسب لطائفته. ويوم السبت في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 1985 وصل من دمشق اللواء محمد الخولي مبعوثاً من الرئيس الاسد حاملاً وثيقة الاتفاق.

كانت الوثيقة التي تسلمناها من محمد الخولي مؤرخة في 26/10/1985، وجاء في ملحوظة بخط اليد على صفحتها الاولى انها حظيت بموافقة الاطراف الثلاثة: القوات اللبنانية وحركة <أمل> و<الحزب التقدمي الاشتراكي>، وانها قُرئت كاملة بحضور مروان حمادة وأكرم شهيب عن الحزب التقدمي الاشتراكي ومحمد بيضون عن حركة <أمل>، وأسعد الشفتري وميشال سماحة عن القوات اللبنانية، وشهادة عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري الذي وقّع عليها. وكانت وثيقة <الاتفاق الثلاثي> المعنونة: <مشروع اتفاق من أجل الحل الوطني في لبنان> مؤلفة من خمس وعشرين صفحة ومقسمة الى الفصول الآتية: مقدمة، مبادئ عامة، المبادئ الأساسية للنظام السياسي، الفترة الانتقالية، العلاقات المميزة بين لبنان وسوريا وملحق خاص بإنهاء الحرب. وأبرز ما في هذه الوثيقة التي عرفت لاحقاً باسم <الاتفاق الثلاثي> انها دعت الى ايجاد <تكامل استراتيجي> بين لبنان وسوريا وتعاون وثيق في مختلف المجالات، كما انها دعت الى توقيع اتفاقات امنية واقتصادية وفي مجالات عدة بين لبنان وسوريا. وعلى الصعيد الداخلي، اقترحت الوثيقة تعديلات جذرية في النظام اللبناني ومنها الغاء الطائفية.

 

.. ووقع الاتفاق

 

وفي الثامن والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 1985،  وقع بري وجنبلاط وحبيقة <الاتفاق الثلاثي> بإشراف سوري. وأعلن السوريون والزعماء اللبنانيون الثلاثة على الفور ان على الجميع قبول الاتفاق المنجز من دون اي تعديل. وجرت فور ذلك ايضاً محادثات حثيثة لتشكيل حكومة لبنانية جديدة من أوساط الفرقاء موقعي الاتفاق أو الشهود في دمشق.

وأعلن كل من رئيس مجلس النواب حسين الحسيني ورئيس مجلس الوزراء رشيد كرامي تأييدهما الاتفاق الجديد رغم انهما لم يكونا طرفين فيه. وكان الجميل لا يزال يأمل في ادخال تعديلاته على نص الاتفاق الجديد خلال لقائه المرتقب مع الاسد. يوم الاثنين في الثلاثين من كانون الأول/ ديسمبر 1985، قدم فاروق الشرع وزير الخارجية السوري <الاتفاق الثلاثي> في نصه المعدل الجديد الى الرئيس الجميل. وكان يحمل ايضاً دعوة عاجلة للقاء الرئيس الاسد ووافق الرئيس على مضض، وكان يعلم ان الاسد سيضغط عليه لانتزاع موافقته على النص الجديد من دون إدخال اية تعديلات عليه.

 

3

الاتفاق وشرارة الزلازل

 

وبرأي الباحث محمد ياغي ان <الاتفاق الثلاثي> عام 1985 كان شرارة الزلازل الكبرى التي دهمت المعسكر المسيحي بفعل الانتفاضات المسلحة على خلفية التحكم بالقرار المسيحي من خلال العلاقة بسوريا. وبدأ الصدام المسيحي في تلك الحقبة بانتفاضة ايلي حبيقة داخل القوات اللبنانية، وكان ميشال سماحة قد انتقل الى معسكر حبيقة، وأفضى الأمر الى إبرام <الاتفاق الثلاثي> كاتفاق انقلابي على عهد الرئيس أمين الجميل والجبهة اللبنانية، لكن الانتفاضة المضادة لسمير جعجع عليه أجهضته، وأسقطت جناح حبيقة واخرجته من <المناطق الشرقية>. كان الفعل العسكري والأمني آنذاك نذير مرحلة حربية مدمرة جرجرت ذيولها مع نهاية عهد الرئيس الجميل ونشوء <الفوضى> التي حذر منها الموفد الاميركي <ريتشارد مورفي> وصولاً الى ذروة الزلزال المسيحي في <حرب الاخوة> بين العماد ميشال عون وسمير جعجع.

تكريس النفوذ السوري

 

فيما رأى نزيه حداد (مسؤول سابق في حزب يميني) ان سوريا حاولت من خلال هذا الاتفاق تكريس نفوذها الواقعي في لبنان، من خلال ما نص عليه <الاتفاق الثلاثي> على التكامل الاستراتيجي بين لبنان وسوريا. وفي مجال السياسة الخارجية، نص الاتفاق على <تعاون تام وثابت في كل القضايا العربية والإقليمية والدولية>. وبالنسبة للعلاقات العسكرية، نصّ على <أن لا يكون لبنان باباً تستطيع اسرائيل من خلاله توجيه ضربة الى سوريا أو تهديدها>. هذا إضافة الى بقاء مواقع سوريا في لبنان، و<تحديد مشترك لأهم التهديدات لأمن واستقلال نظامي البلدين>. كذلك، نصّ الاتفاق على إعادة تأهيل الجيش بمساعدة سوريا. وهكذا برزت من خلال <الاتفاق الثلاثي> حقيقة إرادة السوريين من لبنان والمتمثلة في تنسيق موحّد وشامل في السياستين اللبنانية والسورية الخارجية والأمنية تحت هيمنة سورية.

 

فرح: الخيار الأسلم للبنان

 

المستشارة الاعلامية السابقة للوزير حبيقة والامين العام لحزب <الوعد> ريما فرح اعتبرت في مقابلة صحافية ان خيار حبيقة بقبوله <الاتفاق الثلاثي> كان الخيار الاسلم للبنان، من أجل تحقيق الاصلاحات والمساواة وهو يساعد المسيحيين بالدرجة الاولى. وروت واقعة عندما أبلغ حبيقة المجتمعين في بكركي عام 1985 بأنه ذاهب الى سوريا ليوقع اتفاقاً، فالمسيحيون ما زالوا يلبسون ثياباً عسكرية ويحملون البنادق، أخاف ان يأتي يوم أسوأ منه قد نضطر فيه الى توقيع اتفاق من دون بندقية ومن دون ثياب.. أنا ذاهب لتوقيع اتفاق اذا تبين لخير المسيحيين يقطف الجميع ثماره، واذا فشل أنا اتحمل نتائح تبعاته.. وتؤكد فرح ان الرئيس كميل شمعون كان من بين الحضور اضافة الى المدبر الرسولي المطران ابراهيم الحلو وعدد من اركان الطائفة المارونية..

2

وتضيف فرح: <لو انخرط المسيحيون بـ<الاتفاق الثلاثي> لكانوا وفروا خمس سنوات من الحروب بعد ذلك لتمرير اتفاق الطائف الذي هو صورة طبق الاصل عن <الاتفاق الثلاثي>، وفي حينها كانت موازين القوى لصالح المسيحيين...>.

سقط <الاتفاق الثلاثي> عام 1985 ... وعاش اتفاق الطائف عام1989 واغتيل الوزير حبيقة في كانون الثاني/ يناير 2002 ... وما زال لبنان يعيش صراعات داخلية وإشكاليات دستورية لم تجد حلاً...