تفاصيل الخبر

إتفاق الطائف في ميزان السلبيّات والإيجابيّات

03/06/2020
إتفاق الطائف في ميزان السلبيّات والإيجابيّات

إتفاق الطائف في ميزان السلبيّات والإيجابيّات

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_78560" align="alignleft" width="389"] ثورة الفقراء... الحرب أرحم من الجوع[/caption]

 في أيلول العام 1989 هبط إتفاق الطائف بجناحيه السعودي والسوري على اللبنانيين كهدية من السماء مُنهياً سنوات طويلة من الحروب والدمار والاقتتال المذهبي والطائفي. لكن خشبة الخلاص هذه سُرعان ما تحوّلت إلى نقمة على الشعب اللبناني الذي راح يترحّم بعد الاتفاق على زمن الحرب الذي استُبدل بسنوات فقر وجوع وقهر، نتيجة الممارسات السياسيّة التي أباحها "الطائف" من خلال تكريسه زعامات سياسيّة ما زالت حتّى اليوم، تتحكّم بالبلاد ورقاب العباد.

تكريس الفساد والانقسام

[caption id="attachment_78558" align="alignleft" width="409"] النائب جبران باسيل...أين البديل؟[/caption]

على الرغم من الايجابيات الكثيرة التي كرّسها إتفاق الطائف وأبرزها إنهاء الاقتتال الداخلي، إلّا أنه يجوز القول إن تطبيقات أو طرق تطبيق هذا الإتفاق أدت إلى نشوء دويلات طائفية تشكّل في ما بينها شكل دولة موحّدة، وهي أتت كردّ فعل على حكم المارونية السياسية التي تمسّكت وتسلّطت على كل مرافق الدولة ومؤسساتها، على رغم تناقص عدد الموارنة مقارنة مع زمن قيام دولة لبنان، فولّدت الحرب الأهلية التي لم تتوقّف معاركها إلا بإنتاج دستور اسمه الطائف ولد في مدينة الطائف، لينتقل بعدها لبنان من زمن المارونية السياسية التي حافظت على هيبة الدولة وشكلها، إلى دستور الطائف الذي رفع عنها الهيبة ووزّعها على الطوائف، فانهارت دولة القانون. والدليل هو ما وصلنا اليه اليوم نتيجة ممارسات أهل السياسة الذين احتفظوا بمناصبهم وزعاماتهم التي كرّسها الطائف لهم.

[caption id="attachment_78559" align="alignleft" width="239"] الوزير السابق إدمون رزق: الطائف لم يُطبق بعد[/caption]

 هذا الشكل للدولة كان هو العنصر المؤسّس للفساد، فكل طائفة أخذت حصّتها وبدأت بالنظر إلى حصّة الطوائف الأخرى والتطاول عليها، فكانت تستباح حصص الطوائف بحسب قوة الطائفة الأخرى ما أحدث خللاً إضافياً يمكن اعتباره بما يشبه الحرب الأهلية، ولكن من دون سلاح. فتولّدت وتوالت الإحباطات عند الطوائف الخاسرة، ما حوّل لبنان فعلاً من دولة الدويلات إلى دولة المعسكرات المذهبية القابلة للانفجار في أي وقت لولا القرار الخارجي بضبط الأمن وقوّة من يملك القوّة في الداخل في عدم إدخال البلاد في حروب. وكانت كل طائفة منتصرة في الاستيلاء على حقوق الطائفة الأخرى، تفتخر بحصولها على المغانم، مع حماية مطلقة من المرجعيات الدينية التي تضفي عليها شرعيتها.

رزق: الطائف لم يُطبّق بعد

 الوزير السابق ادمون رزق الذي لعب دوراً مهماً في صياغة إتفاق الطائف كعضو في لجنة صياغة وثيقة الوفاق الوطني، حتى اصبح ينظر إليه كأحد مرجعيات الدستور الذي انبثق عن الاتفاق، يؤكد لـ"الأفكار" أن أهم إيجابيات الإتفاق أنه أكد نهائية الوطن اللبناني والشراكة المتكافئة بين اللبنانيين. كما أنه أرسى قواعد نظام ديمقراطي لوطن تعددي موحّد على أساس المواطنة دون تمييز بين أبنائه. فكلنا يعلم أن في الشرق لا يوجد مواطن بل رعايا لأن هناك تمييزاً عنصرياً بين المواطنين، وذلك على عكس النظام في لبنان الذي أرساه إتفاق الطائف.

 أمّا عن سلبيّات الاتفاق، فيقول رزق إن سلبياته أنه لم يُطبّق خصوصاً وأن الطائف كان خطوة في غاية الأهميّة نحو العلمنة المؤمنة لوضع نظام خارج القيد الطائفي وذلك بعد وضع خطّة مرحلية منصوص عنها بالمادة 95. وكان يُفترض أن تضع هذه الخطة هيئة وطنيّة  تضم اختصاصيين في العلوم الإجتماعية. لكن للأسف لم تؤلّف هذه الهيئة أو اللجنة المنوط بها الانتقال من الحالة الطائفية إلى المواطنة. كما نأسف أنه حلّ مكان اللجنة وبغطاء مُزيّف من الطائف، نظام محاصصة زاد منسوب الطائفية وكرّس بالتالي الزعامات الطائفية والمذهبيّة والهيمنة على مؤسّسات الدولة.

 أمّا عن مصلحة القوى السياسيّة والحزبيّة من عدم تطبيق إتفاق الطائف، فيؤكد رزق أن مصلحتهم الإستفادة من إذكاء العصبية الطائفيّة لكي يؤمّنوا استمراريتهم. بمعنى أن كل الوضع اليوم قائم على إذكاء العصبيات المذهبية واستغلال الدين. وهذا دليل مزدوج على عدم الكفاءة وانعدام الحسّ الوطني، لذلك فإن لبنان اليوم محكوم بأعدائه.

"حزب الله" و"أمل".. ومعركة إسقاط الطائف

[caption id="attachment_78556" align="alignleft" width="375"] الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله...بانتظار التوضيحات[/caption]

 في تشرين الأول (اكتوبر) من عام 1989 تاريخ توقيع اتفاق الطائف، فإن الشيعية السياسية التي كانت تمثلها في ذلك الزمان حركة "أمل" برئاسة نبيه بري، والمجلس الشيعي بنيابة رئاسة الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الأمير قبلان، تلقوا صدمة كبيرة عند قراءة بنود الاتفاق، وكانوا قد ظنوا أن الطائفة الشيعية التي سقط منها آلاف الشهداء في معركة تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي وكان لها الفضل الأكبر في إسقاط إتفاق 17 أيار، سيكون لها حصة الأسد في التعديلات الدستورية التي سيفرضها هذا الاتفاق مكافأة لها ولحليفها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، فكانت المفاجأة مدوية بإزاحة الصلاحيات وسحبها من رئيس الجمهورية باتجاه مجلس الوزراء الذي تعزز موقع رئيسه السني حكماً، في حين أن منصب رئيس مجلس النواب الذي يرئسه شيعي بقي مجرداً من الصلاحيات التقريرية.

اليوم ومع بروز "حزب الله" كقوّة شيعية لها وزنها وثقلها السياسي في تركيبة النظام اللبناني، إلى جانب رئيس المجلس النيابي نبيه بري، برزت مؤشرات كثيرة تدلّ على وجود نيات فعليّة لـ"الثنائي الشيعي" بتغيير مسار الطائف لأسباب يرونها مُجحفة بحق الطائفة الشيعية، وأيضاً بحق عدد من الطوائف الأخرى، من هنا جاء الموقف الناري الذي أطلقه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في رسالة عيد الفطر والذي رفض من خلاله "بصيغة حكم فاسدة أو تسويات ظالمة أو مشاريع حكم تُصر على الطائفيّة والانتهازية السياسية وأشباهها".

 وأكد أن أساس نشأة لبنان تم للأسف على أساس طائفي واستبدادي بوظيفة خدمة المشروع الاستعماري والاحتكاري. وهذه الصيغة قد انتهت ولله الحمد، وما قام به الرئيسان بشارة الخوري ورياض الصلح، لم يعد يصلح لدولة إنسان ومواطن، بل أيضاً مرحلة وانتهت. وظل لافتاً في السياق، غياب أي توضيح من القيادات الشيعية وخصوصاً الرئيس بري، وذلك في غمرة الانتقاد الماروني السياسي لفحوى كلام قبلان الذي اعتبرته بعض القيادات المسيحية أنه يؤسس لفدرالية في زمن نحن أحوج فيه للوحدة بين اللبنانيين.

جنبلاط و"سيدة الجبل"

 وعلى خط مواز، غرّد رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" الوزير السابق وليد جنبلاط قائلاً: لست أدري كيف أن البعض لا يزال يفكر بالفدرالية أو ما أشبه الذي يعود إلى مفهوم التقسيم، وهو مشروع انتحاري للجميع دون استثناء، وكم كلّف لبنان من دمار وخراب، وأضاف: لا لتلك الأصوات العميلة التي صدرت في العلن أو التي تعمل في الخفاء وتنظر للفدرالية بحجج مختلفة. لا لحرب الآخرين على أرض لبنان.

 أما "لقاء سيدة الجبل" فأصدر بياناً رفض فيه مواقف المفتي قبلان، ورأى أنه عبّر عن ذروة غرور مجموعة قوى الأمر الواقع وجنون استقوائها بالسلاح والدعم الذي تتلقاه من الدولة الإيرانية، في مقابل الولاء والطاعة اللذين تقدمهما هذه المجموعة للحاكمين في إيران. وذكّر اللقاء بأن أبوي الاستقلال عن الانتداب الفرنسي بشارة الخوري ورياض الصلح مثّلا في خيارهما نخبة في كل الطوائف عارضت توجهات كبيرة في كل طائفة، حين كانت غالبية من المسيحيين تؤيد بقاء الانتداب، وغالبية من المسلمين تؤيد الانضمام إلى سوريا. وكانا في خيارهما على حق، وإن كان صعباً واستلزم الاقتناع به وقتاً وإيماناً في الدفاع عنه حتى الاستشهاد.

تلميح حول إدعاءات باسيل

 خلال السنوات الماضية، رفع رئيس "التيّار الوطني الحر" جبران باسيل شعار تصحيح التمثيل المسيحي وحقوق المسيحيين، وقد مشى باسيل بشعاراته هذه إلى حدود المطالبة بـ"صحّة" التمثيل المسيحي داخل مؤسسات الدولة وتحديداً مجلسي الوزراء والنوّاب. في هذا السياق تشير مصادر سياسية إلى أن أكبر مجموعة اكاذيب يجري تعميمها من الاحزاب الطائفية المسيحية حول المناصفة هي أن الطائف أقر المناصفة وكأن تمثيل المسيحيين كان منقوصاً، فالحقيقة أنه قبل الطائف كان مجلس النواب مؤلفاً من 99 نائباً، 54 نائباً مسيحياً و45 نائباً مسلماً.

[caption id="attachment_78557" align="alignleft" width="367"] المفتي الجعفري أحمد قبلان...دفن الصيغة والطائف[/caption]

 وتضيف المصادر: عندما أُقرت المناصفة في الطائف لم تكن بهدف معالجة أو تصحيح التمثيل المسيحي بل لرفع الغبن عن المسلمين فجرى حينها زيادة 9 نواب مسلمين وأصبح مجلس نواب الطائف108  نواب مناصفة بين المُسلمين والمسيحيين، والاستشهاد بقول للرئيس رفيق الحريري "إننا أوقفنا العد" كان تطميناً أن المسلمين لن يطالبوا بزيادة أخرى في المستقبل حتى لو زادت أعدادهم مرة أخرى.

 وتؤكد المصادر أن الطائف لم يعتبر أن النائب يُفسد تمثيله إذا شارك بانتخابه مواطنون من غير مذهبه، ولم يعتبر أن الصفة التمثيلية للنائب تفسد ويصبح مشكوكاً فيها اذا مارس دوره كنائب داخل كتلة برلمانية يرأسها قطب من غير طائفته وبالتالي فإن هندسة الطائف هي القبول بمرحلتين: الاولى تطمينية ينزع فيها سلاح الطوائف لمصلحة الدولة وتأهيلية لتخفيف النزاع الطائفي تمهد للمرحلة الثانية وهي تجاوز الطائفية والوصول الى انتخابات برلمانية خارج القيد الطائفي.

ما هو اتفاق الطائف؟

 هو الاسم الذي تعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، التي وضعت بين الأطراف المتنازعة في لبنان، وذلك بوساطة سعودية في 30 أيلول  1989 في مدينة الطائف وتم إقراره بقانون بتاريخ22  تشرين الأول  1989 منهياً الحرب الأهلية اللبنانية وذلك بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على اندلاعها. وتناول الاتفاق الإصلاح السياسي وانتهاء الحرب الأهلية اللبنانية وإقامة علاقات خاصة بين لبنان وسوريا ووضع إطار لبداية الانسحاب السوري الكامل من لبنان.

 كما شكّل الاتفاق مبدأ "التعايش المشترك" بين الطوائف اللبنانية المختلفة وتمثيلها السياسي السليم كهدف رئيسي للقوانين الانتخابية البرلمانية في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية. كما أعاد هيكلة النظام السياسي للميثاق الوطني في لبنان عن طريق نقل بعض السلطة بعيداً عن الطائفة المسيحية المارونية التي منحت مركزاً متميزاً في لبنان في عهد الحكم الفرنسي. وقبل الطائف كان يتم تعيين رئيس الوزراء المسلم السني من قبل الرئيس الماروني، أمّا بعده، أصبح رئيس الوزراء مسؤولاً أمام السلطة التشريعية، كما هو الحال في نظام برلماني تقليدي. لذلك، غير الإتفاق صيغة تقاسم السلطة وعزز صلاحيات رئيس الوزراء السني على سلطات الرئيس المسيحي.

 ونصّ الاتفاق أيضاً على نزع سلاح جميع الميليشيات الوطنية وغير الوطنية. وقد سمح لحزب الله بالبقاء مسلحاً بصفته "قوة مقاومة" بدلاً من ميليشيات، محاربة إسرائيل في الجنوب، وهو امتياز حصل عليه - وفقاً لـ"ماجوس رانستورب" الأكاديمي السويدي -  وذلك جزئياً باستخدام نفوذه بصفته حاملاً لعدد من الرهائن الغربيين.