تفاصيل الخبر

استيعاب المعترضين واستمرار جلسات الحكومة بلا إنتاجية أو معلّقة أو تجاوزهم وتحمل مسؤولية التداعيات في السياسة والشارع!  

12/06/2015
استيعاب المعترضين واستمرار جلسات الحكومة بلا إنتاجية أو معلّقة أو تجاوزهم وتحمل مسؤولية التداعيات في السياسة والشارع!   

استيعاب المعترضين واستمرار جلسات الحكومة بلا إنتاجية أو معلّقة أو تجاوزهم وتحمل مسؤولية التداعيات في السياسة والشارع!  

نهاد-المشنوق-ابراهيم-بصبوصإذا كانت حكومة الرئيس تمام سلام قد نجحت في تجاوز <قطوع> عرسال من خلال بيان صيغ بدقة متناهية كلّفت بموجبه الجيش اللبناني <اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإعادة سيطرته وانتشاره داخل بلدة عرسال وحمايتها من الاعتداءات والمخاطر التي تتهدّدها من المسلحين الإرهابيين وضبط الأمن فيها>، فإن لا شيء يضمن إمكانية تجاوزها عقدة التعيينات الأمنية التي قد تحوّلها الى حكومة <لا معلّقة ولا مطلّقة> بحيث تصبح غير منتجة، فتتعطل بحكم الأمر الواقع وإن استمرت دستورياً تمارس سلطتها التنفيذية وصلاحيات رئيس الجمهورية الذي تعذّر انتخابه بعد دزينتين من الجلسات النيابية التي لم يكتمل نصابها لانتخاب الرئيس!

ولعلّ ما يجعل مهمة الحكومة في تجاوز مسألة التعيينات الأمنية معقدة وصعبة توجّه رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الى رفع سقف اعتراضاته على عدم تعيين قائد جديد للجيش ورئيس للأركان ومدير عام لقوى الأمن الداخلي، وأتى قرار تأجيل تسريح المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص لمدة سنتين ليزيد الطين بلّة، لاسيما وان وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ارتكز على قانون الدفاع الوطني ليؤجّل تسريح اللواء بصبوص، لأن لا نص يجيز ذلك في قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي، وهو اعتمد فترة السنتين بدلاً من سنة واحدة أو ستة أشهر استناداً الى ما حصل مع قائد الجيش العماد جان قهوجي قبل عامين عندما أرجأ وزير الدفاع تسريحه مدة سنتين تنتهي يوم 23 أيلول/ سبتمبر المقبل.

وأرفق الوزير المشنوق قراره بتأجيل تسريح اللواء بصبوص بالإيعاز الى مدير عام قوى الأمن إصدار مذكرات خدمة قضت بتسليم وحدات الدرك والقوى السيارة والمفتشية العامة لعمداء يتولون تسييرها بالإنابة الى حين تعيين ضباط أصليين، وهؤلاء لم يتم التفاهم في مسألة تكليفهم مع العماد عون لكسر حدة اعتراضاته، بل صدرت مذكرات تكليفه بالمهام الجديدة لتضع جميع المعنيين أمام الأمر الواقع، ما زاد حدّة الاحتقان وساهم في رفع منسوب الاعتراض والرفض، وصولاً الى حد تحريك الشارع من جديد من خلال استعادة مشاهد <شعب لبنان العظيم> الذي <يزحف> الى الرابية لسماع خطاب <الجنرال> يدعوهم الى الاستعداد للاعتراض بواسطة الاقدام في المرة التالية، في إشارة الى الانطلاق في مسيرات وتظاهرات واعتصامات وضع لها العماد عون تواقيت ممرحلة للتنفيذ.

 

زيادة حدة عدّلت مناخ الخيارات

وعلى الرغم من ان مصادر وزارة الداخلية تحدثت عن <تفاهم ضمني> تمّ مع العماد عون في ما خص أسماء الذين تولوا مهمات قيادية ولو بالإنابة، إلا ان مصادر الرابية تنفي أن تكون قد <استشيرت> في التركيبة الجديدة للضباط المسيحيين القادة في قوى الأمن، علماً انها لن تدخل أصلاً في <بازار> التسميات لأنها معترضة على المبدأ، وعلى ان ما بني على باطل (تأخير تسريح اللواء بصبوص) فهو باطل، إضافة الى اعتبار العماد عون ان الطرح الذي قدمه الوزير المشنوق خلال جلسة مجلس الوزراء التي سبقت تأخير تسريح اللواء بصبوص بتعيين رئيس فرع المعلومات العميد عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي لم يكن <طرحاً جدياً> بل كان مجرد <تبرير> لقرار تأجيل التسريح، لأن الوزير المشنوق يعرف جيداً ان مثل هذا الأمر لم يكن ليمر في مجلس الوزراء قبل التفاهم على سلة التعيينات الأخرى لاسيما في مؤسسة الجيش.

وتروي مصادر حكومية ان مناخ مجلس الوزراء قبل زيارة الرئيس تمام سلام على رأس وفد وزاري لمدينة جدة كان مختلفاً عما تحول إليه بعد الزيارة، بدليل انه قبل سفر الوفد الى السعودية كانت المساعي قائمة لتسليم العميد إميل كيوان المديرية العامة لقوى الأمن بالوكالة، باعتباره الضابط الأعلى رتبة بعد اللواء بصبوص من الضباط العاملين في قوى الأمن، ما يفسح في المجال الى تأجيل المواجهة مع العماد عون الى شهر آب/ أغسطس المقبل موعد انتهاء تأجيل تسريح رئيس الأركان العامة في الجيش وليد سلمان، وفتح باب النقاش حول تعيينات الجيش، فإذا تم الاتفاق عليها تخرج بسلة واحدة مع تعيينات قوى الامن. إلا انه بعد عودة الوفد الحكومي من السعودية اختلفت الصورة، لاسيما وان اللقاءات التي عقدت في جدة سواء مع المسؤولين السعوديين أو مع الرئيس سعد الحريري أعطت على ما يبدو <جرعة دعم> مكّنت من تجاوز اعتراضات العماد عون وحلفائه، وانطلقت مسيرة التمديد للواء بصبوص بقرار وزاري لم يعرض على مجلس الوزراء لأنه يندرج في إطار صلاحيات وزير الداخلية حصراً.

 

خياران أمام سلام لا ثالث لهما

 

وقد عكست مداولات مجلس الوزراء في تلك الجلسة حدة الخلافات بين وزيري التيار الوطني الحر وحلفائهما من الوزراء من جهة، ووزيري الداخلية والعدل وحلفائهما من جهة أخرى، لاسيما وأن <المطالعات> التي ألقيت خلال الجلسة لم تخلُ من الحدة حيناً والتهديد بالتصعيد أحياناً، ما يوحي بأن الحكومة أمام خيار بين اثنين لا ثالث لهما:

الأول: <استيعاب> اعتراض وزراء تكتل التغيير والإصلاح وحلفائهم وإبقاء الجلسات معلقة أو مقتصرة على مناقشة التعيينات الامنية من دون الوصول الى نتيجة حاسمة، ما سيدفع بالرئيس سلام الى الانتظار الى حين يتم التفاهم على مخارج تعيد الحياة الى مجلس الوزراء، وهو أمر مستبعد في المدى المنظور، ما يعني ان العطلة الصيفية ستبدأ باكراً بالنسبة الى الحكومة التي سبق لرئيسها ان أبدى انزعاجه من الدعوة التي أطلقها العماد عون للحكومة <حتى تصيّف وترجع بأيلول/ سبتمبر لمواجهة المشكلة من جديد>.

أما الحل الثاني، فهو تجاوز موقف الوزراء المعترضين والاستمرار في إعداد جدول أعمال للجلسات الحكومية ومحاولة مناقشة البنود واتخاذ القرارات بالغالبية المطلقة أو بغالبية الثلثين للمواضيع الأساسية الـ14 المحددة في الدستور، وهذا يعني إسقاط الصيغة التي كانت معتمدة منذ انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعاً وذلك لجهة ضرورة توافر موافقة رئيس الحكومة والوزراء الـ23 على بنود جدول الأعمال، ومن ثم على التوقيع على المراسيم العادية منها وتلك التي تحتاج الى قرارات من مجلس الوزراء.

وفي هذا الإطار، تقول مصادر حكومية إن الرئيس سلام الذي لم يدعُ مجلس الوزراء الى الانعقاد الخميس الماضي كما درجت العادة يدرس الأمرين المطروحين أمامه ويتشاور في شأنهما مع المرجعيات الفاعلة والمؤثرة وفي مقدمها الرئيس نبيه بري الذي كان قد رفض تعطيل جلسات الحكومة مؤكداً ان وزراء حركة <أمل> سيستمرون في حضور الجلسات طالما انها <ميثاقية> أي يشارك فيها وزراء يمثلون مختلف مكوّنات المجتمع اللبناني وطوائفه ومذاهبه. وقد أجرى الفريق المؤيد لاستمرار الجلسات وتجاوز مواقف المعترضين عملية <بوانتاج> أظهرت ان غياب وزراء تكتل التغيير والإصلاح الأربعة (جبران باسيل والياس بوصعب وآرتور نزاريان وريمون عريجي) ووزيري حزب الله (محمد فنيش وحسين الحاج حسن) لا يسقط غالبية الثلثين المطلوبة لنصاب جلسات مجلس الوزراء، لأن ذلك يتأمن من خلال مشاركة الوزراء الباقين بمن فيهم وزيرا حركة <أمل>، ما يمكّن أيضاً من التصويت عند الضرورة على القرارات لأن الاكثرية العادية مؤمنة حكماً وكذلك غالبية الثلثين.

 

مناخ غير صحي في مجلس الوزراء

وفي تقدير المصادر الحكومية ان اعتماد هذه الطريقة من شأنه أن <يكسر> وزراء تكتل التغيير والإصلاح ومعهم وزيرا حزب الله، ويجعل وجودهم أو غيابهم عن الجلسات سيّان عند التصويت على القرارات. إلا ان المصادر نفسها تساءلت ما إذا كان في مقدور الحكومة ان تستمر متجاهلة موقف الوزراء المعترضين مع ما يمثلونه على الصعيد الشعبي من جهة، وعلى  صعيد قدرتهم على تحريك الشارع من جهة أخرى، خصوصاً إذا ما التزم حزب الله بما كان قد وعد العماد عون به أي الوقوف الى جانبه <ظالماً كان أم مظلوماً> تقديراً للمواقف التي سلّفها للمقاومة في مناسبات صعبة مختلفة. من هنا، نصحت المصادر الحكومية بعدم اللجوء الى خيار <المواجهة> مع المعترضين، والاستمرار في التشاور معهم حول المخارج الممكنة، علماً ان المناخ الذي ساد في جدة خلال وجود الرئيس سلام والوفد الوزاري المرافق لم يكن يوحي بأن الخيار سيكون <سلمياً> بدليل المواقف التي صدرت من وزراء ونواب في 14 آذار حمّلوا سلفاً التيار الوطني الحر ومن يتحالف معه مسؤولية عدم التوصل الى اتفاق وصولاً الى <تعطيل> عمل مجلس الوزراء.. واستمرار <المناخ> نفسه في جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي التي شهدت هي الأخرى نقاشاً حول قرار تكليف الجيش فرض الامن والاستقرار في عرسال والدفاع عنها، لاسيما عندما أثير دور الجيش ومسألة <الثقة به وبقيادته>. كذلك بدا ان اعتراض الوزير جبران باسيل على مناقشة أي موضوع قبل البحث في وضع عرسال والتعيينات الأمنية، ولو كان هذا الموضوع يصنف في باب <المسائل الحياتية الملحة> مثل تصريف الإنتاج الزراعي ودعم تسويقه يؤشر الى ما سيكون عليه النقاش في الجلسات المقبلة عندما يدعو الرئيس سلام الى عقدها مجدداً، لاسيما إذا تمسك بحقه الدستوري في طرح البنود الواردة في جدول الأعمال.

هل يسحب عون الثقة من المشنوق؟

وفيما تحدّثت المصادر المتابعة عن دخول مجلس الوزراء في حالة <كوما> تعطله عن مناقشة البنود المدرجة على جدول أعماله، تساءلت عما إذا كان العماد عون سيرفع سقف اعتراضه الى حد سحب الثقة من وزير الداخلية نهاد المشنوق على غرار ما فعله مع وزير الدفاع سمير مقبل غداة تمديد تأجيل تسريح مدير المخابرات في الجيش العميد إدمون فاضل، وما سيتركه هكذا موقف من انعكاسات على صعيد العلاقة الخاصة بين عون والمشنوق من جهة، وعلى صعيد الحوار بين عون وتيار <المستقبل> من جهة أخرى نظراً لموقع وزير الداخلية داخل التركيبة <المستقبلية>. وفي هذا السياق، تقول مصادر مطلعة على النقاش الدائر حول التعيينات الأمنية وعلى موقف عون منها ان <الجنرال> أبدى استياءً شديداً من موقف وزير الداخلية لأنه كان يأمل في أن يلعب المشوق دوراً مهدئاً ووفاقياً لا أن يصبّ الزيت على النار من خلال تأجيل تسريح اللواء بصبوص لمدة سنتين غير آبه بالرسائل التي وجهها إليه العماد عون على نحو مباشر حيناً وغير مباشر أحياناً، لاسيما وان العماد عون بات يخشى ان ينسحب تدبير المشنوق بالنسبة الى اللواء بصبوص على وضع اللواء سلمان في آب/ أغسطس المقبل والعماد قهوجي في أيلول/ سبتمبر المقبل، علماً ان التوجه لتمديد تأجيل تسريح قهوجي وسلمان يكاد يكون حتمياً، خصوصاً ان ظروف التمديد لبصبوص ستبقى قائمة الى حين يحل فيه موعد تقاعد اللواء سلمان ومن بعده العماد قهوجي. وفي هذا السياق، تقول المصادر المطلعة ان التمديد للواء سلمان والعماد قهوجي بات أمراً واقعاً لكنه لن يحصل رسمياً إلا عندما ينتهي مفعول التمديدين السابقين لقائد الجيش ورئيس الأركان، خصوصاً بعدما صدرت مواقف عن تيار <المستقبل> تصف موقع قيادة الجيش بأنه موقع سياسي وليس موقعاً عسكرياً فحسب، وبالتالي فإن ثمن التعيينات العسكرية هو سياسي يعالج من خلال التوافق أي من خلال خيار التسوية. وتفصل قيادة <المستقبل> بين المخرج السياسي وبين كفاءة المرشح الأبرز لتولّي قيادة الجيش، أي العميد شامل روكز قائد فوج المغاوير الذي لا يريد <المستقبليون> الإساءة إليه أو معاقبته من منظار عسكري، بل يعملون على أساس أن موقع قيادة الجيش هو موقع سياسي بامتياز، وهذا ما يرفضه العماد عون.

وللتدليل على رفض <المستقبل> إنهاء مهمة العماد قهوجي في أيلول/ سبتمبر المقبل، ارتفعت أصوات من <التيار الأزرق> تدعو الى ضرورة تعيين قائد للجيش في سياقه الطبيعي أي بعد انتخاب رئيس للجمهورية باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومن الطبيعي ان يعطي رأياً بالقائد الجديد وإن كان قرار التعيين يتخذ في مجلس الوزراء حيث لا صوت لرئيس الجمهورية ولو ترأس الجلسة.

سلام بين <الاستيعاب> والتجاهل

 

وسط هذه الصورة القاتمة، تبدو <حكومة المصلحة الوطنية> وكأنها أمام مصير محتوم، وهذا يعود الى الخيار الذي سيعتمده الرئيس سلام الذي قال من السعودية انه من غير الجائز ان يؤدي الخلاف على تعيين موظف الى شل السلطة التنفيذية لتنضم الى المؤسستين الدستوريتين المشلولتين رئاسة الجمهورية بحكم الشغور الرئاسي، ومجلس النواب بحكم مقاطعة نواب للجلسات التشريعية وغياب آخرين عن الجلسات الانتخابية. فهل <يستوعب> الرئيس سلام و<الوزراء الصقور> ردة فعل وزراء تكتل التغيير والإصلاح وحزب الله، فتعود الجلسات الوزراية بعد غياب موقت من دون إنتاجية قبل بت ملف التعيينات الامنية، أم يتجاوزون اعتراض المعترضين ويستمرون في درس جدول الأعمال واتخاذ قرارات غير آبهين بردود فعل المعترضين، ومن يتحمل إذذاك <الصقور> نتائج ما قد يحصل في الحكومة والبلاد؟

لا شك أن الايام الآتية ستحمل الجواب... وغداً يوم آخر كما قال الرئيس سلام وهو في جدة، لكنه عندما عاد الى بيروت أدرك أن المسألة تحتاج الى قراءة متأنية وهادئة، وهذا ما بدأه عملياً عندما قرر عدم الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء الخميس الماضي، وقد يكرر الموقف نفسه الأسبوع المقبل الى أن تطرأ تطورات جديدة ترسم مسار العمل الحكومي خلال الأشهر المقبلة.