تفاصيل الخبر

إستقال دياب... والبديل حكومة وحدة وطنية ترعى باريس ولادتها بتفويض أميركي!

13/08/2020
إستقال دياب... والبديل حكومة وحدة وطنية ترعى باريس ولادتها بتفويض أميركي!

إستقال دياب... والبديل حكومة وحدة وطنية ترعى باريس ولادتها بتفويض أميركي!

[caption id="attachment_80207" align="alignleft" width="516"] الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" خلال لقاء القصر الجمهوري مع الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب[/caption]

 في 14 شباط (فبراير) من العام 2005 هزّ لبنان زلزال إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فسقطت حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي... وفي 4 آب (اغسطس) من العام 2020 وقع إنفجار كبير في مرفأ بيروت دمّر قسماً كبيراً من العاصمة، فسقطت حكومة الرئيس حسان دياب. قد يكون التاريخ يعيد نفسه في لبنان وإن كانت الأسباب مختلفة، وكما نقل إغتيال الحريري لبنان من حالة الى أخرى، كذلك من المرجح أن ينقل إنفجار مرفأ بيروت الوضع اللبناني من واقع الى آخر بدءاً من استقالة الحكومة وصولاً الى حكومة جديدة يفترض أن تكون مختلفة عن الحكومات التي توالت في عهد الرئيس ميشال عون، وقبل ذلك في العهود الرئاسية التي حكمت لبنان في مرحلة ما بعد الطائف إبتداء من العام 1992 وحتى اليوم.

 وإذا كان انفجار العام 2005 استتبع زيارة للرئيس الفرنسي الراحل "جاك شيراك" صديق الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي رعى مرحلة ما بعد جريمة العصر مكرساً نفوذ فرنسا على الساحة اللبنانية، فإن العام 2020 شهد زيارة سريعة لرئيس فرنسي آخر هو "إيمانويل ماكرون" الذي سوف تطبع مواقفه و"نصائحه" للقيادات السياسية اللبنانية، المرحلة المقبلة من تاريخ لبنان بحيث يعود الحضور الفرنسي قوياً على الساحة اللبنانية محصناً بتفويض أميركي قد يصل الى حد الوكالة المطلقة مع "حق الاطلاع" المسبق....

 المشهد اللبناني في الآتي من الأيام لن يكون مشهداً مريحاً فما حصل في مرفأ بيروت لم يكن حادثاً او جريمة، بل كان زلزالاً هزّ البلاد وحرّك الركود في الحياة السياسية، وقد يكون قلب الكثير من الأدوار، خصوصاً بعد استقالة حكومة الرئيس دياب الذي كان تعهد أمام الرئيس عون بأنه لن يستقيل مهما اشتدت الضغوطات، إلا أن رياح حكومة دياب لم تجر كما تشتهي سفنه لاسيما بعدما قرر "الحلفاء" التخلي عن دعم حكومته بعد مخاض عسير من التفاوض بين  الحليفين "التيار الوطني الحر" وحزب الله من جهة والرئيس نبيه بري الغاضب من الرئيس دياب من جهة اخرى. أما سبب الغضب - والبعض يقول الشعرة التي قصمت ظهر البعير- كان إعلان الرئيس دياب عن عزمه تقديم مشروع قانون بتقصير ولاية مجلس النواب وإجراء انتخابات نيابية مبكرة وذلك من دون التشاور مع رئيس السلطة التشريعية المعنية مباشرة بقوانين الانتخابات النيابية وشجونها.

 لقد سعت قيادة حزب الله الى تأخير استقالة الحكومة وبذلت جهداً كبيراً لبقائها اقله حتى 18 آب ( اغسطس) موعد صدور الحكم في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. الا أن ضغط الشارع من جهة وعودة التظاهرات ومعها أعمال الشغب من جهة ثانية، أربك الذين كانوا يعملون على خط التأخير بالتزامن مع بروز استقالات فردية لوزراء الحكومة كان دشنها وزير الخارجية السابق ناصيف حتي، ثم كرت السبحة فاستقالت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد، ثم وزير البيئة والتنمية الادارية دميانوس قطار، ووزيرة العدل ماري كلود نجم، وكاد أن يصل سيف الاستقالة الى الوزراء محمد فهمي، وراوول نعمة وغازي وزني... فتصبح الحكومة مستقيلة حكماً باستقالة ثلث الأعضاء فيها. وهذا الواقع سرّع في قرار الاستقالة بعدما وجد الرئيس دياب نفسه أمام مشهد لا يحسد عليه لأن الوزراء المحسوبين عليه كانوا في طليعة المستقيلين، لكنه سمع كلاماً من رئيس "تكتل لبنان القوي" جبران باسيل والحاج حسين خليل معاون الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بضرورة "الصمود" وعدم الاستجابة لطلبات الاستقالة. وعبثاً حاول باسيل وخليل ومعهما "رجل المهمات الصعبة" المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، إقناع الرئيس بري بالعودة عن دعوة مجلس النواب الى جلسات مفتوحة "لمناقشة الحكومة" في مقابل عودة دياب عن فكرة تقصير ولاية مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة... إلا أن الرئيس بري تمسك بموقفه ولم يقبل المقايضة، مما اضطر باسيل وخليل ومن معهما الى "الرضوخ" لمطلب استقالة الحكومة طوعاً قبل أن تستقيل قسراً بعد "شرشحة" كانت مضمونة في مجلس النواب!.

تعددت الأسباب... والنتيجة الاستقالة

[caption id="attachment_80208" align="alignleft" width="376"] الرئيس حسان دياب يعلن استقالة حكومته[/caption]

 والواقع أن الرئيس دياب لم يقدم استقالته من دون أن "يفش خلقه" بالطاقم السياسي الذي لم يكن منه، فحمل أفراده من السياسيين مسؤولية المشاركة في "منظومة الفساد المتجذرة في كل مفاصل الدولة لا بل أن هذه المنظومة أكبر من الدولة وأن الدولة مكبلة بهذه المنظومة ولا تستطيع مواجهتها او التخلص منها". وذهب دياب الى أبعد حين قال إنه كان يفترض أن يخجلوا من فسادهم ( من دون أن يسمي أحداً) لأن فسادهم أنتج هذه المصيبة المخبأة منذ سبع سنوات. ثم وضع سبباً آخر هو عدم التجاوب مع سعيه الى التغيير "الذي كان بيننا وبينه جدار سميك جداً وشائك جداً تحميه طبقة تقاوم بكل الأساليب الوسخة من أجل الاحتفاظ بمكاسبها ومواقفها وقدرتها على التحكم بالدولة". واحتكم دياب الى الناس "الى مطلبهم بمحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة المختبئة منذ سبع سنوات الى رغبتهم بالتغيير الحقيقي من دولة الفساد والهدر والسمسرات والسرقات الى دولة القانون والعدالة والشفافية، الى دولة تحترم أبناءها". وانطلاقاً من هنا كان قرار دياب بالتراجع الى الوراء "للوقوف مع الناس كي نخوض معركة التغيير معهم.... نريد أن نفتح الباب أمام الانقاذ الوطني الذي يشارك اللبنانيون في صناعته".

هل ما تقدم يشكل السبب الرئيسي لاستقالة دياب؟

 قد يكون ما ورد في كتاب الاستقالة غيضاً من فيض، لكن الأكيد أن ثمة أسباباً أخرى لهذا السقوط السريع للحكومة منها عدم تمتع الرئيس دياب، وهو الاكاديمي الصرف، بأي خبرة سياسية وشخصيته المرنة حتى مع وزرائه لم تساعده كثيراً في تقديم صورة قريبة من الناس. كذلك فإن الوعد الذي أطلقه بأن تكون حكومته محايدة تضم وجوهاً اكاديمية مستقلة لم يستطع الايفاء به إذ خضع للأحزاب والقوى والقيادات فكانت حكومته نتاج محاصصة تقليدية ما أفقد رئيسها كل مصداقية أمام الناس الذين ضاقوا ذرعاً من الطبقة السياسية الفاسدة. وقد وجد حسان دياب منذ وصوله الى رئاسة الحكومة كل الأبواب التي تساعد عادة رئيس الحكومة في لبنان موصدة أمامه. فلا الشارع السني أيده، ولا الدول الخليجية انفتحت عليه، ولا الغرب صدق أنه ليس نتاجاً لحزب الله وبالتالي خاضعاً له.

وسرعان ما اتهمت حكومته بالخضوع لمشيئة العهد و"التيار الوطني الحر" وحزب الله، فأفسحت في المجال لخصوم الحزب في الداخل لنصب الفخاخ له وتطويق حركته. والواقع أن الحكومة لم تحقق أي إنجاز فعلي (باستثناء مواجهة "كورونا" وبعض الملفات المالية مع صندوق النقد)، وراحت توزع الخطابات والتصريحات والوعود التي لا يبقى منها غير الوعود. ثم جاء الانهيار الاقتصادي وجائحة "كورونا" ثم كارثة تفجير مرفأ بيروت لتدق المسمار الأخير في نعش هذه الحكومة....

أي حكومة في المستقبل؟

 أما وقد أصبحت الحكومة مستقيلة فإن البحث بدأ من أجل تشكيل حكومة جديدة تتمكن من تحقيق ما طلبه الرئيس "ماكرون" خلال وجوده في بيروت، أي حكومة وحدة وطنية جامعة تواجه الاستحقاقات الكبيرة وآخرها تداعيات زلزال بيروت في الحياة الاقتصادية والاجتماعية فضلاً عن الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد وتداعيات جائحة " كورونا" ومضاعفاتها. والواقع أن المتابعة الفرنسية لتشكيل الحكومة ستكون قريبة ودائمة فالرئيس "ماكرون" الذي استحصل على موافقة الولايات المتحدة الاميركية بالاهتمام بالشأن اللبناني ومحاولة ايجاد حلول لمشاكله، بات فريقاً مباشراً في حل الأزمات، وقد أتى مؤتمر باريس لدعم بيروت والشعب اللبناني ليكرس النجاح الفرنسي في التعاطي مع الملفات اللبنانية بدعم اميركي لن يكون مشروطاً كما في السابق، باستثناء عدم "تقوية" حزب الله أو "تكبير حجمه" قياساً الى أحجام الأحزاب اللبنانية الأخرى لاسيما تلك المعارضة لدور الحزب ونفوذه... فالرئيس الاميركي "دونالد ترامب" الذي شارك في مؤتمر باريس بعيد اتصال أجراه مع الرئيس عون، "فوّض" الى الرئيس "ماكرون" الاهتمام بالملف اللبناني لأنه منشغل بالانتخابات الرئاسية الأميركية التي اقترب موعدها في وقت بات "جو بايدن" يقلقه كمرشح منافس، خصوصاً بعد الحملات التي استهدفت الاميركيين ذي العرق الأسود.

[caption id="attachment_80206" align="alignleft" width="455"] الرئيس "ماكرون" مع رؤساء الكتل والأحزاب في قصر الصنوبر[/caption]

 والسؤال كيف تترجم هذه المرة "حكومة وحدة وطنية"؟ ثمة ثلاث صيغ سيكون للقيادات السياسية أن تختار صيغة منها تحظى بموافقة فرنسية وعدم معارضة أميركية. الصيغة الأولى حكومة اقطاب يرأسها الرئيس سعد الحريري، وتضم القيادات السياسية من الصف الاول تكون قادرة على الامساك بالوضعين الامني والسياسي لتنصرف الى معالجة الوضع الاقتصادي والمالي وفق آلية جديدة مختلفة عن تلك التي وضعتها حكومة دياب وأضاعت فيها وقتاً كافياً ذهب خسارة فادحة.

والمشكلة في هذه الصيغة أنها قد تصطدم برفض أحد الأركان المشاركة في الحكومة ما يجعل البحث عن غيرها المخرج الطبيعي. في وقت يكون من الصعب أن يجتمع الحريري وباسيل في حكومة واحدة ما لم ينجح الرئيس بري في تقريب وجهات النظر بين حليفي الأمس. والهدف من هذه الصيغة، إشراك الجميع في مسؤولية مواجهة الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد وإذا رفض أحدهم المشاركة يتحمل مسؤولية تجاه اللبنانيين والعالم. أما الصيغة الثانية فهي تشكيل حكومة برئاسة شخصية يسميها الحريري وتضم ممثلين عن الأحزاب والكتل كافة، أي حكومة من الصف الثاني السياسي، يمكن أن تلعب دوراً في تصحيح الوضع القائم، لكن حرية تحرك الأعضاء فيها ستبقى مرتبطة بمن يمثلون، وهذا أمر يعرقل اندفاعة الحكومة العتيدة ويحد من قدراتها، وتبقى الصيغة الثالثة وهي حكومة محايدة تضم اختصاصيين وترأسها شخصية سياسية محايدة تحظى بدعم الافرقاء السياسيين من دون استثناء وعلى أن يكون هذا الدعم حقيقياً وفاعلاً كي يتمكن الوزراء الاختصاصيين من الانصراف الى معالجة المشاكل القائمة من خلال خبراتهم ... الا أنه دون هذه الصيغة عدم قدرة الوزراء المحايدين الى التفاعل مع الاوضاع كما حصل مع وزراء حكومة دياب. والاسم المطروح لرئاسة هكذا حكومة هو السفير السابق نواف سلام الذي تردد أن توافقاً فرنسياً - أميركياً حول شخصه، وهو كان طرح اسمه لتشكيل الحكومة قبل الرئيس حسان دياب لكن حزب الله لم يبدِ حماسة له على أساس أنه مقرب من الأميركيين!.

 في أي حال، مهما كانت الصيغة المختارة، فإن طابع الوحدة الوطنية هو الغالب لأن هذا الطابع اشار اليه الرئيس "ماكرون" خلال محادثاته في بيروت وعندما جمع الاقطاب في قصر الصنوبر ورسالته كانت واضحة: "إنها فرصة لانقاذ بلدكم فلا تترددوا وإلا سوف يلعنكم التاريخ ويتخلى عنكم الأصدقاء وتصبحون معزولين في وطن سوف ينهار حكماً!.