تفاصيل الخبر

اسـتـفـتــــــاء «شـــــارل ديـغـــــــول»

09/07/2015
اسـتـفـتــــــاء «شـــــارل ديـغـــــــول»

اسـتـفـتــــــاء «شـــــارل ديـغـــــــول»

 

بقلم سعيد غريب

SAM_5208في العام 1969، خذل الفرنسيون رئيسهم الاستثنائي <شارل ديغول> في استفتاء غير استثنائي رهن به مستقبله السياسي كرئيس للجمهورية.

في ذلك اليوم، ذهب <ديغول> الى منزله واضعاً لرئاسة فرنسا مستوى لا يسهل بلوغه، تاركاً سياسة فرنسا وسياسة العالم للرجال العاديين..

بعد سنة، توفي <ديغول> وكان يردد قول <شاتوبريان>: <لقد مات <نابوليون> وبدأت الأسطورة>.. أما هو أي <ديغول> فكان أسطورة ومات.

قبل <ديغول>، خذل البريطانيون بطلهم <ونستون تشرشل> وأسقطوه في الانتخابات لمصلحة زعيم حزب العمال <كليمانت آتلي>  قبيل إعلان الانتصار على النازية...

هناك، في مؤتمر <يالطا>، اجتمع الثلاثة الكبار <روزفلت>، <ستالين> و<تشرشل>... واحتدم النقاش..

أبدى البطل البريطاني رأيه في مسألة رسم مستقبل المنطقة، فقاطعه <ستالين> قائلاً: <أنت لست في موقع يسمح لك بإبداء رأيك، لقد سقطت في الانتخابات>. أجابه <تشرشل>: <يكفيني فخراً انني أنا الوحيد بينكم الذي يستطيع شعبه أن يزيحه ساعة يشاء>.

فضحك <ستالين> بملء فيه...

وقبل أقل من أسبوع، قال معظم اليونانيين لا لخطة الدائنين في استفتاء وضع اليونان وأوروبا على مفترق دقيق للغاية...

إنها خيارات الناس، انه خيار الديموقراطية. ولكن، هل لاستطلاعات الرأي دور إيجابي أو صائب في معظم الأحيان والظروف في تحديد توجهات الرأي العام؟...

والاستطلاع في المطلق هو دراسة علمية يتم إجراؤها بشكل منهجي وتهدف الى معرفة آراء المواطنين تجاه احدى القضايا المهمة، أو الأحداث المطروحة على الساحة. وتفيد نتائجها كل المهتمين وتساعدهم في عملية اتخاذ القرارات وصوغ البرامج وتحديد الأهداف، كما انها توفر كماً ضخماً من المعلومات في مختلف المجالات.

أما المشكلة، فتكمن وفق مراجع علمية، في عوائق سير الاستطلاعات وهي ليست بالقليلة، منها انعدام ثقافتها في الدول النامية والمناطق الريفية، وصعوبة الحصول على المعلومات، قلة المراكز والنقص الكبير في الكوادر المدربة والمتخصصة، عدم تجاوب الجمهور مع القضايا المطروحة ولاسيما إذا كانت الأسئلة شخصية أو تتعلق بالأمور الأمنية والسياسية الحساسة...

من هنا، تبقى المسألة معقدة وغير سهلة التحقيق، ومن هنا أيضاً تأتي النتائج مخيّبة للناس وفي معظم الدول حتى الديموقراطية منها...

هل أخطأ الانكليز مع <تشرشل> والفرنسيون مع <ديغول>، أم أصابوا؟ وهل أخطأ اليونانيون اليوم مع <تسيبراس> أم أصابوا؟ وقبلهم الاسكتلنديون؟

وهل الفكرة بحد ذاتها قابلة للبحث في لبنان، وهل اللبنانيون أخطأوا، أم أصابوا طوال فترة ممارستهم الديموقراطية؟ من اختاروا وكيف ووفق أي قوانين للانتخابات؟ واليوم كيف سيبدون رأيهم في استطلاع تجريه شركات متخصصة؟

هل هذا يعني ان الديموقراطية تجربة غير موفقة تصدّعت بالاستطلاعات المركبة أو المزورة أو حتى الناجحة، وبالانتخابات؟

ما هو أكيد بعد هذه التجربة التي دفعت فرنسا غالياً ثمناً لها ان الشعوب لا تستطيع ممارسة الديموقراطية من دون وعي واطلاع وثقافة تمكّنهم ليس من حرية الاختيار حين تكون مؤمنة وثابتة ومتطورة، بل من حسن الاختيار...

وتبقى شواهد داعمة:

هل أحسن الأميركيون اختيار رؤسائهم بعد <روزفلت> و<ايزنهاور> و<كينيدي>؟ هل أحسن الفرنسيون الاختيار بعد <شارل ديغول>؟

هل وهل وهل...؟ واللائحة تطول...

أما في لبنان، فكل شيء مختلف. صحيح ان اللبنانيين لا يحسنون الاختيار غالباً، ولكن مشكلتهم تكمن في انهم يتشبثون بهذا الخيار مدى حياة صاحبه وأبنائه وأبناء أبنائه، فيما شعوب الغرب تعتمد مبدأ المحاسبة، فإذا أخطأت مرة لا تعيد الكرة وترسل من وقع عليه الاختيار الى منزله، وأحياناً كثيرة مذلولاً!

في لبنان، تُطرح صيغ المصير عند أي مفترق مصيري للشخص وليس للوطن.

في لبنان تطرح اليوم فكرة الاستطلاع بديلة للاستفتاء باعتبار ان الاستفتاء يلزمه تعديل دستوري وسط مخاوف فريق وعدم اكتراث لدى فريق آخر.

وإذا جرى استطلاع مسيحي لاعتماد الفيدرالية كخيار، هل تتحقق؟ وكيف؟ هل يسير المسلمون بها، وإذا تحققت هل تعيش؟

لقد أظهرت التجربة التي عاشها المسيحيون وغيرهم على مدى خمس عشرة سنة انها لم تعش، لا بل انتهت بدماء كثيرة سالت... والمفارقة ان من عمل على محاربتها يقول بعد ربع قرن: ان من أرادها قد يكون على حق...

وبعيداً من هذا التطور غير المجدي وحقل التجارب المدمر، نقول ان لبنان الكبير بدأ يفقد دوره الكبير منذ لحظة تخلي المسيحيين عن دورهم، وان الوطن الصغير يحتاج الى عودة دوره الكبير ولم يعد يحتمل الدوران في الحلقة المفرغة، ولم يعد مسموحاً تركه للعبة القدر ولعبة الأمم.

في زمن الحرب ثلاثة كبار كتبت مصيرهم لعبة الأمم لأنهم عارضوا التقسيم بل عملوا على عدم تحقيقه: كمال جنبلاط قتلوه، الإمام الصدر غيّبوه وريمون إده نفوه. وهناك رابع اغتالوه لأنه آمن في نهاية الأمر بوحدة لبنان، هو بشير الجميل.

هل يعيد التاريخ نفسه ويكون الشعار من جديد: معارضة للتوحيد لا معارضة للتقسيم؟

كثر في هذا العالم يلعبون بالمصائر، هل سنلعب معهم ونخسر لبنان؟ بعض قياداتنا لا يبشّر أداؤها بالخير...