تفاصيل الخبر

استانــــــــة بفروعـــــــــه وجنيــــــف بوعــــــــوده  

24/02/2017
استانــــــــة بفروعـــــــــه  وجنيــــــف بوعــــــــوده   

استانــــــــة بفروعـــــــــه وجنيــــــف بوعــــــــوده  

بقلم علي الحسيني

اردوغان-والخيارات-الضائعة-------5

أقر الجميع بما فيهم الاطراف المعنية بالصراع السوري، أن مؤتمر استانة الأوّل الذي انعقد كالثاني في كازاخستان منذ فترة أقل من شهرين برعاية روسية ــ تركية وايرانية،، بين النظام السوري وممثلي عن المعارضة السورية المسلحة، كان أنجح من الثاني ولو بالحد الأدنى من المعايير سواء التنظيمية او التمثيلية او حتى الجدية. فالتكملة الثانية للمؤتمر الذي عاد وانعقد بجزئه الثاني الاسبوع الماضي، جاءت مُملّة وباهتة على عكس ما كان يتوقعه الجمهور العربي بشكل عام، والسوري بشكل خاص.

بين استانة الأول والثاني

 

يعتبر بعض المتابعين للملف السوري منذ بداية الصراع في العام 2011 بالإضافة إلى العديد من المُحللين السياسيين الغربيين والعرب أن مؤتمر استانة الأول مثّل هزيمة بكل ما تعنيه الكلمة بالنسبة إلى الأتراك إذ أن معظم البنود التي تم الاتفاق علها في حينه لم تُطبق وعلى رأسها اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُدرج تحت ستار إنساني ومسميات مزركشة مثل حقن دماء الأبرياء. وهذا الفشل كان السبب الابرز لغياب الاعلام التركي بشكل شبه كامل عن مؤتمر استانة الثاني حتّى أن الناطقين باسم الخارجية التركية، تصدّوا للانتقادات الموجهة إلى المؤتمر، ودافعوا عنه دفاعاً بدا غريباً لدرجة أنهم أظهروا بشكل واضح ولا لبس فيه، أنهم هم ال------3معارضة-تنتقل-من-البحث-عن-رحيله-الى-التسوية-في-ظله أصحابه ورعاته وهو الذين يقفون وراء تحديد الدعوات التي وجهت الى المعارضة السورية والسبب المباشر لغياب بعض الشخصيات والفصائل.

أما العذر التركي لجهة غياب البعض، فقد أُرفق بتصاريح سياسية تركية تميل بشكل واضح للرئيس التركي <رجب طيب أردوغان>، تقول أن مؤتمر استانة الثاني جلى بعض الغموض، وأظهر بعض ما هو مخفي، إذ ان هناك فصائل لم يحدد أحد بعد عددها قررت تعليق مشاركتها في المؤتمر كرد فعل على عدم التزام النظام السوري والقوى الحليفة له بـوقف إطلاق النار، وإدراج اسم <جبهة النصرة> في أي مكان تشن الطائرات السورية أو الروسية غارات عليه. وروج اصحاب هذه التصريحات ان هذه الفصائل المُتغيّبة، هي <صقور الشام>، و>فيلق الشام> ولواء <البنادق> الذي تأسس مباشرة بعد سقوط حلب بيد النظام السوري وحلفائه. ومن المعروف ان سقوط حلب، كان أدى إلى فرط عقد التحالف بين بين الفصائل المسلحة على خلفية الاتهامات التي وجهتها هذه الفصائل لبعضها البعض وإتهام بعضهم بالخيانة والعمل لمصلحة النظام داخل حلب وخارجها.

تركيا والموقف الضعيف

كما هو معروف، فإن غالبية الفصائل التي شاركت في مؤتمر استانة الأول محسوبة على الطرف التركي، وحتى إن هناك من ذهب إلى القول ان تركيا هي التي شكلت الوفد السوري من المعارضة المسلحة. وهذا الاستنتاج ذكرته ايضاً بعض وسائل الإعلام ومنها <بي بي سي> بأن عدد الفصائل التي قررت تعليق مشاركتها في استانة الثاني بلغ عشرة فصائل ولكن من دون ذكرها، وهذا يعني بأن الغالبية التي علقت مشاركتها محسوبة على الجانب التركي ولهذا الأمر معنيان: الأول أن الأتراك شعروا بقلة حيلتهم في الموضوع وأن المثل العربي القائل <طلعوا من المولد بلا حمّص> ينطبق عليهم، فأقدموا على هذه المناورة في استانة الثاني، من أجل تحسين وضعيتهم في المفاوضات.

الحل-ليس-في-جعبتهم------2أما الثاني، فيُعتبر من خلاله ان القصف الروسي لموقع تركي قرب مدينة الباب السورية والذي سقط فيه قتلى وجرحى، كان بمثابة رسالة مبكرة محسوبة روسيا تزامنت مع زيارة رئيس المخابرات الأميركية <مايك بومبيو> إلى تركيا في أول زيارة خارجية له. وهنا لوحظ ارتفاع نبرة الرئيس التركي <أردوغان> بعد مقابلته رئيس المخابرات الأميركية، وهو ما جعله يُعيد طرح قضية تحرير الرقة ثانية وحتمية عدم امكانية تحقيق أي نجاح على هذا الصعيد من دون مشاركة تركية فعلية في عملية التحرير هذه. وبعد كل هذه <الدربكة> او التخبطات كما يُسميها البعض، تستوجب القول ان مؤتمر استانة بجزئيه الأول والثاني قد فشل قبل أن ينعقد وانه منذ اللحظة، قد بدأت الأنظار تتوجه إلى جنيف. والسؤال هو، هل حصل الأتراك على ما هو جديد في الملف السوري يمكن أن يحققوه في جنيف؟

 

الحل في جعبة الاميركي والروسي

بين اعتاب ابواب مؤتمر استانة والمكاسب التي يسعى الافرقاء الذين شاركوا فيه، وبين النظرة الى عقد مؤتمر جنيف لمتابعة التسوية السياسية لوقف الحرب اﻻهلية ان صح القول، تجري اﻻطراف المعنية باﻻزمة السورية حسابات مصالحها طالما أن أغلب الدول المشاركة أو المتورطة في القتال الدائر باتت تدرك بأن المسألة أصبحت منوطة بالوقت وبالتفاهم الروسي - اﻻميركي مع بداية عهد <دونالد ترامب> الذي ينسف السياسة الخارجية لسلفه <باراك اوباما> ومنافسته الرئاسية <هيلاري كلينتون>. فوفق المعطيات والتحليلات البارزة، يظهر بشكل جلي سباق الوقت من اجل فرض قواعد جديدة، فالجانب الروسي خط الدستور الجديد للدولة السورية العتيدة وفتح نقاشاً مع أطراف معارضة معتدلة للبحث في حيثية وصلاحيات رئاسة الحكومة لكونها تحفظ الحضور السني من ضمن تركيبة النظام الجديد في المستقبل ما يجعلها شريكة فعلية من داخل المعارضة-السورية-حائرة-على-الجبهات------6السلطة.

وبالموازاة تطرق <ترامب> الى البحث في موضوع فرض مناطق آمنة في سوريا على وقع مراجعة شاملة لسياسة بلاده في الشرق اﻻوسط والتي تشكل نقاطا أكثر سخونة مثل اﻻتفاق النووي اﻻيراني وترتيب العلاقة مع الخليج العربي وفق أوليات المصالح اﻻميركية والنفط، وبالسياق نفسه يتجه نحو نقل السفارة اﻻميركية من تل أبيب الى القدس في سياق اﻻعتراف النهائي بكونها عاصمة إسرائيل النهائية. وفي المقابل يبدو <أردوغان> في سياق مختلف تماما كونه يسعى من اجل تأمين استقرار بلاده بعد اﻻنقلاب الفاشل وهجمات اﻻرهاب في الداخل على الرغم من ان بلاده عضو في حلف شمال اﻻطلسي، غير أن إنحيازه الراهن صوب الشرق وتقاربه مع روسيا الى حد ما يخلق له اشكالية كبيرة في المعادلة السورية لكونه الحاضن الأول للمعارضة السورية وهو اليوم يعمل جاهدا من اجل تثبيت واقع الشمال السوري بما يتلائم مع مصالحه ومصالح بلاده.

 

هل يكون جنيف بمستوى استانة؟

 

وبعد مفاوضات شاقة مع الجانب الروسي استمرت أربع ساعات، أعلن رئيس وفد المعارضة السورية محمد علوش، أنه سيتم نقل المفاوضات حول آليات وقف اطلاق النار إلى أنقرة من دون تحديد الموعد. وقال علوش في مؤتمر صحافي في استانة: تلقينا وعوداً من موسكو بإيقاف القصف على مناطق المعارضة، وأنهم سيرسلون لنا جدول أعمال لفك الحصار عن الغوطة الشرقية على أن تصلنا عبر الضامن التركي، كما طرحوا آلية سريعة للإفراج عن المعتقلين تبدأ بتسليمهم لائحة من مئة اسم، وهو ما سنعمل على دراسته. كما اكد على رفض المعارضة لأي دور ايراني على ان يكون هناك دور اساسي للمجموعة العربية مثل السعودية والأردن وقطر والإمارات العربية.

وفي وقت اعتبرت مصادر في المعارضة أن مؤتمر استانة كشف عمق الخلافات بين الطرفين الراعيين، الروسي والتركي، رفضت تركيا حتى البحث بالوثيقة الجديدة التي قدمتها موسكو بحيث اعتبرت ان فشل مؤتمر استانة لا يحول دون مشاركة المعارضة السورية في مفاوضات <جنيف 4>، لاسيما وأن الفرصة متاحة لاختبار التعهدات التي قطعتها روسيا في الاستانة. وفي السياق يُحكى عن ان الروسي يبحث عن سبب لاستبدال وفد الهيئة الممثلة للمعارضة بوفد آخر يحقق أهدافها، ولذلك يتمنى وفد المعارضة ان لا تكون مفاوضات جنيف أكثر سوءا من مفاوضات الاستانة.

 

استانة والفشل المتلاحق

رئيس-الوفد-السوري-بشار-الجعفري-قبل-انعقاد-المؤتمر-----A 

لم يفض الاجتماع الثاني من لقاءات استانة التقنية كسابقه إلى تفاهمات مشتركة تعكس جوا من التفاؤل على مسار التسوية السورية، حيث أظهرت معطيات الايام الماضية حجم التعقيدات التي تعترض مسار الخطوة التالية لتفاهم الثلاثي الضامن روسيا وتركيا وايران، وهو ما منع التوافق حتى حول بيان ختامي مشترك. ورغم الإعلان الروسي عن توصل الاجتماعات إلى إنشاء آلية حازمة لمراقبة وقف إطلاق النار، فإن سقف طموحات هذا الاجتماع كان أعلى بكثير حين اختتام سابقه، إذ كان يدور الحديث حول اعداد اللمسات النهائية على خريطة انتشار <جبهة النصرة> في الأراضي السورية، استعداداً لفصل المعتدلين عنها بهدف محاربتها لاحقا، إلى جانب الطرح اللافت من قبل الأردن، حول تسوية تشمل جبهة الجنوب السوري.

وخريطة الفصل كانت هدفا معلنا لإتمامه، وفق ما أوضحه وزير الدفاع الروسي <سيرغي شويغو>، بقوله إن الجانب الروسي يتوقع اقرار خريطة تظهر بدقة مناطق سيطرة المعارضة المعتدلة والتنظيمات الإرهابية، مضيفاً إن رسم هذه الخريطة يأتي على أساس إحداثيات قدمتها الحكومة السورية والمعارضة على حد سواء، ويجب الاسراع في انجاز المهمة المهمة لمحاربة التنظيمات الإرهابية لاحقاً، بالتعاون مع المعارضة المعتدلة وتركيا وإيران. لكن التفاؤل الروسي لم يكن له الأصداء نفسها في استانة، حيث حضر الوفد المعارض على دفعتين، ومتأخراً ليوم كامل، في تناغم مع تخفيض تمثيل الوفد التركي، ناهيك عن تعطيل الأخير لإصدار بيان مشترك في ختام الاجتماع وفق ما أشار إليه رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري.

 

.. ومواقف متناقضة

رئيس وفد الحكومة السورية إلى استانة السفير بشار الجعفري أعلن أن هناك اتفاقا بالتزام كل الجهات الموقعة في استانة بمحاربة الإرهاب، وان هذه الإجتماعات يجب أن تكون أساسا لاجتماعات جنيف. كما ان تقييم مسار استانة هو تقييم ايجابي ما دام يخدم الهدف الأساسي بتحقيق تثبيت وقف الأعمال القتالية وفصل من يؤمن بالحل السياسي عن الإرهابيين. وقال الجعفري خلال مؤتمر صحفي عقب الجلسة العامة لاجتماع استانة: ان تقييمنا لمسار استانة هو تقييم إيجابي ما دام يخدم الهدف النبيل الأساسي الذي أتينا من أجله وهو تحقيق تثبيت لوقف الأعمال القتالية ومن ثم فصل المجموعات المسلحة التي وقعت على اتفاق وقف الأعمال القتالية عن المجموعات التي رفضت التوقيع على الاتفاق.. بمعنى فصل من يؤمن بالحل السياسي عن الإرهابيين.

أما المتحدث باسم وفد المعارضة السورية المسلحة أسامة أبو زيد فقد لفت إلى أنه لم يجر التوقيع على أية وثيقة ختامية عقب إجتماع استانة. ومن جهته أعلن نائب وزير خارجية كازاخستان <عقيل بيك كمالدينوف> أن بلاده تأمل تعزيز نظام الهدنة في سوريا وتفعيل العمليات السياسية في جنيف. أما رئيس الوفد الروسي باجتماع استانة <ألكسندر لافرينتيف> لفت إلى أن الحوار السوري - السوري المباشر لا يزال بعيداً والثقة مؤتمر-استانة-2-----1معدومة بين الجانبين، مع العلم ان موضوع مشروع الدستور السوري والإصلاحات السياسية جرى مناقشتها بشكل عام.

بدوره، رئيس الوفد الإيراني حسين جابر أنصاري أكد التزام طهران بتقديم المساعدة في حل الأزمة في سورية، ورأى أن أهم دور في استانة هو بدء الحوار من أجل وقف اطلاق النار. اما رئيس ما يسمى هيئة الأركان في الجيش السوري الحر العميد الركن أحمد بري، اعرب عن تفاؤله بعد تعهدات الجانب الروسي في اجتماعات اليوم الخميس في استانة، مشيرا إلى عقد اجتماع في العاصمة التركية أنقرة في المستقبل القريب، لبحث آليات مراقبة وقف الأعمال القتالية في سوريا. وقال رداً على سؤال عن عدم تفاؤل أحد أعضاء وفد المعارضة المسلحة: كان هذا قبل الاجتماع، وبعدها الجانب الروسي أبدى أريحية وأعطى تعهدا كاملا، ولن يكون قصف بعد اليوم. لكن في النهاية، نحن نرضى عن نتائج هذا الاجتماع عندما ينفذ على الأرض.

أمل بالحل السياسي فقط

مما لا شك فيه أن ظروف انعقاد مؤتمر جنيف بالنسبة للمعارضة ولكل السوريين، ليست ظروفاً مثالية للحل السياسي في علاقتها مع مطالب السوريين لكنها ليست الأسوأ. ففيها عوامل ايجابية كتوافق أغلبية السوريين وجماعاتهم أنه لا حل للأزمة السورية إلا الحل السياسي، وهذا يترافق مع زخم اقليمي ودولي للسير باتجاه الحل ومحاطة بتوافق عام لمحاربة الإرهاب على أشكاله أكان جماعات متطرفة أو أيديولوجية مولدة للتطرف ونهج القوة المتوحش الذي يسلكه النظام السوري وحلفائه. والاعتقاد الابرز، ان السوريين باتوا امام تحدي تجاوز اخطاء الماضي، وفتح بوابة تفكير وأداء مختلفين في المرحلة الراهنة وباتجاه المستقبل يُمكن أن يؤسس لاستعادة السلام السوري المفقود وعودة المهجرين والنازحين ومعالجة أوضاعهم الإنسانية والمعيشية وطرح قضية المفقودين على بساط البحث، وإطلاق المعتقلين ووضع سوريا على قاعدة الانتقال نحو نظام ديمقراطي يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.

ومنبع الغرابة هو اعتبار كل من روسيا وإيران وتركيا، ضامنين، لتطبيق وقف إطلاق النار الشامل في سوريا، فهذه العبارة بحد ذاتها غير مطروحة ولا هي ملموسة اليوم وحتى ان العديد من السوريين يعتبرونها، نكتة، إذ كيف لتركيا التي تريد الأطراف المؤيدة للنظام السوري كلها وعلى رأسها إيران استبعادها عن القضية السورية أن تكون ضامنة؟ وهل لديها قوات على الأرض غير تلك التي تقدم الدعم لـبقايا الجيش السوري الحر ضمن عملية درع الفرات وقد تعثرت أعمالها في الفترة الأخيرة؟ وغير هذا فإن هذه القوات غير مشمولة أساسا بـعملية وقف إطلاق النار لأنها تقاتل عناصر <داعش>. وأقصى ما تستطيع فعله تركيا هو الضغط على المجموعات المسلحة التي يصلها الدعم عن طريقها من أجل الالتزام بـوقف إطلاق النار. بمعنى آخر، هي تستطيع أن تقول للضعيف متْ كي لا تخرب وقف إطلاق النار ولا تستطيع ان تقول له اليوم، اخرج من وفد-المعارضة-السورية-المسلحة-----7حلبة الصراع، لأن هناك العديد من الدول التي تنتظر خلف الابواب، لكي تموّل ها الفصيل او ذاك.

وايضا عندما تتم مقارنة الموقف الروسي والإيراني بالموقف التركي نجد أن روسيا وإيران حظيتا بموقع القاضي والجلاد في القضية السورية، فهما أيضا ضامنتان، ولكن قوات جرارة وأسلحة فتاكة بين يديهما تُجرّبان استخدام بعضها أول مرة على أحياء سكنية وتجمعات بشرية في الأسواق والمشافي والمخابز. هذا الوضع أثار شكوكاً كثيرة حول حقيقة الموقف التركي من اتفاق وقف إطلاق النار المعلن في سوريا والذي لم يصمد ولو ساعة، ولكن مازال يقال إنه مستمر.

 

السوريون هم من يقررون

كل قرارات الأمم المتحدة حول القضية السورية أكدت أن السوريين وحدهم هم من يقررون مستقبل بلدهم ويختارون الحل الذي يريدونه لمحنتهم، ولكن مجريات ما يحدث تؤكد أن السوريين على رغم كل ما دفعوه ثمنا باهظا للحرية، اغتصبت حريتهم في اتخاذ أي قرار حول مستقبلهم، فإسرائيل هي التي ترسم الخطة، وروسيا تتحرك في الفضاء، والولايات المتحدة في الخفاء، وإيران تعيث في الأرض فساداً، والأمة العربية المنكوبة تتفرج على الخطر القادم معصوبة العينين غارقة في مستنقعات دماء أبنائها. وأما أوروبا التي تدفق إليها المهاجرون واللاجئون فقد باتت محاصرة بين جنون العظمة والتوسع الروسي، وبين اضطراب السياسة الأميركية التي شعرت بأنها فقدت مكانها القيادي للعالم في عهد <أوباما>، وبين خطر انهيار الاتحاد الأوروبي كله، وكانت بريطانيا أول من غادره.

أما النظام السوري الذي تحصن ضد ثورة شعبه كي لا يفقد كرسي الحكم، فقد فضل أن يسلم كرسي حكم سوريا لروسيا وايران على أن يلبي مطالب الشعب في الحرية والكرامة. وأما الثوار الذين تعرضوا للمذابح والإبادة والتدمير والتهجير فقد وجدوا أنفسهم محاصرين من كل حدب وصوب، وصار همهم إنقاذ ما تبقى من سوريا وليس تحقيق الأهداف التي خرجوا من أجلها، وباتت المعارضة السياسية الوطنية تتعلق ببيانات تمتد من جنيف 2012 الى جنيف 2017، وبالقرارات الدولية التي تصدر تباعا عن مجلس الأمن. واكثر من هذا، فقد وجدت هذه المعارضة نفسها، مقلوبة على نفسها لا مغلوبة، وذلك بفعل المصالح والمحسوبيات التي تم ادخالها على برنامج عملها الذي تحول من المطالبة باخراج نظام الاسد من سوريا، الى محاورته والدخول معه في حوار سياسي يمكن ان يحفظ لهم بعض طروحاتهم.