تفاصيل الخبر

إسرائيل وحزب الله.. وسيناريوات المواجهة في ظل "الكورونا"

09/04/2020
إسرائيل وحزب الله.. وسيناريوات المواجهة في ظل "الكورونا"

إسرائيل وحزب الله.. وسيناريوات المواجهة في ظل "الكورونا"

 

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_76745" align="aligncenter" width="601"] استنفار إسرئيلي في تل أبيب لمكافحة الفيروس[/caption]

  بعدما نشر حزب الله خطته حول كيفية مواجهته لفيروس "كورونا"، انشغلت الأوساط الإسرائيلية بمراقبة هذه الخطة ومتابعتها عن كسب وذلك بهدف التحقق من أمرين: الأول يتعلق بمعرفة مدى جهوزية "الحزب" وقدرته على متابعة عملية إنتشار الفيروس في ظل الوضع المالي الصعب الذي يُعاني منه وما إذا كان سيُنفق من ماله على هذه الخطة أو من مال الدولة اللبنانية. ثانياً للوقوف عند الأضرار التي يُمكن أن تصيب حزب الله لجهة الإصابات التي قيل مؤخراً إنها حصلت في صفوف العديد من كوادره وعناصره وأيضاً لمعرفة مدى استعداداته وجهوزيته لخوض أي حرب مُرتقبة معها.

 

استنفارات وتحصينات على الحدود

[caption id="attachment_76748" align="alignleft" width="398"] جهوزية حزب الله العسكرية اًيضاً[/caption]

 تؤكد مصادر أمنية لـ"الافكار" أنّه في اللحظة التي ينشغل بها لبنان السياسي والعسكري والاجتماعي بهموم "كورونا" في ظل حالة التعبئة العامة التي أعلن عنها، فإن هناك حركة عمل دائمة ومستمرة على الحدود مع فلسطين المحتلة يقوم بها الجيش الإسرائيلي من جهته وحزب الله من حدوده. ولفتت المصادر إلى تحصينات علنية وسرية يقوم بها الطرفان تحسباً لما هو أسوأ وخصوصاً في ظل معلومات واردة عن احتمال قيام "اسرائيل" باستهداف مواقع لـ"الحزب" في بعضِ المناطق التي يُسيطر عليها في سوريا أو في مراكزٍ أخرى تقع داخل الحدود اللبنانية وهو أمر في حال حصوله يستدعي رداً من حزب الله ما سيؤدي الى حصول توتر يطاول المنطقة وتحديداً الخط الممتد من اليمن مروراً بالعراق وسوريا وصولاً الى لبنان.

 وكشفت المصادر عن زيارة ذات أبعاد عسكرية وأمنية يقوم بها عدد من ضباطِ دولة إقليميةٍ إلى لبنان بالتنسيق مع "الحزب" وذلك ضمن خطة دفاع موحدة كان عبّرعنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أكثر من مرة خلال إطلالاته الاخيرة. وأكدت المصادر أن الزيارة إلى لبنان ليست الأولى بل سبقها مجموعة زياراتٍ في الإطار نفسه وسوف تكون الحدود اللبنانية - الفلسطينية محط اهتمام بارز لهذه الوفود خلال الفترة المقبلة. وعلى الأرض وفي عمق المناطق اللبنانية، كانت وشهدت منطقة كسروان وجبيل تحليقاً كثيفاً للطيران الإسرائيلي خلال بداية الاسبوع المنصرم، على علو منخفض جداً.

 من جهتها تقدمت وزارة الخارجية والمغتربين بشكوى أمام مجلس الامن الدولي في نيويورك بشأن الخرق الاسرائيلي الخطير للسيادة اللبنانية، مشيرة إلى أن ثلاث طائرات اسرائيلية قامت بقصف مواقع سورية انطلاقاً من الاجواء اللبنانية ما يشكل تهديداً للبنانيين الآمنين. وناشدت الوزارة مجلس الامن الدولي لوضع حد نهائي للخروقات الاسرائيلية إذ تتمادى اسرائيل بانتهاك السيادة اللبنانية بشكل يومي جواً وبراً وبحراً.

 

"كورونا" والسجال ورسالة تحذير للبنان

[caption id="attachment_76747" align="alignleft" width="347"] تدريبات حزب الله على مواجهة كورونا[/caption]

 في ذروة الانشغال بمواجهة تفشي "كورونا" لم يتردّد الإعلام الإسرائيلي عن إثارة مجموعة أسئلة، الأول عما إذا كان وباء "كورونا" سيؤجل المعركة الإقليمية؟ والثاني: هل سيضعف الوباء "أعداء إسرائيل" لدرجة التلاشي؟ وأما الثالث فيحاول أن يتنبأ بحجم الأزمة وتأثيرها في" إسرائيل" والولايات المتحدة والدول العظمى. ويأتي ذلك في غمرة التحليلات الإسرائيلية الدعائية حول لبنان وسوريا والعراق وايران، في ظل انتشار فيروس "كورونا". وهذه الأسئلة هي نفسها التي تشغل الدوائر الإستراتيجية في تل أبيب عن كثب فتتصدر النقاشات والدراسات. وقد عكسها مقال كتبه الباحثان في معهد دراسات "الأمن القومي" الإسرائيلي "إيتي بارون"، و"ياعيل غات"، حيث نُشر في موقع "مباط عال"، الجمعة الماضي، وقالا فيه

إن تفشّي الوباء في العراق ولبنان وسوريا له علاقة بهيئات تواصلت مع وفود كانت قدمت من إيران.

 وفي السياق ذكرت صحيفة "معاريف" أن إسرائيل نقلت رسالة تحذير إلى لبنان عبر "اليونيفيل" من مغبة قيام حزب الله بعملية ضدها، مُستغلاً الإنشغال بالظرف الوبائي الحالي.

 واقع الحال الإسرائيلي، يُشير إلى أن القراءات الإعلامية وحتى الإستراتيجية في تل أبيب تبدو متضاربة بعض الشيء أو كأنها غير قادرة على فهم الظرف الإيراني الحالي وتحليله بدرجة عالية الدقة. فبينما تتحدث عن إمكانية أن تقوم إيران، تحت غطاء أزمة "كورونا"، بتسريع تقدمها في المجال النووي ما يفرض متابعة واستعداداً، إلا أنها تعود وتؤكد أن هذا الاحتمال يبقى ضئيل المعقولية حتى هذه الساعة، ثم، تتنبأ أنه في المدى الأبعد، بعد عدة أشهر، من المتوقع عودة إيران إلى "سياسة الاستفزاز". أمّا بالنسبة إلى لبنان، فقد وضعته صحافة "إسرائيل" في سياق المتضرر من إيران سياسياً إقتصادياً وحتى وبائياً. وتُحمّل القراءات الإعلامية الإسرائيلية إيران مسؤولية وصول الوباء إلى لبنان، مشيرة الى  ان تفشّي الوباء في العراق ولبنان وسوريا له علاقة بهيئات تواصلت مع وفود كانت قدمت من إيران.

..وتهويل بالحرب

 

 يبدو أن كل ما يتعلق بالحروب بين "اسرائيل" وحزب الله هو اليوم مؤجل لمواكبة أزمة "كورونا" وتداعياتها، لكن بعدها حتماً ستكون هناك تطورات كبيرة خصوصاً وأن الاهتمام الإسرائيلي لا يزال يتركزعلى حزب الله الذي يعرف ذلك ويتحضر في السر والعلن لكل الاحتمالات بالإضافة إلى اهتمامه جيداً بإيصال الرسائل السياسية، التي كان آخرها اختراق طائرة مسيّرة الأجواء الفلسطينية المحتلة، فأسقطتها القوات الإسرائيلية، ووصفت الحادثة بأنها خرق للسيادة وخطيرة. والأبرز أن الحزب يعرف أن مناوشاته والتحركات الاسرائيلية لا تستدعيان الدخول في حرب، إذ بالنسبة اليه فإن اللعبة لا تزال ضمن القواعد الممسوكة التي لا تمنع إيصال رسائل متعددة الاتجاهات: أولاً، في اتجاه "إسرائيل" للقول إنه غير غافل عما يجري فيها، وهو جاهز لأي تطور قد يحصل فجأة. وثانياً، إلى المجتمع الدولي حول وجوب تخفيف الضغوط عليه والعقوبات المفروضة عليه. وثالثاً، إلى الدولة اللبنانية، تقول إنه قادر على مواكبة الأحداث والتطورات وفرض ما يريد في معادلات السلم والحرب. أّمّا الرسالة الرابعة وهي الأهم: يريد حزب الله إبلاغ جمهوره بأنه غير غافل عن مواجهة العدو الإسرائيلي، على الرغم من الأزمات والضغوط المالية والعقوبات الاقتصادية. وهو يعتبر أن تلك العملية أتت في إطار الردود السياسية غير المباشرة على اغتيال قاسم سليماني، وإطلاق سراح عامر الفاخوري. وهذه الرسالة ليست بعيدة من الرسائل الكثيرة التي أراد حزب الله توجيهها بكشفه عن خطته لمواجهة أزمة "كورونا"، وإعلانه عن نشره جيشاً من المتطوعين الطبيين، لمواكبة الأزمة، وتجهيز مستشفيات ميدانية في حال حصول أي طارئ، أو انتشار الوباء على نحو تعجز الدولة عن مواكبته. ولأن الحزب يتعاطى مع وباء "كورونا" على أنه حرب كونية، فهو أعدّ أيضاً خططاً استباقية لمخيمات اللاجئين واللبنانيين المغتربين وذلك ردّاً منه على الاتهامات والحملات التي كانت توجه إليه، بأنه لا يجند غير المقاتلين العابرين للحدود.

 

رسائل بين حزب الله واسرائيل: "كورونا" لن يُقيّد حركتنا

[caption id="attachment_76746" align="alignleft" width="322"] إسرائيل تنتهك أجواء لبنان وتستهدف حمص[/caption]

 لا يغيب الأمن عن طاولة التقدير والقرار في تل أبيب، ويثير جملة من الأسئلة إزاء العلاقة بين الفايروس والتحديات الأمنية، ومنها ما هو تحدّ استراتيجي بل وأيضاً وجودي، ما يدفع "إسرائيل" إلى محاولة إفهام الطرف الآخر أن وجود" الكورونا" لا يلغي متابعتها وأجهزتها الأمنية لمواجهة التهديدات على أنواعها، وجاهزيتها للعمل الوقائي والاستباقي. وقد يكون واحداً من أهمّ الاعتبارات التي دفعت تل أبيب إلى شنّ اعتداءات أخيراً على الساحة السورية، هو تأكيد أن مستوى الجاهزية والمتابعة لا يزال على حالته السابقة.

 وخلال بحث صدر أخيراً عن معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، برزت أسئلة حول تأثير "الكورونا" وتعاظم حزب الله التسليحي النوعي، الذي يعرف في إسرائيل بـ"مشروع دقة الصواريخ": هل يستغل حزب الله الفيروس وانشغال "إسرائيل" في مواجهته، كي يحثّ خطاه أكثر في مشروع الدقة؟ السؤال وإن كان مخصصاً في الأساس لتوصيف هواجس ومستويات قلق في تل أبيب إزاء استغلال الأعداء لظرف استثنائي يشغل إسرائيل، إلا أنه في دائرة المعقولية والإمكان يُعَد كاشفاً بقدر ما عن معضلة إسرائيلية لا تنقطع إزاء الساحة اللبنانية.   ويُشير البحث إلى فرضية أن يكون الحزب على اعتقاد  بأن الضغط الكبيرالذي يواجه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نتيجة النقص في الموارد البشرية جراء "الكورونا"، يعدّ فرصة له لتطوير خطوط الإنتاج وحمايتها في سوريا ولبنان وكذلك جهود تخزينها. فهل يستغل حزب الله فعلاً انشغال "إسرائيل" بهذا الوباء لكي يطوّر مشروع "دقّة الصواريخ"؟

 يتقاطع ذلك مع ما ذكر في صحيفة "يديعوت أحرونوت" أخيراً، عن رسائل تهديد أرسلتها "إسرائيل" إلى محور المقاومة، من دون الإشارة إلى كيفية الإرسال ووسائل نقلها، تحذّر فيها من استفزازها، وأنه إذا ظن أحد أن إسرائيل مشغولة بفيروس "كورونا" عن شأنها الأمني، فعليه أن يعيد حساباته، لأنها لن تسكت عن أي استفزاز أو أي ضربة تتلقاها، وسيكون ردها حاسماً. في هذا السياق تؤكد مصادر مقربة من "حزب الله" لـ"الافكار" أن عين الحزب لم تنم مرّة ولم تغمض في أي من الظروف التي مرّ بها، بل العكس فعينه ساهرة وسلاحه واع طالما اسرائيل موجودة على حدوده وسلاحها موجه الى الداخل اللبناني. وتشير الى أن صواريخ الحزب موزعة هي الأخرى في الجبال وعند الحدود ولا مجال على الإطلاق لمباغتته، وبإمكانه التماشي مع أي مغامرة تقوم بها إسرائيل لحظة إطلاق الرصاصة أو القذيفة الأولى.

 

ملجأ للحماية من حزب الله و"كورونا"

 أعلن مسؤولون إسرائيليون، أن الحكومة الإسرائيلية فتحت ملجأ حربياً في تلال القدس للمساعدة في تنسيق حملتها ضد انتشار فيروس "كورونا". الملجأ الذي يطلق عليه "مركز الإدارة الوطني" بني منذ أكثر من عقد بسبب القلق بشأن برنامج إيران النووي وتبادل الصواريخ مع حزب الله اللبناني وحركة "حماس" الفلسطينية. ويضم وفقاً لمسؤولين إسرائيليين، أماكن معيشة ومنشآت للقادة ويمكن الوصول إليه من المجمع الحكومي في القدس والتلال الغربية المؤدية إلى تل أبيب. وقال مسؤول إسرائيلي لوكالة "رويترز": "هذا الملجأ هو أداة أخرى لإدارة ومراقبة وتتبع الفيروس التاجي، مضيفاً: نحن نتفهم أن هذه الأزمة سترافقنا لفترة طويلة من الوقت.

 من جهتها فسّرت اسرائيل خطط حزب الله لمواجهة فيروس "كورونا" على أنها رسالة منه إلى داعميه داخل المجتمع الشيعي في لبنان، مفادها أنه قوة يُعتمَد عليها في الأزمات وأنه حاضر على كل المستويات الخدماتية، تماماً كما هو حضوره في ساحات الحرب. هنا يرد مسؤول بارز مقرب من الحزب، بأنه في الوقت الذي يحارب فيه حزب الله على كل الجبهات وبعزيمة يستمدها من بيئته وجمهوره وقوته وحضوره، تسعى الدولة العبرية للقيام بالمهمة ذاتها ضمن أراضيها، بهدف طمأنه جيشها وشعبها رغم الإحباط الكبيرالذي يلف تل أبيب بعدما تحوّل "كورونا" إلى عدو صحي واجتماعي، بعد حزب الله العدو العسكري والأمني.