تفاصيل الخبر

إصرار مجلس القضاء على رفض ملاحظات وزيرة العدل يهدد بتجميد التشكيلات حتى إشعار آخر!

26/03/2020
إصرار مجلس القضاء على رفض ملاحظات وزيرة العدل يهدد بتجميد التشكيلات حتى إشعار آخر!

إصرار مجلس القضاء على رفض ملاحظات وزيرة العدل يهدد بتجميد التشكيلات حتى إشعار آخر!

[caption id="attachment_76291" align="alignleft" width="216"] وزيرة الدفاع زينة عكر عدرا... "لكل حادث حديث"[/caption]

"ربّ ضارة نافعة"...

هذا القول الشعبي ينطبق على ملف التشكيلات والمناقلات القضائية التي "تجمدت" بفعل حالة التعبئة التي أعلنتها الحكومة اللبنانية وجعلت الحضور في الادارات والمؤسسات الرسمية محدوداً أو معدوماً، فبقيت التشكيلات "لا معلقة ولا مطلقة" في انتظار أي تطور بعيد احياء الحديث عنها ومعه الاجراء الذي سيعتمد بعدما أصرّ مجلس القضاء الأعلى على التشكيلات التي أعدها ولم يأخذ بملاحظات وزيرة العدل ماري كلود نجم التي أوردتها في رسالة خطية أرسلتها الى مجلس القضاء بعدما تلقت مشروع مرسوم المناقلات.

عملياً، لا تشكيلات قضائية في المدى المنظور وهي ترقد على الرف في انتظار من يحييها وسط مقاربة تدل على ان هذه التشكيلات باتت تدور في حلقة مفرغة وسط اصرار مجلس القضاء عليها، وتحفظ وزيرة العدل على بعضها، وسط معلومات تفيد بأن وزيرة الدفاع الوطني زينة عكر عدرا لديها هي أيضاً ملاحظات وان بدت شكلية، لأن مجلس القضاء لم يتشاور معها في ما خص قضاة المحكمة العسكرية كما ينص القانون. كذلك ثمة من يؤكد ان لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون ملاحظات أيضاً على المشروع، وهو ينتظر أن تصله الصيغة النهائية ليسجلها ويربط توقيعه على المرسوم بالأخذ بها لأنه يعتبرها ملاحظات أساسية.

مرة أخرى تبدو العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية في مرحلة دقيقة لأنها تتزامن مع مطالب تزايدت في الآونة الأخيرة تركز على استقلالية السلطة القضائية التي لا تزال مستقلة بالاسم وليس بالفعل، لأن تعيينات الجسم القضائي في مختلف مستوياتها تتم من خلال مجلس الوزراء. لقد سبق لرئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود ان أكد ان التشكيلات ستقر من دون تدخل أحد، وصارح القضاة الذين راجعوه بأن أي شفاعة أو "وساطة" أو "توصية" ستنقلب ضد القاضي الموصى به، وهذا "المنطق" تبناه أيضاً أعضاء مجلس القضاء الذين تضامنوا مع "الرئيس الأول" في موقفه وأقروا تشكيلات تفاوتت التعليقات حيالها بين من اعتبرها "مثالية" ومن وصفها بـ"الانتقامية" ومن قال عنها انها انتقائية...

 

ملاحظات وزيرة العدل!

[caption id="attachment_76290" align="alignleft" width="175"] وزيرة العدل ماري كلود نجم في وضع حرج بعد ضيق الخيارات[/caption]

غير ان ملاحظات وزيرة العدل ماري كلود نجم نقلت المسألة من باب التعليقات الى باب القانون الذي أناط بوزيرة العدل مسؤولية إبداء رأيها في مشروع مرسوم المناقلات عندما يرفع إليها من مجلس القضاء الأعلى. والواقع ان الوزيرة نجم لم تتردد في إبداء رأيها الخطي الذي جاء في ثلاث صفحات استهلته بالتذكير بصلاحيات الوزير، وبالتنويه بجهود المجلس لإصدار المشروع "وفقاً لمعايير موضوعية بعيداً عن كل استثناء مما يكرس ــ كما ورد في الأسباب الموجبة التي أرفقت بمرسوم التشكيلات ــ استقلالية السلطة القضائية ويعزز دورها في إرساء حكم القانون ودولة المؤسسات وضمان حقوق المواطنات والمواطنين وحرياتهم ومكافحة الفساد والاخلال بالأمن، مع التركيز على ما سيكون لهذا الوضع من أهمية بالغة في استعادة ثقة اللبنانيين بالسلطة القضائية". وبعدما ذكّرت الوزيرة نجم رئيس المجلس والأعضاء بأنها وقفت معهم "في وجه أي تدخل سياسي أو غير سياسي في عملية المناقلات والتعيينات ولم تطالب لا باسم ولا بمركز ولا بموقع"، ذكرت انها مصرة على ان تحترم هذه المناقلات مبدأ الشمولية في تطبيق المعايير الموضوعية التي حددها المجلس، وأوردت الوزيرة بعد ذلك الملاحظات الآتية:

ــ أولاً: ان ما ورد في شأن القضاة العدليين لدى المحاكم العسكرية لا يأتلف مع الصيغ والاجراءات التي تنص عليها أحكام المادة 13 من القانون رقم 22/1968 المعدل.

ــ ثانياً: ان مبدأ الشمولية الذي يفترض أن يتلازم حكماً مع تحديد المعايير الموضوعية لم يراعَ بصورة كاملة، على الأخص في النيابات العامة ودوائر التحقيق التي تؤدي دوراً أساسياً في مكافحة الفساد وردعه.

ــ ثالثاً: كنتُ اتطلع الى أن يكون مشروع التعيينات والمناقلات مناسبة لكسر الممارسة الخاطئة على مدى السنوات الماضية والتي قضت بتكريس المواقع القضائية على كافة أنواعها ودرجاتها للطوائف والمذاهب، مما أدى الى تحويلها الى مراكز نفوذ ومحاصصة في مختلف المناطق اللبنانية، ومنع كثيراً من الأحيان وصول القاضي المناسب الى الموقع المناسب بغض النظر عن انتمائه الطائفي أو المذهبي. وكان من الممكن المحافظة على التوازن الطائفي من دون الاستمرار في هذه الممارسة التي تشكل مخالفة للمادة 95 من الدستور وتتنافى مع تطلعات الشعب اللبناني بعد انتفاضة 17 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي.

 

طعن أم تعديل؟

[caption id="attachment_76289" align="alignleft" width="413"]  رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود... لا تعديل على التشكيلات القضائية[/caption]

كتاب الوزيرة نجم حرّك مجلس القضاء الأعلى الذي عقد اجتماعاً مع الوزيرة بناء على طلبها، لكن الملاحظات الوزارية لم يأخذ بها المجلس الذي أبقى التشكيلات على حالها من دون أي تعديل، وأعادها الى الوزيرة معللة بكتاب حول الأسباب الموجبة ــ في رأي مجلس القضاء ــ لعدم الأخذ بملاحظات الوزيرة، مع الإشارة الى ان مجلس القضاء صوّت بأكثرية سبعة أعضاء من أصل عشرة، محرجاً بذلك وزيرة العدل التي ستكون أمام خيارين: الأول التوقيع ما يعني انها تجاهلت ملاحظاتها ما يسبب لها احراجاً أمام الرأي العام، أو لا توقع ويبقى مشروع المرسوم في حوزتها في وزارة العدل حتى اشعار آخر. ويقول الذين التقوا الوزيرة نجم انها باتت في وضع لا تحسد عليه بعد ضيق الخيارات، ما قد يضطرها الى التوقيع وارفاق مشروع المرسوم بكتاب الى الرئيس عون ورئيس الحكومة حسان دياب يعرض ملاحظاتها ويترك لهما خيار التوقيع أو عدمه. وإذا اختارت وزيرة العدل الخيار الاول ووقعت، تبقى وزيرة الدفاع زينة عكر عدرا فهل ستوقع على المرسوم أم لا بعدما تجاهل مجلس القضاء الأعلى مجرد سؤالها عن رأيها في قضاة القضاء العسكري؟... إلا ان الوزيرة التي ترفض الكشف عن الخطوة التي ستعتمدها، تكتفي بالقول إنه عندما يصلها مشروع المرسوم تبدي رأيها فيه، لاسيما وان في هذا المشروع تعيينات للمدعي العام العسكري الذي سيشغل هذا المنصب القاضي كلود غانم خلفاً للقاضي بيتر جرمانوس حيث يقال بأن مرجعية معنية "زكّت" اسمه لهذا المنصب.

وفيما رددت مصادر قضائية أن ثمة من يخطط من القضاة للطعن لدى مجلس شورى الدولة بالتعيينات إذا صدرت كما تسربت، فإن مراجع قانونية ذكّرت مجلس القضاء الأعلى بأن التشكيلات القضائية تصدر بمرسوم "بناء على اقتراح وزيرة العدل" ما يعني ان موافقة الوزيرة نجم ضرورية كي يأخذ المرسوم طريقه القانوني، وليس صحيحاً بأن تواقيع وزراء العدل والدفاع والمال ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية هي تواقيع شكلية وخصوصاً توقيع رئيس الجمهورية وهو التوقيع الأخير الذي يؤمن صدور المرسوم أو عدمه، علماً ان مرسوم التشكيلات هو مرسوم عادي لا يحتاج الى موافقة مجلس الوزراء. ولعل تجربة عدم توقيع الرئيس عون لمراسيم سابقة لم يوافق عليها تؤكد ان حاجز بعبدا ليس حاجزاً شكلياً بل هو الأساس لضمان صدور المرسوم. وتخشى المراجع نفسها من أن يؤدي عدم تجاوب مجلس القضاء الأعلى مع الملاحظات التي قدمتها الوزيرة نجم الى تجميد التشكيلات حتى إشعار آخر، ما يبقي القديم على قدمه، ويستمر القضاة في شغل مواقعهم وكأن شيئاً لم يكن!