تفاصيل الخبر

”اسـمـعــــي“ قـصـــــة حـــــب جـريـئــــــة لا تـشبــــه غيرهــــا..

03/02/2017
”اسـمـعــــي“ قـصـــــة حـــــب  جـريـئــــــة لا تـشبــــه غيرهــــا..

”اسـمـعــــي“ قـصـــــة حـــــب جـريـئــــــة لا تـشبــــه غيرهــــا..

بقلم عبير انطون

poster_129321-----A

أجمل من متعة مشاهدة فيلم <اسمعي> الجديد لفيليب عرقتنجي كانت متعة الحوار معه. تستفزه باسئلتك فيجيب على استفزازك بآخر يجعل الحديث مشوقا كما قصة الحب الجميلة والفريدة في الفيلم والتي لن نفضحها. اسمه بات محل ثقة سينمائياً لأنه لا يعمل الا بما يرضي المشاهد المثقف، الذي لا تغره مشاهد حميمة بأجساد عارية جعلت الرقابة اللبنانية تصنف الفيلم لمن <بلغوا سن الرشد>، بأكثر ما يغره ذلك الاحساس المرهف في كاميرا فيليب واخراجه، والتهذيب السينمائي الذي يخاطب به المشاهد بدون <كلفة> أو تعال.

يقوم فيلمه الذي يبدأ عرضه في الصالات ابتداءً من 9 شباط/ فبراير المقبل على أكثر من ثنائية نجدها في مسار حياة كل من الاختين <رنا> و<مروى>، ونلحظها ما بين الحب في العشرينات وفي الخمسينات، وثنائية الضجيج والصمت، وعالمي الحياة والرقاد، والذكر والانثى، وفي طبقتين اجتماعيتين ودينيتين مختلفتين، وصولاً الى عالمين مختلفين ما بين شرق وغرب..

مع فيليب وفيلمه الروائي الرابع كان حوار <الافكار> وسألناه بداية:

ــ لماذا طلبت منا نحن الصحافيين على عتبة الدخول لمشاهدة الفيلم الا نتوقع الكثير، مم خشيت؟

- لمَا عرض الفيلم في مهرجان <دبي> خرج الحضور وبادرني بالقول انه مختلف عن افلامي السابقة، فشعرت بأن المشاهد يأتي الى الفيلم بأفكار مسبقة واضعاً في رأسه ما سبق وشاهده لي من افلام من <البوسطة> الى <تحت القصف> و<ميراث>، فكانت مقدمتي قبل عرض الفيلم للصحافيين في لبنان الا يتوقعوا الكثير، وأن ينزعوا من رؤوسهم كل الافكار المسبقة عما يمكن still_127807-(5)-------Aان يشاهدوه لعرقتنجي خاصة وان الفيلم مختلف تماماً عن كل ما سبق وقدمته.

ــ هناك خيوط تستمر من افلامك السابقة، بينها مثلاً علاقة الشرق والغرب، مع تحية عالية من قبلك للشرق حيث الحضارة التي استفاد منها الغرب وأخذ عنها. السنا بحاجة اليوم في السينما وغيرها الى ما يجمع بين هذين العالمين من دون تمنين الاول للثاني عما قدمه له وما أخذه عنه؟

- أتأسف جدا ان كنت قد فهمت انني استفز الغرب في فيلمي او اتحداه. لا ادخل في حرب ضد الغرب على الاطلاق، ولست انا في شخصيتي وتفكيري ونمط عيشي من يقوم بذلك خاصة وانني فرنكوفوني واعيش في الغرب. جلّ ما في الأمر هو حوار نذكّر فيه ما كان عليه العالم العربي من انفتاح خاصة في موضوع الحب الذي كان يبلغ حد الاباحية حتى! بالعكس، في شخصيات الفيلم اقتراب اكبر من العالم الغربي، واكثر ما يظهر ذلك في شخصية <رنا> (ربى زعرور) فيما اختها <مروى> (يارا بو نصار) شخصية عربية تحب رجلاً اجنبياً، ونشعر بأن <رنا> اوروبية اكثر مما نشعر بأنها عربية من حيث نمط تفكيرها وطريقة لباسها وعيشها، وهي امرأة متحررة تتخذ الخطوة الاولى تجاه الشاب الذي اعجبها، وهذه الشخصية هي خليط ما بين الاثنين حتى ان وجهها يوحي بذلك، والكثيرون من اللبنانيين هم على هذا النموذج المختلط بين عالمين، حتى بيروت المدينة فانها تظهر بصورة حديثة وعصرية.

ــ لماذا اخترت وجوهاً غير معروفة في التمثيل ليكونوا ابطال الفيلم، وهل تكون هنا ادراة الممثل أسهل ام أصعب؟

- فضلت اعتماد وجوه جديدة لأكثر من سبب، فقد اخترت شاباً لا يملك الخبرة بمعنى انه <خام> لديه البساطة والتلقائية الطبيعية أمرّنه واشتغل معه على الدور وفضلته على اختيار ممثل محترف اعلمه العفوية فكان هادي أبو عياش، لست ضد اختيار ممثلين محترفين لكن من يملك الخبرة السينمائية لن يكون في العشرينات من عمره وهو العمر الذي اريده لبطلي. ربى ليست معروفة بشكل كبير وكانت قد مثلت في فيلم <كاش فلو>، ويارا لديها خبرة في المسرح ووالدها يعمل في المجال. لكن حتى وصل هذا الاحساس العفوي الى الجمهور تتطلب الامر جهداً كبيراً امتد الى نحو شهرين ونصف الشهر، نقرأ فيها السيناريو ونراجعه، ونعدل الكثير فيه ليتلاءم مع لغة الابطال وشكلهم وحركاتهم، فطوعت السيناريو لهم، كما قمنا بالكثير من التمارين. فالمشهد الحميم مثلا ما بين العاشقين <جود> و<رنا> جربناه قبل التصوير اكثر من مرة ليس باجسام عارية كما يظهر في الفيلم حتى يكون الممثلان مرتاحين من دون تصنع.

صورة-فيليب-عرقتنجي-----A 

الرقابة حتى الـ18..

ــ المشاهد الحميمة جعلت الرقابة تصنف الفيلم لمن هم فوق الـ18 عاماً، هل هذا محق برأيك؟

- لن اقوم بنسخة <حلال> وأخرى <حرام> من فيلمي حتى تشطب الرقابة تصنيفه <لمن فوق الـ18>... ابنتي بعمر الرابعة عشرة وقد شاهدت الفيلم.

ــ ماذا عن مشاركة الممثل القدير رفيق علي احمد بدور مقتضب جداً، اية اضافة شكلها وجوده بالنسبة لك؟

- مشهد مقتضب لكنه أساسي ينقل مجرى الاحداث من مقلب الى آخر. أردت ممثلا يقنع المشاهد بما يقوله وفكرت برفيق للتو، وعندي <حرقة> بأنني كتبت سيناريو لرفيق علي احمد لم اجد له انتاجا وذلك منذ 15 عاما. نحن صديقان، وكلما اراه نتساءل متى سنتعاون معا في عمل واحد وكانت الفرصة في <اسمعي>. لقد تقبل الفكرة بسهولة فهو لا يؤمن بدور كبير وآخر صغير بل بجودة الدور وما يقدمه فيه، والأمر سيان بالنسبة الى جوزيف بو نصار الذي اقدره جداً وهو والد يارا في الفيلم كما هو والدها في الحياة. لقد اطلع احد الاصدقاء الفرنسيين على الفيلم فاثنى على اختيار <الكاستينغ> الجميل والمتناسق.

ــ في الفيلم <شلّة> صديقات من المجال الثقافي والفني من لينا ابيض ولينا خوري الى جوزيان بولس ولمى لاوند، وهن يشاركن معك في الفيلم عبر نقاش حول المرأة اللبنانية وهمومها المتشعبة. هل اردت وجها ثقافياً لهذا الحوار عبر الوجوه التي اخترتها؟

- جاء ذلك ثمرة التعاون مع عبلة خوري في الانتاج. الـ<لينتان> جاءت مشاركتهما بناء على اقتراح من بشارة عطالله الذي عمل معي في كل افلامي السابقة ولطالما شكل قيمة مضافة في عملي.. هؤلاء أشخاص أحبهم جميعا ما انعكس على اجواء العمل، وكنا في جو مرح جميل، كما تعاونت مع كريستوفر عون كمدير للتصوير وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين، وقد جاء من المانيا مصطحباً معه خبرة قيمة. لم أعتمد وجوها جديدة في التمثيل فقط بل في المجال التقني أيضا، وانا <الختيار> الوحيد في الفيلم و<الشايب> بينهم. فالجو العام في الفيلم شبابي بامتياز.

نقلة نوعية!

still_127799-----A

ــ من فيلم <البوسطة> مروراً بأفلام <تحت القصف> و<ميراث> والآن <اسمعي>، اين التطور السينمائي لديك، في اي مجال؟

 - على الصعيد الشخصي وحتى مماتي اعتقد ان فيلم <ميراث> سيبقى اجمل افلامي، ليس لأنني اشتغلته بطريقة اهم من الافلام الاخرى على الرغم من انني استمررت بالعمل عليه لاربع سنوات، بل لانني ضمنته الكثير من ذاتي، من عالمي ومن تساؤلاتي.  أما الآن، فقد اكتفيت من ان اكون مخرجاً ذا قضية، وان اكون رسولاً او الناطق بلسان هذه الفئة من الشعب او تلك، فيقال ان فيلمي يمثل اللبنانيين او لا يمثلهم... يمثل شريحة من يقومون بالعلاقة الجنسية قبل الزواج ومن لا يقومون بها...  انا لا أريد سوى ان اكون راوي حكايات. لست <سفير لبنان> حتى اكون ممثل هذا النموذج او ذاك. جلّ ما اريده، رواية قصة بالطريقة التي اختارها. نحن المخرجين اللبنانيين المعروفة افلامنا في الخارج ينتظر منا ان نتناول اوضاع لبنان وسوريا والحرب و<داعش>.. الخ. كسينمائي، لست مضطراً الى التطرق الى وحشية الحرب او الى ظروف بلدي او ما يتعرض له. في فيلم <اسمعي> اردت قصة حب بكل بساطة، قصة قد تكون في بيروت او نيويورك او شنغهاي، ما كان شيء ليتبدل الا طاقم الممثلين. النقلة النوعية لي في هذا الفيلم انني أصبحت مخرجاً حراً بمعنى انني أختار وبطريقتي ما أريد ترجمته على الشاشة.

ــ في اعمالك عادة الكثير من حياتك ومن شخصيتك، هل كانت عبارتا <تعبت اسمع عقلي> و<يا ريت سمعت جسمي من زمان> تعبيراً عن حالتك؟

 - في شخصيتي احمل ثنائية تجمع المثقف <intellectuel> بالرومانسي والـ<عييش> بمعنى محبة الرقص والغناء والموسيقى، وكان فيلم <البوسطة> خير دليل على ذلك، فأنا أحب الفرح والرقص والموسيقى، من هنا ايضاً كانت مشاركة رنين الشعار في غناء جميل في الفيلم، وقد عملت شخصياً على قسم من موسيقاه.. هذه العلاقة بين <الثقيل> و<الخفيف> احملها في شخصيتي وربما جسدتها <مروى> من خلال شخصيتها كمعلمة للادب العربي تحاضر في تلامذتها في الصف وترقص لخطيبها في المساء. <اسمعي> فيلم موجه للجسد، للأحاسيس، للأذن اكثر مما يتوجه الى العقل، اما يُقال: <والاذن تعشق قبل العين احياناً؟>.

ــ لكنك تظهر بمظهر جدي جداً..

- ربما، ولا تنسوا انني بمهنتي منتج ايضاً، وعلي ان اتعامل بلغة المال والارقام والميزانية وانا <برغماتي> جدا في هذا المجال.

ــ بعد عرض الفيلم للصحافة ولحجوزات خاصة بالشركات وغيرها، ما الانتقاد المحق الذي سمعته؟

- هناك غلطة صغيرة لن اطلعكم عليها. اكتشفوها بأنفسكم.

(يضحك فيليب ويكمل قائلاً):

- هناك احيانا وجهات نظر مختلفة، فمنهم من قال لي: <ليتك اكملت اكثر بقصة مروى>، فيما اراد آخرون التعمق اكثر في موضوع <رنا>... البعض اعتبر <جود> في النهاية <خائناً> ومنهم من رأى هذا العاشق في ذروة الوفاء. لقد قدمت لوحة وكل يقرأها بحسب شخصيته. لبنانيون كثيرون يختارون في المقام الاول فيلم <البوسطة> الذي فاق عدد مشاهدته 240 الف مشاهد، والذي رمم جسر الثقة من جديد بين المشاهد والفيلم اللبناني بعد انقطاع طويل بعد فيلم <ويست بيروت> لزياد دويري، فيما أحب المشاهدون الغربيون فيلم <تحت القصف>.. في النهاية انها وجهات نظر مختلفة، وانا أتعرف على شخصية المشاهد من خلال اختياره الفيلم الافضل بالنسبة له.

still_127802-(1)----A ــ لا اشارات كثيرة في الفيلم عن الوضع اللبناني، ربما كانت كلمة <انفجار> هي الوحيدة...

- هناك ثلاثة أمور أخرى، اولها بـ<زابينغ> الذي يقوم به <جود> على التلفزيون وهو يسمع نشرات الاخبار الى الاشارة لموضوع النفايات عبر الراديو وقصة الفساد عبر التلفزيون..

ــ لماذا لم نر <الخال> الذي يكلمه البطل في اكثر من حين؟

- اردت حضوره هو أيضا من خلال الصوت فقط. انا افتخر بأنني قدمت مشاهد عديدة في الفيلم من دون حوار، دون كلام. اردت للصوت ان يكون البطل مع كل ما يحفزه هذا الصوت في اثارة مشاعر مختلفة. في اكثر من مشهد يفتح البطل ميكروفونه وآلات تسجيله للصوت ويمشي من دون اي كلام ومن دون ملل للمشاهد على ما اعتقد. ومن اجمل مشاهد الفيلم <المونولوج> الذي تتكلم فيه <مروى> مع اختها وهي لا تجيب، هو مشهد واحد من دون انقطاع. كذلك فان مشهد الضحك ليس سوى حوار بالضحكة وليس بالكلام. من النادر ان نشاهد في الافلام السينمائية اللبنانية مشاهد طويلة من دون حوار.

ــ تحدثت عن جو الفيلم الشبابي بامتياز، من تعتقد انه سيكون جمهوره؟

- الفيلم اردته جماهيرياً، ومن خلاله أهدف الى اعادة بناء الجسور مع الجمهور الشبابي بشكل خاص. احب الجمهور اللبناني واحترمه الا انني ادعوه الى عدم التباطؤ في حضور الفيلم، والتوجه الى اي فيلم لبناني بعد اختياره جيداً فلا يطلق على جميع الافلام النعوت عينها. هناك افلام على مستوى عال وثمن البطاقة هو عينه، فاختاروا <الطبق> الذي يستحق، طبقاً لمخرج يحمل في جعبته اربعين فيلماً وثائقياً واربعة افلام روائية وبدأ المشيب يغزو رأسه.

 ــ هل كان تأمين الانتاج صعباً، ونعرف انه في الانتاجات المشتركة تفرض بنود من حيث عدد التقنيين الاجانب والموافقة على النص الى ما هنالك، هل واجهت ذلك في <اسمعي>؟

- لم نجد انتاجاً سريعاً للفيلم في الغرب لأن بعضهم للأسف يريد الصورة الاخرى، صورة الحرب والارهاب والهوية الضائعة والعنف ضد النساء وغيرها مما يثار من مساوئ في الاعلام، الا انني وفقت بمنتج فرنسي منفتح العقل والقلب شارك في مغامرة الفيلم بمبلغ ليس بكبير. برأيي ان فيلم <اسمعي> هو فيلم مقاومة بامتياز، بمعنى انه يقدم قصة حب جريئة في شرق اوسط يتخبط بمشاكله ووسط محيط وجوار مشتعل على اكثر من جبهة... قصة حب في بلد على حدوده نيران تكوي وارهاب يدمر... انه انتصار لغريزة الحياة على القتل والموت!