تفاصيل الخبر

أسلوب جديد في التعاطي تعكسه سفيرة أميركا: العلاقة مع الحكومة معقدة...والجيش "شريك"!

23/04/2020
أسلوب جديد في التعاطي تعكسه سفيرة أميركا:  العلاقة مع الحكومة معقدة...والجيش "شريك"!

أسلوب جديد في التعاطي تعكسه سفيرة أميركا: العلاقة مع الحكومة معقدة...والجيش "شريك"!

 

 

[caption id="attachment_77288" align="aligncenter" width="618"] السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا[/caption]

في 11 آذار (مارس) الماضي قدمت السفيرة الأميركية في بيروت "دوروثي شيا" أوراق اعتمادها الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلفاً للسفيرة السابقة "اليزابت ريتشارد" التي انتقلت الى وزارة الخارجية الأميركية. وفي أقل من شهر بدأت السفيرة "شيا" تطلق المواقف وتتحرك في لقاءات سياسية وديبلوماسية أظهرت أن الادارة الأميركية قررت أن تعتمد أسلوباً جديداً في التعاطي مع الوضع في لبنان يقوم على التدخل أكثر في شؤونه الداخلية سواء كان الأمر يتعلق بتعيينات في مصرف لبنان خصوصاً، أو في مقاربة لبنان للملفات الأساسية حيث كان للسفيرة "شيا" أكثر من مجرد رأي أو ملاحظة لديبلوماسي...إذ اعتمدت على "توجيه" الحكومة نحو ما يخدم "مصالحها"...

 الذين التقوا السفيرة "شيا" لاحظوا أن فرقاً كبيراً في مقاربتها للمواضيع اللبنانية بينها وبين السفيرة "ريتشارد"، فالأولى كانت تتناول المواضيع بشيء من الحدة لتوصل رسالتها، في حين أن الثانية  تعتمد أسلوباً مختلفاً يقوم على الحوار والنقاش وصولاً الى الاستنتاج أو التوجه. وهذا الأمر يدل على أن مرحلة جديدة من العلاقات اللبنانية ــ الأميركية بدأت بالفعل خصوصاً في المواضيع التي تختلف وجهات النظر حولها. ويلحظ من التقتهم السفيرة "شيا" أن في لغتها بعض "الجرأة" التي توافرت أيضاً في من سبقها، لكن الأمور تقال بشكل أكثر "سلاسة" من الأسلوب المعتمد راهناً مع رأس الديبلوماسية الأميركية في بيروت.

 والاطلالات الاعلامية التي قامت بها السفيرة "شيا" تركت انطباعات مختلفة لدى الاعلاميين، فمنهم من اعتبر أنها "تروي غليل" الاعلاميين في أحاديثها، ومنهم من اعتبر أنها تختار كلماتها بـ"عناية" وتذهب مباشرة الى هدف السؤال، وإن كان الجواب يأتي أحياناً ديبلوماسياً بكل معنى الكلمة. والواضح أن الادارة الأميركية راغبة في التعاطي مع الشرعية اللبنانية بالتوازي مع تعاطيها مع المعارضة ورموزها الذين زارت السفيرة "شيا" القسم الأكبر منهم وتنتظر لاستكمال القسم الآخر على رغم الظروف الاستثنائية التي فرضتها مكافحة وباء "الكورونا" واعتماد الحجر المنزلي الطوعي مع اعلان حالة التعبئة العامة. والدليل على الرغبة الأميركية في ابقاء العلاقات مع "الشرعية" جيدة، هو تلبيتها دعوة رئيس الجمهورية الى اجتماع مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان الذي انعقد في قصر بعبدا، وإدلائها بموقف بلادها من الأوضاع اللبنانية الراهنة، في حضور رئيس الحكومة ونائبته ووزراء يهتمون بالشؤون الانسانية والاقتصادية والصحية والتجارية، بينهم وزير الصحة الدكتور حمد حسن الذي كاد وجوده في القاعة أن يحدث أزمة لولا معالجة المسألة في الدقيقة الأخيرة، خصوصاً وأن الادارة الأميركية تحظر على المسؤولين فيها والسفراء عدم الالتقاء بأي مسؤول في حزب الله الذي تعتبره واشنطن حزباً إرهابياً. لقد "تقبلت" السفيرة "شيا" على "مضض" وجود الوزير حسن في القاعة، لاسيما وأنها لم تكن وحدها، بل ضمن سفراء دول المجموعة الدولية، ولم توجه إليه الكلام ولا هو فعل وإن كان غمز بطريقة غير مباشرة من الاجراءات الأميركية التي قال إنها "تعيق" وصول المعدات اللازمة للجسم الطبي والاستشفائي في لبنان.

نصائح بالجملة!

أما المقاربة من الحكومة فالسفيرة "شيا" تعتمد أسلوب "النصح" لاسيما في دعوتها حكومة الرئيس حسان دياب الى عدم الاكتفاء بإعداد أوراق ومشاريع قوانين، بل عليها أن تحقق تغييراً حقيقياً في مسار البلاد، وإنهاء الفساد والهدر لأن الاصلاحات والمساءلة والشفافية هي مفتاح الدعم الأميركي، لأن من شأن الاصلاحات المتعلقة بمكافحة الفساد وبعمل الجمارك وبالشفافية المصرفية "أن تخدم الشعب اللبناني على أفضل وجه وأن تقضي على نفوذ حزب الله في هذه القطاعات خصوصاً أن الحزب يستغل بعض أدوات الدولة التي يمكنه الوصول إليها لمصالحه الخاصة أو لمصالح إيران"... ولا تتردد السفيرة الأميركية في وصف العلاقة مع الحكومة بأنها "معقدة ومتعددة الوجوه" معتبرة أن واشنطن قلقة من الطريقة التي تمت بها تشكيل الحكومة وما إذا كانت ستؤكد حقاً استقلالها كحكومة تكنوقراط، وهذا ما يدفع بالادارة الأميركية الى اعتماد نهج الانتظار والترقب لأن المسؤولين الأميركيين لا يقيّمون الحكومة على أساس ما يصدر منها من مواقف فحسب، بل من خلال الأفعال للتأكد ما إذا كان وزراء الحكومة من "المستقلين" فعلياً، أم أنهم سوف يتأثرون بـ"جهات أخرى" عند الانتقال الى مرحلة التنفيذ خصوصاً في ما يتعلق بالاصلاحات الاقتصادية الصعبة المطلوبة لإعادة الاستقرار الى الاقتصاد اللبناني وفي معالجة الفساد الذي تعاني منه البلاد.

 ويلاحظ المتحدثون الى السفيرة "شيا" بأنها تميز بين التعاطي مع الحكومة اللبنانية والمؤسسات الدستورية الأخرى، وبين التعاطي مع الجيش اللبناني الذي تعتبره "أحد أركان دعمنا، ونحن نعمل معه منذ عقود لأنه شريك موثوق به وهو في الخطوط الأمامية دائماً، وهو كان كذلك حتى في مكافحة وباء "كورونا". وفي ترجمة فعلية للتعاون مع الجيش، فإن المساعدات الأميركية التي وصلت لمواجهة "كورونا" سُلمت الى الجيش فقط الذي تصفه "شيا" بأنه "يحظى باحترام كبير لكونه محترفاً وليس مسيساً وهو نقيض حزب الله". كذلك تميز واشنطن بين الحكومة والمواطنين، فتقول السفيرة في هذا المجال إن المساعدات التي تقدمها بلادها "هي للشعب اللبناني" الذي تشعر معه بالارتباط أكثر مما تشعره مع الحكومة أو مع أي مؤسسة رسمية أخرى (غير الجيش)، والاستجابة لأي نداء انساني ستبقى من أسس الموقف الأميركي حيال لبنان الذي تركز واشنطن على "شعبه" بالتزامن مع تشجيع الحكومة اللبنانية على المضي قدماً في اصلاحاتها الاقتصادية لأنها بذلك تكون تستجيب الى مطالب المتظاهرين الذين لجأوا الى الشارع كي يطالبوا بها.

تدخل في التعيينات!

وتستذكر السفيرة "شيا" أمام محدثها مسألة العميل الاسرائيلي عامر فاخوري الذي أفرج عنه مؤخراً ونقلته مروحية أميركية من السفارة في عوكر الى اليونان ومنها الى واشنطن، فتؤكد انه لم تكن هناك أي صفقة لاطلاقه وهو مواطن أميركي اضافة الى جنسيته اللبنانية، معترفة بأنه لو بقي فاخوري في لبنان قيد المحاكمة أو لو كان أدين فإن "تشريعات صارمة" للغاية كانت ستحصل ضد لبنان ما يعقّد العلاقات بين البلدين أكثر فأكثر... لكنها تفضل ألا تستعمل عبارة "تهديدات أميركية مسبقة" وتكتفي بالإشارة الى "المسار" الذي كان سيؤدي الى اجراءات بحق لبنانيين تصدر عن الكونغرس، لاسيما أولئك الذين ساهموا بسجنه أو سهلوا ذلك.

 ويلاحظ محدثو السفيرة أن مسألة تدخلها في التعيينات المالية لصالح أحد نواب حاكم مصرف لبنان السابقين كي يعود الى المركز الذي كان يشغله، هي صحيحة، لكن السفيرة "تغلّفها" تحت عنوان "الصداقة مع لبنان"، والحاجة الماسة الى استعادة ثقة المجتمع الدولي والقطاع المصرفي والقطاعات المالية، الأمر الذي يفرض ــ كما تقول السفيرة ــ وجود أشخاص يتمتعون بمصداقية في المناصب التي تؤثر على المؤسسات المالية في لبنان، وهذا أمر مهم لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد اللبناني واستعادته على أساس متين. وتضيف من دون أي تردد أن الأفضل كي يزدهر الاقتصاد من جديد، القيام بعمل شاق ما يتطلب وجود أشخاص في مواقع السلطة! لكن ذلك لا يمنع، حسب السفيرة الأميركية، من أن تتوقع فرض عقوبات على حزب الله ومن يدعمه "بهدف الحد" من إساءة استخدام حزب الله على سبيل المثال لايرادات كان ينبغي أن تذهب الى الدولة، لذا سوف تستمر العقوبات وربما هناك أفراد آخرون سوف يخضعون لها، لكن لا تعلق السفيرة ما إذا كان هؤلاء من المقربين من دوائر السلطة أو السياسيين أو الأشخاص المؤثرين.

 كل ذلك، وتقول السفيرة "شيا" إنها لا تريد أن تتدخل في الشؤون اللبنانية لكن ذلك لا يمنعها من تسجيل "ملاحظات" وإبداء "نصائح" والاضاءة على جوانب مهمة في موقف بلادها من لبنان وشعبه... وخصوصاً جيشه!