تفاصيل الخبر

اشربوا نخب الرئيس بري!

28/09/2018
اشربوا نخب الرئيس بري!

اشربوا نخب الرئيس بري!

 

بقلم وليد عوض

منذ أن تناولت معه الترويقة زمان السبعينات داخل دارته في شارع بربور، وأنا أرى في الرجل تواضعاً يزداد يوماً بعد يوم.

في تلك الترويقة التي جمعتني معه منفرداً رأيته يحمل علبة بودرة الحليب، ويضع لي فنجاناً، ثم يضع لنفسه فنجاناً آخر. لا خادم ولا سكرتير يتولى أن يخدمه في ذلك الفطور.

فهل تراجع الرئيس نبيه بري عن تواضعه، بعدما أصبح رئيس البرلمان الأكثر استمراراً عقب الزمن؟

للمراسم حساباتها في هذا الموضوع، إلا أن قوة شخصية الرئيس بري كانت تطفئ أمامه كل عسير. وعندما أراد توسيع مساحة المركز الدائم لرئيس مجلس النواب، اصطدم ببيت المختبر المركزي، وأدرك بحسن الفهم والتقدير كيف يقنع وزير الصحة ورئيس الوزراء الدكتور سليم الحص، بحتمية نقل هذا المركز الطبي الى مكان آخر. وقد عاتبني شخصياً لأنني كشفت هذا الموضوع واعتبره مساً بأحقية العمل السياسي. فتوسيع دائرة محل إقامة رئيس مجلس النواب يخدم كل من يتسلم هذا المركز، وكرامة الدولة من كرامة رئيس مجلس النواب.

والرئيس نبيه بري رجل نضال حتى لو اضطرته الظروف الى السفر المؤقت خارج لبنان، لكنه لم يستقل من روحه النضالية ولا خلط بين قوة رئاسة المجلس وقوة المراسم والضرورات. وحسب نبيه بري ان يكون قد تتلمذ نضالياً على يد الإمام موسى الصدر. وأنشأ معه في بعلبك حركة <أمل>، وهي الحركة التي تخدم المغلوب على أمرهم والمعذبين في الأرض، وقد عرفت حركة <أمل> على أيامه حسن التنظيم وبراعة الانضباط.

وما كان وجه الرئيس نبيه بري مكفهراً وبركان غضب، مثلما كان حاله وهو يتبلغ مساء 31 آب (أغسطس) 1978 نبأ اختطاف الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين من فندق الشاطئ في طرابلس الغرب، ثم عصفت به الساعات الآتية فيما بعد، وظل ملازماً للتليفون وللعائدين من ليبيا، ليستعلم عن قصة الاختطاف، والظروف المحيطة بها، ودور العقيد معمر القذافي شخصياً في تنفيذ هذا الخطف المريب.

وفي جلسة جمعتني بالرئيس صائب سلام العائد من ليبيا، بعد حادث الاختطاف، وتداولت وإياه في موضوع الإمام، فأخبرني انه شخصياً كاد يتعرض لحادث خطف أو احتجاز عندما زار طرابلس الغرب مع الدكتور جميل كبي. فقد أعلن عزمه على الرحيل بعدما تعذر الموعد مع العقيد القذافي، وقام المرافقون بحزم الحقائب وتجهيز أوراق العودة الى بيروت، ولكن ضابطاً ليبياً على رأس فريق أمني جاء الى الفندق وقال للرئيس سلام بأن يلغي سفره الى بيروت، فلم يملك الرئيس سلام إلا أن يقول للضابط: الامتثال خير الأدب!

وبذلك تحاشى الرجل كل مكروه.. والأمر نفسه تكرر مع الإمام موسى الصدر فكان رده بأنه عازم على السفر، بانتظار مناسبة أخرى.

وبأخلاق الإمام موسى الصدر، وبغيرته على الجنوب وعلى لبنان اعتصم الرئيس نبيه بري، فغابت صورة المحرومين، بعدما كان الجنوب مضرب المثل في الحرمان والتهميش!

وما استوعب رجل سياسة هموم الجنوب والفئات الكادحة مثلما استوعبها نبيه بري، وبالروح نفسها يحاول الآن أن يستوعب الأزمة الحكومية ويحول المستحيل الى ممكن، والحكومة الممنوعة من الصرف الى حالة إجرائية.