تفاصيل الخبر

أصبح للبنان فولكلور جديد اسمه محاربة الفساد

05/01/2017
أصبح للبنان فولكلور جديد اسمه محاربة الفساد

أصبح للبنان فولكلور جديد اسمه محاربة الفساد

بقلم خالد عوض

IMG_8347

بدأ شعار محاربة الفساد يفرغ من أي مضمون أو قيمة، فلو كانت هناك نية حقيقية لمحاربة الفساد لكان عدة مدراء عامين موجودين حالياً في السجن أو على الأقل محالين إلى القضاء، ولكن يبدو أنه ستمر ست سنوات جديدة من دون أن نرى مسؤولاً يخضع لتحقيق أو موقوفاً في السجن. كيف يمكن الكلام عن محاربة الفساد عندما تكون أهم بؤر الفساد في البلد محمية من الزعماء أنفسهم الذين يريدون محاربة الفساد، خاصة أن معظمهم ممثلون في الحكومة؟

لنفترض أن هذه الحكومة وفي ظل هذا العهد تريد أن تحارب الفساد بحق، من أين تبدأ وكيف؟

الخطوة الأولى هي تعيين رؤساء جدد للهيئات الرقابية المختلفة ولبعض المؤسسات الحكومية التي ينخر فيها الفساد، حتى لو لم يتأكد ضلوع أي مدير عام أو رئيس مصلحة في أي قضية فساد، فإن ضخ دم جديد و<نظيف> في بعض مراكز الفئة الأولى يعطي إشارة واضحة أن هذا العهد جدي في الإصلاح.

الخطوة المصاحبة لذلك هي إنشاء إدارة لمحاربة الفساد بصلاحيات رقابية وقضائية واسعة تكون تابعة مباشرة إلى رئيس الجمهورية. إن عمل إدارة كهذه يمكن أن يوفر على البلد مليارات من الدولارات كل عام بينما لن تزيد تكلفتها عن خمسة ملايين دولار سنوياً على أبعد تقدير، مما يعني أن إنشاء إدارة متخصصة في مكافحة الفساد هو من أجدى الاستثمارات الممكنة اليوم في البلد، وليس هناك أي سبب مالي لعدم القيام بذلك، ويضاف إلى هذا كله القيمة المعنوية في تحسين سمعة لبنان وتعزيز الثقة باقتصاد البلد في حال وجود إدارة كهذه، كما أن إنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد بتوافق سياسي وطائفي كامل حول صلاحيتها المطلقة، يمكن أن يوفر الكثير من المهاترات والخلافات التي ستنتج إذا تم تحويل مدير من هذه الطائفة أو مسؤول تابع لهذا الحزب أو ذاك التيار للمساءلة.

مع كل الاحترام للرئيس ميشال عون وكلامه الجدي في محاربة الفساد، ومع كل التقدير لوزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني، فإن البلد بغنى عن فولكلور جديد وبحاجة إلى مأسسة مستدامة لمسألة محاربة الفساد المستشري، والذي لا يبدو أبدا أنه انكفأ مع العهد العوني، بل بالعكس، فإن البوادر تشير أن الحال مستمر كما هو وربما الإتجاه إلى الأسوأ بعدما وضعت خطط النفط والغاز على النار الحامية.

هناك من سيقول أن الكلام الذي سبق فيه تجن على العهد ونواياه، وأن الحكومة الجديدة بحاجة إلى فرصة ووقت لتترجم البيان الوزاري وخطاب القسم إلى أفعال لا أقوال. كما أن محاربة الفساد لا تكون بعصا سحرية وبين ليلة وضحاها. الجواب هو أن الخسارة الناتجــــــــــــــــة عن الفساد كبيرة إلى درجة تستلزم اجراءات حازمة وسريعة، ولا تحتمل التسويف والمماطلة، كما أن أماكن عبث الفساد ليست خافية على أحد، من مغارة الكهربـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء إلى دهاليز الاتصالات مرورا بنفق الأشغال وصولاً إلى بؤرة النفايات. ولكن لو افترضنا أن كل هذا بحاجة إلى وقت، فالأجدى أن يتوقف الكلام نهائيا في هذه المرحلة عن ميشال-عون-5مكافحة الفساد حتى لا يصبح أحد الكليشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيهات المملة لرئيس الجمهورية والذي سيخسره من صدقيته مع الوقت. النصيحة الصادقة للعهد هي في ضرورة توقف الكلام نهائيا عن مكافحة الفساد وعلى مختلف المستويات. هكذا تصبح الأفعال هي المقياس وليس النوايا.

في كل أمر تقوم به إسرائيل رسالة إلى الغرب والعالم كله، أنها دولة مؤسسات تسود فيها الديمقراطية الخالصة في وسط بؤرة عربية مليئة بالأحقاد والحروب و..الفساد. وهي بهكذا رسائل تستثمر في تعاطف الغرب معها وفي التأثير العميق بالرأي العام الغربي والعالمي على أنها <الضوء الأوحد في منطقة ظلماء>. هذه عبارة يستخدمها كل سفراء إسرائيل في العالم كما يرددها بإستمرار رئيس الوزراء الإسرائيلي <بنيامين نتنياهو> وأعضاء حكومته. النفي القاطع لهذا التبجح الإسرائيلي يمكن أن يأتي فقط من لبنان، الدولة الديموقراطية شبه الوحيدة في العالم العربي والتي فيها نموذج للعيش بين الطوائف يدحض كل مزاعم الدولة الصهيونية، ولكن حتى نتمكن من إقناع العالم بذلك يجب أن نرى أجهزة محاسبة حقيقية أو نشاهد وزيراً أو رئيساً يستجوبه القضاء، تماما كما حصل مع <نتنياهو> الأسبوع الماضي عندما استجوبته الشرطة الإسرائيلية في منزله بتهمة الحصول على هدايا بقيمة <آلاف الدولارت> من رجال أعمال اسرائيليين (نعم التهمة هي بالآلاف وليس بالملايين). مجرد الاستجواب طرح إمكانية استقالة <نتنياهو>. وللتذكير، فإن رئيس الوزراء السابق <إيهود أولمرت> يقضي منذ سنة عقوبة ١٩ شهراً في السجن بتهمة الحصول على رشوة...

وحتى يأتي اليوم الذي يمكن أن نرى فيه النائب العام المالي يتوجه إلى بعبدا أو عين التينة أو بيت الوسط أو الى منزل أي مسؤول آخر، نكرر النصيحة للرئيس ميشال عون في مسألة مكافحة الفساد: <خير الكلام ما قل ودل>...