تفاصيل الخبر

أسباب سياسية وتقنية متشعبة جعلت لبنان يعتذر عن عدم قبول المساعدات الإيرانية المتنوعة!

01/03/2019
أسباب سياسية وتقنية متشعبة جعلت لبنان  يعتذر عن عدم قبول المساعدات الإيرانية المتنوعة!

أسباب سياسية وتقنية متشعبة جعلت لبنان يعتذر عن عدم قبول المساعدات الإيرانية المتنوعة!

 

في اطلالته الاعلامية ما قبل الأخيرة، تحدث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بإسهاب عن استعداد الجمهورية الاسلامية الإيرانية لمساعدة لبنان في المجالات كافة، الاجتماعية، والاقتصادية، والتنموية، والأمنية، انطلاقاً من العلاقات <المميزة> التي تجمع بين لبنان وإيران، والتي يضعها <السيد> في مصاف متقدم قياساً الى العلاقات بين بيروت ودول أخرى. وفي تلك الاطلالة أيضاً، التي كان يحيي فيها ذكرى الثورة الإيرانية، أكد السيد نصر الله ان طهران لا تريد شيئاً من لبنان مقابل أي مساعدة تقدمها له لأن هذا الدعم <غير مشروط>، وتوجه باللوم الى الحكومات اللبنانية المتعاقبة التي رفضت التجاوب مع الرغبة الإيرانية بتقديم هذه المساعدات، على رغم الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان واقتصاده ومجتمعه وحياة أبنائه. وأسهب <السيد> في تقديم تفاصيل كثيرة عن ماهية هذه المساعدات الى درجة دخل في مواضيع هي من اختصاص الموظفين أو الخبراء...

إلا انه في الاطلالة الأخيرة الأسبوع الماضي، لم يأت <السيد> على ذكر العروض الإيرانية بتقديم مساعدات على أنواعها، لاسيما المساعدات للجيش وفي مقدمها أنظمة الدفاع الجوي الذي كان تحدث عنها يوم تناول الدعم الإيراني المعروض على لبنان. كذلك غابت كل المواضيع المتعلقة بالمساعدات عن الكلمة التي تناول فيها شؤوناً داخلية من الحكومة التي كانت نالت الثقة، الى المرتقب من أولويات في أدائها وغير ذلك من المسائل المطروحة. وبقي السؤال: لماذا غاب الدعم الإيراني عن خطاب السيد نصر الله؟

لبنان غير قادر

 

تقول مصادر مطلعة ان الأمين العام لحزب الله أدرك من خلال المعطيات التي توافرت لديه ان لبنان ليس في وارد القبول بالمساعدات الإيرانية العسكرية مهما كانت الظروف، وذلك لأسباب سياسية من جهة وتقنية من جهة أخرى، في السياسة، تضيف المصادر نفسها، لا يمكن للبنان أن يتحمل في هذه الظروف الاقليمية والدولية، حصاراً دولياً عليه أو مقاطعة من الدول الكبرى والمنظمات الدولية لأن عملية <عزله> ستصبح واردة ان هو قبل مساعدات إيرانية لاسيما العسكرية منها، في وقت تعمل الولايات المتحدة وعدد من الدول الكبرى على إحكام الحصار على إيران حتى تشل قدرتها على انتاج الأسلحة أو على لعب دور مناهض لسياسة الغرب ضمن ما يُعرف بـ<خط الممانعة>... ويشير مطلعون على ان زيارة نائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط السفير <دايفيد هيل> الى لبنان قبل أسابيع، حملت رسالة واضحة من الادارة الأميركية خلاصتها ان واشنطن تعمل من أجل وصول طهران الى <صفر قدرة> على لعب أي دور فاعل في الأحداث الاقليمية وتقليص نفوذها في دول الجوار الى <الصفر> أيضاً، وان هذا القرار لا رجوع عنه، والولايات المتحدة ستضع كل امكاناتها في سبيل الوصول إليه.

أما الأسباب التقنية فتتلخص بأن ما بين 80 الى 90 بالمئة من الأسلحة والذخائر التي حصل عليها الجيش اللبناني خلال الأعوام الماضية تأمنت من الولايات المتحدة الأميركية من خلال اتفاقات تعاون وتدريب عدة بين الجيشين اللبناني والأميركي، وبالتالي فإن أي تسليح جدي للجيش من أي جهة أجنبية، أكانت إيرانية أم روسية أم صينية أو أي مصدر خارج السرب الأميركي، فإنه يستوجب قراراً سياسياً استراتيجياً بتحمل تبعات خسارة الدعم العسكري الأميركي للجيش لصالح الحصول على دعم عسكري من جهات أخرى. وهذا التطور ــ إذا حصل ــ لا يشمل الناحية العسكرية فحسب، بل يشمل أيضاً الناحية السياسية ما يجعل هذا القرار يتجاوز حاجات الجيش اللوجستية وقرار قيادته ليشمل القرار السياسي من السلطات اللبنانية التي قد لا تتحمل عملياً مثل هذه الخطوة بالنظر الى الظروف الراهنة.

 

المرحلة للمواجهة!

وتشير المصادر نفسها الى ان المرحلة الراهنة، هي مرحلة مواجهة مفتوحة بين إيران من جهة، والولايات المتحدة من جهة ثانية، وبين محور يجمع إيران الى بعض الدول المعارضة للسياسة الأميركية، والكثير من الدول الغربية والعربية التي يمكن تصنيفها من ضمن المحور الأميركي العريض. من هنا، فإن أي قرار بتسليح الجيش اللبناني من جانب إيران، يؤشر الى انتقال تلقائي للبنان الى محور جديد، مع ما يترتب على ذلك من تبعات أمنية وسياسية واقتصادية ومالية لهذا الخيار، خصوصاً ان واشنطن اختارت تشديد العقوبات أكثر فأكثر على إيران، وعلى كل الدول والجهات التي تتعامل معها... وعليه فإن المصادر نفسها تقول أن لا خلاف بين اللبنانيين على أهمية تسليح الجيش وتقوية قدراته القتالية وعلى أن ذلك هو من الأولويات بالنظر الى دور الجيش في الحفاظ على الأمن والاستقرار وسلامة الأراضي. إلا ان ما هو صحيح أيضاً ان أي خطة تسليح يجب أن تُدرس من النواحي السياسية والعسكرية كافة وليس من زاوية أمنية لوجستية فحسب. ويطالب البعض بأن يتزامن اعتماد أي خطوة لتسليح الجيش، مع خطة متكاملة تتناول إعادة تركيب بنية الجيش ومنظومته العسكرية بحيث تتم حماية كل الثكنات والمنشآت والمراكز والمواقع العسكرية، ناهيك بضرورة تغيير استراتيجية العمل وتحرك الوحدات المقاتلة لحمايتها من هجمات جوية محتملة.

أما بالنسبة الى عروض الكهرباء التي قدمتها طهران للمساعدة في مجال الطاقة، فثمة خبراء يرون أن هناك عقبات تقنية (إضافة الى العقبات السياسية طبعاً)، إذ يؤكد الخبراء في وزارة الطاقة ان مسألة استجرار الكهرباء من إيران عبر سوريا لا تغطي الكثير من حاجة لبنان، لأن الشبكة الكهربائية لا تحتمل استجرار أكثر من 276 ميغاوات كحد أقصى، في حين ان حاجة البلاد لتأمين الكهرباء على مدار الساعة (24/24)، ومن دون أن نحتسب الطاقة التي تنتجها البواخر المستأجرة، تزيد على ألف ميغاوات بفعل النزوح السوري. ولا ننسى في هذا السياق ان استجرار الطاقة من إيران عبر سوريا يتطلب قراراً حكومياً واضحاً يحسم مسألة التنسيق مع السلطات السورية وهو غير متخذ بعد.

في أي حال، العروض الإيرانية لمساعدة لبنان على تجاوز الصعوبات المالية والاقتصادية... ستبقى قائمة، مع تراجع أمكانية قدرة لبنان على قبول مثل هذه المبادرة!