تفاصيل الخبر

ارتفاع أسعار السلع يفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية!

30/01/2020
ارتفاع أسعار السلع يفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية!

ارتفاع أسعار السلع يفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية!

 

 

رئيس ”جمعية حماية المستهلك“ زهير برو:النموذج المتبع حالياً لاستيراد المحروقات غير كاف لأنّه لم يتجاوز احتكار التجّار الكبار!

بقلم طوني بشارة

المتتبع لأحوال السوق في لبنان يلاحظ أن أزمة إقتصادية خانقة لاحت في الأفق وباتت تؤثر على الحياة الإجتماعية التي يعيشها اللبنانيون. أزمة تفاقمت كنتيجة حتمية لإرتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية وألقت بعواقبها الوخيمة على المواطنين من جهة والتجار من جهة ثانية، لكونها قد ترافقت للأسف مع فوضى في الأسواق في موازاة شح السيولة بالعملة الخضراء والإجراءات التي فرضتها المصارف على السحوبات.

أزمة أقل ما يقال عنها بأنها ثنائية الأبعاد ففي ظلها تستشري إحتجاجات وإعتراضات محقة، فمن جهة تتعالى صرخات المواطنين جراء غلاء الأسعار، ومن جهة أخرى يشكو التجار وأصحاب المؤسسات علناً عدم قدرتهم على إستيراد السلع النهائية والمواد الأولية والتي يتطلب معظمها الدفع بالدولار فضلاً عن تقييد المصارف لقدرتهم على تحويل الأموال إلى الخارج.

اما بلغة الأرقام وإستنادا الى تقرير المديرية العامة للإقتصاد والتجارة الذي صدر مطلع العام الحالي فاننا نلاحظ إرتفاعاً كبيراً بأسعار السلع. على سبيل المثال ارتفعت أسعار الخضراوات الطازجة بنسبة 5 بالمئة عن شهر كانون الأول، كما سجلت أسعار اللحوم إرتفاعا بنسبة 27 بالمئة في أسبوع واحد، وحذّرت <النقابة اللبنانية للدواجن> من فقدان المنتج من الأسواق بعد أن ارتفعت الأسعار بنسبة تجاوزت الـ 8 بالمئة مؤكدة ( اي نقابة الدواجن) بأنها تحتاج 30 مليون دولار شهريا من المركزي اللبناني، وإلا فان الدواجن واللحوم ستختفي من الأسواق.

مما يعني أن المشكلة التي يواجهها المزارعون والتجار في لبنان هي سابقة من نوعها، وقد تؤدي إلى فقدان المنتجات والسلع من السوق في حال لم يتم ايجاد حل سريع وجذري للمشاكل الداخلية، خاصة أن لبنان يستورد 75 بالمئة من استهلاكه للمواد الغذائية.

وازاء هذا الوضع المتردي، طلب وزير المال في الحكومة الحالية الدكتور غازي وزني من المانحين الدوليين 4 او 5 مليارات دولار في صورة قروض ميسرة لتمويل الوقود والقمح والأدوية لمدة عام.

 

برو يشرح تفاصيل أزمة الغلاء!

 

في ظل هذه التطورات كان لا بد من طرح تساؤلات عدة تتمحور حول السبب الرئيسي لإرتفاع الاسعار، وما السبل الممكن اتباعها لتجنب أو على الأقل للحد من تداعيات هذه الأزمة.

<الأفكار> التقت رئيس <جمعية حماية المستهلك> الاستاذ زهير برو الذي أفادنا قائلا:

ــ اللافت أنه ومنذ إعلان <مصرف لبنان> في 5 كانون الأول (ديسمبر) 2019 (التعميم 536) موت النموذج المالي والإقتصادي، دخلت البلاد في مرحلة سوداء جديدة، اذ لمسنا  إرتفاع الأسعار، للمرّة الأولى في تاريخ لبنان، بمعدّلات تتجاوز الأربعين بالمئة خلال 3 أشهر وهو المظهر الأكثر حدة، فحكومة تصريف الأعمال كانت تتفرّج كما ورئيس الحكومة الجديد حسان دياب لم يعلن أي موقف، فيما عمق الأزمة يستلزم حكومة تفكّر بطريقة مختلفة عن حكومات الثلاثين سنة الأخيرة، ولنبدأ بالتخلّص من حكومات <الوحدة الوطنية> لأنّها النموذج <الأفضل> لإلغاء الديمقراطيّة وتعميق الأزمة.

وتابع برو قائلا:

ــ لا يمكن الإنكار أن نسب الغلاء في الوقت الحالي باتت مفتوحة وقد تجاوزت في بعض الحالات الـ100 بالمئة أو الـ50 بالمئة تبعاً للسلع والمناطق، وأشدد على كون الإرتفاع قد تراوح ما بين 30 و40 بالمئة منذ نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، فالغلاء يتفاوت بين المناطق بسبب الفوضى والفلتان وغياب أي معيار موحّد لتحديد الأسعار، وبالتالي لا يتوانى أي تاجر عن تحقيق الأرباح هذه الفترة.

ــ ما السبب الرئيسي لهذا الامر وهل من مسؤولية تقع على عاتق الجهات الرسمية؟

- ان تراجع قيمة الليرة مقابل الدولار بنسبة 60 بالمئة أوصلنا إلى هذا الغلاء في الأسعار، وحتى مع انخفاض هذه النسبة إلى 40 أو 50 بالمئة منذ بعض الأيام إلاّ أن الأسعار مستمرة في الارتفاع.

ومن الطبيعي إستغلال الوضع الراهن لرفع الأسعار وتحقيق الأرباح بخاصّة أن الدولة استقـــــــــــــالت من دورها لتختفي بالكامل وتتلطى خلف الصرافين وكبار التجار الذين يحددون قيمة الليرة والأسعار، وبالتالي هذه فرصة أمام المستفيدين. علماً أن الأسعار ما قبل الأزمة في لبنـــــــــــــــــــــــان كانت أغلى بنسبة ثلاثين بالمئة بالمقارنة مع أسعار المنطقة بحسب <البنك الدولي> مما يجعل المواطن معتاداً على تصرّفات مشابهة.

ــ هل من دور معين لعبته وزارة الاقتصاد والتجارة خلال مرحلة تصريف الأعمال؟

- لقد راقبت وسطرت محاضر ضبط بأعداد هائــــــــــــــــــــــــلة لكن القضاء لم ينفّذها، ولا يمكنها أن تفعل شيئاً بخاصّة أن ما من قاعدة قانونية للمنافسة ومنع الاحتكارات وتحديد الأسعار، فالموضـــــــــــــــــــــــوع سائب والتجار يتصرفون على مزاجهم والمسؤولون لا يبالون بالفلتان الحاصل.

 

القيمة الفعلية للعملة وسلة الاجراءات الواجبة!

ــ على الصعيد الرقمي، ما هو التفسير للإنخفاض الحاصل في القدرة الشرائية للمواطن؟

- لا يخفى على أحد بأن الحد الأدنى للأجور هو 450 دولاراً شهرياً وبات يوازي اليوم 270 دولاراً أي أن الموظّف يتقاضى تقريباً نصف راتب في الحد الأدنى، كما وان ارتفاع أسعار السوق يترافق مع الإنخفاض بقيمة العملة لأن تراجع المدخول يتراوح ما بين 60 و62 بالمئة في حين أن الأسعار ترتفع بنسبة موازية أو بما نسبته 40 بالمئة، لذا باتت عملية الشراء لا تتجاوز القدرة الشرائية بـ200 دولار.

ــ الحكومة تشكلت فهل من إجراءات معينة يفترض إتباعها للخروج من الأزمة؟

- على الحكومة الجديدة أن تبدأ فوراً بعد تشكيلها بالتخلّص من إدعاءات الإقتصاد الحر الكاذبة والتبجّح بدور المصارف الرائد والقدير، ولتدرس تجارب الدول الّتي تعرّضت للإنهيار، فالإجراءات للحدّ من الأزمة في هذه المرحلة الاستثنائيّة يجب أن تكون استثنائيّة.

ــ وما هي هذه الاجراءات التي تنصحون بها كـ<جمعية حماية المستهلك>؟

- بما أن <جمعية حماية المستهلك> واكبت الأوضاع الإجتماعيّة والإقتصاديّة والصحيّة للمواطن اللبناني طوال 20 عاماً، فانها تقترح على اللبنانيّين وعلى الحكومة إتخاذ الإجراءات الآتية للَجم الأسعار ورفع الظلم اللاحق بمعظم اللبنانيين:

ــ توسيع مجال الأمن الاجتماعي ليشمل القطاعات الاتية: الدواء، كلّ الحبوب الأساسيّة (من قمح، ارز، سكر، عدس، فاصوليا، حمص، فول)، المحروقات، اللحوم، الحليب والأجبان والألبان بما فيها الأعلاف. وعلى الدولة دعم استيرادها وتثبيت أسعارها لتبقى بمتناول الفئات الأكثر فقراً.

ــ التنبّه لحقيقة أنّ الدعم لبعض السلع تحوّل في الماضي إلى دعم لتجّار هذا القطاع أو ذاك، مثلاً المطاحن والأفران وتجار المازوت والشمندر السكري وغيره.

ــ وماذا عن الخضار والفاكهة الا يشملها الدعم؟ وهل من إجراءات مفترض إتخاذها تجاه الجمعيات؟

- لا ضرورة لدعم الخضار والفاكهة المحليّة، بل الإستثمار الفوري في الزراعة عبر تخصيص ميزانية مضاعفة للزراعة والصناعة، أي الذهاب نحو نموذج إقتصاد منتج.

 وبما يخص الجمعيات فلا بد من إقفال كلّ مجالس الريع للطوائف (انماء واعمار والجنوب والمهجرين)، ووقف دعم كلّ الجمعيات الوهميّة، ووضع خطط لاسترجاع الأموال المنهوبة واموال الهندسات الماليّة والأملاك البحريّة والتهرب الضريبي والجمركي. وهنا يُمكن للمغتربين أن يؤدّوا دوراً مساعداً مهمّاً عبر الرساميل اللبنانيّة الموجودة في أكثر دول العالم كي تتحرّك لتأمين خطوط التجارة مع لبنان من دون المرور عبر زعماء الطوائف وعائلاتهم.

ــ ولكن الوزيرة السابقة ندى بستاني اتخذت خطة استيرادية معينة للغاز والمحروقات، أفلا يمكن إتباعها كنموذج؟

- على مؤسسات الدولة البدء باستيراد السلع الأساسيّة من دون وسيط، وفق برامج محدّدة لا تنتظر اللحظة الأخيرة، وعبر إدارة المناقصات لا عبر الوزير، ومن دون صفقات.

 نموذج الإستيراد الحالي للمحروقات المتبع من قبل بستاني غير كاف لأنّه لم يتجاوز احتكار التجّار الكبار، ومعظمهم من السياسيين وعائلاتهم، وهم في أصل رفع الأسعار قبل الأزمة الحاليّة بمعدّل 30 بالمئة أعلى من أسعار دول المنطقة. فلتشرف الدولة على استيراد السلع الأساسيّة المذكورة أعلاه، ولتتّجه نحو الاستيراد المباشر لها كلّما أصرّ التجار الكبار على الحفاظ على الأسعار الاحتكاريّة الماضية.

 

إلغاء الاحتكار وتحرير الاقتصاد!

ــ الاحتكار واقع لا محالة منه فكيف يمكن تجاوزه؟

- يجب العمل على التحرير الفوري للاقتصاد وذلك عبر إلغاء كلّ أشكال الاحتكار وفي كلّ القطاعات (وأهمّها المحروقات والغاز والإسمنت والنقل والحديد والسيارات) وكلّ المستوردات الأساسيّة، وهذا يتطلّب إلغاء المرسوم الاشتراعي رقم 34 الصادر في 5/8/1967 الذي سمح ببناء قطاع الاحتكارات تحت حماية الطبقة السياسية له، ولقد حاولت <جمعية المستهلك> منذ عام 2001 إلغاءه من دون نتيجة، حتّى أنّ الاتحاد الأوروبي فشل أيضاً في ذلك عام 2008، ولبنان هو الوحيد في العالم الذي يرعى الاحتكارات ويحميها.

ــ ولكن البعض يسعر داخليا وفقا لفرق الدولار، فما الحل لهذا الامر؟

- يجب على الجهات المعنية فرض استخدام العملة الوطنية فوراً كعملة وحيدة في المعاملات الداخلية وعلى رأسها كلّ أشكال الفوترة، وتخصيص العملات الأجنبية للاستيراد حصراً.

وختم برو حديثه قائلاً:

- انّ هذه الإجراءات التي ذكرتها وبمجملها ستخفّف من أخطار البطالة والفقر وعدم الاستقرار والعنف الاجتماعي الذي أطلّ برأسه بقّوة خلال مطلع العام، وذلك بانتظار بناء دولة خارج نظام الطوائف ولحين التخلّص الكامل من نموذج المحاصصة المالي - المصرفي الحالي الذي يقف وراء الفساد والانهيار... وانني لأرى أن وجود اللبنانيين في الشارع للدفاع عن مصالحهم هو بداية الحل.