تفاصيل الخبر

ارتـفـــــاع عــدد زوار جـبــــل مـــــوسـى الـــى ألــــفـي شـــخـص خــــلال ثـــــلاث سـنــــوات!

20/11/2015
ارتـفـــــاع عــدد زوار جـبــــل مـــــوسـى الـــى  ألــــفـي شـــخـص خــــلال ثـــــلاث سـنــــوات!

ارتـفـــــاع عــدد زوار جـبــــل مـــــوسـى الـــى ألــــفـي شـــخـص خــــلال ثـــــلاث سـنــــوات!

بقلم عبير انطون

1  على مدى 6550 هكتاراً يتمدد جبل موسى ما بين كسروان وجبيل، ليعيدنا من وسط غابات النفايات التي نتنفسها أمراضاً وعفناً وروائح كريهة، الى بخور ورياحين من <قطعة سما> لم تهجر لبنان بعد، الى جنات رسمها الخالق بريشته فتشكلت ودياناً وهضاباً وأنهاراً وكانت مرتعاً لأدونيس وعشتروت يحفران اسطورتهما على جوانبها. في هذه البقعة اللبنانية <البكر> تاريخ لماضٍ مجيد عرفه البشر والحجر والطير والنبات، وإصرار على البقاء فيه لئلا ينقرض كما بعض الانواع التي لم تعد موجودة في اية منطقة في العالم الا في.. جبل موسى!

فمن هو موسى؟ ومن أين جاءت التسمية؟ من يهتم بهذا الجبل اليوم وما هي النوادر فيه؟ من يستفيد منه؟ ومن هم اصدقاء الطبيعة الذين أبوا الا ان يجعلوا من جبل موسى قبلة للسياحة البيئية من لبنان والعالم؟

 

 العصا والأمير..

 

المعلومات حول تسمية جبل موسى أقرب الى الحكايات وهي متضاربة جداً. منهم من يقول ان النبي موسى نسي عصاه فيه فأُطلق عليه اسمه، ومنهم من يستبعد الفرضية مستبدلاً اياها بأخرى محلية بحت، وهي ان الاسم يعود الى موسى احد المشايخ اللبنانيين من عائلة دحداح انتقم لمقتل نجل امير المنطقة في الزمن الماضي، فما كان من الامير الا ان وهبه الجبل الذي حمل اسمه.. فكان جبل موسى.

 ويُعتبر جبل موسى احدى محميات المدى الحيوي الثلاث الموجودة في لبنان من أصل 24 محمية موجودة في الشرق الاوسط. مساراتها محددة وفق خارطة توزع عند دخول الزائر حرصاً من مسؤولي المحمية على سلامته من جهة، وحماية الموقع من جهة اخرى من اي تخريب او حريق او تشويه، فيواكب الحراس او المرشدون الزوار لهذا الغرض، وهم في ارتفاع مضطرد بدأ بـ50 زائراً مع افتتاحها وارتفع خلال ثلاث سنوات الى 2000 زائر. المحمية الرائعة تشرف على نهرين: ابراهيم من الجهة الشمالية، والدهب من الجهة الجنوبية ويمكن الدخول اليها عبر ثلاثة مداخل أساسية: مدخل بيدر الشوك (بلدة قهمز)، مدخل المشاتي ومدخل الصنوبر من بلدة يحشوش، ولابن البلدة الاخيرة الاعلامي مارسيل غانم قصته مع هذه المحمية وهو أحد كبار اصدقائها الذي جرى تكريمه لأجلها هذا العام.

 

غانم: فجور <سد جنة>

وصرخة ميشال إده

3

 لم يترك مارسيل غانم مناسبة الا وتحدث فيها عن البيئة، ولا نزال نذكر حلقته عن النفايات عبر برنامجه <كلام الناس>، قبل طوفان النفايات في الشوارع اليوم حيث حمل نفسه وأخذ طاولته ومصوريه وضيوفه ومشاهديه الى مكب الكرنتينا وعقد حلقته من هناك من على قمة جبل القمامة، طارحاً ملف النفايات التي تغمرنا من كل حدب وصوب في <جمهورية الفشل> التي لا يبدو نجاحها قريباً و<لو بالمعدل>، لأبسط مقومات حياة ٍبشريةٍ بات اللبناني يطلبها، وقد أضحت معركته اليوم، في القرن الواحد والعشرين، معركة مع <الزبالة> هو من كسب جولات مع الحضارة والابداع والتفوق وساهم في وضع شرعة حقوق الانسان ونشرها في العالم اجمع.

 جبل موسى، حارس بلدة يحشوش وامتدادها الطبيعي حيث يستمد غانم طاقته للاستمرار بنجاح، وحيث صوت فيروز يعلو على كل صوت، وحيث رائحة الارض ممزوجة برائحة الزعتر والدوالي والتين مما جعل غانم يؤكد <ان البلدة التي نأتي منها هي الذاكرة، هي الجذور، وهذا هو لبنان الحقيقي، وان استمرار قيم هذا البلد وجبله هو رمز بقاء لبنان، ويوم تتهدد هذه القيم بالزوال فان لبنان كله يصبح مهدداً>.

وفي هذه البقعة التي كان يعود اليها مارسيل مع نهاية كل سنة دراسية يشعر بالانتماء للارض، وهو سعيد انه في وقت يفقد لبنان الكثير من قيمه ومبادئه <نجتمع حول امر جميل> شاكراً <كل الناس الطيبين الذين يعملون لأجل جبل موسى من ابناء ضيعتي والجوار الآتين من بيروت والشوف والشمال ومن كل لبنان حتى يردّونا الى لبنان الحقيقي... حكايتي مع جبل موسى هي حكاية عمر، حكاية طفولة حلوة، حكاية احلام ترتسم كلما جلست على كتف الوادي اتأمل عظمة الخالق>.

الا ان فرحة غانم بجبل موسى ووجود من يحميه تشوبها غصة الفجور في <سد جنة> حيث بدأت الجرافات تجرف والشاحنات تعبر، مذكراً بأننا شاهدنا <فيديو> كيف ان هناك قراراً بوقف العمل في <سد جنة> إلاّ أن العمل لا يزال جارياً، لافتاً الى افتتاحية الكبير ميشال إده الذي وجه للشباب الذين يعملون في <سدّ جنّة> تحية عن <فجور الاعمال> في السدّ، داعياً للعودة الى هذا الكبير الذي رفع الصوت عالياً مؤكداً: <لا اعرف كيف نتصرف لوقف هذا العمل المجرم>.

حنين: أكثر من إفادة بيئية..

 

صديق آخر لجبل موسى هو ابن كفرشيما النائب السابق صلاح حنين. جبل موسى بالنسبة له ليس سوى نموذج عما يجب ان يكون. في هذا الصدد يقول لـ<الافكار>:

- المواضيع البيئية جميعها مهمة ومن المفروض ان يبدأ كل فرد منا بمكان معين. كنت اتمنى لو أمكننا نشر مشروعنا البيئي التوعوي على كل مساحة لبنان، الا اننا بعملنا على جبل موسى انما نساهم ايضاً في جعل الآخرين ينتبهون الى المحميات في مناطقهم. فقد تمكنت الجمعية من الاستحصال على اسم <غابة محمية> من قبل وزارة الزراعة في العام 2008، وحصلت في العام نفسه على تسمية <منطقة أساسية لمرور الطيور> من قبل جمعية <حياة الطير الدولية  bird life international>. فجبل موسى لو انه أُهمل، لأضحى كسارة كبيرة بعد ان اصبحت جبال لبنان للاسف مشوّهة بالحفر. نحن بمشروعنا اعدنا ترميم الجبل والمنطقة، وهذه المحمية الغنية بتنوعها البيولوجي تضم 25 نوعاً من الثديات، و137 نوعاً من انواع الطيور المهاجرة والمستوطنة، 20 نوعاً من الاشجار 11 منها يتفرّد بها لبنان، و728 نوعاً من النباتات 25 منها لا مثيل لهــــا تقـــــع في محيـــط جبل موسى، فيما يتفرد الجبل بثـــــــلاث وهــــــــي <Rosularia kesrouanensis> و <Cyclamen libanoticum> و<Pentapera sicula libanotica>، فضلاً عن اكتشاف وجود نبتة < Salvia peyronni Boiss> التي أكد الدكتور جورج طعمة انها لم تعد موجودة لا في حوض المتوسط ولا في العالم كله الا في هذه المحمية، وتحمل اسم عالم النبات <Peyron> الذي رقص فرحاً يوم اكتشفها للمرة الاولى في القرن التاسع 4عشر عند صخور مجاورة لبلدة فيطرون.

ولا ينسى حنين الاشارة الى نوادر اخرى في المحمية، وعلى رأس القائمة يأتي الـ<طبسون> المعروف علميا باســم < Procavia capensis>، وهو من الثدييات الصغيرة والتي تعيش ضمن مجموعات يترأسها ذكر بالغ وهي حيوانات شديدة الحذر، وقد كُتب عنه في <المزامير> ولم يعد موجوداً سوى في اليمن. ويقول حنين: <لولا المحمية لما عرفت عنه شخصياً اي تفصيل وتجدونه يعيش مطمئناً مرتاح البال في المحمية، ونحن نلتقي به في رحلاتنا سيراً على الاقدام التي تمتد بين اربع وسبع ساعات أحياناً في طبيعة ولا أروع. نلتقي به ولا يهرب لأنه يعرف بأن هناك من يحميه، والمعروف عن هذا الحيوان أنه يطلق صوتاً غريباً لحماية عائلته اذا ما شعر بالخطر، كما تجدون الذئب الفضي وقد أصبح منقرضاً، والضبع والخنزير البري والسناجب والنيص>، (عُرف عنها الكثير بعد وضع كاميرات ليلية لمراقبة المحمية مع القيام بدراسات وأبحاث لمتخصصين).

 

الامبراطور ادريان كان هنا..

 في جانب آخر، يؤكد حنين على اهمية الجبل التاريخية:

 - لقد كان جبل موسى مكان اقامة للامبراطور ادريان منذ حوالى الالفي سنة، وهناك اشجار سُميت بـ<أشجار الامبراطور> عليها نقوش تعود الى عهده. كذلك تجدون على كتف هذه المحمية أجمل درج وطريق رومانيين بطول 1200 متر كانا يُستخدمان ما بين عامي 64 ق. م. و249 ق. م. كشبكة طرق تربط الشاطئ بالداخل. وفي الجبل ايضاً محطات تراثية تعود الى ايام العثمانيين والفينيقيين والرومانيين، وبيوت قديمة تبرز الهندسة اللبنانية التراثية، احدها يُسمى بـ<بيت البطريرك> وقد يكون بطريركاً او مطراناً قد مر بالجبل وبات ليلته فيه، ويمكن في المحمية أيضاً زيارة خزان المياه تحت الارض والآبار القديمة وطبعاً تلة الصليب التي يحج اليها المؤمنون في كل عام.

ويزيد حنين:

 - الاهم في المحمية انها باتت مورداً لأهل المنطقة يستفيدون منه. فالمحمية ليس معناها ان نتركها لـ<الفرجة> بل ان نشرك الاهالي في المحافظة عليها والاستفادة من موقعها في إطار تنمية محلية مستدامة، فيعرف اهالي المنطقة قيمتها. من هذا المنطلق كان المطبخ ويضم 50 سيدة من المنطقة يطبخن ويعددن المونة اللبنانية ونؤمّن لهن بيعها الى المطار وفندق <البريستول>. كذلك فإننا نساعد الاهالي على استئجار اراضٍ وزرعها بالزعتر وغيره فنأخذ الحصيلة ونصرفها لدعمهم، وهناك مدرسة تُعنى بتأهيل مرشدين سياحيين خاضعين لدورات تدريب من قبل اختصاصيين في المجال البيئي. وبين الاهالي، من يعملون كحراس بينما يعمل اولادهم كمرشدين سياحيين وزوجاتهم في إعداد المأكل للزائرين فتستفيد العائلة بجميع أعضائها.

وحول تشريعات قانونية لحماية جبل موسى يجيب حنين:

- هي تلك المنصوص عنها في القانون اللبناني الا انه تم إدخال المحمية في <بيوسفير الامم المتحدة>، اذ انها حصلت من <اليونسكو> على تسمية <المحيط الحيوي> من ضمن برنامج <الانسان والمحيط>، وبذلك اصبحت ثالث محمية للمحيط الحيوي في لبنان بعد <محمية ارز الشوف> ومحمية <جبل الريحان>، وبالتالي فإن المحمية تستفيد من خدماتها. كذلك فإن محمية جبل موسى تضم اراضٍ وأملاكاً خاصة منها ما يعود بمساحات واسعة للبطريركية المارونية ودير ما جرجس الذي شُيد في القرن الرابع عشر على يد راهب من آل زوين، وأخرى خاصة بمصرف لبنان وبعائلات في المنطقة يتم دفع بدل ايجارات كبير لها في المقابل.

2

 ضومط: حماية الأسطورة

 

 في شباط/ فبراير 2012 صدر مرسوم جمهوري بتصنيف جبل موسى <موقعاً طبيعياً خاضعاً لحماية وزارة البيئة>، فتمكنت من الحصول على دعم من سفارات اجنبية وجهات محلية عدة لإقامة مشاريع تتعلق بالسياحة البيئية والداخلية، فعلى أثر المشروع المموّل من السفارة الايطالية اصبح جبل موسى مؤهلاً لأن يمشي الناس فيه، وأصبحت هناك مسارات محدّدة مع لوحات توجيهية تدلّ الزوّار على موقع النقطة الموجودين فيها. وقبله بعامين قامت <جمعية جبل موسى> بالتعاون مع السفارة الاميركية بتدريب 40 سيدة محلية على إنتاج المونة والاعمال الحرفية من خلال دورات تدريبية، بعد دراسة أُجريت على ألف منزل تمّ خلالها اكتشاف ان عدداً كبيراً من ساكني البلدات التي تمر بها الجمعية لا يعملون، كما قامت من خلال حملة <إعادة تشجير لبنان> بتأمين ثلاثة مشاتل للتحريج من خلال جمع البذور من ارض الجبل واعادة زرعها وبيعها، وهذا غيض من فيض المشاريع.

يُذكر ان <جمعية جبل موسى> تأسست في العام 2007 بمبادرة من شخصيات كسروانية فاعلة ومن مختلف الجهات السياسية. كذلك فإن للجمعية حلقة من <كبار الاصدقاء> يدعمونها في شتى المجالات أكان على صعيد العلاقات والمساعدات العربية والدولية، او على صعيد العلاقات مع المؤسسات العامة والخاصة في لبنان والعالم، وهم ريمون عودة، ميشال اده، عدنان القصار، خليل فتال، نايلة معوض، فيليب حلو، ميرنا سمعان الهبر ومارسيل غانم، فيما تضم اللجنة التنفيذية كلاً من ارمان زوين، سيزار ابي خليل، نبيل دو فريج، جوزيه صقر، صلاح حنين، ويرئسها بيار ضومط رئيس فندق <بريستول> الذي يؤكد على <العمل الدؤوب في سبيل جبلنا الرائع والوادي الاسطوري المتاخم، وهو يشمل كل شرائح مجتمعنا ويهدف الى الحماية من خلال الانماء المستدام في جبل نابض بالحياة>، جبل لا يزال فيه الكثير ليدهشنا بعد!