بقلم طوني بشارة
واجه القطاع العقاري في لبنان ركوداً وتراجعاً بسيطاً في حجم المبيعات خلال السنوات الماضية، بدءاً من العام 2011 وحتى اليوم، بالتزامن مع اندلاع الأزمة السورية التي القت بتداعياتها السلبية على أمن لبنان واستقراره، وعلى واقعه السياسي والاقتصادي، الأمر الذي ادى الى انكفاء المستثمر العربي وتحديداً الخليجي، كما ان الاثرياء من النازحين السوريين لم يحدثوا خرقاً في سوق العقارات نتيجة انحسار حركتهم بإنعاش الفنادق والشقق المفروشة.
والمتتبع لحركة المبيعات يرى ان الطلب العقاري لعام 2014 كان افضل مقارنة بالمعدلات السابقة خلال عامي 2012 و2013، حيث طبع الجمود أسعار العقارات وادى الى انخفاض ملموس في أسعار الشقق لم يتجاوز 3 بالمئة، لكون حجم العرض على الشقق لم يقابله طلب مقبول.
واللافت ان مؤشرات بداية عام 2015 ليست مشجعة نوعاً ما، فقد بينت إحصاءات المديرية العامة للشؤون العقارية تراجعاً في أداء القطاع العقاري خلال شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2015 حيث انخفض عدد المعاملات العقارية الى 3,551 معاملة في كانون الثاني/ يناير 2015 مقارنة مع 7,141 معاملة في شهر كانون الاول/ ديسمبر من العام 2014.
ويأتي هذا التراجع بالأخص في ظل تهافت المستثمرين لتسجيل عقاراتهم في الشهر الأخير من العام خوفاً من ارتفاع قيمتها التأجيرية وبذلك رسوم التسجيل في العام الحالي .
وأظهرت الاحصاءات ان عدد المعاملات العقارية على الصعيد العام السنوي قد تراجع بنسبة 22,01 بالمئة من 4553 معاملة في شهر كانون الثاني/ يناير في العام 2014، كذلك انخفضت قيمة المعاملات العقارية خلال شهر كانون الثاني/ يناير 2015 الى 52483 مليون دولار مقابل 90313 مليون دولار في شهر كانون الاول/ ديسمبر من العام 2014، غير ان قيمة الصفقات العقارية سجلت زيادة سنوية بنسبة 9,34 بالمئة من 148 مليار دولار في شهر كانون الثاني/ يناير .
لكن هل سيستمر التباطؤ في الطلب خلال العام 2015؟ وهل الفترة الحالية تعد مرحلة ذهبية لشراء عقار؟ والى اي مدى يتحالف الجمود في سوق العقارات من جهة، واستمرار الأزمات المحلية والاقليمية من جهة ثانية ليشكلا وقتاً مناسباً للبناني ليمتلك منزل الاحلام؟
أسئلة عديدة للإجابة عنها قابلت <الافكار> رئيس شركة <بلاس بروبيريتيز> للاستثمار العقاري جورج شهوان، وكان السؤال المدخل عن طبيعة الوضع الاقتصادي الحالي، فأجاب:
- ان الواقع الحالي للاقتصاد اللبناني سيئ للأسف، وهذا الأمر نتيجة طبيعية للجو العام للوضع السياسي، فلا انتخابات رئاسية من جهة مع استمرار التشجنات الامنية الاقليمية من جهة ثانية، مما اثر سلباً على الاقتصاد وجعل معظم القطاعات تعاني من حالة جمود.
وتابع شهوان: بالرغم من الظروف الصعبة، فإن الاقتصاد اللبناني يسير بسحر ساحر ومرد ذلك ربما الى حذاقة اللبناني المستثمر ومحبته لوطنه .
ــ ما هو توصيفك لواقع القطاع العقاري لاسيما انك من كبار المستثمرين في هذا المجال؟
- القطاع العقاري يعاني في الوقت الحالي ما يمكن تسميته بالجمود، فالحركة شهدت تراجعاً بسيطاً يعتبر بمنزلة تصحيح للواقع الحالي، وبالفعل هناك هبوط في الأسعار في بعض المشاريع بنسب تتراوح بين 5 و 10 بالمئة وتصل في بعض الاحيان النادرة الى 15 بالمئة.
ــ ما سبب هذا الجمود في القطاع العقاري؟
- هناك أسباب عديدة أبرزها:
- الارتدادات السلبية للأزمة السورية على الوضعين السياسي والاقتصادي في لبنان.
- هروب المستثمر الاجنبي وتدني لا بل انقطاع الطلب الخليجي على شراء الشقق والاراضي.
- النازح السوري لم يحدث خرقاً في السوق العقاري لأن الاثرياء منهم اشتروا في فترة سابقة، اما الطبقة المتوسطة فاستأجرت شققاً مفروشة او نزلت في فنادق.
- توقع ارتفاع أسعار الشقق وعدم اضطرار مالكي العقارات للبيع بأثمانٍ منخفضة.
ــ ألا يؤدي هذا الجمود الى القلق والخوف على القطاع العقاري؟
- أبداً، على الاطلاق، فالقطاع عانى طوال فترة 40 سنة من حالة جمود واستمر لا بل عاد ليزدهر مع استقرار الوضع، فلبنان لا يمكن ان يشهد أزمة عقارية وهذا أمر مؤكد والسبب يعود الى وجود 4 ملايين لبناني مقيم إضافة الى 14 أو 15 مليون لبناني مغترب، وإذا قرر 1 بالمئة من هؤلاء ان يشتري منزلاً او عقاراً فلن يكون هناك شقق او عقارات تكفي الطلب .
ــ بالرغم من حالة الجمود، نلاحظ طلباً ملموساً على الشقق، ولكن هل السوق العقارية في الوقت الحالي تعتبر سوقاً واحدة ام ان حجم الطلب فيها يتفاوت من منطقة الى أخرى؟
- بالتأكيد ان حجم الطلب في الوقت الحالي يتفاوت ما بين منطقة واخرى، فمناطق كسروان والمتن مثلاً تشهد حالياً نمواً في أعمال التطوير، كما ارتفع حجم الطلب في مناطق برمانا وبعبدات وبكفيا، بينما انخفض الطلب في صوفر وعاليه وبحمدون بسبب غياب الخليجيين، فالحجم يتأثر بالوضع الأمني الذي تعيشه المنطقة، لذا يحصل تفاوت بين منطقة واخرى .
وتابع شهوان: نلاحظ ايضاً ان كل المستثمرين العقاريين قد اوقفوا بناء الشقق الكبيرة والغالية الثمن وكل المشاريع التي نراها اليوم هي مشاريع صغيرة وأسعارها مقبولة ويمكن بيعها.
المشترون لبنانيون
ــ يتردد لدى الاوساط العقارية مقولة ان 96 بالمئة من المشترين في الوقت الحالي هم لبنانيون، فما تعليقك على ذلك؟ وكيف يمكن تقسيم هذه النسبة ما بين اللبناني المقيم واللبناني المغترب؟
- 96 بالمئة من المشترين في السوق العقارية في لبنان هم لبنانيون، 36 بالمئة منهم مغتربون و60 بالمئة مقيمون، ويشكل العرب 3 بالمئة فقط وهم من الجنسيات العراقية والمصرية والليبية، علماً ان السوريين لجأوا الى الايجار، وهذه الارقام تشير الى ان الطلب يتركز داخل لبنان وحجمه اليوم يعد خجولاً نسبياً مقارنة مع الاعوام السابقة، والطلب يكون نحو شراء الوحدات السكنية الصغيرة (100 الى 150 م) نظراً لأسعارها التي تتناسب مع القروض المصرفية الممنوحة.
ــ هذا الأمر يعني ان هناك تراجعاً في السوق العقاري على مستوى منطقة <السوليدير>؟
- ان وسط بيروت للأسف يعاني من ركود على المستويات كافة، السياحية والاستثمارية والتجارية، فالمغترب والسائح هما المحرك للقطاع في بيروت، وهناك بالتأكيد تراجع في عدد الاراضي والمساحات في ما خص سوق العقارات في منطقة <السوليدير> والتي لم يبقَ منها سوى خمس او ست أراضٍ فقط، واتوقع ان تتحسن اوضاع وظروف هذه السوق وترتفع أسعارها مجدداً اذ لا خوف عليها اطلاقاً، وأرى ان سعر المتر الواحد للشقق في <السوليدير> سيصبح على الاقل 15 ألف دولار.
ــ هل يمكن اعتبار انخفاض الطلب على الشراء في السوق اللبنانية الدافع الاساسي وراء استثمار العديد من الشركات ومن ضمنها <بروبيرتي بلاس> في قبرص؟
- لا يمكن الجزم بذلك، ولكن ارتفاع أسعار الشقق في لبنان وانخفاض أسعارها في قبرص بسبب الأزمة المالية القبرصية دفع العديد من أصحاب رؤوس الاموال في لبنان الى شراء منازل لهم في قبرص بأسعار زهيدة جداً، لم تتجاوز الـ50 ألف يورو مما دفعنا الى إنشاء مشاريع سكنية في قبرص.
وتابع شهوان: ولكن لا بد من الاشارة الى ان لبنان وقبرص بلدان يجب ان يكونا أقرب بكثير الى بعضهما البعض بسبب التقارب الجغرافي والديموغرافي، وخصوصاً انهما قريباً سيخرجان النفط والغاز في البحر بين لبنان وقبرص، وأتمنى ان يكون ذلك إحدى المبادرات التي يقوم بها اللبنانيون من أجل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع قبرص وتطويرها.
وختم شهوان حديثه قائلاً: مهما يكن من أمر لا غنى لنا عن الاستثمار العقاري في لبنان، فأسعار العقارات لم تشهد انخفاضاً حتى في ذروة الأزمتين السياسية والاقتصادية، وهذا مؤشر أساسي للسوق العقارية اللبنانية عموماً، وأنا مقتنع انه ما ان تستقر الاوضاع في لبنان والمنطقة حتى تشهد السوق العقارية ارتفاعاً في الأسعار يناهز 15 بالمئة، ولا أتخوف اطلاقاً من اية فقاعة عقارية في لبنان إذ لا وجود لمضاربين عقاريين كما في أوروبا او دبي، فالذين يشترون في لبنان ليس بهدف التجارة بل بهدف السكن مما يعطي ضمانة للسوق، وأؤكد ان الوقت الحالي هو أفضل وقت لشراء السكن والعقارات في لبنان لأن الأسعار سترتفع مع عودة الأمن والاستقرار الى لبنان.