تفاصيل الخبر

انطلاق ”مهرجانات بيت الدين الدولية“ الـ35 مع حفيدة أسمهان!

25/07/2019
انطلاق ”مهرجانات بيت الدين الدولية“ الـ35 مع حفيدة أسمهان!

انطلاق ”مهرجانات بيت الدين الدولية“ الـ35 مع حفيدة أسمهان!

بقلم عبير انطون

 

انتظر الجميع الليلة الموعودة لافتتاح مهرجانات بيت الدين وعمرها اليوم 35 عاما. المدرج المكتمل بالحضور أعاق افتتاحه عند الثامنة والنصف كما هو محدد، تأخير بسيط ربما تمددت اسبابه لتبدأ من العاصمة بيروت وصولا الى القصر المنيف، بسبب ثالث جلسات الموازنة تزامنا مع الاعتصام وإحراق الدواليب من قبل العسكريين المتقاعدين في ساحة الشهداء فضلا عن غياب الانارة عن مساحات واسعة من الطريق التي تصطف على جانبيها اعمدة الانارة ومنها ما هو على الطاقة الشمسية من دون بصيص فيها، او أيضا لزحمة الواصلين من رسميين وديبلوماسيين دلفوا الى العرض الافتتاحي.

 حضورا في الصفوف الأمامية وجوه اعتدنا عليها في المهرجان العريق، تربّع وسطها النجم الفرنسي <جيرار دوبارديو> الذي حيا الساهرين وقوفا للحظة، بعد ان اعلن الموسيقار غبريال يارد الاسم العالمي ونقطة الجذب في العرض الأول عزفه لمقطوعة من فيلم شارك فيه النجم الفرنسي، والذي كانت له في العشرين من تموز في <مهرجانات بيت الدين> سهرة غنائية تحت عنوان <دوبارديو يغني باربرا> برفقة جيرار داغير على البيانو.

الأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية الانيقة حضورا وعزفا على المسرح مع موسيقيين من اوركسترا الموسيقى الشرقية وكورس سيدة اللويزة تحت قيادة المايسترو والمؤلف الموسيقي ديرك بروسيه قائد اوركسترا فيلاديلفيا، افتتحت الاحتفال بالنشيد الوطني اللبناني بعزف حيّ. انتصب الجمهور كله واقفا، فالنشيد الذي غاب عن افتتاح <مهرجانات بعلبك الدولية> بعدما رفض الفنان مارسيل خليفة البدء به <بانتظار ان يكون لنا وطن> كان له وقعه الخاص هنا. لحظات وجيزة، أعدت الجو لاطلالة ياسمينة جنبلاط، بعد ان قدمها غبريال يارد. العيون شخصت الى المتحدرة <الاسمهانية> الشقراء (هي حفيدة اسمهان من الجيل الرابع) تتفحص بعض شبه قد يكون مع النجمة التي شغلت الاوساط في زمانها.

مفترق طرق..

 

 بثوب اسود جميل على قدّ نحيل وشعر أشقر معقوص الى الخلف أطلّت ياسمينة جنبلاط. لم تتوجه بكلمات تعرب فيها عن امتنانها لوجودها في ارضها الأم قبل ان تطلق اولى الأغنيات المعدة للبرنامج، وكأنها أرادت للصوت ان يصل قبل اي كلام. بدت في اولى الأغنيات متوترة قليلا. المسرح ضخم، والتجربة صعبة، والعنوان كبير جدا: <لقاء على شرق جديد>. فهل سيكون اللقاء على قدر العنوان الذي حمله؟

غبريال يارد كان هنا حاضرا لاضفاء بعض <الحميمية> على السهرة، بلباسه البسيط، وحذائه الرياضي المريح، وقميصه المعقودة حتى آخر زر. راح يخبر باللغة الفرنسية، بعد تأكيده للحضور، بانه لو تكلم باللغة العربية فانه <لن يذهب بعيدا> عن تعاونه مع ياسمينة بعد ان تعرف عليها منذ 15 عاما: <لما جاءت لتراني كنت في لندن وحدّثتني عن مشروعها في استعادة اغنية <يا حبيبي تعالى الحقني> لاسمهان. كنت في ذلك الحين أعمل كثيراً وأؤلف موسيقى أفلام. أجبتها بأنني لست خبيراً بالموسيقى الشرقية، وطوي المشروع.. ما اعاد فتحه بعد سنوات، هو القاسم المشترك بين يارد وياسمينة في اكثر من ناحية: الاثنان هاجرا من الوطن <على زعل> منه بسبب الحرب وتركاه الى مدارس داخلية بعيدة عن الأهل. والإثنان انخرطا في مشاريع فتحت لهم الابواب التي كانت موصدة في البلد على الكثيرين ممن حملوا الاحلام والطموحات في الداخل. فهو الدارس للحقوق، غامر واجتهد في عالم الموسيقى التي لم يرد له والداه دخولها الى ان اصبح أحد نجومها العالميين، رافعا كأس العديد من الجوائز بينها جائزة الاوسكار عن موسيقى فيلم <المريض الانكليزي> لاول مؤلف موسيقي عربي في المجال، وكانت انطلاقته في صناعة موسيقى الافلام وتوقيع ابرزها في افلام لمخرجين مثل جان لوك غودار وجان جاك بينيكس وغيرهما من الاسماء الكبيرة وصولا الى تأليف موسيقى الباليه سببا في اكتسابه شهرة عالمية. أما هي، اي ياسمينة، ، فانصرفت من جانبها الى دراسة القانون والعلوم السياسية، ومن ثم الى ممارسة علم النفس والـ<اوميو باتي> المعروف بـ<الطب التجانسي> الذي تخصصت به وافتتحت لاجله عيادة في سويسرا تتابع فيها حالة مرضاها ولا تزال..

لقد كانت ياسمينة بعيدة جدا عن اجواء الموسيقى العربية اذ كان اهتمامها منصبا على الموسيقى الكلاسيكية والإفريقية الأميركية، ومغنيات أمثال إيلا فيتزجيرالد وبيلي هوليداي وساره فوهن ولم يكن الغناء بين خططها ولو انه شكّل هواية عندها، وكان يارد ايضا بعيدا عن الموسيقى الشرقية واجوائها.

الاثنان، ياسمينة وغبريال عادا ليكتشفا بالشغف والحساسية والشاعرية نفسها وبعد تجارب عديدة ونضج انساني وفني كبيرين، جماليات الموسيقى الشرقية وكنوزها بعد ان كانا معرضين عنها لسنوات، وهما يشتركان أيضا في حب انواع معينة من الموسيقى كالجاز والبلوز كما قال يارد في <بيت الدين>.

لما قرر غبريال مساعدة ياسمينة بعد سنوات على لقائهما الاول الذي لم يثمر تعاونا انما صداقة حلوة طلب منها غناء <يا حبيبي تعال> التي لحنها فريد الاطرش من دون أية مرافقة موسيقية. لما فعلت، ذُهل بفرادة صوتها وجماله. قرر استعادة الاغنية على طريقته، وبشيء مختلف تماما. اكثر من ذلك، لفتته ياسمينة بموهبتها في الكتابة، فامتد تعاونه الموسيقي معها على مدى هذه الكلمات في اغنيات ادتها أيضا عل مسرح بيت الدين. كانت المحصّلة، ثلاث استعادات لاسمهان <يا حبيبي تعال»، <ليالي الأنس في فيينا» و«دخلت مرة الجنينه»، فضلا عن تسع اغنيات جديدة سمعناها في الليلة الجميلة التي يأمل يارد تقديمها خارج لبنان ايضا من خلال جولة في أماكن عريقة، لأنه، وبحسب قوله <برنامج يستحق أن يُقدَم في صالات مهمة>.

 سير الحفلة المنتظم، والذي استعانت فيه ياسمينة بالمسرحي القدير روميو لحود للرشف من خبرته في كيفية وقوفها على المسرح، لم تقطعه سوى هنيهات كان يتخللها كلام لـ<يارد> خلال احضار بعض الآلات التي كانت تضاف او تسحب عن الخشبة بسرعة البرق.. كان الموسيقي العالمي سعيدا بليلته اللبنانية، والتي رفع فيها لواء بلده في أكثر من مجال مقدما للحضور نيكولا سلّوم عازف البيانو الشاب ذا الاصول اللبنانية الذي عزف من <بيتي بلو>، كما استعاد اسم النجمة سلمى حايك المتحدرة من اصول لبنانية اذ طعّم برنامجه بمقطوعة من فيلم <النبي> الذي أنتجته الممثلة المكسيكية الجميلة.

كان يارد يمرر <خبرية> او قصة صغيرة قبل كل مقطوعة موسيقية تضمنها البرنامج لتعزفها تالياً الاوركسترا العابقة بالسحر النسائي وعددهن ملفت على مختلف الآلات الموجودة. نهل الحضور من موسيقى يارد الجذابة، كما وعزف على الأورغ مقطوعة من فيلم <سيتي أوف انجلز> التي تميزت بحوار بين غيتارين، إضافة إلى مقطوعة من فيلم <ذي تالنتد مستر ريبلي> موجها تحية إلى مخرجه الراحل <أنطوني مينغيلا>، كما وقدّم مقطوعة فالس من فيلم <كامي كلوديل> موجها من

خلالها تحية إلى الممثل الفرنسي <جيرار دوبارديو> المستمتع من جانبه بما يراه ويسمعه.

بين اسمهان وياسمينة، المقارنة غير منصفة، ولا الفنانة التي تعيش في الغرب، بصددها. هي تؤكد انها لا تنوي الا <اعطاء نفس جديد لاغنياتها وتقديمها للجيل الجديد الذي لم يعد يسمعها الآن>. تقول انها أرادت استعادة أغنية <يا حبيبي تعال الحقني> لاسمهان بطريقة لا تشبه استعادات تمت لها، ولم تجد أفضل من غبريال يارد ليقوم بالمهمة، ولو متأخرا عن مطلبها هذا لسنوات. الطرب العربي، لم تكتشفه ياسمينة مع اسمهان فقط التي شكّلت لها وهي صغيرة الـ<ديفا> الشهيرة ولما كبرت الرمز للمرأة الحرة والجريئة، انما شكلت أم كلثوم أيضا محط تساؤل عندها، وبشكل خاص تلك الـ<آه> التي كان المستمعون يطلقونها بعد غناء كوكب الشرق، والتي لطالما استوقفتها.

في بيت الدين قدمت ياسمينة <اسمهان> على طريقتها. في لفظها لكلمات الأغاني، يعرف المستمع للتوّ ان زمنا فصلها عن التحدث باللغة العربية، لكن لا ضير في ذلك، طالما انها تقدم نفسها واغنياتها الى جيل في لبنان انما ايضا، واولا، في خارجه. كتبت كلمات اغنياتها، بشكل بسيط عفوي، وصل الى القلب، شكلت رافعته الكبرى موسيقى غبريال يارد. البساطة اللغوية في تلك الاغنيات والتي اخذها عليها البعض بدءا من <من اول نظرة>، <زواج> <داب قلبي> <يا بلادي> <وديني حبيبي> <يلا تنام> و<يوم ورا يوم>، لا بأس فيها، خاصة وانها تتوجه الى جيل لم يعد يتحدث كثيرا بلغته التي ضاعت ما بين الانكليزية والفرنسية تحدثا، و<الانترنيتية> كتابة.. في هذا الصدد تقول ياسمينة في أحد لقاءاتها: <لما اعيد قراءة نصوصي مجددا اتساءل: من أين أتيت بها؟ هناك كلمات جبلية. هي كلمات مدفونة في اللاوعي واضطررت إلى الاتصال ببعض الناس والتأكد من وجودها حقاً. كأنها كانت دفينة وظهرت على السطح الآن. يلومني الناس لأنني أتكلم بالفرنسية، ولكنني لو لم أفعل، فلن أكون حقيقية. فأنا سويسرية كذلك. والكلمات التي أستخدمها هي ربما تلك التي يقولها من لم يستخدموا اللغة لفترة. أحاول أن أتوجه إلى الجيل المسافر، لأن المهاجرين جزء من لبنان أيضاً. إنكار وجودهم بمثابة محو جزء من تاريخ لبنان. ثم إن المهاجر هو شخص واقع بين ثقافتين، لكنه لا يتبنّى إحداهما، بل يتحوّل إلى لون ثالث. وهذا ما أحاول التعبير عنه>..

للمتزوجين فقط....

 الطرافة في الشخصية <المتحفظة> لياسمينة لم تغب عن سهرتها. لم تبخل بقفشة رسمت البسمة على الوجوه، لما طلبت من الذين تزوجوا منذ يومين فقط ان يصموا آذانهم عن سماع الاغنية، في حين انها تتوجه بها لكل المتزوجين لانها لسان حال النساء في غالبية الثنائيات لما صدحت تقول في اغنيتها <ريحني منك شي يومين>..

 الاغنية بلحنها الجميل نفذت الى القلب بسرعة وحفظها الجمهور بلحظة فطالب باستعادتها، وكان له ما أراد في ختام الاحتفال على وقع التصفيق في نهاية الحفلة التي ختمتها ياسمينة باغنية <لبيروت.. من قلبي سلام لبيروت> باعداد جديد لغبريال يارد ايضا.

 كانت ياسمينة تفوح عطرا لسعادتها بوجود أربعة اجيال <اسمهانية> متعاقبة في السهرة التي حضرتها جدتها ووالدتها وابنتاها. حضور البنتين كان أساسيا لها، فهما بطريقة او باخرى من اعادتاها الى البحث عن الهوية لما سألتاها يوما: من اين نحن؟ ولم ترد ان تقول لهما انهما سويسريتان. من خلالهما اعادت اكتشاف لبنان وحبه بشغف حتى انهما اعادتاها الى اللغة العربية التي كانت قد فقدتها.

 فرصة باتجاهين، كانت ما بين ياسمينة جنبلاط في اطلالة اولى لها على اللبنانيين من على مسرح بيت الدين العريق مع العالمي غبريال يارد الذي سبق وكان في المهرجان قبل عشر سنوات، وما بين الجمهور اللبناني والعربي الذي لم يسمع لها قبلا سوى <انا قلبي دليلي> مع غازي عبد الباقي. هذا الجمهور حضر ليستعيد روح اسمهان واغانيها الجميلة وليتعرف <على شرق جديد> وعده به القيمون على الاحتفال من خلال اللقاء به على مدى ساعة ونصف الساعة... فهل ستتكرر الدعوة، وهل ستعود ياسمينة مجددا الى الوقفة التاريخية؟ الجواب رهن برصد ردود الفعل على العمل الافتتاحي للمهرجان الدولي الذي عبقت مواسمه حتى الآن بحوالى 720 الف مشاهد، اكثر من 6605 فنانين واكثر من 344 عرضا، لا نتمنى سوى المزيد منها وعلى الدوام.