تمضي سنة 2014 تاركة بصماتها على الوضع الداخلي المتعثر في إنجازات الاستحقاقات السياسية لاسيما في ما يتعلق بانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعدما بلغ الشغور الرئاسي ما يفوق العشرين يوماً بعد المئتين على التوالي، لكن يبقى الهاجس الأمني هو سيد الموقف. ويستقبل لبنان العام الجديد وسط توقّعات بأن يكون أفضل من سلفه، إلا ان المعطيات لا تشير الى جديد بهذا الخصوص، وكل الحركة السياسية تبدو بلا بركة، إنما يعوّل البعض على الحوار الجاري بين <تيار المستقبل> وحزب الله، وتالياً على الحوار المرتقب بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية للوصول الى مخرج لكل القضايا العالقة بدءاً من رئاسة الجمهورية. فهل يتحقق ذلك؟
<الأفكار> التقت رئيس المجلس الماروني العام الوزير السابق الشيخ وديع الخازن داخل مكتبه في مبنى المجلس الكائن عند محلة <الكرنتينا> شرق مدينة بيروت وحاورته في هذا الملف لاسيما وان رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع كلفه بمفاتحة رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون برغبته في اللقاء به، وقام الشيخ الخازن بهذه المهمة وأنجزها على أمل أن يتوّج عمله باللقاء بين الرجلين، في وقت انتخب الشيخ وديع الخازن لولاية ثانية على رأس المجلس الماروني لمدة ثلاث سنوات.
وسألناه بداية:
ــ مبروك الولاية الجديدة لثلاث سنوات، ونسألك: هل هي تجديد الثقة بعملكم الذي لا غبار عليه؟
- أولاً، أشكرك على التهنئة بولايتي الثالثة. وثانياً، كيف تفهم انتخابي إلاّ تعبيراً وتأكيداً على هذه الثقة؟
ــ هذا أكيد، ونسألك أيضاً مع انتهاء العام 2014، ما هي ثمار المجلس العام الماروني وإنجازاته التي تحقّقت، وما هي أيضاً خريطة الطريق للسنوات الثلاثة المقبلة؟
- أود التوقّف على إنجازات المجلس العام الماروني الوطنية بإعتبار تلك الداخلية هي في إطار المساعدات العينية والطبية والمدرسية على أنواعها. من الناحية الوطنية، كان للمجلس مشاركات عديدة، منها ما هو متّصل ببكركي، والآخر متعلق بالمساعي الخيّرة لتقريب المسافة بين الأفرقاء الموارنة كقيادات ومع سائر الشركاء في الوطن، وخصوصاً المبادرة الأخيرة لإعادة وصل المرجعيّتين المارونيّتين المرشّحتين رسمياً باسم كتلتيهما لرئاسة الجمهورية: العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع. وها هو الاجتماع المرتقب بينهما في كانون الثاني/ يناير الجاري يشارف على الإنعقاد والتفاهم.
التفاهم الإيراني - الأميركي والرئاسة
ــ لبنان بلا رئيس للجمهورية لما يفوق العشرين يوماً بعد المئتين على التوالي. فهل أنت متفائل بانتخاب رئيس في السنة الجديدة؟ أم أن الخلافات الداخلية تحول دون ذلك؟
- رغم الصعوبات التي تعتري التوصّل إلى التفاهم على رئيس إجماعي أو شبه إجماعي يستقطب الجميع، فإن الحركة الخارجية الروسية والفرنسية لن تكتمل إلاّ بتفاهم أميركي ــ إيراني لتحفيز القيادات لتسريع الخطى في اتجاه جلسة فاصلة في هذا الإستحقاق، وهو ما يعزّز الإعتقاد بالتفاؤل لأن انتخاب الرئيس المقبل مرتبط بعوامل المرحلة الإقليمية والدولية، علماً أن هامش الانتخاب حتى الآن يوحي ببقاء طابعه اللبناني أولاً.
ــ هل يمكن للداخل إذا إتفق المعنيون بينهم أن ينجزوا الإستحقاق الرئاسي أم أن الملف تحوّل إلى ملف إقليمي دولي ينتظر الضوء الأخضر الخارجي؟
- في اعتقادي أن إتفاق المعنيين يؤخذ بعين الإعتبار خارجياً، إلاّ أنه، كما قلت، منوط بإعتبارات ومواصفات تتطلّبها الحقبة المقبلة في ظل تنامي تحوّلات جديدة في دول المنطقة... وعلى هذا الأساس، يمكنني القول إن صعوبة التفاهم الداخلي سريعاً ربما تدفعه القنوات الخارجية إلى تنازلات متبادلة لا بد منها لإخراج هذا الإستحقاق من عنق الزجاجة الداخلية. فما يجري من حولنا يتّصل بعوامل إقليمية ودولية متفاعلة داخل لبنان. وما لم تتبدّد تأثيراتها الخارجية عن هذا الإستحقاق، فإنّ المراوحة تبقى هي هي في انتظار ضوء أخضر من الخارج، ومن الخارج فقط مع الأسف!
ــ ما هو تعليقك على تساؤل البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في قداس الميلاد عن وجود استهتار بدور الرئيس والتمادي في الإستغناء عنه وتالياً عمّا قاله رئيس الحكومة تمّام سلام من أن يكون لنا رئيس أو لا يكون لبنان؟
- تساؤل غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في محلّه، لا سيّما خشيته من استسهال الحكم بلا رئيس للجمهورية، في حين المسارعة إلى ملء الرئاستين الثانية والثالثة في فترة زمنية أقل مما استغرقته الجولات الانتخابية بهدف انتخاب رئيس للجمهورية.
وأضاف:
- هذا لا يعني الاستغناء عن دور الرئيس، بل التمادي في تداول صلاحياته بين الوزراء حيث يحرص الرئيس تمّام سلام وقبله رئيس المجلس النيابي نبيه برّي على أن يكون لنا رئيس <الآن وليس غداً> تفسيراً لموقف الرئيس نبيه برّي أو <لا يكون لبنان> وفق تعبير رئيس الحكومة تمّام سلام!
لقاء عون وجعجع المرتقب
ــ كلّفكم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بإبلاغ رئيس تكتّل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون برغبته في لقائه لإنهاء الشغور الرئاسي... فما قصّة ذلك، وهل تُعَوِّل على نتائج هذا الحوار إذا حصل؟
- خلال تداولي مع رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في إيجاد حل للمأزق الرئاسي، حمّلني الدكتور جعجع، مشكوراً، رغبته واستعداده للاجتماع بالعماد ميشال عون لبتّ هذه المسألة العصيّة والتي اتّخذت مراحل مخاض عسير. فقمت بإبلاغ رئيس تكتّل التغيير والإصلاح بهذه الرغبة، فرحّب بذلك وقد ظهرت هذه الإيجابيات على لسان الفريقَيْن، وهي في انتظار موعدها المرتقب في أواسط كانون الثاني/ يناير الجاري. وأعتقد أنّ مُجرّد الاجتماع يعزّز التفاهم بينهما بما يُنعش الآمال بنتيجة موعودة منشودة، ويُريح النفوس القلقة على المصير.
ــ كيف هي العلاقة مع العماد عون لاسيّما وأنّ البعض روّج لمشكلة بينكما؟
- بالعكس تماماً. فأنا أحظى بثقة العماد عون، وإلاّ لما أُبلغت عن تجاوزه اللغط القائم حول اتصالاتي بالفريقين، ويمكنك التأكّد من مصدره لأنّ كلام الرئيس عون لا تمحوه كلمات صحافية من هنا وهناك. فالمهم النيّات الصادقة التي أكنّها للعماد وهي رصيد أعتزّ به، شأنه شأن الدكتور سمير جعجع سواء بسواء.
ــ على ذكر الدكتور جعجع، نعلم أنه قال لك إنّ المطلوب هو رئيس توافقي بمواصفات الشيخ وديع. أما كان يُفترض أن يتماثل الدكتور جعجع بالمَثَل الشعبي القائل: <بدل أن يقول لها كش ليكسر رجلها> طالما معاليك تملك كل المواصفات الرئاسية؟
- إذا ما كان الدكتور جعجع قد جاملني بكلمة حلوة في هذا المجال، فليظهر لي نظرته إلى صفاتٍ يراها في شخصي وليس بالضرورة مواصفات رئاسية لا يملكها أي طرف بمفرده مهما كانت قوّته وتأثيره وعلاقاته الداخلية والخارجية. فالرئيس، إذا ما كان خياراً ثالثاً، ولم يكن يملك رصيداً شعبيّاً ونيابيّاً وتاريخيّاً، فإنّه يمكن أن يستخدم موافقة الطرفَيْن المتمَتِّعَيْن بهذا الرصيد ليكون شخصيّة قويّة بالتفاهم والثقة على حكمته ودوره المتوازن. ولنفترض مواصفات المرشّح الراحل نسيب لحود حتى لا نُغضب أحداً، أفما كانت لتنطبق على رئيس مثال في هذا المجال؟!
لبنان عصي على الإرهاب
ــ هل صحيح أنّ المسيحيين يتخوّفون من حوار تيّار <المستقبل> وحزب الله في أن يكون على حساب المكوّن المسيحي. وكيف تقارب هذا الملف؟
- أولاً، لا خوفَ إطلاقاً من تفاهم حزب الله وتيار المستقبل على حساب المسيحيين لأن المرشّحَيْن الرئيسيين ستكون ملائكتهما حاضرة في أي بحث أو مراجعة. وقد أدلى مشاركون في هذه الاجتماعات بتصريحات تؤكد على ذلك.وعلى العكس من ذلك تماماً، فإنّ تفاهم العماد ميشال عون ــ والدكتور سمير جعجع، وحزب الله - <المستقبل>، يتكاملان ويتلاقيان في الوجهة الواحدة.
ــ هل الشيخ وديع خائف ممّا يجري حولنا لاسيّما في جرود عرسال، أم هو على يقين بأنّ اللبنانيين لن يسمحوا للإرهاب أن <يُعَرْقِن> أو <يُسَوْرِِن> بلدهم؟
- أنا أرى لبنان منيعاً عن السقوط في التجربة المذهبيّة وإلا ما استمرّ هذا الخوف المتبادل من الفتنة المذهبيّة بين السنّة والشيعة.وما قولك بالمظاهر الاحتفاليّة على غير هذا النحو التقليدي في مناسباتنا الوطنيّة في فترة الميلاد ورأس السنة وإقامة شجرة الميلاد في الساحات غير المسيحيّة والاحتفالات الاجتماعية التي انطبعت بالنفوس في التعبير عن الوحدة في ظلّ التنوّع والتعدّد؟! فلا <عرقنة> ولا <سورنة> للإرهاب في بيتِنا اللبناني لأن لا بيئة حاضنة له على الإطلاق!