انشغلت الاوساط السياسية في لبنان بدعوة رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان لمعاودة احياء طاولة الحوار، وسط التساؤلات حول ابعاد توقيتها في ظل هذه الظروف الراهنة التي يمر بها لبنان والمنطقة، وفي ظل الانقسام السياسي الداخلي، وجاءت دعوة رئيس الجمهورية للمشاركة في طاولة الحوار نهاية الشهر المنصرم وبعد ولادة الحكومة في سياق ايجاد مناخات حوارية تساهم الى حد ما في تهدئة الاجواء وفي العمل على المعاودة للبحث بموضوع <الاستراتيجية الدفاعية>، والذي قد يكون مدخلاً لحل مشكلة سلاح حزب الله.
لا يختلف اثنان في لبنان على ان موضوع سلاح حزب الله بات اشكالية يصعب حلها الا من خلال الحوار والنقاش عبر طاولة تجمع مختلف الاطراف اللبنانية، لذا فان هذا الموضوع كان مدار بحث طاولات الحوار التي جرى عقدها في لبنان منذ عام 2006، وقد تقدم عدد من الاقطاب السياسيين بطروحات عدة حول الاستراتيجية الدفاعية. وهذه الاستراتيجية الدفاعية باتت اليوم العنوان الرئيسي للجولة الجديدة من الحوار الذي يبدو أكثر من ضروري اليوم ولبنان مهدد امنياً واقتصادياً واجتماعياً وحتى ميثاقياً وفي كيانه.
ويعتبر البعض ان موضوع الاستراتيجية الدفاعية يطرح من زاوية المحافظة على سلاح حزب الله او سحبه فقط لا غير. قد يطعّم الموضوع بعنصر استجد منذ آخر جلسة حوار
وطني وهو مشاركة حزب الله في الحرب في سوريا. لكن المعطيات الاستراتيجية الاساسية تبدلت وتتبدل باستمرار نتيجة عوامل طارئة ابرزها: انهيار الوضع في سوريا وتحول لبنان الى ساحة جهاد وتدفق الارهابيين التكفيريين، التغييرات الديمغرافية الحاصلة في لبنان، المعطيات الجديدة داخل المخيمات الفلسطينية، موضوع الغاز وحماية المنطقة الاقتصادية الخالصة، التغييرات الجيوسياسية الحاصلة في المنطقة (إيران، العراق، السعودية، مصر، قطر، تركيا، الاسلام السياسي، روسيا، الولايات المتحدة، الطاقة الخ)، التطور التكنولوجي والعملاني لدى العدو الاسرائيلي، وعوامل اخرى داخلية واقليمية ودولية متعددة.
الوزير السابق يوسف فيليب تقلا الذي له باع طويل في الدستور والتشريع والمقرب من رئيس الجمهورية، دعا الجميع الى تلقف دعوة رئيس الجمهورية للحوار باعتبار أن المرحلة الراهنة لا تتحمل اي <فاولات> وميوعة سياسية، فالحوار بالمحصلة يجمع ولا يفرق ومهما كانت التباينات والخلافات فالتواصل بين اللبنانيين حاجة في ظروف مماثلة، اضافة الى ان ما يحدث في سوريا ولبنان والمنطقة يصب لصالح اسرائيل المستفيدة والمرتاحة لما يجري سورياً ولبنانياً وعربياً بشكل عام.
الاستراتيجية الدفاعية
ولكن الموضوع الابرز الذي يلفت الانظار هو العودة للبحث في الاستراتيجية الدفاعية التي ما زالت مدار بحث وجدل بين مختلف الاطراف، فضلاً عن ان الظروف والتطورات التي طرأت على المنطقة وخصوصاً لناحية انغماس حزب الله في الحرب السورية، تسلتزم تعديلات ونقاشات حتى في سياق هذه الاستراتيجية. فكيف نمت فكرة الاستراتيجية الدفاعية؟
بعد تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي عام 2000، ارتفعت اصوات عدد من الزعماء والشخصيات اللبنانية، منها من طالب بإعادة تموضع القوات السورية التي كانت منتشرة على الأراضي اللبنانية كافة، والبعض الآخر بدأ يطرح موضوع نزع سلاح حزب الله خصوصاً وأن صدور القرار 1559 عزز هذا الطرح على الساحة اللبنانية. وعام 2006 سمع اللبنانيون لاول مرة بمصطلح <الاستراتيجية الدفاعية> عندما دعا الرئيس نبيه بري لأول جلسة حوار في مبنى المجلس النيابي بين الأقطاب والزعماء وممثلي الأحزاب للبحث في ملفات وطنية اساسية ابرزها موضوع سلاح المقاومة.
ومنذ ذلك التاريخ، صار هذا المصطلح في صلب الأدبيات السياسية اللبنانية، وصار في الوقت نفسه اشكالية مطروحة على بساط البحث، وقد قدم عدد من الأقطاب مشاريعهم واقتراحاتهم في هذا الإطار ولم تزل لليوم مدار نقاش وجدل.
وتعتبر أوساط سياسية أن موضوع سلاح حزب الله سيكون حجر عثرة في وجه قيام الدولة في حال بقي هذا السلاح بحالته الحاضرة لأنه من غير المعقول أن يعود لبنان كما كان خلال الأحداث دولة ضعيفة وداخلها دويلات اقوى منها.
والأوساط نفسها تعترف بأهمية هذا السلاح في حفظ امن لبنان وفي دوره المقدس في تحرير الأرض، لذا فهي لا تريد نزع هذا السلاح بل دمجه في إطار الشرعية وتصبح المقاومة بذلك من داخل القرار الرسمي ومشرعنة بشكل حقيقي وفي إطار مؤسسة الجيش، وهذا ما يتطلب فعلاً العمل بجدية لوضع استراتيجية دفاعية للبنان تكون المقاومة من ضمنها.
فالنائب أمين وهبي أكد في هذا الصدد: «نحن لا نريد نزع سلاح المقاومة ولا نريده أن يبقى خارج إطار الدولة. نحن نريد أن يكون هذا السلاح بجهوزيته ورجاله ومقاوميه وخبرته وصلابته بيد الجيش اللبناني وفي إمرة المؤسسات الرسمية، ونريده أن يكون متفرغاً في وجه إسرائيل وأن يصبح المجتمع الدولي متضامناً وموحداً خلف جيشه، ولا نريد أن تبقى المقاومة منفردة وقرارها خارج الدولة اللبنانية، ولا نعرف متى تحارب ومتى تسالم>.
ورأى العميد الركن المتقاعد امين حطيط عبر احدى دراساته في هذا المجال انه ورغم التباين بين مختلف الفرقاء السياسيين حول قضايا كثيرة، فقد بقيت مقولة «الاستراتيجية الدفاعية> العنوان الرئيس الذي يطرحه الفرقاء موضوعاً للبحث ويتجاذبون حوله، فهل ينتهي الحوار فعلاً إلى تحديد استراتيجية دفاعية ترضي الجميع؟
للإجابة عن هذا السؤال ننطلق أولاً من القواعد العامة التي تحدد الاستراتيجية بأنها «العلم والفن اللذان بمقتضاهما توضع خطة استعمال الإمكانات المتوافرة لتحقيق الأهداف المعتمدة>. وفي المجال الدفاعي، تكون الاستراتيجية هي خطة استعمال الدولة لقدراتها بغية تأمين حمايتها ضد الأخطار التي تتهددها، والخطر المقصود هنا هو ما يحيط بمصلحة وطنية معينة تطمح جهة ما لإفسادها، ويصنف من يعطل مصلحة أو ينتهك حقاً وطنياً «عدواً» للوطن، لذلك يكون العدو وخطره هما المنطلق في تحديد استراتيجية الدفاع.
مشروعية المقاومة
واضاف العميد حطيط: ولما كان الجيش غير كافٍ للمواجهة فقد برزت المقاومة التي كانت تقاتل إسرائيل منذ العام 1982، فاكتسبت مشروعية وطنية عامة (رغم أنها لم تكن تمثل الجميع) لا يستطيع لبناني أن يعارضها دون أن يخرج عن اتفاق الطائف لكن مشروعية المقاومة هذه عادت وطرحت للبحث والنقاش مجدداً بعد صدور القرار 1559 وما أعقبه من أحداث مهمة منذ العام 2005.
المواقف والاستراتيجية
ويرى العميد حطيط أن هناك مواقف خمسة مختلفة من هذا السلاح ومن الاستراتيجية الدفاعية، يلخصها على النحو الآتي:
الفئة الأولى: تتمسك بالعداء لإسرائيل وتؤكد على خطرها ووجوب مواجهتها ضمن استراتيجية تقوم على ثنائية القوة العسكرية: جيش رسمي تقليدي قوي، وتنظيمات شعبية مسلحة تمارس المقاومة بذهنية القتال غير التقليدي، وتطرح هذه الاستراتيجية أساساً من قبل حزب الله، يؤيده ويدعمه فيها حركة أمل والأحزاب الوطنية اليسارية وفئات إسلامية ومسيحية شتى.
الفئة الثانية: وهي الفئة الوطنية المتفاهمة أو المتحالفة مع المقاومة وفي طليعتها التيار الوطني الحر الذي يطرح استراتيجية تقوم على التأكيد بأن إسرائيل هي أهم خطر خارجي، وهي إلى جانب ذلك تملك الجيش المتفوق على الجيش اللبناني تفوقاً يمنع هذا الأخير منفرداً من حماية لبنان، لذا وجب دعمه وإسناده بمقاومة شعبية يشارك فيها كل الشعب اللبناني، بما يستوجب إطلاق نظرية الشعب المقاوم ضد الأخطار الخارجية.
الفئة الثالثة: ويمثلها تيار <المستقبل> وبعض حلفائه وهي فئة ترتكز في نظرتها إلى المقاومة واستراتيجية الدفاع أساساً على عنصر السلطة وتلبية احتياجات إقليمية وخارجية تراها ضرورية أيضاً لحماية تلك المصالح. أما الاستراتيجية الحقيقية التي تطرحها هذه الفئة فإنها ترتكز على قوى أمن داخلي وجيش للداخل يكون ظهيراً لقوى الأمن، مع رفض لوجود أي سلاح قد يهدد تلك السلطة أو يستجلب الحرب المدمرة للثروات...
الفئة الرابعة: ويمثلها الحزب التقدمي الاشتراكي وتقوم نظرتها على اعتبار المواثيق والمعاهدات الدولية الأساس في حماية لبنان، وفي طليعتها اتفاقية الهدنة التي يحرسها ويطبقها الجيش الذي هو الأساس الوحيد في الدفاع عن لبنان. لكن هذه الفئة وبمنطق واقعي تسلم بالمقاومة ودورها وتعرف استحالة نزع سلاحها وتطرح فكرة التغيير التدريجي للواقع القائم بحيث تنتقل المقاومة كلياً في نهاية المطاف إلى الجيش...
الفئة الخامسة: ويمثلها حزب «القوات اللبنانية> برئاسة سمير جعجع، وهي ترفض من حيث المبدأ سلاح المقاومة اللبنانية الإسلامية الحاضرة رفضاً لأهدافها المعلنة أي «قتال إسرائيل>. وهي ترى أن إسرائيل ليست العدو الحقيقي للبنان خاصة، ولذلك لا ترى أن إسرائيل مبعث قلق لها إن لم نقل أكثر. ولهذا تعارض فكرة وجود سلاح المقاومة لأنه برأيها سلاح خارج عن القرار الرسمي اللبناني.
ويقترح العميد حطيط عدة حلول في هذا الإطار أهمها: التأكيد على أن إسرائيل هي العدو المهدد للبنان في وجوده وحقوقه، واعتبار الإرهاب المصدر المهدد للبنان في أمنه واستقراره، واتخاذ قرار المواجهة بالقدرات الذاتية مع ربط الموقف بقواعد القانون الدولي للاستفادة منها في حدود ما تتيحه لمصلحة لبنان. اعتماد قانون يعتبر الجيش أساس العمل الدفاعي، وقوى الأمن أداة الدولة الأمنية، ويدعو الشعب لمؤازرة الجيش في إطار مقاومة متعددة التنظيمات، وربط المقاومة بالدولة سياسياً، عبر مكتب اتصال وضبط وتنسيق يكون جزءاً من المجلس الأعلى للدفاع الوطني، وتكريس حرية العمل المقاوم ميدانياً ضمن السقف السياسي، مع التزام المقاومة بالامتناع عن ممارسة إي نوع من أنواع السلطة مهما كان قدرها وطبيعتها، والامتناع عن اللجوء إلى استعمال سلاحها لتحقيق مكاسب داخلية ذاتية من أي طبيعة كانت. والسعي الحثيث لتعزيز قدرات الجيش اللبناني ليكون القوة المسلحة الأقوى في لبنان وتسليحه خاصة في مجال منظومات الدفاع الجوي والدفاع البحري، وتأمين صمود المواطنين في قراهم.
سويد: المقاومة الشعبية
وإذا كانت للعميد حطيط رؤيته في مجال الاستراتيجية الدفاعية الممكنة للبنان، فإن للواء المتقاعد الدكتور ياسين سويد رؤية أخرى تتجلى في العمل على استراتيجية تتمحور حول دور الجيش في الدفاع عن لبنان منطلقاً من إعادة طرح سؤال: كيف يمكن وضع استراتيجية دفاعية في بلد محدود القدرة العسكرية والإمكانيات والموارد الخارجية في الوقت الذي يشكل فيه الجيش العمود الفقري لأي استراتيجية؟. ويعتبر سويد أن قوة الجيش اللبناني تكمن بعزيمة افراده ولكن المجتمع اللبناني جاهز وقادر على المقاومة. وقد طرح اللواء سويد عدداً من الاقتراحات والحلول أولها اعتبار الجيش القوة الدفاعية الوحيدة عن لبنان مع الاقتناع بعدم قدرته على القيام بأي هجوم ضد العدو بالإضافة الى أن الأوضاع المالية للدولة اللبنانية غير قادرة على اعداد جيش قادر على القيام بمهمات الهجوم والدفاع ما يرجح كفة الاعتقاد بالمقاومة الشعبية، وقد أثبت التاريخ أن ما من جيش تغلب على مقاومة شعبية.ومن غير الممكن القول باستراتيجية دفاعية لا تقوم على جيش قوي تسانده مقاومة تعمل بالخفاء.
ثقافة وطنية واحدة
والمقاومة التي ستساند الجيش في الاستراتيجية الدفاعية المقترحة يراها سويد مقاومة وطنية وذلك يتطلب أن تنتقل الدولة من حال الشراكة الى حال الوطن من خلال ضبط التربية في التعليم الرسمي والخاص واعتماد منهاج تربوي واحد يتعلم فيه الجميع ثقافة وطنية واحدة ومن ثم انشاء هيئة لإلغاء الطائفة السياسية وتعميم ثقافة المقاومة لدى جميع اللبنانيين ويترتب على ذلك اقتناع تام لدى المقاومة الاسلامية بتحولها الى مقاومة وطنية بشكل يتلاءم مع الاستراتيجية العامة للدولة القائمة على استراتيجية دفاعية عليا بالتنسيق بين الجيش والمقاومة على أن يبقى الدفاع بإشراف الدولة مع حرية العمل دون الخروج عن الاستراتيجية العامة للدولة لاسيما في قرار الحرب والسلم.
والاقتراحات التي قدمها الخبراء العسكريون والباحثون حول الاستراتيجية الدفاعية أضيفت الى الدراسات والاقتراحات التي قدمها عدد من أركان طاولة الحوار في هذا المجال ومن أبرزهم العماد ميشال عون، والدكتور سمير جعجع..
العماد عون: الوحدة ضرورة مطلقة في الاستراتيجية الدفاعية
فالعماد عون قدم دراسة مطولة في هذا المجال وأبرز ما ورد فيها: «إن الاستراتيجية بمفهومها العام هي الترجمة العملية للسياسة التي تلتزم بها الدولة في قطاع ما من القطاعات العامة، وتحتوي طبعاً على أهداف ووسائل واساليب عمل يصمم لها أن تعمل ضمن تنسيق وانسجام. فلكل قطاع استراتيجية، هناك الاستراتيجية الاقتصادية والاستراتيجية التربوية والاستراتيجية البيئية والاستراتيجية السياحية الخ..، وما يعنينا هو الاستراتيجية الدفاعية التي توافقنا على دراستها، والتي يجب أن تكون ترجمة للسياسة الدفاعية التي تعتمدها الدولة...>.
ورأى عون «..أن القوة تكمن في وحدة لبنان الوطنية والضعف في غيابها. وهذه الوحدة ضرورة مطلقة في الاستراتيجية الدفاعية، وفقدانها هو مصدر للنزاع، وقد يستدرج السلاح الى داخل البلاد، فيخرج عن الهدف المعد له، وبدل أن يكون للدفاع عن الحدود يصبح أداة للاقتتال..>.
فالوحدة الوطنية هي ثابتة تبنى عليها الاستراتيجية الدفاعية، وهي ضرورة للبنان كما هي ضرورة أيضاً لبلدان العالم كافة مهما اختلفت مكونات مجتمعاتها.
قوتان: جيش نظامي ومقاومة
ورأى عون أن الردع يقوم على تكوين قوتين: الأولى من الجيش النظامي، والثانية من المقاومة، وتكونان قادرتين على تحميل العدو خسائر تفوق طاقته على تحمّلها، وذلك باعتماد اسلوب قتال بوحدات صغيرة تستطيع التخفي والاحتماء، ولا تشكل أهدافاً مهمّة للطيران، بالإضافة الى تكوين جهاز دفاع جوي حديث. إن هذا النوع من القتال يقتضي تدريباً جديداً لوحدات الجيش المقاتلة يمكّنها من القيام بمهمات امنية بتشكيلاتها العادية، والتوزع اثناء القتال والانتقال الى حرب العصابات. أما قوى المقاومة فتتشكل من السكان، لذا يجب أن تغطي هذه القوى الأراضي اللبناني كافة؛ فإمكانية الانزال لدى العدو متوافرة في كل الأماكن والأوقات، ولا يمكن قياس ما سيحدث في حرب مستقبلية على ما حدث في حرب تموز؛ فشواطئنا
مفتوحة وأجواؤنا مكشوفة، لذا يجب التخطيط لكل الحالات المتوقعة.
وأضاف: ومن الطبيعي أن تحدد شروط الأهلية والقدرة على الانخراط في هاتين القوتين من قبل لجان مختصة، لأنها يجب أن تتحلى بمواصفات جسدية ومعنوية وانضباطية وتقنية، تسمح لها بتحمّل المشقات، وبروح المبادرة التي تساعدها على ادارة القتال في وحدات صغيرة.
جعجع: تفعيل القوات الخاصة في الجيش
أما رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، فكان قد طرح رؤية «القوات> للاستراتيجية الدفاعية، والتي اعتمد فيها نظرة موضوعية لواقع لبنان الديموغرافي، الاقتصادي، ولتركيبته الطائفية والمذهبية، ولموقعه السياسي والجغرافي، وشدد فيها على ضرورة احترام المسلّمات اللبنانية، والنظام السياسي اللبناني، والقرارات الدولية.
ودعا جعجع في دراسة مطولة الى إتّخاذ الإجراءات اللازمة كافة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الإحتلال الإسرائيلي، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها، ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية المُعترف بها دولياً، والعمل على تدعيم وجود قوات الطوارىء الدولية في الجنوب اللبناني، لتأمين الإنسحاب الإسرائيلي ولإتاحة الفرصة لعودة الأمن والإستقرار إلى منطقة الحدود.
واعتبر جعجع أن الاستراتيجيات الدفاعية المطروحة من قبل قوى 8 آذار تعارض جوهر وروح المسلّمات اللبنانية كافة، خصوصاً لجهة الإقرار بحق مجموعات مسلّحة في الانتشار على أرض لبنان، إذ يُشكّل ذلك خرقاً لإتّفاق الطائف، وللنصوص الدستورية والقانونية المرعية الإجراء، وللقانون الدولي ومقررات مجلس الأمن المتعلقّة بلبنان. ان أي محاولة لتسليح الشعب اللبناني وتحويله مجتمعاً مقاوماً سوف تؤدي إلى نشوء مراكز قوى مسلّحة مُوزّعة الانتماءات ومتعدّدة الولاءات، وبالتالي تدفع إلى إنهيار السلطة المركزية للدولة اللبنانية.
وفي ما يشبه الرد على ما طرحه العماد عون، اعتبر جعجع أن إعتماد نظرية «الشعب المقاوم» لن يعفي الدولة اللبنانية، بمقوّماتها كافةً، من تحمّل التبعات والتداعيات المباشرة لأي مواجهة مع إسرائيل، في ظلّ تهديدات العدو الإسرائيلي الصريحة والعلنية باستهداف الشعب اللبناني، وبالتدمير الكّلي للبنى التحتية دون تمييزٍ بين مدني أو مقاوم، وهو ما لا قدرة للبنان واللبنانيين على تحمّله.
حصر جميع القرارات العسكرية
وشرح جعجع إقتراح القوات اللبنانية للاستراتيجية الدفاعية التي تقضي بأن تقوم على نظرة موضوعية لواقع لبنان الديموغرافي، الاقتصادي، ولتركيبته الطائفية والمذهبية، ولموقعه السياسي والجغرافي، آخذةً بعين الإعتبار التجارب التاريخية، وطبيعة ومكامن التهديدات المُتوقّعة والمُقدّر له أن يواجهها، وأن تعمل الاستراتيجية الدفاعية على حصر جميع القرارات العسكرية، التخطيطية، العملانية، التكتيكية، والاستعلامية، بالإضافة إلى مبدأ القيادة والسيطرة في يد القوى العسكرية الشرعية بصفتها الأداة التنفيذية الوحيدة للسلطة الشرعية، معتبراً أن تبنّي لبنان سياسة الحياد، لا يعني إطلاقاً تخلّيه عن القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. ان الحياد لا يُعفي لبنان من مسؤولياته في دعم أي مسعى يُنتج حلاً عادلاً ومُنصفاً للقضية الفلسطينية، ويؤدي إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات إلى ديارهم، وإن الإطار السياسي الأمثل المخوّل حلّ هذه القضية، يكمن في جامعة الدول العربية ومقررات الأمم المتحدة، داعياً الى تفعيل «القوات الخاصة» الموجودة حالياً في الجيش اللبناني: اللواء المجوقل، المغاوير، مغاوير البحر، مغاوير الجبل، المكافحة والقوة الضاربة... والتي أثبتت جدارتها وقدراتها القتالية العالية كلما سنحت لها الفرصة، لجهة زيادة العديد، والتحسين في نوعية الأداء، وتطوير العتاد وآليات التدريب، بحيث يقفز عدد هذه القوات من خمسة آلاف إلى حوالى 20 ألف عنصر، تُنظّم وتُوزّع على خمس قيادات مناطق، بما يتوافق وتقسيمات لبنان الإدارية لجهة اعتماد المحافظات الخمس الرئيسية. وتشكّل عناصر «القوات الخاصة»، رأس الحربة في العمليات العسكرية الهجومية والدفاعية على حدٍّ سواء، والتصدّي للتحديات الخارجية والداخلية، وأن تنشأ بإشراف قيادات «القوات الخاصة» في المحافظات مجموعات من «الحرس الوطني> يكون إرتباطهم العسكري والإداري بقيادة المحافظة في «القوات الخاصة» مباشرةً، على أن يخضع هؤلاء للتدريبات الأساسية وتُناط بهم المهمات العملانية المختلفة، ويُعتبرون بمثابة قوات دعمٍ ومؤازرة «للقوات الخاصة>.
وأضاف: وأن تكون مراكز قيادات المحافظات للقوات الخاصة، كما كل بناها التحتية، مُحاطة بسريّةٍ تامة، خارج طريقة التعاطي الحالي، وعلى غرار طريقة عمل حزب الله في الوقت الراهن بحيث تستمر الوحدات الأخرى في الجيش اللبناني على وضعها الحالي وتتابع تأدية مهمّاتها كالمعتاد.
فهل يتفق اللبنانيون على استراتيجية دفاعية موحدة؟ وهم في الأصل لم يتفقوا بعد على مفهوم موحد للعدو، أم أن هذا الموضوع سيظل موضع نقاش دون نتيجة بانتظار دورة التغييرات الاقليمية والدولية التي اعتاد اللبنانيون المراهنة عليها وعلى نتائجها؟