تفاصيل الخبر

”انتفاضة قضائية“ تواكب ”ثورة 17 تشرين“فهل تبقى السياسة بعيدة عن الملفات المفتوحة؟

29/11/2019
”انتفاضة قضائية“ تواكب ”ثورة 17 تشرين“فهل تبقى السياسة بعيدة عن الملفات المفتوحة؟

”انتفاضة قضائية“ تواكب ”ثورة 17 تشرين“فهل تبقى السياسة بعيدة عن الملفات المفتوحة؟

على رغم الظروف غير الطبيعية التي يعيشها لبنان هذه الأيام مع استمرار <الحراك الشعبي> في الساحات والمناطق، وتواصل التظاهرات التي دخل فيها طلاب المدارس طرفاً أساسياً وفاعلاً، فإن ثمة <ظاهرة> أخرى تواكب ما يُعرف بـ<الثورة> من جهة، وبالوضع الحكومي المشلول من جهة أخرى، هي <ظاهرة> تحرك القضاء للتحقيق في ارتكابات مالية وهدر ورشاوى وفساد بصرف النظر عن هوية المتهمين فيها. وبدا ان <الغبار> نُفض عن ملفات ضائعة في الجوارير أي في غياهب مكاتب القضاة وكأن <الثورة الشعبية> في الشوارع والساحات سوف تواكبها <ثورة قضائية> أطلقتها التغييرات التي حصلت في المواقع القضائية البارزة، لاسيما رئاسة مجلس القضاء مع تعيين القاضي سهيل عبود رئيساً، والقاضي غسان عويدات مدعياً عاماً تمييزياً. واللافت في هذا السياق ان المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم تحرك هو أيضاً من جديد وفتح ملفات كانت مقفلة، في انتظار أن تشمل <بركاته> ملفات أخرى لم يفتحها بعد على رغم المراجعات التي تلقاها من أكثر من مرجع.

 

الثلاثي عبود وعويدات وابراهيم!

<النخوة> التي لفحت بالجسم القضائي بعد تجديد الدم في عروقه، تتزامن مع تأكيد رئيس االجمهورية العماد ميشال عون أمام الرسميين والديبلوماسيين والوفود التي زارته خلال الأيام الماضية، ان التحقيقات ستشمل جميع المرتكبين سواء كانوا في المسؤولية الحالية أو باتوا مسؤولين سابقين، لأن معركة الفساد التي حمل <الثوار> لواءها كان الرئيس عون في مقدمة من دعا الى فتحها منذ اليوم الأول لتسلمه مسؤولياته الدستورية، وعاد وأكد عليها في إفطارين رمضانيين في السنة الجارية والسنة الماضية، لكن من الواضح ان <أدوات> المعركة الاصلاحية لم تكن تلبي رئيس الجمهورية الذي شكا مراراً من <تخاذل> بعض المعنيين في مقاربة ملفات الفساد، أو ممارسة ضغوط على القضاة لمنعهم من القيام بواجباتهم. إلا ان اندلاع <الثورة> أعاد تحريك الأمور بالتزامن مع التزام رئيس الجمهورية عدم السكوت بعد اليوم عن الفاسدين والمرتكبين، علماً ان ثمة من يقول ان هؤلاء يشكلون <مافيا> قوية متعددة الجذور لن يكون من السهل القضاء عليها أو الحد من مفاعيلها على أقل تقدير. لكن الارادة موجودة، والقضاة باشروا مقاربة جديدة في التعاطي مع عملية مكافحة الفساد، سواء من خلال رفع الحصانة عن مرتكبين، أو تحريك الملاحقات القضائية بحق معنيين ظلوا الى الأمس القريب بعيدين عن الحساب.

وفيما يتطلع الكثيرون، من داخل ومن خارج، الى <الانتفاضة> القضائية المتجددة مع تسلم القاضيين عبود وعويدات مهامهما الرسمية، وفيما يؤكد القاضي علي ابراهيم ان ما من أحد فوق رأسه خيمة، تخشى جهات معنية أن تتسلل السياسة الى الجسم القضائي من جديد ويصبح اختيار <ملفات الفساد> استنسابياً فيتم تحريك ملفات فيما تبقى ملفات أخرى <نائمة> في الأدراج، الأمر الذي سوف يجدد التأثير على حركة القضاء بهدف تجميدها من جديد. صحيح ان القاضي عويدات أعطى الأذونات كلها الى موظفين من الفئة الأولى استناداً الى القانون الذي يلحظ صلاحية المدعي العام التمييزي باطلاق الملاحقة الجزائية بعد مضي شهرين على طلب هذا الاذن من الوزير المختص والامتناع عن تلبية الطلب أو عدم الاجابة عنه إلا ان عدد هذه الاذونات السبعة لا يزال دون العدد الحقيقي للملفات المفتوحة ولاسيما تلك التي طلب الرئيس عون ملاحقة المرتكبين فيها وأشارت إليها <الأفكار> في عدد سابق، إلا ان ذلك لا يلغي ان القاضي عويدات بادر الى فتح هذه الملفات المتصلة بالفساد وهدر المال العام بعدما كانت مجمدة بسبب مسألة الحصانة ومعوقات اعطاء الاذن للملاحقة.

 

السنيورة أول الغيث!

 

أولى ثمار <الانتفاضة القضائية> كانت... سياسية من خلال <دعوة> الرئيس فؤاد السنيورة الى <شرب فنجان قهوة> لدى القاضي ابراهيم للاستماع إليه في مسألة صرف 11 مليار دولار خلال توليه رئاسة الحكومة وما قيل عن عدم وجود قيود تثبت أماكن صرف هذه الأموال. في زيارة الرئيس السنيورة، التي فاجأت القاضي ابراهيم ــ على حد قوله ــ اصطحب الرئيس السابق للحكومة معه كل ما يتعلق بهذه القضية من وثائق وبيانات، وهو أراد من هذه الخطوة ــ على حد قوله ــ <قطع دابر الاشاعات التي انتشرت حول عدم قبوله الذهاب الى القضاء، وقطعاً للطريق أمام الكيديات السياسية التي تمارسها بعض أطراف السلطة ضد رموز سياسية محسوبة على طائفة معينة على نحو بات يثير الشبهات>... وقد استمرت جلسة الاستماع بين الرئيس السنيورة والقاضي ابراهيم أكثر من ثلاث ساعات أجاب خلالها السنيورة عن الأسئلة التي طرحت عليه باستفاضة واسهاب متناولاً مسار ادارة المالية العامة للدولة اللبنانية وأوجه انفاقها ليس فقط في ما خص الـ11 مليار دولار، بل لكامل الفترة التي كان فيها وزيراً للمالية (2000 ــ 2004) ثم رئيساً للحكومة (2005 ــ 2009)، كما زود القاضي ابراهيم بنسخة متكاملة عن الوثائق والبيانات المتعلقة بالمرحلة الزمنية موضوع الجلسة، وهي وثائق موجودة أصلاً في وزارة المالية.

كلام كثير قاله الرئيس السنيورة في الجلسة مع القاضي ابراهيم، مفنداً كل المبالغ التي تدور حول طريقة صرفها علامات استفهام كثيرة، فأكد ان المال انفق لتلبية حاجات الدولة ولتسديد مبالغ متوجبة عليها، وان هذا الانفاق <استند> الى قانون المحاسبة العمومية. والجديد في <إفادة> الرئيس السنيورة، ان المبالغ الاضافية التي أنفقت من حساب الخزينة خلال السنوات 2006 ــ 2009 بما يفوق حدود القاعدة الاثني عشرية بلغت حوالى 17 ألف مليار ليرة أي ما يعادل 11 مليار دولار، وكانت متشابهة في توجهاتها وقانونيتها لما كان يحصل في السنوات السابقة، إضافة الى ما أنفق خلال السنوات 2010 وما بعدها، واللافت في هذا السياق ان مجموع الانفاق الاضافي بلغ خلال 2010 ــ 2014 و2018 حوالى 23 ألف مليار ليرة!

وتقول مصادر معنية انه لن يكون من السهل على القاضي ابراهيم التدقيق في صحة هذه الأرقام والمستندات من دون العودة الى وزارة المال للتثبت من وجودها ومقارنتها بتلك التي قدمها الرئيس السنيورة، وهي مهمة سوف <يجنّد> المدعي العام المالي فريقاً كبيراً من معاونيه لانهائها في وقت معقول...

الادعاء على فايز شكر!

ملف آخر فتحه القاضي ابراهيم وشكل مفاجأة غير متوقعة، حين ادعى على الوزير السابق فايز شكر بصفته الوظيفية وليس الوزارية، كونه يعمل طبيباً مراقباً في الضمان الاجتماعي، والتهمة هي الاهمال الوظيفي! واللافت ان الادعاء أحيط بهالة اعلامية اثارت علامات استفهام كثيرة حول توقيته خصوصاً انه تناول فترة عمل شكر في الضمان الاجتماعي التي بدأت العام 1991، ثم علقت وظيفته في العام 1995 بعد تعيينه وزيراً، وأعيد تعليقها يوم عُين أميناً عاماً قطرياً لحزب البعث العربي الاشتراكي. وفي هذا الإطار يروي شكر ان المسألة بدأت حين تقدم قبل أربعة أشهر بطلب تعويض نهاية الخدمة وقبض مستحقاته البالغة 292 مليون ليرة، فوافق مجلس الادارة ما عدا عضوين بينهم عادل عليق (شقيق أحد وجوه <الثورة> رامي عليق) الذي اعترض لكون شكر لم يلتزم بدوامه الوظيفي لسنوات طويلة، وعليه استدعى القاضي ابراهيم الوزير السابق شكر للتحقيق معه ما جعله يتساءل عما إذا كان اهمال الوظيفة يتطلب كل هذه الاجراءات، خصوصاً ان اتهامه بالاهمال لا يقع في مكانه القانوني إذ ظل يداوم حتى عندما كان أميناً عاماً لحزب البعث (وهو ما تنفيه معلومات القاضي ابراهيم). ويربط شكر بين الدعوى ضده والحملات السياسية التي استهدفته بعد ترشحه للانتخابات النيابية العام الماضي، أي انه <ضحية> عملية <تصفية حسابات سياسية تتعلق بالواقع السياسي القائم في منطقة بعلبك ــ الهرمل>. وكان رد شكر على هذه الدعوى ان أقام هو دعوى ضد القاضي ابراهيم واصفاً إياه بـ<رأس الفساد القضائي> خصوصاً انه عمد الى التشهير به في وسائل الإعلام.

كذلك تحرك القاضي ابراهيم ضد المدير العام للجمارك بدري ضاهر استناداً الى اخبار وصله عن هدر مالي حصل في عملية البيع بالمزاد العلني التي تمت في مرفأ بيروت على دفعتين ثم توقفت. ورد ضاهر بالادعاء هو أيضاً على القاضي ابراهيم...

في أي حال، من الواضح ان <الانتفاضة القضائية> والحماسة في فتح الملفات لن تخلو من ردود فعل سياسية، علماً ان مصدراً قضائياً رفيعاً أكد لـ<الأفكار> ان لا كيدية في هذه الملاحقات، وان ملفات كانت نائمة في الأدراج سيتم تحريكها حتى يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض بحيث لا تبقى هذه الملفات مجمدة والشكوك تحوم حول المعنيين ما يفسح في المجال أمامهم لاثبات براءتهم.. أو ادانتهم!

هذا الواقع القضائي المستجد حرّك ملفات ورسميين وسياسيين على حد سواء، فالوزير السابق بطرس حرب تقدم بإخبار أمام القاضي عويدات يهدف الى جعل السياسيين المتهمين أمام القضاء. كذلك استمع القاضي ابراهيم الى كل من الوزيرين جمال الجراح ومحمد شقير في ملف الاتصالات، كما استمع الى كل من النائب حسين الحاج حسن في ملف الزراعة، والمدير العام لوزارة المال آلان بيفاني في ملف الرئيس السنيورة. ويبقى اخبار الوزير السابق حرب الأبرز إذ طلب فيه التدقيق في حسابات المعنيين بإخباره تحت طائلة قانون مكافحة تبييض الأموال بحيث تقوم هيئة التحقيق الخاصة لدى مصرف لبنان بالتجميد النهائي للحسابات بعد اجراء تحقيقات ورفع السرية المصرفية لمصلحة القضاء المختص عن الحسابات أو العمليات التي يشتبه في انها تتعلق بتبييض أموال وإبقاء هذه الحسابات قيد المساءلة مع حق الهيئة بوضع إشارة على القيود والسجلات العائدة الى هذه الأموال وحق مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة التي يثبت بموجب حكم نهائي أنها متعلقة بجرائم فساد!