تفاصيل الخبر

إنتفاضة العراق ولبنان.. بين شرعية الداخل واستغلال الخارج!

12/12/2019
إنتفاضة العراق ولبنان.. بين شرعية الداخل واستغلال الخارج!

إنتفاضة العراق ولبنان.. بين شرعية الداخل واستغلال الخارج!

بقلم علي الحسيني

بدا لافتاً وبشكل لا يحتمل التأويل، تزامن الإنتفاضة الشعبية في لبنان مع الثورة في العراق وتشابه المسببات التي استدعت الشعبين اللبناني والعراقي للتحرك في وجه السلطات والمطالبة بإسقاط أنظمتها وأبرزها المطالبات المعيشية وتوقيف الهدر والفساد وفي الإفساح في المجال أمام جيل جديد لتولي إدارة وشؤون البلاد بعيداً عن التحاصص واقتسام المغانم والإستيلاء على مقدرات البلاد. وقد يكون هذا التزامن مجرد صدفة في عالم عربي يشهد تقلبات يومية في ظل منظومة حكم مستبدة، لكن أيضاً ثمة من يعتبر أن تدخلاً دولياً او إقليمياً، هو الذي ساهم بموجات الغضب الشعبية وحرّض الشعوب على الإنتفاضة لأسباب تتعلق بطبيعة الصراع القائم في المنطقة وتحديداً بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.

إسرائيل على الخط وإيران تبحث في النوايا!

مع بداية الحراك الشعبي في لبنان، أبدت اسرائيل اهتماماً كبيراً بما يحصل في بلد الـ10452 كيلو متر مربع لدرجة أن البعض هناك طرح أسئلة عديدة أبرزها يتعلق بالأسباب التي تمنع الإسرائيليون من الإحتجاج والنزول الى الشوارع لمواجهة فساد حكومة <بنيامين نتنياهو> وسياستها الفاسدة. كما ان أهل السياسة في إسرائيل راحوا يسألون ما إذا كان سيقود الحراك الشعبي إلى سيطرة حزب الله وإيران على لبنان، أم انه سيُضعفهما وبالتالي سيرفع يدهما عنه إفساحاً في المجال لتثبيت مرحلة جديدة وآمنة بين البلدين. دائماً من وجهة النظر الإسرائيلية.

واليوم تُبرز إسرائيل مجدداً وعبر رئيس حكومتها، نواياها العدائية تجاه لبنان والمنطقة مستعملة الحراكات الشعبية فيها من أجل تحقيق أهدافها السياسية وذلك بقوله إن التظاهرات في لبنان والعراق وإيران تعطي فرصة كبيرة لتعزيز الضغط على النظام الإيراني. وأضاف <نتنياهو> أنه اتفق مع كل من الإدارة الأميركية على استغلال التظاهرات في إيران والعراق ولبنان كآلية لتعزيز الضغط على السلطات الإيرانية.وعلى الخط نفسه دخل نائب قائد الوحدات الخاصة بالشرطة الايرانية العميد حبيب الله جان نثاري ليقول بأن جبهة المقاومة تعد أعظم إنجاز للجمهورية الإسلامية الايرانية، موضحاً ان سبب الاضطرابات الحالية في العراق ولبنان يهدف الى اضعاف جبهة المقاومة في المنطقة.

ما سلف ذكره يؤكد أن ثمة تدخلات خارجية تعبث برزنامة الحراك في لبنان والعراق وتُحاول الإصطياد في المياه العكرة لمنافع ذاتية، وهذا من شأنه أن يُسهم في نهاية الامر في تضعضع الحراك في البلدين وحرفه عن سكته الحقيقية وبالتالي تسييسه وأخذه باتجاه مصالح إقليمية بحيث يُصبح بعيداً عن القاعدة التي انطلق منها والتي على أساسها استقالت حكومة الرئيس سعد الحريري وأيضاً موافقة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي على استقالة حكومته وقوله إن الإستقالة أتت استجابة لخطبة المرجعية الدينية العليا وبالنظر للظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، وهي أيضاً من أجل فتح المجال أمام مجلس النواب لدراسة خيارات جديدة.

روزنامة أميركية من العراق الى لبنان؟

 

التحليلات السياسية المناوئة للحكومة العراقية او التي تقف إلى جانب ما يتعرض له جزء غير قليل من الشعب العراقي، تعتبر أن سقوط الأمن في الموصل ثاني أكبر محافظة عراقية، جاء بشكل سريع لكنه كان متوقعاً وذلك بسبب ازدياد تهميش الحكومة لقرابة نصف الشعب العراقي على الرغم من بيان موقفهم الرافض لهذا التهميش عبر الاعتصامات السلمية التي استمرت أكثر من عام في محافظات الأنبار، صلاح الدين، نينوى، ديالى، كركوك ونصف العاصمة بغداد، وأيضاً بسبب استمرار حالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة ضد الأنبار عموماً والفلوجة والكرمة منذ العام 2014 ولغاية اليوم والإستمرار بعمليات الاعتقال العشوائية في عموم البلاد. لكن مقابل الرؤية هذه، ترى مصادر مقربة من خط <الممانعة> المدعومة إيرانياً، بأن ما يحصل في العراق وفي لبنان وإيران أيضاً، هو وجه من وجوه الحرب السياسية والاجتماعية التي يشنها الغرب على محور المقاومة في العالم كله.

وتُضيف المصادر: لهذا فقد اتخذت قرارات بالإجماع من قبل هذا المحور، يقضي أبرزها بضرورة الإستعدادات السياسية والعسكرية حتّى، لمواجهة هذه المخططات والتي للأسف، تُنفذ بأياد لبنانية وعراقية. وتقول: إن ثمة مخططاً أميركياً وعربياً من أجل احياء فكرة 14 أذار في لبنان بهدف إحداث إنقسام محلي والذهاب لاحقاً باتجاه تطويق حزب الله وحلفائه والتهويل بالبند السابع الذي يُجيز استخدام القوة العسكرية والسياسية والاجتماعية لمواجهة الحزب. وكذلك الامر بالنسبة الى العراق بحيث نرى كيف يقوم الأميركي باستنهاض خلايا حزب البعث وهؤلاء هم الذين ينفذون اليوم عمليات الاغتيال والقيام بأعمال تخريبية في العديد من المدن العراقية.

واعتبرت المصادر أن الولايات المتحدة الأميركية سوف تقوم بتصعيد ما في لبنان خلال الفترة المقبلة، وعلينا ان نبقى متيقظين وهذا لا يكون إلا بالإستعداد السياسي والعسكري والأمني، والقيام بإنجازات نوعية في الملف العراقي، فتطويقنا وتطويق إيران في العراق قد بدأ. وليس سرّاً إن كشفنا بأن هناك آلية عمل موحدة بين ايران وكل حلفائها في العالم لمواجهة المخطط الأميركي والإسرائيلي، وذلك في اللحظة المناسبة.

الواقع العراقي رئاسة وحكومة وشعباً!

في الشأن العراقي المحض، فقد وافق البرلمان في العراق على استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، التي أعلن عزمه تقديمها منذ اسبوعين، عقب خطبة المرجعية الدينية العليا في النجف. ورغم تأخر وصول الاستقالة إلى البرلمان، حتى قبيل بدء الجلسة بدقائق، إلا أن النواب سرعان ما وافقوا عليها بغالبية كبيرة خلال جلسة حضرها 241 نائباً، وهو عدد كبير بالقياس إلى جلسات البرلمان التي لم يتخط الحضور فيها حاجز المئتين من مجموع 329 نائباً. وفي وقت لا يبدو أن استقالة عبد المهدي ستطوي صفحة الخلافات أو تقلل من زخم التظاهرات، يتبلور توافق يكاد يكون شاملاً بشأن المواصفات المقبولة لشخص رئيس الوزراء القادم، وأهمها أن يكون مقبولاً لدى المتظاهرين، وهي المهمة الأصعب في ماراثون اختيار بديل عبد المهدي.

كتلة <سائرون> وهي الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي، أكدت أنها تنازلت عن حقها في ترشيح رئيس الوزراء المكلف الجديد وأعربت عن موافقتها على المرشح الذي سيختاره الشعب من ساحات التظاهر، في وقت أكد فيه رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، أنه لن يكون طرفاً في اختيار مرشّح لرئاسة الوزراء في هذه المرحلة، داعياً إلى أن يكون مستقلاً، وينال ثقة الشعب. وقدم نواب طلباً موقعاً إلى رئاسة مجلس النواب للتصويت على قرار يُلزم رئيس الجمهورية، بأن يكون رئيس الوزراء الجديد المكلف شخصية وطنية مستقلة، ومن حملة الجنسية العراقية حصراً، ولم يستلم أي منصب حكومي أو نيابي منذ عام 2003 وحتى الآن، ويحظى بقبول المتظاهرين.

 

الواقع اللبناني وانقسام الحراك!

المؤكد أن الحراك الشعبي الذي يعيشه لبنان فريد من نوعه، فلأول مرة تخرج تظاهرات من مختلف الطوائف تنادي برحيل النخبة السياسية وانهاء المحاصصة الطائفية. فهناك مئات الآلاف من اللبنانيين يتظاهرون منذ 17 تشرين الأول (أكتوبر) مطالبين بظروف معيشية أفضل لهم وللأجيال القادمة. والشيء الجيد الوحيد الذي فعله أهل السياسة في لبنان، أنهم وحدوا صرخات الشعب اللبناني ضد الجميع من دون أي تفرقة بين جهة واخرى أو بين حزب وآخر، وذلك على قاعدة <كلّن يعني كلّن>. ومنذ البداية رفع الجميع شعار إسقاط حكومة الحريري والذهاب الى انتخابات مُبكرة وضرورة قيام حكومة من اختصاصيين لا وجود فيها لأي من الوجوه القديمة. وكان لافتاً في بداية الثورة، تجنّب التقاسم التقليدي داخل المجتمع الذي يمكن أن يقوض الحركة الاحتجاجية، فقد ركّزت كل مجموعة بذاتها على اسقاط الأنظمة السياسية القائمة في مناطقها. فالسنة مثلاً في شمال لبنان قاموا بتمزيق صور الحريري.  والمسيحيون أحرقوا ملصقات لرئيس الجمهورية وهتفوا أيضاً ضد رئيس حزب <القوات اللبنانية> سمير جعجع. وبدورهم قام جزء كبير من الطائفة الشيعية بتوجيه الإتهامات إلى حزب الله ونوابه ووزرائه، وكذلك نظّموا أناشيد وأغاني ضد حركة <أمل>، وهذا ما جعل من الحراك في أيامه الأولى، بمثابة خشبة خلاص لجميع اللبنانيين قبل أن يعودوا ويتفرقوا ويتنازعوا في الطرقات وعلى الإعلام وعلى وسائل التواصل الإجتماعي.

 

نصائح الخامنئي للعراق ولبنان!

المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي اعتبر أن الولايات المتحدة الأميركية ومن وصفهم بـ<الدول الرجعية> في المنطقة يقومون بإثارة الفوضى اليوم أكثر من أي وقت مضى، وأن أطر الآليات القانونية كفيلة بتحقيق المطالب المشروعة للشعبين اللبناني والعراقي. وأشار إلى ان أكبر ضربة يمكن أن يوجهها الاعداء لبلد ما هو تقويض أمنه وهو الأمر الذي شرعوا به اليوم في بعض دول المنطقة وحرموا المواطنين فيها من التنعم بالأمن. أميركا وأجهزة الاستخبارات الغربية تقوم اليوم أكثر من غيرها في العالم، بتمويل من الدول الرجعية في المنطقة، بإثارة الفوضى والاضطرابات وهو ما يعد اسوأ عداء وأخطر حقد ضد شعب ما. وتوجه الخامنئي بنصيحة للحريصين على مصلحة العراق ولبنان بأن يجعلوا معالجة اضطراب الأمن أولوية له، معتبراً أن شعبي هذين البلدين لهما مطالب مشروعة، ولكن عليهما أن يعلما أن هذه المطالب ممكنة وقابلة للتحقق في اطر الآليات القانونية، إذ عندما تنهار الأطر القانونية في بلد ما لا يمكن القيام بأي عمل وحينما يحدث الفراغ في بلد ما لا يمكن القيام بأي خطوة إيجابية.

حيدر: المطلوب تعديلات دستورية في البلدين!

عند هذا الحد يُشير الكاتب والمحلل السياسي أسعد حيدر إلى أن انتفاضة ١٧ تشرين الأول حققت الكثير رغم أن بداياتها لم تكن توحي بذلك، ولا شك أنه بعكس ما كان متصوراً فإن الجيل الصاعد من العمر بين ١٧و٢٥ سنة ليس <مؤدلجاً> كما في الأجيال التي سبقته بسبب تراجع الأيدولوجيات وتحديداً الأحــــــــــــــــزاب اليسارية، إلاّ أنه خلال الايام القليلة من الانتفاضة أكد وأثبت بأنه يعرف الكثير وخصوصاً ما يريده وما يطمح اليه وانه يملك الإرادة والتصميم، ولكن لا شك أن أعظم ما أفرزته <الانتفاضة> وشكل مفاجأة استثنائية لأنها تبشر بولادة جديدة للمجتمعات اللبنانية كانت في وحدة الساحات والطوائف تحت العلم اللبناني فقط.

ويرى حيدر: أن الخامنئي لم يجد من حل للانتفاضة في لبنان والعراق سوى القول: إن مطالب الشعبين اللبناني والعراقي تتحقق فقط ضمن أطر الآليات القانونية. وذلك بعد أن قدّم حسين أمير عبد اللهيان لهذه المطالبة بوصفه للانتفاضة بقوله: هذه هي النسخة الجديدة لإرهاب سياسيي العراق ولبنان ومصيرها الفشل. ويخلص إلى انه في العراق فهم عادل عبد المهدي الرسالة الشعبية للتظاهرات فأعلن أن التعديلات الدستورية يمكن أن تصل الى تغيير النظام السياسي، فهل يمكن للبنانيين أن يحلموا بالتوصل الى تعديلات دستورية تنتج التغيير ولو على مراحل؟

بصريح العبارة، ثمة أوجه شبه كثيرة بين العراق ولبنان. وعلى الرغم من كلّ نقاط الاختلاف، كان العراق دائماً قريباً من لبنان وكان لبنان قريباً من العراق. هناك عدد لا بأس به من اللبنانيين جمع ثروات من العمل في العراق ومع العراق. كان ميناء بيروت المكان الذي تنزل فيه البضائع المتوجّهة الى العراق. وهنا يقول مصدر مقرب من حزب الله: عندما نهبت ميليشيا تابعة لاحد الأحزاب المسيحية في العامين 1975 و 1976 مستودعات الحوض الرابع في الميناء، شملت عملية النهب بضائع وآليات، تقدر قيمتها بعشرات ملايين الدولارات، كانت في طريقها برّاً الى العراق عبر الطريق البرّي الذي يمرّ بالاراضي السورية. لم يفهم الذين نهبوا الحوض الرابع معنى الغاء دور ميناء بيروت الذي كان بين الموانئ المتوسطية الأكثر نشاطاً، اذ كان ميناء أساسياً بالنسبة الى العراق ودول اخرى، خصوصاً بعد زوال دور ميناء حيفا اثر قيام إسرائيل في العام 1948.