تفاصيل الخبر

انت واحد منن، وأنا واحد منن!

08/11/2019
انت واحد منن، وأنا واحد منن!

انت واحد منن، وأنا واحد منن!

 

 بقلم  الدكتور ناجي الصغير

ابتدأ حراك اللبنانيين، أو انتفاضتهم أو ثورتهم، في 17 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي بمطالب معيشية استقطبت الآلاف من المواطنين سرعان ما اصبحوا مئات ألوف وفاقوا المليون ونصف المليون في ساحات وشوارع ومؤسسات لبنان والعالم، ثم تطورت الى الحديث عن الفساد المستشري والمتجذر في كافة الوزارات والمؤسسات المدنية والسياسية والقضائية في الدولة اللبنانية والمطالبة بوقف الفساد والأهمال وهدر وسرقة المال العام، عن طريق تغييرات واسعة منهم من اسماها أصلاح النظام ومنهم من اسماها اسقاط النظام، اما شعبوياً واما عن سابق تفكير، وجذبت كافة فئات الشعب اللبناني من معدومين وطبقات اجتماعية وسطى وميسورين، عمال ومزارعين وتجار ورجال أعمال، تلامذة مدارس وجامعات وأساتذة، حقوقيين وأطباء ومهندسين، فنانين وممثلين واعلاميين وغيرهم، وكان لدى الشباب والشابات اندفاعاً مميزاً وكلنا نفتخر بروح وفكر المسؤولية الذي تحلى به أكثرهم، مع اننا نأسف للاستغلال السياسي الذي حصل ويحصل.

 وبين من يقولون <كلن يعني كلن> ومن يريدون ان يستثنوا بعض الرموز السياسية، لا بد ان يكون القاسم المشترك بينهم هو ان كل فاسد و كل متغاضي عن الفساد يجب ان يمثل أمام القضاء.اما انا، فأريد ان اكون اكثر شمولية: <كلن يعني كلن، انت واحد منن، وانا واحد منن>! نعم ان الامر ينطبق علينا جميعاً. <كلن يعني كلن: كلنا تحت القانون>. عندنا قوانين يجب احترامها والتقيد بها ولا يسمح الالتفاف حولها ولا الاستفادة الشخصية والعائلية من مواقع المسؤولية. فمن يخالف القانون، ان كان مواطناً يقود سيارته عكس السير أو شرطياً يتجاهله، أو موظفاً لا يقوم بواجباته كاملة، او موظفاً يقبل رشى أو مديراً يسمح بالرشوة و بالاستنسابية او بالواسطة، أو مسؤولاً عن الشأن العام يستغل موقعه من اجل تحصيل المكاسب، أو قاضياً لا يحكم بالعدل أو يغض النظر عن التجاوزات، أو مهندساً يهمل اساسات المبنى الذي يبنيه، أو طبيباً لا يداوي مرضاه جيدا ويتسبب بايذائهم، أو تاجراً يبيع مواد او منتجات مغشوشة، أو شخصاً منتخباً لا يقوم بواجباته لخدمة الشعب الذي وضعه في موقع المسؤولية العامة، أو مسؤولاً بلدياً لا يعمل على تأمين حاجات مواطنيه، أو وزيراً لا يعمل لخدمة ومصلحة مواطنيه ضمن نطاق وزارته وواجباته ووطنه، أو نائباً لا يراقب اداء الحكومة ولا يحافظ على المال العام ويهمل القوانين فيسمح بهدر اموال الشعب او بسرقتها أو لا يقوم بالتشريع الضروري لسلامة الوطن ومستقبل المواطنين، الخ، الخ،... واللائحة تطول!

قد يكون اقفال الطرقات احياناً وسيلة مشروعة للاحتجاج السلمي، ولكن ليس لفترات طويلة ولتعطيل امور المواطنين وايذائهم. لقد شهدنا كيف ان الكثيرين من الاطباء والممرضات والمرضى تعرضوا لمعاناة كثيرة للوصول الى المستشفيات والعيادات وكيف ان مواطنين بحاجة للوصول الى عملهم لحاجتهم لتحصيل لقمة عيشهم اليومية تم منعهم من ذلك، فتصادموا مع المتظاهرين. نعم كان لا بد من ان يتم السماح للمدارس والجامعات والمؤسسات التجارية ان تفتح ابوابها. وقد يكون من المستحسن ان تبقى المدارس والجامعات والمؤسسات مفتوحة ابوابها ولو لبعض ساعات يومياً خلال الاحتجاجات، ليس فقط لكي يتسنى للحياة ان تستمر ولكن أيضاً قد تكون هذه الخطوة مفيدة للحركة الاحتجاجية والثورية لأنها تعطي فرصة للمواطنين والطلبة والاساتذة للتواصل والتخاطب والتفكير ووضع الخطط المستقبلية لانجاح الأهداف السامية المعيشية والحياتية التي تشمل ايقاف الفساد وهدر الاموال العامة وتأمين قضاء مستقل واسترداد الاموال المنهوبة، ونظام علماني مدني يؤمن حقوق كل جميع المواطنين بدون تمييز، وبناء مجتمع واقتصاد منتج وعصري. ان تحقيق هذه المطالب يحتاج الى حقوقيين واختصاصيين ماليين واعلاميين واستقصائيين وسياسيين وتداول ودراسة وخطط عمل. ولا بأس أن نتأمل بأن يبدأ تحقيق هذه الآمال خلال فترة وجيزة حيث ان هناك نسبة عالية من اللبنانيين الاختصاصيين الجامعيين في لبنان كما في المهجر جاهزون ويطمحون للمساهمة ببناء وطن جديد. وهنا لا بد من الاشارة ان تركيز التهمة والتصويب على شخص واحد او مجموعة واحدة والشتائم المعيبة، وعدم نشر ردود واضحة وشفافة على الأسئلة عن تمويل تكاليف الاعتصامات، هي خطأ كبير حصل وبات يفرق ولا يجمع، ويضر بالأهداف السامية الشاملة: <كلن يعني كلن تجب مساءلتهم>.

ولا يعقل ان المسؤولين يتباطأون ولا يقدمون حلولاً ولا يفسحون مجالاً لمن يقدم الحلول تتوافق مع حركة المواطنين الذين سبقوهم وحتى أنهم سبقوا انفسهم بالمطالب المحقة. أما وقد استجاب الرئيس سعد الحريري لطلب الاستقالة فإن الوقت الذي مر والذي يستمر بالضياع ليس لصالح احد، لا لصالح المواطنين بسبب التداعيات العملية والاقتصادية والحياتية، ولا لصالح المسؤولين بسبب تفاقم النقمة عليهم. أما بالنسبة لتحصيل واسترجاع الأموال المنهوبة، فهي قد تحتاج لوقت طويل مع ادعاءات وتحقيقات ومحاكمات نتمنى على الحقوقيين القيام بها، ولكن كخطوة اولى ممكنة التنفيذ هي أن نستطيع ان نبدأ بوقف واغلاق أبواب السرقات والهدر فوراً.

لقد اصبح لبنان على مفترق طرق خطير، فإما تحقيق وتغيير جذري واصلاح وتغيير واعادة الثقة بالدولة ووقف الفساد إذا استطاع المتظاهرون والمنتفضون والثائرون فرض خارطة طريق لانشاء دولة قانون مدنية عادلة، واما محاولة مستحيلة من بعض المسؤولين للعودة الى ما قبل ١٧ تشرين، واما الانهيار التام وهبوط الهيكل على الجميع.. وأخيراً، هل ما يحصل في لبنان انتفاضة أم ثورة؟ علينا ان نترك للتاريخ والمؤرخين العلميين ان يستنتجوا الاجابة عن هذا السؤال في المستقبل!... وكما يردد الفنان مرسيل خليفة <تصبحون على وطن>!