لا يتفق وزراء حكومة الرئيس تمام سلام على تسمية واحدة تعكس قرارهم بإقامة مراكز تجريبية تأوي النازحين السوريين في لبنان بدلاً من استمرار انتشارهم بشكل عشوائي وغير مضبوط في الأراضي اللبنانية كافة. ثمة وزراء يتحدثون عن <مخيمات> لإيواء النازحين، وزراء آخرون يصفونها بـ<مراكز إقامة للنازحين>، في وقت تلقى فيه هذه الخطوة التي أقرها مجلس الوزراء بإجماع أعضائه الـ24 <تحفظاً> من مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة التي ترعى حالياً شؤون النازحين السوريين، ما أثار تبايناً بين توجه الحكومة مجتمعة، وما ترمي إليه مفوضية اللاجئين في إطار ملاحقتها لشؤون النازحين.
غير أن الواقع يشير الى أن اتخاذ القرار بإقامة مراكز للنازحين في الأراضي اللبنانية الواقعة بين الحدود اللبنانية والسورية في كل من المصنع والعبودية شيء، والقدرة على تنفيذه إذا لم تتوافر له الاعتمادات اللازمة شيء آخر... الأمر الذي يعني عملياً أن قرار الحكومة اللبنانية قد لا يشهد تنفيذاً فعلياً، لاسيما إذا ما استمر التباين في مواقف الوزراء، إذ اتضح أن لا قراءة موحدة لدى الوزراء حيال القرار الذي اتخذوه في أيار/ مايو الماضي، عندما قرروا التشدد في دخول النازحين السوريين بعدما تجاوز عددهم المليون و200 ألف سوري.
ويتضح من خلال مداولات مجلس الوزراء أن مراكز تجمع النازحين (أو مخيمات إيوائهم)، ستكون تجريبية في المرحلة الأولى وهو ما كان اقترحه وزير الشؤون الاجتماعية النقيب رشيد درباس، على أن يصار الى تقييم التجربة تمهيداً لتعميمها. وسيقام المخيم الأول في بلدة العبودية في الشمال، والثاني في محلة المصنع القريبة من الحدود السورية، على أن تتوافر كل معايير الخدمة في المخيمين وكذلك حمايتهما أمنياً ومخابراتياً لعدم تحول هذه المراكز الى بؤر إرهابية إذا ما تسلل المسلحون الى أماكن إقامة المراكز في البقاع أو الشمال.
وفي هذا السياق يقول الوزير رشيد درباس إن الاتصالات التي أجراها لبنان مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (وهي غير منظمة الأونروا لإغاثة الفلسطينيين)، لم تسفر عن نتائج إيجابية لاسيما وأن القيمين على المفوضية اعتبروا أن وجود هذه المراكز التجريبية بالقرب من الحدود السورية يمكن أن يعرضها لخطر القصف المقصود أو غير المقصود، ما يجعل عمال المفوضية يستنكفون عن التوجه الى الحدود اللبنانية ــــ السورية، فتصبح هذه المراكز خالية من سكانها وتنتفي بالتالي الحاجة الى إنشائها، علماً أن تكلفتها مرتفعة وسيطلب الى الدول المانحة ومفوضية اللاجئين الاشتراك في توفيرها.
خطوات عملية لضبط تدفق النازحين
وحيال هذا الواقع المستجد، أبلغ لبنان المفوضية الدولية أن الأراضي التي يقيم عليها النازحون هي أرض لبنانية وليست سورية أو مصرية إلخ... وبالتالي فإنها مسألة سيادية تتولى الدولة اللبنانية ممارسة سلطتها بالكامل عليها. ويروي الوزير درباس في هذا المجال أن الحكومة اللبنانية التي اتخذت قبل أشهر قرار <تنظيم> أوضاع النازحين السوريين في لبنان، ستعمل على تنفيذه تدريجياً وهي باشرت منذ فترة <فرز> النازحين لمعرفة ظروف نزوحهم الى لبنان، لاسيما وأنه اتضح بعد مراجعة الملفات أن هناك مجموعات من النازحين قادرة على الإقامة في المناطق الموالية للنظام السوري القائم أو في المناطق الآمنة للمعارضة السورية، ولا حاجة لها بالتالي للدخول الى لبنان والاستفادة من تقديمات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. كذلك اتضح أن أعداداً من النازحين باتوا يأتون الى لبنان دورياً لأخذ معونات الأمم المتحدة ثم يعودون الى الأراضي السورية، ومنهم من أقام <تجارة> بسيطة وهؤلاء ليسوا من مناطق سورية منكوبة، بل يعيشون في ظروف أقل حدة من المناطق السورية الأخرى التي حلّ فيها <الداعشيون> وأنصار <جبهة النصرة>.
ويضيف الوزير درباس أن الأمن العام باشر منذ اتخاذ القرار في مجلس الوزراء، <ضبط> حركة النازحين والتدقيق في ظروف انتقالهم الى لبنان بحيث يُسمح بالبقاء على أراضيه، من تحوّل ظروفه الأمنية والاجتماعية والتربوية دون العودة، أو من يقيم في مناطق سورية تشهد قتالاً ضارياً سبّب <هجرة> غير منظمة لأماكن أكثر أماناً. وبالتالي فإن الغاية من المراكز النموذجية اختبار القدرة على إدارتها والاهتمام بالمقيمين فيها، وفي حال نجاح هذا التدبير، يصار الى تعميم هذا النموذج من الإجراءات في غالبية المناطق التي يقيم فيها سوريون وبدأوا يشكلون قوة ضغط شعبية على سكان المناطق التي حلوا فيها. ويعوّل درباس أهمية قصوى على تجاوب مفوضية اللاجئين مع قرارات مجلس الوزراء، لاسيما وأن إغاثة النازحين لا تستقيم إلا بالتنسيق والتعاون بين الأمن العام وقيادة الجيش ووزارة الداخلية من جهة، ومفوضية اللاجئين من جهة أخرى، للتدقيق في طلبات النزوح، ثم متابعة هؤلاء النازحين بعد <قوننة> وجودهم وتقديم العون اللازم لهم.
بيوت جاهزة... و1400 مخيم عشوائي
وتشير مصادر وزارية مطلعة الى أن قرار إنشاء <مراكز إيواء> للنازحين والمتخذ في 23 أيار/ مايو الماضي، اصطدم أيضاً بمعارضة لبنانية لفكرة إقامة <مراكز إيواء> أو مخيمات، لأن التجربة مع الفلسطينيين الذين وفدوا الى لبنان العام 1948، لم تكن مشجعة بعد سنوات من لجوئهم ثم قتالهم اللبنانيين ودخولهم طرفاً في الأحداث التي وقعت في لبنان منذ عام 1969 وصولاً الى حين خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان بواسطة البحر بعد وقوع الاحتلال الاسرائيلي للعاصمة اللبنانية وضواحيها، إلا أنه بعد أحداث عرسال برز الخطر الأمني جراء النزوح السوري، وأعيد تحريك القرار الوزاري الذي واجه مرة جديدة إشكالات واعتراضات مصدرها هذه المرة مفوضية اللاجئين. إلا أن المصادر أكدت إصرار لبنان على تنفيذه وإن كان ذلك يرتب نفقات مالية كبيرة سيلجأ لبنان الى الدول المانحة لتأمينها إذا لم تتجاوب الأمم المتحدة مع الرغبة اللبنانية.
غير أن بعض الوزراء يقولون ان لا قرار نهائياً بعد، وان كل ما يتعلق بموضوع مراكز الإيواء كان مجرد طرح يحتاج الى درس وتحضير وكشف ميداني ودراسات معمقة حتى لا يكون مرتجلاً ويتعثر تنفيذه، مع الإقرار بأن مثل هذا التدبير سيؤدي الى تخفيف الاحتقان والمواجهات، لاسيما وأن مراكز الإيواء ستكون خارج الأماكن السكنية للبنانيين ويغلب عليها الطابع المؤقت لأنها ستتألف من بيوت جاهزة وليست خيماً بسبب خطورة الخيم من جهة، واقتراب فصل الشتاء من جهة ثانية. وتشير المعلومات المتوافرة لـ<الأفكار> أن عدد الخيم التي تأوي نازحين سوريين على الأراضي اللبنانية يناهز الـ1400 مخيم خارج المراقبة الأمنية، لاسيما وأن حركة الدخول إليها والخروج منها غير مضبوطة، لا من الأمم المتحدة ولا من القوى الأمنية اللبنانية. وتشير المعلومات أيضاً الى أن مراكز الإيواء المنوي إقامتها على الحدود ستضم نحو 15 ألف نازح في مرحلة أولى، على أن يزداد العدد تباعاً في ضوء نجاح التجربة.
وقال مصدر دولي لـ<الأفكار> ان مفوضية اللاجئين <جاهزة> لمناقشة الأفكار اللبنانية المطروحة وهي منفتحة على كل رعاية لبنانية للنازحين شرط أن يوفر أي إجراء سيتخذ الأمان للنازحين ولا يعرضهم للمخاطر. إلا أن المصدر امتنع عن الدخول في تفاصيل إضافية، لافتاً الى وجود <تباين> داخل الحكومة اللبنانية في التعاطي مع ملف النازحين السوريين، ما يفرض توافر <الوضوح> في التصور الرسمي اللبناني لكيفية معالجة هذه المسألة مع الأخذ في الاعتبار الأبعاد الإنسانية والأمنية لها. ولفت المصدر الى أن إنشاء مخيمات أو <مراكز إيواء> كان يفترض أن يتم منذ بدء الأزمة السورية قبل 3 سنوات، لكن التعاطي مع هذه القضية كان انتقائياً بالنسبة الى المسؤولين اللبنانيين وباتت المقاربة معقدة لهذا الملف نتيجة تدفق الأعداد الهائلة من النازحين عبر الحدود الشمالية والشرقية مع سوريا وتوزعهم عشوائياً في المناطق اللبنانية، بحيث وصل العدد الى نحو مليون و500 ألف نازح.
وكشفت مصادر معنية لـ<الأفكار> أن ثمة معارضة أهلية لإقامة مراكز إيواء في منطقة العبودية في الشمال لأن الأهالي رفضوا إقامتها في النطاق الجغرافي للبلدة التي تعتبر على تماس مع الحدود السورية ومجرى النهر الكبير هو الفاصل بين لبنان وسوريا في هذه المنطقة، وثمة مخاوف لدى الأهالي من قيام <مندسين> بمغامرات أمنية غير محسوبة يدفع ثمنها النازحون وأبناء البلدة، نتيجة التوتر الأمني الذي يمكن أن يحصل إذا ما تعرض أحد للنازحين السوريين. وتبلغ مرجع أمني معني أن لا مساحات واسعة في العبودية قادرة على استيعاب المنازل الجاهزة ومتمماتها من مراكز صحية وأمنية واجتماعية.
في أي حال، تؤكد مصادر حكومية أن أي خطوة عملية على صعيد إنشاء مراكز الإيواء لن تحصل إذا لم تتوافر لها مقومات النجاح، وتتأمن لها التغطية الدولية اللازمة لأن دور مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أساسي في هذا المجال. لكنها تستدرك قائلة إن الحكومة اتخذت قرار إقامة مراكز إيواء تجريبية بعد دراسة معمقة لواقع النازحين السوريين في لبنان، ومن يملك اقتراحات أفضل فليقدمها الى المسؤولين لأن ملف النازحين السوريين لن يُقفل في المدى المنظور، وكل يوم يمر من دون معالجة جديدة له سيدفع ثمنه الشعب اللبناني من أمنه واستقراره وتوازنه الديموغرافي واقتصاده، وأرقام الخسائر التي تكبدتها الدولة اللبنانية حتى الآن جراء النزوح السوري تجاوزت حتى منتصف 2014 ما مجموعه 12 مليار دولار أميركي والحبل على الجرار...
رصدت حالات سوء تغذية لأطفال ونساء حوامل في البقاع
لماذا توقفت مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة عن نشر أعداد النازحين السوريين الى لبنان؟
لاحظت مراجع رسمية معنية بملف النازحين السوريين في لبنان، ان مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين توقفت عن إعطاء أرقام عن عدد النازحين الوافدين الى لبنان في البيانات الدورية التي تصدرها أسبوعياً، وذلك منذ 2 آب/ أغسطس الماضي بعد اندلاع أحداث عرسال. وأشارت هذه المراجع الى أن التقارير كانت تلحظ أعداد النازحين الذين دخلوا لبنان وأولئك الذين تم تسجيلهم في المفوضية والذين ينتظرون انتهاء معاملات التسجيل. غير أن هذه الأرقام غابت كلها عن التقارير واستعيض عنها بالحديث عن التقديمات التي توفرها المفوضية للنازحين في مجالات التغذية والمياه والطبابة، الى درجة الدخول في التفاصيل المتعلقة بأنواع الطعام والمغذيات وكمية الفيتامين التي تعطى للنازحين.
وأشارت المراجع الرسمية الى أن هذا التدبير بقي من دون تفسير من الجانب الدولي الذي يتولى عملياً رعاية شؤون النازحين وتسجيل أسمائهم في السجلات الرسمية والمساعدات التي يتلقونها من المفوضية مباشرة، أو من المنظمات المشاركة في إغاثة النازحين. وقد تحدث آخر تقرير أعدّ في هذا الشأن عن رصد حالات سوء تغذية لدى الأطفال النازحين والمقيمين في مخيمات عشوائية، والرعاية الصحية التي قدمت لهم وضرورة استمرار الرقابة الصحية والإجراءات الوقائية منعاً لتدهور صحتهم وللحؤول دون انتشار أوبئة تفتك بالأطفال. ويشير التقرير الى أن الكشف الميداني في منطقة البقاع والذي شمل 32370 طفلاً، أظهر وجود نحو 950 طفلاً أحيلوا على مراكز الرعاية الصحية الأولية أو المستشفيات، بهدف المتابعة والعلاج، وتم تشخيص 103 حالات سوء تغذية بينها 25 حالة حادة. وتلقت أكثر من 13926 امرأة حامل ومرضعة مغذيات دقيقة تكميلية لتفادي حصول أي تدهور صحي.
100 ألف تلميذ سوري لا مدارس لهم
إذا لم يتوافر الدعم المالي لتعليمهم!
من المظاهر السلبية التي تواجه النازحين السوريين في لبنان، هو تعذر توفير التعليم لنحو 100 ألف تلميذ لاجئ نتيجة غياب الدعم المادي الذي يمكن وزارة التربية والتعليم العالي من تأمين الدراسة لهؤلاء السوريين. وقد سعى وزير التربية الياس بوصعب مع بعثة البنك الدولي ووزارة التنمية البريطانية الى توفير موارد مالية لاستقبال نحو مئة ألف طالب سوري في المدارس الرسمية، لكنه لم يستطع أن يجزم بالحصول على الدعم المالي المطلوب لذلك، لاسيما وأن موازنة وزارة التربية لا تستطيع تحمّل أعباء تعليم التلامذة النازحين.
يذكر أن الوزير بوصعب كان أصدر قراراً في مطلع آب/ أغسطس الماضي حصر فيه تسجيل التلاميذ في الروضات والمدارس الابتدائية والمتوسطة والثانويات الرسمية باللبنانيين وحدهم، على أن يصدر لاحقاً قراراً في شأن الطلاب غير اللبنانيين استناداً الى القدرة الاستيعابية للمدارس الرسمية.
ووفقاً للمعلومات المتوافرة لـ<الأفكار>، فإن المدارس في لبنان تستوعب في الحالات العادية وفي أثناء فترة التدريس ما قبل الظهر نحو 300 ألف طالب، في حين يبلغ عدد الطلاب اللبنانيين 275 ألف طالب. وتظهر إحصاءات مفوضية اللاجئين أن عدد الطلاب النازحين يبلغ نحو 400 ألف لاجئ في عمر الدراسة، وسبق أن استوعبت المدارس الرسمية اللبنانية مئة ألف سوري في العام الماضي، كما أمكن تدريس 75 ألفاً في فترة بعد الظهر.
وفي الأرقام أن كلفة تعليم 100 ألف لاجئ سوري تبلغ في العام ما بين 150 مليون و200 مليون دولار، لا قدرة للخزينة اللبنانية على تسديدها راهناً. علماً أن مفوضية شؤون اللاجئين أبدت استعداداً لتغطية نفقات تعليم نحو 90 ألف طالب سوري وسيلتحق 60 ألفاً في هيئات ومراكز تعليمية مجانية، ويبقى مصير الباقين معلقاً على تأمين التمويل اللازم لتعليمهم.
الياس بوصعب