تفاصيل الخبر

إنقاذ مرج بسري من التشويه والتدمير...

29/11/2019
إنقاذ مرج بسري من التشويه والتدمير...

إنقاذ مرج بسري من التشويه والتدمير...

بقلم وردية بطرس

 

رئيس الحركة البيئية اللبنانية بول أبي راشد:

نناضل منذ سنوات لمنع بناء سد بسري هذا المشروع المجرم بحق لبنان!

لو تم تنفيذ مشروع <سد بسري> لكنا اليوم امام كارثة كبيرة، فهذا المشروع هو واحد من أخطر نتائج وتبعات الفساد العام، لأنه لا يعمد الى تشويه معالم مرج بسري الطبيعية والتراثية فحسب بل انه يتسبب بحدوث الزلازل ويؤدي الى تدمير 50 موقعاً أثرياً في المرج... واليوم تم انقاذ مرج بسري من التدمير الذي كان يُخطط له وذلك بفضل النضال، انه نضال بدأت به الحركة البيئة اللبنانية التي يرأسها الناشط البيئي بول ابي راشد منذ سنوات.

<الأفكار> تحدثت مع الناشط البيئي بول ابي راشد ليطلعنا أكثر على مخاطر بناء سد بسري، وعن الانجاز الذي تحقق بالتزامن مع انطلاق الثورة في 17 تشرين الثاني ونسأله:

ــ مشروع سد بسري هو جريمة كبيرة حيث كاد يقضي على معالم طبيعية وتراثية لولا نضالكم منذ سنوات، فكيف بدأت عملية الاعتداء على مرج بسري منذ البداية لغاية اليوم؟

- لقد بدأت هذه المشكلة في العام 2013 و2014، عندما تبين ان هناك مشروعاً لبناء السدود في لبنان، اي تم تحريك هذا الملف بعد سد القرعون وربما لحقه سد شبروح، ولربما لم يسبب سد شبروح ردة فعل عند الناس لأنه كان في الجرد ولم يكن له تأثير سلبي على الطبيعة. وعندما بدأ تنفيذ مشروع سد جنة في العام 2013 و2014، هنا بدأت المواجهة، ونحن كحركة بيئية لبنانية طلبنا من وزارة البيئة ان تزوّدنا بالدراسة التي أُجريت عن المشروع لكي نطلع عليها ونسأل: هل هذا المشروع حقيقة وما هي حيثياته وتأثيره على المحيط الطبيعي؟ وما هي الدراسات التي أُجريت للتنوع البيولوجي؟ ولقد تبين ان الدراسة كانت قديمة، وهنا لا ازال اتحدث في مرحلة ما قبل مشروع سد بسري لكي يعرف الناس جذور هذه المواجهة بما يتعلق بسد بسري، اذ تبين انه عندما بدأت وزارة الطاقة تنفذ مشروع سد جنة انها لم تحترم القانون الذي صدر في العام 2012 والذي كان واضحاً ويفيد أنه يجب عند تنفيذ اي مشروع (هناك لائحة ضمنها مشاريع السدود) اعداد دراسة تقييم للأثر البيئي، وهذه الدراسة يتم تقييمها من قبل وزارة البيئة، فاذا وجدت الوزارة ان هذا المشروع ليست له نتائج سلبية هنا تمنح الأذن لوزارة الطاقة مثلاً او صاحب المشروع، وعندها يمكنه البدء بالأعمال في حين ان وزارة الطاقة بدأت تحفر وتقطّع الأشجار في جنة قبل ان تأخذ الأذن من وزارة البيئة، وهنا بدأت المواجهة بين الحركة البيئية اللبنانية ووزارة الطاقة في سد جنة، وتبين بعدها بسرعة ان الأمر لا يقتصر فقط على سد جنة، بل بدأوا يعملون على سد المسيلحة وبقعاتا وبلعة اي أربعة سدود دون دراسة للأثر البيئي، كما تبين مثلاً ان جنة هو مكان غني بالتنوع البيولوجي في لبنان ولهذا لا يمكن الاستسلام بسهولة، اذ قدمنا دعوى في القضاء طعناً بمجلس شورى الدولة وتوجهنا الى القضاء المستعجل، ولكن القضاة تنحوا لأنهم لا يريدون ان يحكموا ويبدو انهم كانوا تحت الضغط، اذاً هذا كان في العام 2014.

ويتابع:

- في العام 2015 أتى المجلس النيابي يعقد جلسة لتشريع الضرورة كما كانوا ينوون القيام به الآن بتشريع الضرورة ليمرروا قانون العفو العام، فأصدروا تشريع الضرورة ومرروا مشروع سد بسري، ليأتوا بالتمويل من البنك الدولي للأسف، وهنا حصل طعن بالمهل القانونية من قبل البلدية في المنطقة بلدية الميدان وهي واحدة من أصل مجموعة بلديات، وأيضاً من قبل جمعيات بيئية. وهكذا بدأ الصراع في العام 2015 وبدأت المغامرة التي استمرت حتى العام 2017 اذ بدأت المواجهات بقوة والدراسات المقابلة من قبلنا التي تبرهن ان هذا المشروع له بديل، وما هي انعكاساته على المنطقة خصوصاً على السلامة العامة والهزات الأرضية التي ممكن ان يسببها، وبدأت العرائض وقد قدمنا شكوى ضد البنك الدولي.

الحملة الوطنية لانقاذ مرج بسري!

وعن الحملة الوطنية لانقاذ مرج بسري يشرح:

- بدأنا كحركة بيئية لبنانية بالحملة الوطنية لانقاذ مرج بسري، ثم اصبحت هذه الحملة تضم كل الجمعيات وكل الناس الذين يناضلون لانقاذه، وبدأنا ندخل بالتفاصيل وأصبح الناس على دراية ووعي أكثر بأن فكرة بناء السدود في لبنان ليست صائبة لأن البلد غني بالمياه الجوفية، فالمياه الجوفية هي ثروة لبنان. والحلول ليست بالخطى التي وضعها وقتها الوزير جبران باسيل اذ كان وزير الطاقة آنذاك في العام 2010، وسنة 2012 وافقت الحكومة تقريباً على انشاء 40 سداً. مع العلم انه ببناء سدين او ثلاثة سدود كنا سنرى الدمار، فكيف الحال لو تم بناء 40 سداً؟ لا شك ان ذلك كان سيسبب دماراً شاملاً للطبيعة في لبنان. وعندما بدأوا بالعمل لم نقدر ان نوقفهم في بقعاتا وبلعة وجنة، مع العلم ان مشروع جنة لا يزال في بدايته ويجب ان يتوقف... لقد انصّب التركيز على بسري لانقاذه.

ــ وماذا ينص القانون بما يتعلق بهذا المشروع؟

- في 15 تموز (يوليو) الماضي قدّمنا كتاباً كحركة بيئية لوزير البيئة فادي جريصاتي نقول فيه: على الوزير ان يتنبه للأمر بأن مجلس الانماء والاعمار يفكر بالبدء بتنفيذ المشروع، فالقانون ينص بكل وضوح: يُمنع تنفيذ مشروع اذا انتهت مدة دراسة تقييم الأثر البيئي التي هي مدتها سنتان. بما يتعلق بهذا المشروع فلقد أجريت الدراسة في العام 2014، واذا لم يبدأوا بتنفيذ هذا المشروع خلال سنتين فهم مجبرون على مراجعة وزارة البيئة، وتنص المادة القانونية بأنه على وزارة البيئة ان تقوم بتقييم اذا كانت هناك مستجدات قد طرأت على المشروع من بعد الدراسة، فنحن نعلم ان الدراسة أُجريت في 2014، كما نعلم بأنه بعد سنة 2014 صدرت دراسات عديدة وواحدة منها تفيد بأن المياه الجوفية في لبنان كافية ولسنا بحاجة الى بناء السدود، كما تفيد احدى الدراسات بأنه يصعب ان تُبنى السدود في جبل لبنان بسبب طبيعة الأرض ووجود فوالق زلزالية ممكن ان تسبب الزلازل بسبب ضغط المياه، كما تبين انه في مرج بسري هناك فالق تحت الخزان وهو مرتبط بفالق روم وممكن ان يتسبب هذا بزلزال كبير في لبنان والمنطقة، كما تبين ان المسيح قد مرّ هناك وبذلك تُعتبر هذه الأراضي ضمن الأراضي المقدسة، فعندما يقول أحدهم انه يحج الى الأراضي المقدسة نفكر بفلسطين بينما تعريف الأراضي المقدسة فهي حيث مرّ المسيح ومشى وزار المدن والمناطق، وخلال المؤتمر الذي عُقد قلت للرئيس الحريري ان المسيح مشى في بسري فقال: هذه أول مرة أسمع بأن المسيح مشى في بسري.

وعن مخالفة الوزير جريصاتي ومجلس الانماء والاعمار يشرح:

- يتحمّل الوزير جريصاتي المسؤولية، اذ عندما قدّمت له كتاباً عن هذا الموضوع قام بتحويله الى مجلس الانماء والاعمار، فماذا فعلوا؟ لقد طلبوا من جريصاتي ان يعطيهم ورقة بأن يسمح لهم البدء بالأعمال، وبالفعل قام جريصاتي بمنحهم هذه الورقة بدون ان يقوم بعملية التحقق من ان هناك مستجدات في هذا الملف، ولكنه ذكرّهم أن عليهم ان يقوموا بدراسة التعويض الايكولوجي، الا انه بخلال اسبوع قصدوا مرج بسري وبدأوا بالأعمال وكأنهم يسرعّون قبل ان تُفضح الأمور ويتوقفوا عن الأعمال. وبفعلتهم هذه قاموا باغتصاب الأرض، وقطعّوا الأشجار المعمّرة، وبدأوا يحفرون ويفتحون الطرقات غير الطرقات التي سبق ان قاموا بفتحها، وهنا عملية مخالفة للقانون يتحملها وزير البيئة شخصياً ومجلس الانماء والاعمار، اذ بالحقيقة ان مجلس الانماء والاعمار هو الذي هدر أموال اللبنانيين، وأكثر من ذلك فان هذا المجلس من أكبر المؤسسات التي هدرت المال العام. وعندما بدأوا بالأعمال في بسري بدأت معركتنا معهم، اذ من جهتنا قدمنا دعاوى ولكن بالرغم من ذلك لم يحصل شيء، ولقد تم اللقاء في المجلس النيابي بدعوة من النائب مروان حمادة وكان وزير البيئة حاضراً، وبدوري حضرت الاجتماع ورفعنا الصوت عالياً وقلنا بأنهم يخالفون القوانين، ولكن لا أحد سمع ولا المجلس النيابي ولم يتحرك القضاء ووزارة البيئة متواطئة، وبالتالي كل هذه المنظومة متواطئة، الى ان انطلقت الثورة في 17 تشرين الأول (اكتوبر)، لا بل يمكن القول انه بعد 15 تشرين الأول (اكتوبر) تغير الوضع خصوصاً عندما اندلعت الحرائق في الغابات.

استرجاع مرج بسري!

ــ وما الذي حصل بعد انطلاق الثورة في 17 تشرين الأول؟

- لقد جعلت هذه الثورة اللبنانيين أكثر اصراراً وقناعة لمكافحة الهدر والفساد المستشري في البلد. وبما ان القضاء لم يتحرك، وبما ان المجلس النيابي لم يف بالوعود بانه سيلعب دور الحكم، وبما انه لا أحد التفت الى ما يقوله العلم، اتخذنا القرار وقصدنا المكان لكي نسترجع مرج بسري، وفي 9 تشرين الثاني (نوفمبر) قمنا بتظاهرة ودخلنا وخرقنا حواجز الدرك واخترقنا البوابة الأولى ووصلنا الى غابة الصنوبر واستقرينا هناك حيث نصبنا الخيم على البوابة لنمنع تسكيرها من جديد، وعندها تم الاتفاق مع الدرك بأننا لن نخلع البوابة شرط الا يغلقوها، وهذا ما حصل لحين مرور اسبوع، وفي 16 تشرين الثاني (نوفمبر) قصدنا المرج وقمنا بعملية تشجير كحركة بيئية اذ زرعنا 50 شجرة رمزية جنب أشجار الصنوبر الكبيرة التي تم قطعها. وفي اليوم التالي أعددنا الفطور من ثم انطلقنا الى كنيسة مار موسى، وكان معنا الناس فخرجنا على الطريق العام، وتفاجأنا بأن شركة داني خوري (وهو المتعهد الصغير الذي يأخذ العمل من المتعهد الكبير اي الشركة التركية) قد قامت باغلاق الطريق، فخلعنا البوابة ونادينا الحارس ولم يفتح لنا البوابة، عندها قمنا بخلع البوابة الأولى ولكن لم نجد الدرك هناك، لأنه ربما لو كان الدرك هناك لكنا اتفقنا معهم بأن البوابة لو لم تكن مغلقة لما خلعناها، ولكننا خلعنا البوابة وخرجنا من المرج، وبهذه الطريقة كنا قد فتحنا المدخلين المغلقين مرة بتاريخ 9 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، وثاني مرة في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي، وهو تاريخ رمزي جميل كما كان بـ 17 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي مع بدء الثورة، فقد تحرر مرج بسري فعلياً بـ 17 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي.

ويتابع:

- وفي الليلة نفسها قدّم المتعهد شكوى ضدنا بأننا قمنا بخلع البوابات وسمى 9 ناشطين للتحقيق معهم يوم الاثنين بتاريخ 25 تشرين الثاني (نوفمبر) وهم: الفنان وسام حنا، أماني البعيني، حسّان الحجار، أجود العياش، عامر مشموشي، سعادة سعادة، رولان نصور، كلود حبيب وأنا. وطبعاً سنحضر الجلسة لأننا لسنا المعتدين، بل هم الذين اعتدوا على المرج، فالأزعر الحقيقي هو الذي اغتصب القوانين واغتصب المرج.. لقد قطعوا الأشجار وتاجروا بالرمل اذ بدأوا يحفرون ويتاجرون بالرمل، ولن تصدقي أول ما قاموا بتركيبه كان الميزان لكي تمر عليه الشاحنات ليبيعوا الحطب والرمل، فهل هناك عهر أكثر من ذلك؟ اذاً يوم الاثنين سيتم التحقيق معنا وطبعاً سيرتّد الأمر عليهم لأن هذه الشركة بالذات مخالفة القوانين، وأعتقد ان مرج بسري هو ابرز مثل بهذه الثورة عن ماهية سلطة الفساد وكيف كانت البلاد تُدار بمشاريع فاشلة تهدر المال العام وتشوه طبيعة لبنان وتدمر الاقتصاد والسياحة والزراعة، وكيف ان الثورة استطاعت ان تسترد الأرض بيديها وتحافظ عليها. بالنسبة الينا سنكمل النضال مهما حصل، وطبعاً لعبت الثورة دوراً أساسياً لكي نلتقي ونحرر مرج بسري.

ــ الى اي مدى كان توقيت انطلاق الثورة مساعداً لانقاذ بسري طبعاً مع اصراركم ونضالكم منذ سنوات لانقاذ مرج بسري؟

- كنا على جهوزية تامة كما هو شعار الكشاف <دائماً مستعد>، فما حصل اننا لم نستسلم اذ لم نضع القضية جانباً ولا يوم بل جعلنا المشعل متقداً فلم نيأس ولم نستسلم بالرغم من ان البلد غارق بالفساد، ولقد كنا نؤمن بأننا سنربح المعركة، وبالتالي عندما انطلقت الثورة ولأن النار كانت مشتعلة استطعنا ان نستفيد من حماس الثورة لكي نحرر المرج. ونقول هنا بأن المتعهد أخرج ماكيناته، ولكي يخرجوا آليات ضخمة فهذا يعني طبعاً ان هناك تراجعاً، واذا اردنا اطلاق تصويت من هو مع او ضد بناء سد بسري، فالشعب اللبناني كله سيقول لا لبناء السد. وبعد الثورة اذا كانت الحكومة الجديدة التي ستتشكل فعلاً حكومة تكنوقراط فلا يمكن ان تقبل باعادة استكمال هذا المشروع، ونحن مطمئنون اننا نحو انتصار كامل بهذا الموضوع. وعلى المدى المنظور نقدر ان نقول ان الأعمال توقفت في مرج بسري.

ــ وكيف تقيّم الضرر الحاصل في مرج بسري؟

- بالنسبة الي فأقدر ان أقيّم الضرر الحاصل بـ1 بالمئة، ولقد كان الضرر سيكون كبيراً لأنهم كانوا ينوون تدمير كنيسة مار موسى الحبشي، فلو حصل ذلك كانت ستحل كارثة اذ بجانب الكنيسة يقع دير قديم للقديسة صوفيا، وهناك أيضاً التنقيب عن معبد اشمون الذي يُعتبر من أهم المعابد في لبنان، وهناك حوالى 50 موقعاً أثرياً في مرج بسري، فتخيلي ان كل ذلك كان سيزول لو لم تتوقف الأعمال، ولكن لم يُدمر ولا موقع أثري، مع العلم انه قُطعت الأشجار المعمرة وازيلت بساتين الليمون والزيتون، ولقد الحقوا الضرر وذلك خلال فترة شهرين اذ استعملوا 30 منشاراً لقطع الأشجار، و30 منشار بنزين فانظري الى اي مدى كان هناك اصرار على التدمير.