تفاصيل الخبر

انفجــار الصــراع بين التيــار الوطنـي الحــر والقــوات اللبنانيــة أطاح بـ”تفاهم معراب“... فهل تتأثر المصالحة المسيحية؟!

13/07/2018
انفجــار الصــراع بين التيــار الوطنـي الحــر والقــوات اللبنانيــة  أطاح بـ”تفاهم معراب“... فهل تتأثر المصالحة المسيحية؟!

انفجــار الصــراع بين التيــار الوطنـي الحــر والقــوات اللبنانيــة أطاح بـ”تفاهم معراب“... فهل تتأثر المصالحة المسيحية؟!

لن يكون من السهل إعادة عقارب الساعة الى الوراء في العلاقة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ذلك أن <تفاهم معراب> الذي حصّن هذه العلاقة وأثمر انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، يكاد يصبح في عالم الغيب و<الجرة> التي حملها الطرفان منذ توقيع <التفاهم> انكسرت بعدما <تشعّرت> طوال الأشهر الماضية على وقع الخلافات المتتالية بين وزراء <التيار> ووزراء <القوات> داخل مجلس الوزراء وخارجه، ناهيك عن الرسائل الخلافية المتطايرة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. ولعلّ ما زاد الطين بلّة هو تناوب الطرفين الى نشر النص السري لـ<التفاهم>، بداية من فريق <القوات> عبر محطة <أم تي في> وكان مجتزأ، ثم من فريق <التيار> عبر محطة <ال بي سي اي> وكان كاملاً بكل تفاصيله التي يفترض أن تكون عناوين التعاون بين الحزبين اللذين شكلا في وقت من الأوقات <ثنائية مسيحية> على غرار ما هو حاصل شيعياً، وكان حاصلاً درزياً ثم انهار بعد خلاف الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط والحزب الديموقراطي اللبناني بزعامة الوزير طلال أرسلان.

صحيح أن <القوات> فسّرت <تفاهم معراب> كما تشتهي لاسيما في ما خص المناصفة في عدد الوزراء في الحكومة بعد احتساب حصة رئيس الجمهورية، وفي ما يتعلق بالاتفاق على وظائف الفئة الأولى، لكن الصحيح أيضاً أن لـ<التيار> قراءة أخرى لـ<التفاهم> في ما خص هذين البندين الأساسيين. وفيما يتجاهل وزراء ونواب <القوات> الشق المتعلق بـ<دعم العهد> طوال فترة رئاسة العماد عون، يتمسك وزراء <التيار> ونوابه بأهمية هذا البند حيث يعتبرون أن حزب <القوات> قيادة ونواباً ووزراء، تعمّد الإساءة الى العهد في محطات عدة قولاً وفعلاً على رغم لفت نظرهم أكثر من مرة الى هذه المسألة الحساسة والدقيقة في صلب العلاقة بين الطرفين.

واللافت في كل هذه المواجهة، محاولة كل طرف إظهار <الحق معه>، في وقت اختلط الأمر على قاعدة الحزبين بدليل عودة التراشق عبر وسائل التواصل الاجتماعي وسقوط الهدنة التي كان قد أعلن عن التوصل إليها بعد الزيارة التي قام بها رئيس <القوات> الدكتور سمير جعجع لبعبدا، واللقاء الذي عقده مع رئيس الجمهورية والذي انتهى الى ضرورة المحافظة على المصالحة المسيحية التي حددتها <ورقة إعلان النوايا> بين الطرفين التي كانت قد أعلنت من الرابية، وذلك على رغم سقوط <تفاهم معراب>، على أساس أن <ورقة النوايا> ترتكز أساساً الى اتفاق للمصالحة المسيحية - المسيحية، في حين أن <تفاهم معراب> له مفاعيل سياسية تتأثر سلباً وإيجاباً بحسب ما تكون عليه العلاقة بين الحزبين قيادة وأفراداً.

 

نقاط الخلاف... والممارسة!

فماذا يقول الطرفان حيال النقاط المختلف عليها في <تفاهم معراب>؟ وهل من أمل لترميم ما انكسر في العلاقة بينهما؟

العودة الى محضر الاتفاق الحرفي بين قيادتي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية الموقع من الوزير باسيل والدكتور جعجع، والنائب ابراهيم كنعان والوزير ملحم رياشي (قبل أن يكون وزيراً بالطبع) في 18 كانون الثاني/ يناير 2016، تؤكد إعلان جعجع تأييد ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية وأنه في حال بلوغ <الجنرال> قصر بعبدا يلتزم الطرفان بعدة نقاط يتبادلان الآن الاتهامات بعدم التقيد بها.

1 - بالنسبة الى <احترام تمثيل الطائفة السنية> في العهد الرئاسي الجديد تبعاً للقاعدة التي نادى بها الطرفان وهي ضرورة تمثيل الأقوياء لطوائفهم. هنا تقول مصادر <التيار> إن حزب <القوات> لم يحترم هذا الشق من الاتفاق خلال المحنة التي تعرض لها الرئيس سعد الحريري ابتداء من 4 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي إذ بادر جعجع الى القول بأن <استقالة الحريري تأخرت> وأنه كان يتوقعها قبل ذلك التاريخ، وان <الحكيم> اتخذ هذا الموقف من دون التنسيق مع رئيس الجمهورية مخالفاً بند <احترام تمثيل الطائفة السنية بالأقوى فيها> وهو الرئيس الحريري. أكثر من ذلك تقول مصادر <التيار إن جعجع <حرّض> المسؤولين السعوديين على الرئيس الحريري خلال زياراته للمملكة وخلال وجود الموفد السعودي تامر السبهان في بيروت قبيل الأزمة الحريرية وبعدها، علماً أن <القوات> تنفي حصول مثل هذا التحريض وتعتبر أن الاتهام الموجه إليها في هذا المجال باطل، إلا أن مصادر <التيار> تؤكد اتهاماتها وتعطي دليلاً على ذلك بأن الرئيس الحريري لم يلتق جعجع بعد عودته الى بيروت إلا بعد مداخلة سعودية في هذا الاتجاه، وان التحالف النيابي بين <القوات> وتيار <المستقبل> لم يكن شاملاً كل الدوائر الانتخابية.

2 - بالنسبة الى البند المتعلق بتوزع الطرفين مناصفة للمقاعد الوزارية المخصصة للطائفة المسيحية بما فيها السيادية والخدماتية طوال حكومات العهد، وذلك بعد احتساب الحصة المسيحية التي جرت العادة أن تكون لرئيس الجمهورية أي وزيرين مسيحيين في حكومة من 24 و3 وزراء مسيحيين في حكومة من 30 وزيراً. في هذا البند تتناقض أيضاً مواقف الطرفين، فـ<القوات> تقول إن فريق <التيار> لم يلتزم، في حين ترد مصادر <التيار> بالتأكيد أن الالتزام كان كاملاً بدليل أن حصة الرئيس كانت 5 وزراء (ثلاثة مسيحيون (كما في الاتفاق) ووزير سني وآخر درزي)، ونال <التيار> 4 وزراء، تماماً كما نالت <القوات> 3 وزراء حزبيين نالوا حقائب وزيراً رابعاً حليفاً هو الوزير ميشال فرعون الذي عيّن وزير دولة لشؤون التخطيط. أكثر من ذلك أعطى الرئيس عون منصب نائب رئيس الحكومة الذي هو عادة من حصة رئيس الجمهورية، الى الوزير غسان حاصباني على رغم أنه يوزر للمرة الأولى، فيما أن العُرف المعتمد يقضي بأن يكون نائب رئيس الحكومة وزيراً سبق له أن تولى حقائب وزارية. وتضيف مصادر <التيار> أن الرئيس عون كان ينوي تعيين الوزير يعقوب الصراف نائباً لرئيس الحكومة، لكنه أعطى المنصب للوزير حاصباني تأكيداً على التعاون القائم بين <القوات> و<التيار>.

استهداف العهد....!!

3 - أما الفقرة الأكثر دقة وإثارة للخلاف، فكانت تلك التي تنص على اتفاق الطرفين بأن تكون كتلتا <التيار> و<القوات> مؤيدتين لرئيس الجمهورية وعاملتين على إنجاح عهده. وفي هذا المجال تؤكد <القوات> انها كانت بالفعل <داعمة> للعهد في حين ترى مصادر <التيار> ان وزراء <القوات> وقفوا دوماً داخل مجلس الوزراء وخارجه ضد ما التزموا به لاسيما في ما يتعلق بالمشاريع التي كان وزراء <التيار> يقدمونها خصوصاً في مجالي الكهرباء والمياه متهمين وزراء <التيار> بـ<الفساد> وتجاوز القوانين المعمول بها بالتلزيمات والمناقصات إلخ... كذلك - تضيف المصادر - كانت <القوات> ضد توجه الرئيس في معالجة أزمة رئيس الحكومة خلال وجوده الملتبس في الرياض، وكذلك الأمر في ما خص ملف النازحين حيث كانت للدكتور جعجع مواقف معلنة تناقض التوجه الرئاسي في هذه المسألة. ومع حلول موعد الانتخابات بادرت <القوات> الى إعلان مواقف مسبقة بعدم حصول <تحالف> بينها وبين <التيار> خلافاً لما جاء في الفقرة <و> من الاتفاق وترجمت ذلك من خلال تسمية مرشحين لها بمعزل عن <التيار>، وأولهم كان في دائرة البترون مع تلميحات الى إمكانية التحالف مع النائب السابق بطرس حرب، خصم الوزير باسيل. وتستشهد مصادر <التيار> بتصريحات للأمينة العامة لـ<القوات> شانتال سركيس تشدد فيها على أن لا تحالف انتخابياً مع <التيار> في كل الدوائر الانتخابية الـ16، وقد ترافق ذلك مع حملات انتخابية مضادة لحملات <التيار> في معظم المناطق اللبنانية.

في المقابل، تؤكد مصادر <القوات> أن النظام الانتخابي النسبي فرض عدم حصول تحالفات مع <التيار> تحسباً من عدم الوصول الى حواصل انتخابية تحمي حقوق <القوات> ومرشحيها، وأنه لولا لم تسمِ <القوات> مرشحين منفصلين عن <التيار> لما تمكنت من الحصول على 15 مقعداً نيابياً في الدوائر التي رشحت فيها قواتيين او حلفاء. وتضيف مصادر <القوات> أن <تفاهم معراب> لم يلحظ في أي من بنوده مسألة اللوائح الانتخابية المشتركة واقتصرت الإشارة فيه في ما يتعلق بالانتخابات الى تعهد الطرفين بالعمل لإقرار قانون انتخابي جديد على أساس النظام النسبي.

4 - بالنسبة الى البند المتعلق بتوزيع مراكز الفئة الاولى العائدة للمسيحيين في الإدارات والمؤسسات العامة ومجالس الادارة بما فيها المراكز القيادية الأولى في المؤسسات الرسمية ومن ضمنها قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان إلخ...: <بالاتفاق بين الطرفين وفق معايير الكفاءة والنزاهة (...) ويأتي تبادل المراكز بين الطرفين حلاً حيث ينتفي الاتفاق بينهما>. في هذا البند تقول <القوات> ان <التيار> استأثر بكل المواقع الادارية الاولى من دون مراعاة التفاهم الحاصل مع <القوات>، بدءاً من التعيينات في كازينو لبنان وصولاً الى مراكز الفئة الأولى والتشكيلات الديبلوماسية والقضائية حيث لم تُعط <القوات> إلا <الفتات>، إضافة الى أن التعيينات الأمنية لم تتم بالتفاهم بين الطرفين ولم تنل <القوات> إلا منصباً أمنياً واحداً هو قيادة القوى السيارة... إلا أن مصادر <التيار ترد بالقول إن <القوات> ماطلت في تعيين مجالس إدارة المستشفيات ومنها مستشفى كسروان - الفتوح الحكومي، وان وزير الإعلام <تنكّر> لحق رئيس الجمهورية في اختيار رئيس مجلس إدارة <تلفزيون لبنان> ومديرية الوكالة الوطنية للإعلام ولجأ الى اتباع أساليب لا تأتلف مع الأعراف المعتمدة، كذلك حصلت عراقيل قواتية في التعيينات التي كان يفترض أن تتم في الوزارات التي يتولاها وزراء <القوات> لاسيما في وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية، أما في المناقلات القضائية فقد نالت <القوات> ما طلبته وكذلك الأمر بالنسبة الى التشكيلات والتعيينات الديبلوماسية.

وفيمــا تشير مصــادر <القـــوات> الى احترامهــا البنــد المتعلــق بإنجـــاح العهـــد وتعزيز الدور المسيحـــي الوطنـــي والمحافظة على صلاحيات رئيس الجمهورية والتنسيق من خلال فريق عمل من الطرفين، ترد مصادر <التيار> بأن كل المواقف التي اتخذها وزراء <القوات> ونوابهــا ذهبت في الاتجـــاه المعــاكس لأنهـــم كانــوا لا يتركــــون مناسبـــة إلا ويصوبــون على صلاحيات رئيس الجمهورية، وكان آخرها الطعن الذي قدمه نواب <القوات> بمرسوم التجنيس الذي صدر عن رئيس الجمهورية استناداً الى الصلاحيات الدستورية المعطاة له.

تمييز بين التفاهم السياسي والمصالحة المسيحية!

 

ويبقى السؤال: الى أين ستتجه العلاقة بين الطرفين مستقبلاً؟

يسارع مصدر قيادي في <القوات> الى الفصل بين رئيس الجمهورية وحزب التيار الوطني الحر ورئيسه الوزير جبران باسيل مع التأكيد على أن العلاقة السياسية بين <القوات> و<التيار> أصيبت بضربة قاسية تحتاج الى وقت للخروج منها وقد لا تكون هناك عودة الى الوراء سياسياً، مع التشديد على أهمية المصالحة المسيحية وضرورة المحافظة عليها. أما في <التيار> فإن وجهة النظر حيال ما جرى تميز بشكل قاطع بين <المصالحة المسيحية> التي تكرست في <ورقة إعلان النوايا> التي صدرت في الرابية، وبين الاتفاق السياسي الذي ورد في <تفاهم معراب>، ومن غير المسموح المساس بالمصالحة المسيحية أو العودة الى الوراء فيها، في حين أن <تفاهم معراب> هو اتفاق سياسي ويتأثر في التجاذبات السياسية، سلباً حيناً وإيجاباً أحياناً... أما الكفة الراجحة فهي راهناً سلبية، ويتوقع أن تبقى كذلك، إذ لا عودة في الوقت الراهن الى إحياء التفاهم السياسي، في مقابل التمسك بالمصالحة.

في غضون ذلك، يبدو الرئيس عون في موقع وسطي في الخلاف السياسي بين <التيار> و<القوات> وهو الذي سعى الى تقريب وجهات النظر خلال اللقاء مع جعجع. لكن رئيس الجمهورية في المقابل متمسك بحماية المصالحة المسيحية ولن يدع عقارب الساعة تعود الى الوراء في ما يخصها، والمبادرات في هذا السياق متنوعة لكنها موحدة الهدف وهو تثبيت المصالحة بمعزل عن الخلاف السياسي. وتشدد مصادر متابعة ان خلاف <التيار> و<القوات> سيؤثر سلباً على مسار تأليف الحكومة العتيدة ما لم تحصل تطورات متسارعة توقف الخلافات الحادة من دون أن يعني ذلك عودة <التفاهم> الى الحياة من جديد!