تفاصيل الخبر

إنعكاسات "قيصر".. الحكومة بين خيارين أحلاهما مرّ

10/06/2020
إنعكاسات "قيصر".. الحكومة بين خيارين أحلاهما مرّ

إنعكاسات "قيصر".. الحكومة بين خيارين أحلاهما مرّ

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_78711" align="alignleft" width="425"] الحكومة اللبنانية والخيارات المفتوحة[/caption]

 دخل قانون "قيصر" الأميركي الموجّه ضد النظام السوري وحلفائه مطلع الاسبوع الماضي حيز التنفيذ، وذلك بعد التصويت عليه داخل الكونغرس بأغلبية ساحقة، بعد إضفاء عدد من التعديلات عليه داخل مجلس النوّاب. وإلى جانب العقوبات الإقتصادية التي يحملها القانون على النظام السوري وداعميه، بدأت إنعكاساته تظهر في لبنان على خلفيّة القرارات التي يُمكن أن تصدر بحق "حزب الله" والموقف الذي ستتخذه الحكومة اللبنانية في ظل الضغوط التي تُمارسها الولايات المتحدة الأميركيّة.

لائحة الاستهدافات الأميركية

 يفرض قانون "قيصر" أو الوثيقة الأميركية كما سمّاها البعض في لبنان عقوبات اقتصادية، على أركان نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وداعميه الإيرانيين والروس، وكل شخص أو جهة، أو دولة تتعامل معه، وتعتبر هذه العقوبات حال تطبيقها، الحد الأعلى ما دون التدخل العسكري المباشر، التي يمكن ان يتعرض لها نظام الأسد.

 ويرى محللون سياسيون أن من الخطأ الاعتقاد بأن قانون قيصر سيكون

[caption id="attachment_78712" align="alignleft" width="450"] الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين".."سياسة الثعلب"[/caption]

مجرّد حلقة أخرى في سلسلة العقوبات الأميركيّة على النظام السوري. فهذه المرّة برأي هؤلاء، لن تقتصر العقوبات على تجميد أصول النظام ومؤسساته ومسؤوليه في الولايات المتحدة، ولا على منعهم من استعمال الدولار في التحويلات التجاريّة وحظر تعامل الأميركيين معهم، إنما ستطال العقوبات كلّ من يساهم في دعم النظام ورئيسه ماليّاً، وكذلك سيكون كل من يرتبط معه في استثمارات أو أنشطة تجاريّة في العديد من القطاعات الحسّاسة،  عرضة لأن تشمله العقوبات وكأنّه أحد المسؤولين السوريّين المشمولين بالعقوبات الجديدة.

 ويقول مصدر سياسي لبناني: صحيح أن قانون قيصر يستهدف نظام الأسد بشكل رئيسي، إلا أنه يضع روسيا وإيران وجهاً لوجه أمام العقوبات الأميركية، خصوصاً وأنه يصاحب حملة ضغط شديدة الوتيرة ضد إيران. فهل يشكّل قانون قيصر بداية النهاية لنظام الأسد؟. ويُضيف المصدر السياسي: قد نشهد بداية نهاية نظام الأسد، وذلك وسط اتفاقات دولية تُتيح لكل فريق دولي شارك في هذه الحرب، الاحتفاظ بمكتسبات سواء سياسية أو اقتصادية، أو حتّى جغرافية.

إنعكاسات "قيصر" على لبنان

[caption id="attachment_78715" align="alignleft" width="350"] من وحي "قانون قيصر"[/caption]

 يأتي قانون "قيصر" متزامناً مع تصعيد الضغوط الأميركية ضد ايران وحلفائها في المنطقة. ولبنان لن يكون بعيداً عن تداعياته ومندرجاته، ولا عن تأثيره خصوصاً أن هناك شركات كثيرة وقوى سياسية متعددة كانت قد استعجلت الذهاب إلى سوريا وحجز مواقع لها في إعادة الإعمار. وربّما الذهاب اللبناني المبكر إلى سوريا، واندفاعه بعملية دعائية قادها النظام وحلفاؤه، على قاعدة أنه انتصر وحان وقت الإعمار ولا بد للبنان من أن يستفيد منه، سيسقطها القانون.

 وفي ظل هذه المعمعة التي تُشبه خيوط العنكبوت بالنسبة إلى لبنان، يتبين بشكل أوضح مدى صعوبة مشواره مع صندوق النقد الدولي. وتتراوح الصعوبات هذه بين اقتصادي – مالي مرتبط بالاوراق الكثيرة والارقام المتفاوتة التي يحملها الوفد اللبناني للمشاركة في المفاوضات والتي تعجز حتى الساعة عن توحيدها، وبين سياسي تعجز الحكومة عن اتخاذ فيه نظراً للخلافات المتشعّبة بين أهل الحكم وتحديداً بين "حزب الله" و"التيّار الوطني الحر".

 وفي هذا الشقّ تحديداً، تخشى العديد من الأطراف الداخلية التشدّد الأميركي والغربي تجاه "الحزب" خصوصاً وأن السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، كانت دعت الاسبوع الماضي الحكومة خاصة والدولة اللبنانية عموماً ان ترسم حداً فاصلاً بينها وبين حزب الله وتضعا للأخير سقفاً لقدرته على التحكم بقراراتها وتوجهاتها، وإلا فإنها لن تحصل على أية مساعدات من الجهات المانحة.

  وتكشف مصادر سياسية أن واشنطن لن تكتفي بذلك، بتقنين الدعم أو وقفه، بل ستفرض عقوبات على كل من يساعد حزب الله سياسياً ومالياً وعسكرياً، أياً كانت انتماءاته السياسية والمذهبية، وفي هذا الموقف، رسالة واضحة لحلفاء "الحزب" المسيحيين بضرورة التنبّه من العقوبات التي يُمكن أن تطالهم. وتؤكد المصادر أن إنفتاح الحكومة اللبنانية على جارتها السوريّة بدعم سياسي وحزبي، قد يُكلّف لبنان غالياً في المستقبل، بحيث سيصعّب عليه مفاوضاته مع صندوق النقد خاصة وأن واشنطن تُعد من أكبر مموليه وبالتالي قد يفتح لبنان على نفسه "جحيم" عقوبات ثقيلة، هو في غنى عنها اليوم.

ماذا عن "حزب الله"!

[caption id="attachment_78714" align="alignleft" width="443"] حزب الله..لن نسلم السلاح.[/caption]

الأسبوع المنصرم وخلال جلسة مجلس الوزراء، طرحت وزيرة الدفاع زينة عكر على طاولة البحث، ملف يتضمن الترجمة العربيّة لقانون "قيصر"، داعية الوزراء للإطلاع عليه بهدف مناقشته لاحقاً. وأبلغت عكر الحضور أنها تلقّت من السفيرة الأميركية تحذيرات في حال مخالفة لبنان أي من البنود المتعلقة بالقرار، خصوصاً في الشق المتعلق بمعاقبة أو مُلاحقة كل من يتعامل مع النظام السوري، غامزة من قناة بعض الوزارات اللبنانية التي تتعامل مع نظيراتها السورية.

 إذاً الرسالة وصلت الى "حزب الله" الذي سيكون بدوره حذراً في مناقشة القانون وكيفية الإحتياط من الوقوع في الفخّ الأميركي أو الدولي. وهنا تكشف المصادر أن "الحزب" ستكون له مروحة لقاءات واتصالات مع العديد من الأطراف الداخلية والخارجية من أجل تشكيل جبهة موحدة لمواجهة تداعيات القانون. وأكدت المصادر أن الحزب أصدر تعميمات داخلية خلال اليومين الماضيين قضت بالتهدئة مع جميع الأطراف وتحديداً مع جهة حليفة كانت سادت بينهما أجواء غير إيجابية في الفترة الأخيرة (التيّار الوطني الحر)، بالإضافة إلى لملمة الصراعات الجانبية مع أي فريق داخلي.

 اليوم بدا الكلام حول مفاوضات ترسيم الحدود، وكأنما هناك فاتورة يريد لبنان أن يسددها تجنباً لاستمرار الضغط عليه، وخصوصاً أن الخطوة تأتي بعد حملات تصعيد إقليمية ودولية: الأولى، دعوة أمين عام الأمم المتحدة إلى نزع سلاح حزب الله. والثانية، الحديث عن تعديل دور ومهمات وصلاحيات قوات الطوارئ الدولية، ليصبح لديها نفوذ على الحدود الشرقية، وبالتالي مراقبة المعابر غير الشرعية.

في كلام نصرالله ومواقف خصومه

 هذا التلويح الأميركي المعطوف على خوف داخلي لبناني عند البعض، واجهه الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله عندما توقف عند العلاقة بين الواقع الاقتصادي المعيشي المرّ الذي تتخبط فيه البلاد اليوم من جهة، وبين

[caption id="attachment_78713" align="alignleft" width="217"] الرئيسان السوري والايراني بشار الأسد وحسن روحاني في المرمى الأميركي[/caption]

العقوبات الاميركية وقرار واشنطن الحاسم بتطويق ايران وأذرعها العسكرية المنتشرة في المنطقة، من جهة ثانية. فقد رفض نصرالله ما أسماه "الدعاية" الجديدة عن ربط الجوع بالسلاح ومواجهة إسرائيل وأميركا، مؤكّداً أن الذين استسلموا من كيانات يجوعون ولا يتلقّون مساعدة من أحد، معلناً استمرار المقاومة والموقف من فلسطين حتى تحريرها مهما تعاظمت الضغوط الأميركية.

 وقال نصرالله: يمكننا بتضامننا أن نحافظ على سيادتنا ونكون أقوياء ونردع عدونا ونحفر آبار نفط وغاز، ونكون بلداً لا يجوع. لكن من يراهن على أنه من خلال حروب عسكرية أو عقوبات أو تجويع أو تضليل يمكن أن يغير موقفنا من فلسطين، فهو مشتبه، فالحق لا يتغير بمرور الزمن وما أُخذ بالسرقة لا يصبح ملكاً شرعياً عبر مرور الزمن ولو اعترف كل العالم بشرعية ما سرقه اللص.

 أمّا خصوم نصرالله فقد رأوا أنه من خلال كلامهم يُمكن الاستنتاج ان الحزب سيرفض أي تدبير يطلبه الصندوق يصيب مصالحه الاستراتيجية، وأن الحكومة وهي حكومتُه، ويقول خصوم نصرالله: لقد ثبت أيضاً من كلامه أن الاولوية لا تزال لسلاحه ولمصالح محوره، ولو على حساب جيبة اللبناني وجوعه، خاصة ان البدائل التي يطرحها الحزب، منها الانفتاح على ايران والعراق والصين، لن تتمكن من معالجة الجسم اللبناني المنازع.

المعارضة السورية والطريق الدولية

 يرى كبير المفاوضين في وفد المعارضة السورية إلى اجتماع "جنيف 4"، محمد صبرا، أن أهمية قانون قيصر تكمن في أنه وضع كل اقتصاد النظام تحت المجهر الأميركي، وبالتالي فإنه من غير الممكن لأي شركة أن تدخل في علاقات تجارية الآن مع النظام خوفاً من شمولها بالقانون، مضيفاً أن هذا الأمر بدا واضحاً قبل أشهر عندما نصح الأميركيون غرفة التجارة والصناعة في عمان ألا تقدم على خطوات تجارية مشتركة مع النظام. وأوضح أن تطبيق قانون "قيصر" لا علاقة له بالسيطرة على الطرق الدولية، لكن بعد دخول القانون حيز التنفيذ فإن الطرق الدولية تفقد قيمتها الاقتصادية، وتبقى قيمتها بالنسبة للنظام رمزية فقط.

 أمّا التحليلات في الداخل السوري، فهي تُبنى على أن أي فرض للعقوبات على سوريا، ستكون متوقفة على طبيعة التقرير الذي سيعده وزير الخزانة الأميركية فيما يتعلق بنشاطات المصرف المركزي في دمشق، وما إذا كان سيبقى المصرف المركزي جزءاً من النظام المصرفي العالمي أم سيتم إخراجه منه، كما حدث مع النظام المصرفي الإيراني بعد تطبيق العقوبات الأميركية عليه. ويرى أصحاب التحليلات أن جميع الشركات والتجار الأفراد في دول الجوار وبقية دول العالم سيعيدون حساباتهم الآن في أي عقد أو علاقة تجارية يمكن أن يكون النظام طرفاً بها، سواء كان طرفاً أصيلًا أو وكيلا.

ما هو قانون "قيصر"!

 تعود تسميته باسم قانون "قيصر" إلى الضابط السوري المنشق عن النظام السوري، والذي قام بتسريب 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل عام 2014، قتلوا تحت التعذيب، أكد مكتب التحقيق الفيدرالي (FBI)  صحتها، وأثارت الرأي العام العالمي حينها، قبل أن يتم عرضها في مجلس الشيوخ الأميركي.

 ويشمل القانون كل من يقدم الدعم العسكري والمالي والتقني للنظام السوري، من الشركات والأشخاص والدول، حتى روسيا وإيران، ويستهدف كل من يقدم المعونات الخاصة بإعادة الإعمار في سوريا. كما يدرس القانون شمل البنك المركزي السوري بالعقوبات المفروضة، مع وضعه لائحة بقيادات ومسؤولي النظام السوري المقترح فرض العقوبات عليهم، بدءاً من رئيس النظام، بشار الأسد، بتهمة انتهاكات حقوق الإنسان.