تفاصيل الخبر

انعقاد مؤتمر باريس لمساعدة لبنان يعني استمرار المبادرة الفرنسية... حكومياً!

02/12/2020
انعقاد مؤتمر باريس لمساعدة لبنان  يعني استمرار المبادرة الفرنسية... حكومياً!

انعقاد مؤتمر باريس لمساعدة لبنان يعني استمرار المبادرة الفرنسية... حكومياً!

[caption id="attachment_83604" align="alignleft" width="373"] الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" في ضيافة الرئيس ميشال عون .[/caption]

 لم يكن المؤتمر الذي عقد افتراضياً في الثاني من كانون الأول (ديسمبر) الجاري برئاسة مشتركة من الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" والأمين العام للأمم المتحدة "انطونيو غوتيريس"، الا ثمرة من ثمار الاهتمام الفرنسي بلبنان والذي لن يتأثر - حتى الآن على الأقل - بتعثر تشكيل الحكومة الجديدة وفق المبادرة الفرنسية التي اطلقها الرئيس "ماكرون" لدى زيارته الى بيروت في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي. صحيح ان عنوان المؤتمر الافتراضي كان تأمين المساعدات الإنسانية للبنان بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت، الا ان الصحيح أيضا ان الذين شاركوا فيه أرادوا التأكيد على اهتمامهم بلبنان وبضرورة مساعدته على النهوض من تداعيات الانفجار وما خلفه من اضرار وخسائر بشرية ومادية كبيرة، كذلك فهو شهادة على ان لبنان ليس متروكاً دولياً وان كان الاهتمام فيه يمكن ان يصبح اكبر اذا ما تحسنت الأوضاع السياسية في لبنان وشكلت حكومة جديدة، وبوشرت عملية الإصلاح التي ينتظرها المجتمع الدولي بفارغ الصبر حتى يفرج عن الدعم المقرر في مؤتمر "سيدر" من خلال تنفيذ مشاريع إنمائية تبلغ قيمتها الاجمالية 11 مليار دولار أميركي.

مؤتمر باريس للمساعدة الإنسانية، انعقد افتراضياً بعد أيام من رسالة وجهها الرئيس الفرنسي الى نظيره اللبناني ميشال عون لمناسبة الذكرى السابعة والسبعين للاستقلال والتي تجاوزت الصيغ التقليدية لمثل هذه الرسائل، للتأكيد على سلسلة نقاط أرادها مرسلها ان تأتي في التوقيت الذي يبحث فيه لبنان عن تشكيل حكومة جديدة. أولى هذه النقاط أراد منها الرئيس الفرنسي ان يؤكد على استمرار المبادرة التي اطلقها وخارطة الطريق التي رسمها امام القيادات اللبنانية في قصر الصنوبر والتي لا يزال يتمسك بها ولن يتراجع عنها مهما صدر من مواقف "مخيبة للامال" الفرنسية عن القيادات اللبنانية وفي ذلك رد على الذين "نعوا" المبادرة وقالوا انها ماتت قبل ان تبصر مفاعيلها التنفيذية النور... ثاني هذه النقاط تشديد الرئيس الفرنسي على دور الرئيس عون في جمع القيادات اللبنانية حول الحد الأدنى من التوافق الذي يؤمن ولادة طبيعية للحكومة، وهو دعاه الى ان يمارس دوره "التاريخي" في هذا المجال من دون الرد على الأصوات التي ترتفع من هنا وهناك تحمله مسؤولية التأخير في تشكيل الحكومة، خصوصا ان ماكرون بات مطلعاً على الأسباب الحقيقية للتأخير الحاصل والذي يتحمل الرئيس سعد الحريري جزءاً كبيراً منه من خلال إدارة غير واقعية للملف الحكومي أوصلت الأمور الى ما هي عليه من جمود وترقب.

ثالث هذه النقاط تحميل الرئيس "ماكرون" القيادات اللبنانية مرة جديدة مسؤولية عدم الوفاء بالتزاماتهم في "قصر الصنوبر" والتراجع عما كانوا وعدوا بتحقيقه، وهو امر لن يتساهل فيه رئيس الجمهورية الفرنسية الذي وضع كل ثقله من اجل مساعدة لبنان الى درجة انه زاره مرتين في شهر واحد! اما النقطة الرابعة فهي الدلالة على ان "ماكرون" سيلتزم ما وعد به اللبنانيين لجهة زيارة بلدهم في الشهر الجاري، لتفقد القوات الفرنسية العاملة في "اليونيفيل" من جهة، وللقاء المسؤولين اللبنانيين من جهة ثانية، وفي هذه الخطوة أيضا إرادة فرنسية واضحة بالوفاء بما وعد به اللبنانيين خلال زيارتيه الى بيروت.

تفعيل الضغط الفرنسي

 في أي حال، المضامين السياسية غير المألوفة التي تضمنتها رسالة "ماكرون" في الاستقلال عكست، في رأي المراقبين، ارتفاع منسوب الاستياء الفرنسي حيال اصطدام مشاورات تأليف الحكومة الجديدة بحائط مسدود أدى عملياً الى انقطاع التواصل بين الرئيسين عون والحريري حيث الخلاف ظاهر بينهما في تفسير المبادرة الفرنسية ببنودها كافة، ما دفع بالرئيس الفرنسي الى تفعيل الضغط للخروج من التأزم وصولاً الى إزالة العوائق التي ما زالت تؤخر ولادة الحكومة، لاسيما وان ماكرون على اطلاع يومي بالتطورات السياسية في بيروت من خلال "فريق الازمة" الذي شكله للبقاء على اتصال مع بيروت في كل ما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة والذي شعر في وقت من الأوقات بان ثمـــة من انقلب علــى المبادرة الفرنسية  و"حاصرها" بدلاً من توظيفها لإنقاذ البلاد وفق توجهات الرئيس ماكرون وتمنياته.

ورأت المصادر المتابعة للتحرك الفرنسي ان الإدارة الفرنسية تتحرك على خطين: الأول داخلي في لبنان لجلاء الأسباب التي ما زالت تعطل وضع مبادرة "ماكرون" على طريق التنفيذ العملي، بعيداً عن الالتزامات الإعلامية التي باتت مكشوفة، ولن تساعد في احداث نقلة في الازمة اللبنانية باتجاه الشروع في انقاذ البلد، فيما الخط الثاني الذي هو على تقاطع مباشر مع الخط الأول يتعلق بمواصلة الاتصالات الفرنسية مع دول إقليمية وأخرى فاعلة في المجتمع الدولي، في ضوء عدم استعداد طهران حتى اشعار آخر الى التدخل لتسهيل ولادة الحكومة، رغم ان حليفها "حزب الله" يدعم المبادرة الفرنسية لكنه ليس على استعداد للضغط على احد للتجاوب العملي معها .

وأكدت ان باريس لن تبقى مكتوفة اليدين الى ما لا نهاية وستضطر لاعلان موقفها في الوقت المناسب وهذا ما يدفع بالحريري الى التريث في تحديد طبيعة خطواته اللاحقة، في حال استمرار تعطيل تأليف الحكومة الى حين تبيان ما ستقرره باريس لانه يحرص على التقيد بمبادرتها وعدم إعطاء الذرائع لمن يريد احباط الجهود الفرنسية لإنقاذ لبنان.

الدور الأميركي المريب

وفي مقابل التأكيد على استمرارية المبادرة الفرنسية، ثمة من يقول بخفر ومن دون مجاهرة، ان المبادرة فقدت الكثير من زخمها، وان كانت لا تزال موجودة، وحسب السجالات حول من يتحمل مسؤولية التعثر الذي أحاط بها طويل ومتشعب.

فثمة ولا ريب من يفضل جلد الذات ويحمل اللبنانيين بكل انتماءاتهم وميولهم التبعة كونهم ضيعوا الفرصة التي أتت الى باب الدار وكونهم استعصوا واستعصموا لأن التصاريح بينهم بلغت مستوى رفض التجاوب مع تسوية محتملة على غرار عشرات التسويات السابقة في تاريخ بلد عاش وقام على هذه التسويات تنتج من هنا او هناك.

الى سبب آخر بات يجد رجحاناً واذاناً صاغية وهو ان المشيئة الأميركية المكشوفة والفاقعة الاتية مثقلة باشتراطات غير مألوفة لابعاد مكونات سياسية بعينها مقرونة بجو ترهيب فرض نفسه على الساحة بفعل سيف العقوبات المالية المصلت والذي لم يقم اعتباراً لشخصيات لها موقعها وادوارها، هي المسؤول الأساس عن تعسر الولادة الحكومية المنتظرة، ففي محاولة التأليف الحالية للرئيس الحريري وقبلها محاولة مصطفى اديب استحضرت واشنطن سيف العقوبات ومن ثم سيف الابعاد والاقصاء لتخلط الأوراق وتعقد الأمور وتعيد مسار التاليف الى نقطة الصفر ولا شك ان التكهنات والحسابات حول هذا السلوك الأميركي البالغ الخشونة متعددة، ولكنها في نهاية المطاف تصب في خانة نتيجة واحدة وهي "إبقاء الفراغ في لبنان سيد الموقف وإبقاء البلد في ثلاجة الانتظار والمراوحة القاتلين". خصوصاً انها تعلم علم اليقين ان لا امكان لاستيلاد حكومة في لبنان من دون تمثيل مكون أساسي بوزن حزب الله.

يضاف الى ذلك قراءة يتبناها ثنائي حركة "امل" وحزب الله وفحواها ان الحريري نفسه وبناء على حسابات واعتبارات معينة، قد أضاع فرصة زمنية سنحت لكي يستولد الحكومة الموعودة وهو امر كان سيدخل في ميزان حساباته ويثقلها كونه يتصدى لمهمة انقاذ في زمن استثنائي بالغ الصعوبة وكانت ستضمن له عودة قوية الى خريطة التوازنات الداخلية مزوداً بعناصر قوة كان فقدها منذ انطلاق "الحراك الشعبي" قبل عام. من هنا فإن استمرار المبادرة الفرنسية يعطي للرئيس الحريري القدرة على الاستمرار في حركته لتشكيل الحكومة من دون ان يعني ذلك ان هذا التشكيل بات حتمياً!.