نقيب المحامين السابق ميشال ليان يتمسك بعقوبة الإعدام:
لا تزال عقوبة الإعدام في لبنان سارية المفعول قانوناً رغم الحملات التي تطالب بإلغائها، وهي موضع جدل وخلاف بين أهل القانون وعامة الناس. وآخر تجليات هذا الخلاف برز في الندوة التي أقيمت داخل بيت المحامي في الأسبوع الماضي حول إلغاء عقوبة الإعدام بالتعاون مع المفوضية الدولية لمناهضة هذه العقوبة. وتحدث العديد من الخطباء بدءاً من نقيب المحامين جورج جريج ورئيس اللجنة الدولية من أجل إلغاء عقوبة الإعدام <فديريكو مايور> وزير الجزائر السابق محمد بدجاوي ونائب رئيس المحكمة العليا في النروج القاضية <آن صوفي غريف>، ووزير العدل الفلسطيني السابق الدكتور علي خشان، ووزير العدل اللبناني السابق إبراهيم نجار، حيث حصل جدل بين نقيب المحامين السابق ميشال ليان وبعض المتكلمين، لاسيما نجار و<مايور> على خلفية إهمال النقاش حول الموضوع وتأخيره لدرجة أن بعض المدعوين تركوا القاعة قبل أن يحصل هذا النقاش، وكانت مداخلة للنقيب ليان ردّ فيها على من طالب بإلغاء عقوبة الإعدام انطلاقاً من خصوصية لبنان والجرائم المتمادية التي ترتكب على أرضه، خاصة مع ازدياد عدد الوافدين الى ربوعه من السوريين والفلسطينيين. فما الذي حصل وكيف ينظر النقيب ليان الى هذه العقوبة ويطالب بعدم إلغائها ولماذا يسبح عكس التيار؟!
<الأفكار> استضافت في مكاتبها النقيب السابق ميشال ليان وحاورته في هذا الخضم بدءاً من السؤال:
ــ ما الذي حصل في بيت المحامي في الأسبوع الماضي وما هي حقيقة الجدل بينك وبين الوزير السابق ابراهيم نجار حول عقوبة الإعدام؟
- دعيت في الأسبوع الماضي لحضور ندوة في بيت المحامي نظمتها نقابة المحامين بالتعاون مع المفوضية العليا لمناهضة عقوبة الإعدام حول إلغاء عقوبة الإعدام في لبنان، وكان يفترض أن يتحدث النقيب جورج جريج ورئيس اللجنة الدولية من أجل عقوبة الإعدام <فديريكو مايور> الذي كان أميناً عاماً للأونيسكو، ووزير الخارجية الجزائري السابق محمد بدجاوي، ونائب رئيس المحكمة العليا في النروج القاضية <آن صوفي غريف> ووزير العدل الفلسطيني السابق الدكتور علي خشان والوزير السابق ابراهيم نجار، وأدارت الندوة مديرة معهد حقوق الإنسان في نقابة المحامين المحامية اليزابيت زخريا سيوفي، على أن يعقب الكلمات نقاش عام حول الموضوع، لكن ما حصل أن المتكلمين أنهوا كلماتهم وتحدثوا عن مواضيع خارج إطار ما سبق وصدر وتناولوا مواضيع سياسية، وعرض فيلم في نهاية الكلام عن رجل محكوم بالإعدام، وأهمل النقاش العام وتبارى الخطباء في مدح بعضهم البعض، لاسيما عندما افتتح الكلام المحامي فادي بركات الذي اعتبر أن الكلاب أفضل من كل الذين يعارضون إلغاء عقوبة الإعدام ووصف هؤلاء بالوحوش واكلة لحوم البشر البعيدين عن الرقي والحضارة. وحصل مدح متبادل بين الوزيرين نجار وشكيب قرطباوي رغم أن أحدهم قواتي والآخر عوني، وكنت جالساً في الصفوف الخلفية إفساحاً في المجال للضيوف كما هي عادتي كل مرة، ولم أشأ مقاطعة أحد خلال الكلام، وقررت أن أرد عند فتح باب النقاش، لكن الوزير نجار خاطبني عندما رآني وقال إن قوى 14 آذار كلها توافق على إلغاء عقوبة الإعدام، وكذلك العديد من عناصر التيار الوطني الحر، وإذا طرح الموضوع في مجلس النواب سينال أكثرية نيابية، فقمت آنذاك من مقعدي وقلت له إن موقفي لن يتغير ولو وافقت كل الكتل النيابية، رغم انني من 14 آذار ومن المستقلين فيها، لأنني لا أنتمي الى أي حزب من أحزابها، وقلت له إن قناعاتي تكمن في الإبقاء على عقوبة الإعدام من منطلق غير سياسي.
وأضاف قائلاً:
- وعلى كل حال، انتهى الخطباء وعرض فيلم وثائقي لأكثر من ثلث ساعة عن رجل قتل العديد من الأشخاص وهو محكوم بالإعدام، ولم يصدر الحكم ضده بعد، وهو يتحدث عن معاناته، ومع انتهاء الفيلم خرج ثلاثة أرباع المدعوين، فسألت المحامية زخريا سيوفي عن موعد النقاش، فأوعزت بإعطاء الميكروفون لي، لكنني رفضت وقلت إنني سأصعد الى المنصة وأتحدث، وفوجئت بأن الترجمة الفورية توقفت وميكروفونات التسجيل نزعت فقررت أن أتكلم مهما كان الأمر، وقلت إن الدعوة هي للنقاش العام وليس لعرض فيلم، واليوم أتخلى عن صفتي كنقيب سابق للمحامين وكعضو مجلس النقابة وحتى كمحامٍ وأتكلم فقط كمواطن كي لا أقف في وجه نقابتي ونقيبي صاحبي الدعوة. وفعلاً تحدثت وقلت بضرورة الإبقاء على عقوبة الإعدام، لأن لبنان لم يخرج من حروب مستمرة من العام 1969 حتى الآن، ولأن لا إحصاء للبنانيين منذ العام 1932 ولا أرقام لعدد اللبنانيين المقيمين، إنما هناك ثمة أرقام ثابتة صادرة عن مراجع دولية تعبر عن وجود أكثر من مليون نازح سوري، إضافة الى وجود أكثر من 400 ألف فلسطيني داخل المخيمات وخارجها، ونحن في بلد ينتشر فيه الإجرام الذي نراه اليوم بوجود السلاح في أيدي فئات كبيرة من الناس وبوجود مربعات ومستطيلات أمنية ليس للدولة أي سيطرة عليها. ولا نعرف أي شرعية تسودها، وهذه بؤر تفجير قائمة.
قانون إعدام القاتل
وتابع يقول:
- نحن في وطن لم يخرج بعد من فظاعات الحروب التي دارت على أرضه مع ما نعانيه من فلتان أمني وتكاثر للجرائم في شكل جنوني، ولذلك لا أرى أي مجال لإلغاء عقوبة الإعدام، وهذا أمر لا يتعلق بالثقافة والحضارة، ولا بالعرق والتعرض لحقوق الإنسان، وحق الحياة للضحايا أكثر تمسكاً بالقيم الإنسانية وقبل حق الحياة للمجرمين. وأنا أعرف ما تقول الديانات عن الإعدام، وألم بكل النظريات الاجتماعية والفلسفية التي تتناول هذه العقوبة.
وأضاف قائلاً:
- يوم كنت نقيباً كان هناك قانون رقم 304 عام 1994 وقد ألغى الأسباب التخفيفية في المواد 547 و548 و549، وألغى العمل بالمادة 198 في عهد الرئيس الياس الهراوي، وبقي العمل بهذا القانون حتى شهر آب/ أغسطس عام 2001 عبر قانون صدر في عهد الرئيس إميل لحود ورقمه 338 بحيث أعيد العمل بأحكام مواد قانون العقوبات التي كانت نافذة قبل صدور القانون المذكور. وكنت أسعى بكل تواضع لإلغاء هذا القانون الاستثنائي والعودة الى القانون الطبيعي العادي، وآنذاك فالرئيس سليم الحص رفض تنفيذ حكم الإعدام يوم كان رئيساً للحكومة عام 2000 رغم أن حق العفو محصور برئيس الجمهورية فقط، لكن عندما يرد الرئيس العفو بعد المرور بلجنة العفو يحال الموضوع للتنفيذ والياس الهراوي أعدم 14 شخصاً ولكي ينفذ الحكم رمياً بالرصاص أو شنقاً، يلزمه مرسوم تنفيذ الحكم، ولا بد هنا من توقيع رئيس الحكومة مع رئيس الجمهورية، وتمنّع الرئيس الحص آنذاك لأسباب إنسانية وإيمانية من أنه لا يحق له أن يزهق روحاً، وتمنّع عن توقيع ثلاثة مراسيم بإعدام 3 أشخاص لا يزالون مسجونين حتى الآن، وتراكم عدد المحكومين بالإعدام حتى وصل اليوم الى 165 شخصاً، وهؤلاء أكثر الناس تعاسة، لأنهم محكومون بالإعدام ولا يعرفون مصيرهم غداً، وما إذا كان سيأتي ظرف سياسي ينفذ حكم الإعدام بهم.
ثم أردف قائلاً:
- وأنا أحزن لهؤلاء وأقول إنهم ضحايا التقصير السياسي في عدم تطبيق القانون، إضافة الى انه بعد أحداث العام 1958 بادر العميد ريمون إده بموافقة الرئيس فؤاد شهاب الى إصدار قانون إعدام القاتل، وصدرت أحكام إعدام يوم 16 شباط/ فبراير 1959 وريمون إده كان يتبجح بأنه ضبط الوضع الأمني بعد أحداث 1958 بواسطة قانون الإعدام بدون أسباب مخففة، وبقي هذا القانون ساري المفعول حتى أيار/ مايو من العام 1965. وأنا أعرف أن هذا القانون بالإضافة الى الحزم الموجود لدى ريمون إده، كان وراء تجميد الفلتان بعد ثورة أو أحداث 1958، لكن فيما بعد، جاءت الحروب بدءاً من العام 1969 ونتائجها التي تجلّت باتفاق القاهرة، مروراً بالعام 1973 واتفاقية <ملكارت>، وصولاً الى العام 1975 وانفجار حرب أهلية تحمل ألف وجه ووجه، وخاضها كل واحد حسب مبادئه، الى أن جاء السوريون بعد حرب السنتين بقرار عربي دولي وحكموا لبنان قمعياً.
واستطرد يقول:
- لذلك أقول إنه بعد كل هذه الويلات ومع السلاح المنتشر بين كل الناس وسقوط ضحايا بالآلاف، من الخطأ إلغاء عقوبة الإعدام، حتى ان جريمة اغتيال القضاة الأربعة في صيدا وهم على قوس المحكمة، تبقى بدون محاكمة حتى اليوم، ولا يمكن إعدام القتلة بعد 15 سنة من حدوث الجريمة، بل هؤلاء حسب البعض لهم الحق بالحياة، ناهيك عن جرائم افظع لا تعد ولا تحصى، وبالتالي أنا ضد إلغاء حكم الإعدام نظراً للأوضاع في البلاد خاصة وان الجرائم ترتكب على مدار الساعة، وأتساءل هنا: كم جريمة تحصل في الدول التي ألغت عقوبة الإعدام سواء في أميركا أو أوروبا أو غيرهما، حتى ان فرنسا بعدما انتهت من الحرب العالمية الثانية كانت عقوبة الإعدام لديها أقسى وأشد مما تضمنته قوانيننا، حتى ان العملاء الألمان أعدموا بالمئات. ونحن لدينا عملاء بالمعنى الحقيقي للعميل، فهل لا نعدم هؤلاء بحجة حقوق الإنسان، علماً أن شارل مالك ساهم في شرعة حقوق الإنسان إضافة الى شخص آخر كان معه هو كريم أزعور سكرتير السفارة يوم كان شارل مالك يبدع في تحضير نصوص هذه الشرعة؟! واليوم يقال إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعطي في مادته الثالثة الحق لكل فرد في الحياة، والحرية وسلامة الشخص، فيما المادة الخامسة تنص على عدم تعرض أي إنسان للتعذيب، ولا للعقوبات ولا للمعاملة القاسية أو الوحشية، أو التي تحط من الكرامة، والهيئة العامة للأمم المتحدة اتخذت يوم 20 كانون الأول/ ديسمبر من العام 1977 قراراً بأن المهم في المرحلة الأولى تقليص عدد الجرائم التي تدين بعقوبة الإعدام، فيما الهدف في نهاية المطاف إلغاء هذه العقوبة إلغاء كاملاً في كل البلدان.
وأضاف:
- عام 1991 صدرت عن الأمم المتحدة معاهدة اختيارية تنص في المادة الأولى أنه لا يعدم أي شخص في جميع البلدان الموقعة على هذه المعاهدة، على أن تتخذ كل الإجراءات الضرورية لإلغاء عقوبة الإعدام في تشريعاتها، ولبنان لم يوقّع على هذه المعاهدة لأنها اختيارية، علماً أنه من أصل 193 بلداً في العالم، هناك 97 بلداً فقط ألغت عقوبة الإعدام، و96 بلداً أبقت عليها. ولذلك باختصار أقول إن هذا لا يمت لحقوق الإنسان بصلة، أو لحق الحياة، لأن حق الحياة للضحية يكون في المقدمة، وقبل حق الحياة للمجرم. وأكثر من ذلك، فهناك 22 بالمئة من سكان الكرة الأرضية فقط لا تخضع لعقوبات الإعدام والباقي يخضع لها، أي 78 بالمئة، حتى ان الولايات المتحدة توجد فيها 38 ولاية من أصل 51 تطبق عقوبة الإعدام، ونيويورك عادت الى اعتمادها بعدما ألغتها عام 1955. وأستعرض ذلك لأقول إن الإعدام أكثر من رادع، علماً أن كل البلدان العربية لا تزال تعتمد هذه العقوبة ما عدا البحرين التي ألغت عقوبة الإعدام. ولهذا كله أنا مع الإبقاء على العقوبة نظراً لتفشي الإجرام ولأننا لم نخرج بعد من الحروب والنزاعات، حتى بالأمس اغتصب طفل في الشمال بأبشع ما يكون وقُتِل بطريقة فظيعة ورمي في مكب النفايات. فهل هؤلاء القتلة يستحقون حق الحياة؟! ويقولون إن حكم الإعدام جريمة منظمة لأنه يتعرض لحق الحياة، لكن حق الحياة هو للأفراد شرط ألا تسحقهم وتقتلهم، وليس حق الحياة للمجرم. ولذلك رفضت الكلام الصادر عن <مايور> الذي اتهمني بالعنصرية وعدم التضامن الإنساني.
ــ تطالب بإبقاء هذه العقوبة ونرى أن من حرّضوا على القتل خلال الحرب وشاركوا فيها أصبحوا وزراء ونواباً ورؤساء وبعض المحكومين يترشحون لرئاسة الجمهورية. ألا ترى أن العقوبة تطبق على الفقير فقط؟
- هذا لا يبرر ما تقوله، ونحن لا نزال في تداعيات الحرب والجرائم الى تكاثر، وإذا وصل هؤلاء الى أعلى المراتب، فلسنا مسؤولين عن الوضع السياسي، بل أتحدث عن الجانب القانوني وعن ضرورة تطبيق قانون الإعدام والإبقاء على هذا القانون، لأن وضع الإجرام فظيع وتُسجّل جريمة كل ساعة وسط انتشار السلاح ووجود الآلاف من غير اللبنانيين على أرض لبنان.
ــ يحكى ان الرئيس السابق ميشال سليمان عمد الى تجنيس أكثر من 600 شخص قبل انتهاء ولايته بينهم 82 فلسطينياً. فهل يحق له أن يفعل ذلك خلافاً للدستور الذي يقول في مقدمته: لا توطين؟!
- أنا ضد التجنيس على كل أنواعه وضد مرسوم التجنيس الصادر عام 1994، حتى خلافي مع الرئيس الأسبق الياس الهراوي، رحمه الله، كان بسبب هذا المرسوم. ونحن بلد صغير وكل يوم تصدر مراسيم تجنيس، وبالتالي لبنان لا يتحمل المزيد من مراسم التجنيس حتى ان هذا المرسوم يتناقض مع حق العودة رقم 194 الصادر عن الأمم المتحدة، لا بل ان كل المواثيق الدولية تؤكد على حق عودة الفلسطينيين الى ديارهم.
ــ هل يحق للمجلس النيابي أن يشرّع في غياب الرئيس؟
- لا يجوز التشريع في ظل الفراغ الرئاسي. فإذا تم التصويت في مجلس النواب على قانون معيّن، فأين حق وصلاحية رئيس الجمهورية في رد هذا القانون أو في توقيعه؟! فقانون الإيجارات الأخير لم يوقّعه ولم يرده وطعن به أمام المجلس الدستوري، لكن للاسف خراب لبنان كان في تعطيل المجلس الدستوري عندما لم يبت في التمديد لمجلس النواب، وكانت هذه الخطيئة العظمى التي ارتكبها المجلس الدستوري لأنه لا يجوز لهذه الهيئة القضائية العليا أن تمتنع عن إحقاق الحق.
ــ ألم يمدّد المجلس لنفسه منذ العام 1972 حتى العام 1992، وعمد عام 1988 الى التسريع واستيلاد اتفاق الطائف في غياب رئيس للجمهورية؟!
ــ ما حصل آنذاك كان بسبب الحرب، ولأن البلد تفكك وكان مهدداً بالسقوط النهائي، وكان لا بد من العمل لإحيائه من جديد حتى ان نواب الطائف أنجزوا تسوية مؤقتة، وكل ما حصل مرده سياسي، لكن من الناحية القانونية فالجمهورية اللبنانية ليست موجودة، حتى انه حصل تلكؤ في انتخاب رئيس لمرتين وحصلت ويلات، والآن سيتكرر الأمر، حتى انهم في مجلس الوزراء لا يعرفون كيف سيديرون السلطة في غياب الرئيس، والدستور لا يقول بانتقال كل صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء خاصة في ما يتعلق بالسفراء وبالعفو وبغيرهما. فهذه ليست جمهورية وليست مزرعة أيضاً لأن صاحب المزرعة ينظمها بعض الشيء، وليست غابة لأن الحيوانات تعرف أن الأسد يديرها، وهو ملك الغابة، ولكن لا أعرف ما نوع هذه الجمهورية التي نعيش فيها.