تفاصيل الخبر

الزواج المدني.. من يُنقذ المواطـن والديـن مـن براثـــن المنـتـفـعيــن؟

21/02/2019
الزواج المدني.. من يُنقذ المواطـن  والديـن مـن براثـــن المنـتـفـعيــن؟

الزواج المدني.. من يُنقذ المواطـن والديـن مـن براثـــن المنـتـفـعيــن؟

 

بقلم علي الحسيني

فتح كلام وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن حول الزواج المدني باب الإختلاف على مصراعيه وفي شقيّه الاجتماعي والديني، وكذلك فتح طاقة على المحور السياسي المتناقض حتى في الأمور التي تخص الناس وتتعلق بطبيعة حياتهم. ومن بوابة تحبيذها أن يكون هناك إطار للزواج المدني وبأنها ستتحدث فيه ساعية لفتح الباب لحوار جدي وعميق حول هذه المسألة مع كل المرجعيات الدينية وغيرها، وبدعم من الرئيس سعد الحريري حتى يصبح هناك اعتراف بالزواج المدني، انتفضت المؤسسات الدينية وعدد غير قليل من اتباع <يا غيرة الدين>، لتواجه هذا الرأي وتحمله ما لا يُحتمل في الدنيا والآخرة.

 

تعريف الزواج المدني ومحاولات قوننته

 

هو عقد ثنائي بين رجل وإمرأة، بالغين، يتمّ بالرضاء والقبول، كسائر العقود المدنية، موضوعه الاتفاق على إقامة حياة زوجية مشتركة دائمة بين الزوجين. وقد أقرّت معظم الدول الأجنبية وبعض الدول الاسلامية الزواج المدني، إما بشكل إلزامي وإما بشكل اختياري. وهو يعتبر إلزامياً في كل من فرنسا والمانيا وسويسرا وبلجيكا والسويد وإيطاليا ورومانيا والنروج وموناكو ولوكسمبورغ والبرازيل وأميركا اللاتينية وروسيا. لكنه يعتبر اختيارياً في انكلترا والولايات المتحدة الاميركية واليونان وإسبانيا. أما القانون اللبناني، فلا يجيز عقد زواج مدني في لبنان، إلا أنه يعترف بالزواج المعقود خارج الأراضي اللبنانية وعليه، فإن الزواج المدني لا يعتبر مخالفاً للنظام العام.

أما محاولة تشريع الزواج المدني في لبنان من خلال مشروع يُقر مؤسساتياً، فهو ليس حديثاً ويعود إلى العام 1951 حين نوقش في البرلمان ثم رُفض. والعام 1960 بدأت جمعيات علمانية تطالب به من جديد عبر التظاهر. وعاد ليطرح في البرلمان من جديد العام 1975. وقد أثار جدلاً كبيراً عندما طرحه رئيس الجمهورية الأسبق الراحل الياس الهراوي العام 1998. وفي العام 1999 نوقش المشروع في مجلس الوزراء، حيث تمت الموافقة عليه بالأغلبية (21 صوتاً)، إلا أن رئيس الوزراء رفيق الحريري لم يوقّع على المشروع ولم يقدمه للبرلمان للتصديق عليه حيث اعتذر يومذاك قائلاً: إن ظروف لبنان لا تسمح الآن بذلك.

اليوم يُقابل مشروع الزواج المدني الإختياري في لبنان برفض كبير من رجال الدين حتى ولو كان إختيارياً، ولكل من هذه الطوائف أسبابها الخاصة لرفضه. وأمام هذا الواقع يلجأ الكثير من اللبنانيين إلى الزواج المدني خارج لبنان. وتُعتبر قبرص إحدى الدول التي يتوجه إليها اللبنانيون الراغبون في عقد هذا الزواج المدني خصوصاً إذا كان أحد الطرفين غير راغب في اعتناق دين الشريك الآخر. لكن ثمة شروطاً يجب أن تتوافر فيه القانونية العامة وهي الرضا والأهلية والموضوع والسبب والشكل في الحالات التي يفرضها القانون، سنداً للمادة 177 من قانون الموجبات والعقود. إلا أن الطبيعة الخاصة لعقد الزواج المدني، يفرض شروطاً خاصة لكل ركن من أركان هذا العقد، إضافة إلى وجوب أن يكون معقوداً خارج الأراضي اللبنانية لكي يتم الاعتراف به وتسجيله في دوائر النفوس والأحوال الشخصية الرسمية في لبنان.

 

الدين يُحرّم ويُجرّم!

من جهته ردّ المكتب الإعلامي في دار الفتوى على المتسائلين عن موقف مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ودار الفتوى والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى من موضوع الزواج المدني في لبنان الذي أعيد طرحه وتداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام وليس في المجلس النيابي.

وأكد ان <موقف المفتي دريان ودار الفتوى والمجلس الشرعي ومجلس المفتين هو معروف منذ سنوات في الرفض المطلق لمشروع الزواج المدني في لبنان ومعارضته لأنه يخالف أحكام الشريعة الإسلامية السمحاء جملةً وتفصيلاً من ألفه الى يائه ويخالف أيضاً أحكام الدستور اللبناني في ما يتعلق بوجوب احترام الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الدينية العائدة للبنانيين في المادة التاسعة منه .

بدوره قال مدير <المركز الكاثوليكي للإعلام> الأب عبدو أبو كسم: يبدو أنه كلّما تمّ تشكيل حكومة جديدة، وتمّ تسليم وزير جديد للداخلية مهامه، يُطرَح ملف الزواج المدني على طاولة البحث من جديد، فهذا ما نلاحظه، رغم أن موقف اللبنانيين بات معروفاً بين من هو مع ومن هو ضدّ، ورغم أن موقف الديانتَيْن المسيحية والإسلامية هو أكثر من واضح من هذا الموضوع وثابت أيضاً. وشدّد على أن الكنيسة لا تدعم الزواج المدني بالمطلق، لِكَوْنه يناقض مفهوم <سرّ الزواج> كنسياً ولاهوتياً، الذي هو سرّ اتّحاد في ما بين زوجَيْن وعهد يبقى بينهما الى أن يفرّقهما الموت وهذا هو السبب الذي يمنع التقاء الكنيسة بالزواج المدني.

أمّا لدى الطائفة الشيعية، فقد أعربت هيئة التبليغ الديني في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى عن أسفها لاثارة موضوع الزواج المدني في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد، والتي تستدعي التشبث بكل اسباب الوئام والوفاق، والابتعاد عن كل

اسباب الخلاف والتنافر، دعماً للجهود الجليلة التي يبذلها المخلصون من القادة الدينيين والزعماء السياسيين لتثبيت الاستقرار وترسيخ الوحدة الوطنية.

وشددت على ضرورة مواجهة طرح الزواج المدني بالمعالجات الموضوعية التي تساعد على بلورة الموقف الشرعي والوطني، وتوليد القناعات المشتركة، من خلال اطلاق حوار هادف يتشكل بين المرجعيات الدينية والوطنية والنخب الفكرية والثقافية، وعدم استغلال هذا الطرح في المزايدات السياسية الآنية او الاكتفاء بردود الفعل الحادة، لما في ذلك من خطر التشتيت في الآراء والابتعاد عن الموقف الجامع.

وعن المكتب الإعلامي للشيخ نصر الدين الغريب لفت الى أن الموحدين الدروز هم المؤيدين الأوائل للوحدة والعيش المشترك والإنفتاح على كل الطوائف والمذاهب والأديان، ومع هذا فالواجب إحترام خصوصية المذاهب. وقال: نعلن باسمنا وباسم الهيئة الروحية الكريمة الرفض القاطع لكل ما هو مسيء لمجتمعنا وهادماً لأركان الدين، والتمسك بمآثر السلف الصالح وعاداتنا وتقاليدنا المعهودة واتباع علم الشريعة وتعاليم الدين الشريف، ومن كان له رأيه وحيثيته فهذا شأنه. والسلام على من عرف الحق فاتبعه وأدرك الباطل فاجتنبه.

رئيس <الحزب التقدمي الاشتراكي> وليد جنبلاط قال: هل بالامكان أن ندلي برأينا دون التعرض للتكفير حول الزواج المدني. نعم إنني من المناصرين للزواج المدني الاختياري، ولقانون أحوال شخصي مدني، وكفى استخدام الدين لتفرقة المواطنين.

 بدورها عبّرت النائبة بولا يعقوبيان عن رأيها بالقول: اشعر بالافتخار كمواطنة لبنانية بوزيرة الداخلية ريا الحسن، ليس فقط لنزاهتها واجتهادها بل لجرأتها على قول الحق مهما كانت كلفته. الأبواق التي تنال منها هي مجرد أصوات تخاف على مكتسبات مادية وليست تنتصر لدين. انتم تكذبون وريا صادقة، انتم تعترفون بالزواج المدني وبكل مفاعيله ويكفي. وأضافت: تمنعون عن الفقير حرية التفكير والاختيار فكل من يمتلك قدرة الوصول الى قبرص او تركيا ودفع الرسوم لقبرص وتركيا او تونس وفرنسا يستطيع عقد زواج مدني، ويسجل زواجه وأولاده، وهذه الزيجات هي بالآلاف في لبنان. <بيكفي تدجيل وضحك على شعبكم فلبنان دولة مدنية>.

الوزير السابق مروان شربل اعتبر أنه لا يمكن إقامة زواج مدني كامل، نحن نقول أنه اختياري وبالتدرج وهذا الأمر يحميه الدستور، مشيراً إلى أن وزيرة الداخلية ريا الحسن طرحت الموضوع خلال مقابلة ولن تعيد فتحه. ولفت إلى أنه لا يجوز أن يحكم القاضي المدني في لبنان وفق القانون القبرصي الذي يتزوج على أساسه اللبنانيون في قبرص، موضحاً أن تركيا دولة إسلامية وفي زمن الرئيس التركي <رجب طيب أردوغان> أصبحت أكثر إسلامية لكن الزواج فيها مدني. أمّا النائب الياس حنكش فقد نصح أولاده بموضوع الزواج المدني وقال: <شبابنا عم يسافروا ٢٠ دقيقة بالطيارة ليتزوجوا متل ما بيرتاحوا، هيدا خيارن، انا ما بنصح ولادي إِلا بالزواج الكنسي> .ولكن الخيار إلن، الزواج المدني هو خطوة باتجاه دولة مدنية بتحفظ

حقوق كل مواطن>.

قباني: لا يُدفن في مقابر المسلمين!

بهذه الفتوى غير المسبوقة في لبنان كان مفتي الجمهورية السابق الشيخ محمد رشيد قباني قد حرّم قوْننــــة الــــزواج المـــــدني في عهد الرئيس ميشــال سليمـــان.

فقال حينذاك: أفتي مستعيناً بالله العظيم بأن كل من يوافق من المسؤولين المسلمين في السلطة التشريعية والتنفيذية في لبنان، على تشريع وقوننة الزواج المدني، هو مرتدّ وخارج عن دين الإسلام، ولا يُغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ويحمّل أوزار كل الذين يدخلون في هذه العلاقة غير المشروعة من أبناء وبنات المسلمين إلى يوم القيامة.

 

الشعّار: كلام الحسن <سبق لسان>

في هذا السياق يرى مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار أن كلام الوزيرة الحسن هو <سبق لسان>، أي أنها تسرعت بقول ما عبرت عنه.

ويرى الشعار أن الحسن <لم تستوعب معنى الزواج المدني في بُعده الاسلامي والديني، وهذه الخطوة في حال أُقرت من شأنها أن تؤدي الى تغيير الاحكام الشرعية التي جاء بها القرآن الكريم ويلتزم بها المسلمون لأن الزواج المدني هو مخالف للشريعة ولا أحد في لبنان يجرؤ عليه وخصوصاً من أبناء الطوائف الاسلامية والمسيحية، فالأولوية هي المحافظة على الشعائر وخصوصيات الطوائف والمذاهب الدينية. واذ استغرب صدور هذا الكلام عن وزيرة تعود الى بيت مسلم معروف في طرابلس والشمال، رأى انه لو أدركت الوزيرة الحسن خطورة الأمر لما نطقت به. وعاد المفتي الشعار بالذاكرة الى تصريح للرئيس الحريري في وقت سابق حين كان باريس حيث تحدث عن الزواج المدني مشيراً الى انه <سبق لسان> أيضاً، كاشفاً ان الحريري أبلغه شخصياً بأنه لن يوافق على الزواج المدني، وفي حال طُرح سيبقى في الدرج لأنه مخالف للانتماء الاسلامي ولا يتجرأ عليه أي مسلم.

النزاع في المحاكم..

من يعترف؟

 

تتعدّد المراجع القضائية اللبنانية المخوّلة النظر في النزاعات الناشئة عن الزواج نظراً الى تعدد الطوائف التي يوجد لكل منها قانونها المستقل، فإلى جانب القضاء المدني هناك القضاء الشرعي بفرعيه المذهبي والروحي للفصل في مسائل الأحوال الشخصية. لكن يبقى الاهم المحكمة المختصة في لبنان للنظر في النزاعات الناشئة عن عقد الزواج المدني المعقود خارج الأراضي اللبنانية. فقد نصت المادة 79 من قانون أصول المحاكمات المدنية على أنه تختص المحاكم اللبنانية المدنية بالنظر في المنازعات الناشئة عن عقد الزواج الذي تم في بلد أجنبي بين لبنانيين أو بين لبناني وأجنبي بالشكل المدني المقرر في قانون ذلك البلد. وتراعى أحكام القوانين المتعلقة باختصاص المحاكم الشرعية والدرزية إذا كان كلا الزوجين من الطوائف المحمدية وأحدهما على الأقل لبنانياً. وبناءً على ذلك، فإن المحاكم المدنية اللبنانية تكون مختصة للنظر بالنزاعات الناشئة عن الزواج المدني المعقود في الخارج بين مسيحيين، أو بين زوجين مختلفين دينياً (مسلم ومسيحية أو مسيحي ومسلمة)، أو بين مسلمين من مذاهب مختلفة.

أما إذا كان الزواج المدني معقوداً في الخارج بين مسلمين، لبنانيين أو لبناني وأجنبي، من المذهب الديني نفسه (سني أو شيعي)، فتكون المحاكم الشرعية، السنية أو الجعفرية، التي ينتمي اليها الزوجان، مختصة للنظر بتلك النزاعات سنداً للمادة 18 من قانون القضاء الشرعي السني والجعفري (الصادر بتاريخ 16/7/1962). أما إذا كان أحد الزوجين سنياً والآخر شيعياً فيكون الاختصاص للمحكمة الشرعية التابع لها مذهب الزوج سنداً للمادة 61 من قانون القضاء الشرعي المذكور.

أمام كل هذه الصعوبات التي تعترض الزواج المدني المعقود خارج لبنان، لا بد من إيجاد حلول قانونية وعملية للمشاكل المرتبطة بالعلاقات الزوجية من أجل تحقيق الاستقرار والسلام العائلي الذي يشكّل أساس الاستقرار والسلام في المجتمع، وذلك إما بوضع قانون خاص، وإما بتوحيد الحلول القضائية، إذا لا يجوز أن تصدر عدة أحكام قضائية مختلفة كلياً في وضع حلول متناقضة للمشاكل ذاتها المتعلقة بالعلاقات الزوجية الناجمة عن النزاعات المرتبطة بعقد الزواج المدني. كما لا يجوز أن يتم الاعتراف بالزواج المدني المعقود خارج لبنان ويتم تسجيله في قيود النفوس وسجلات الأحوال الشخصية اللبنانية، ويُحظّر عقد هذا الزواج على الأراضي اللبنانية، فالحل هو إما بمنع هذا النوع من الزواج، وإما بوضع قانون خاص ينظّم شروطه ومفاعيله القانونية كافة، للحد من الاحتيال على القانون.