تفاصيل الخبر

اليرزة: الوحدات العسكرية على جهوزية في بيروت لكنها لا تتدخل إلا إذا طلبت منها قوى الأمن ذلك!

24/01/2020
اليرزة: الوحدات العسكرية على جهوزية في بيروت لكنها لا تتدخل إلا إذا طلبت منها قوى الأمن ذلك!

اليرزة: الوحدات العسكرية على جهوزية في بيروت لكنها لا تتدخل إلا إذا طلبت منها قوى الأمن ذلك!

 

<وين كان الجيش>؟ سؤال أطلقه رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري في معرض تعليقه على الأحداث الدامية التي دارت تلك الليلة بعيد عودته من عطلة الأعياد وقد بدا وكأنه <ملامة> موجهة للجيش الذي لم يتدخل لوقف أعمال الشغب التي حصلت في الوسط التجاري. غير ان وقع هذا السؤال لم يكن مريحاً لدى قيادة الجيش التي استمعت هذه الأيام الى أسئلة مماثلة تتردد في وسائل الإعلام حيناً وفي مواقع التواصل الاجتماعي أحياناً، لكن أن يصدر هذا السؤال عن الرئيس الحريري بالذات، فهذا يعني ــ بالنسبة الى قيادة الجيش ــ ان وراء الأكمة ما وراءها، والسؤال الكبير: هل انضم الرئيس الحريري الى مجموعة الأصوات التي تحاول النيل من سمعة الجيش وتلقي علامات الاستفهام حول دوره في الأزمة الراهنة التي تعصف بالبلاد؟...

صحيح ان الجيش لم يتدخل في تلك الليلة التي شهدت أعمال شغب وتحطيم واجهات مصارف واقتلاع أشجار ولوحات الشوارع وغيرها، لكن الصحيح أيضاً ان قوى الأمن الداخلي، ولاسيما فرقة مكافحة الشغب، قامت بواجبها وطاردت المشاغبين الذين لا علاقة لهم بالمتظاهرين السلميين الذين تحركوا تلك الليلة. هذا المشهد تكرر ليل السبت الماضي في الوسط التجاري، وكان أعنف مما حصل حتى الآن في العاصمة وحجم الأضرار بلغ حداً كبيراً وارتفع عدد المصابين نتيجة المواجهات بين قوى الأمن والمتظاهرين ولاسيما منهم مثيري الشغب الى نحو 400 شخص وهو أعلى رقم يُسجل حتى الآن في تاريخ المواجهات منذ بدايتها مع <ثورة 17 تشرين>... ولوحظ في تلك الليلة ان الاعتداءات على رجال قوى الأمن ــ وتحديداً رجال مكافحة الشغب ــ وصلت الى حد ملاحقتهم الى المستشفيات التي نقلوا إليها للمعالجة بعد اصاباتهم المباشرة بالحجارة أو من المواد الحارقة التي ألقيت عليهم.

 

أين الجيش في بيروت؟

 

وليل السبت الماضي تكرر السؤال: أين الجيش لا يساعد قوى الأمن الداخلي على ضبط الوضع ووقف الاعتداءات؟ وهو سؤال يردده كثيرون عندما يشاهدون على شاشات التلفزيون حجم المواجهة والأضرار التي تلحق بالعاصمة وبوسطها التجاري ومصارفها ومطاعمها وحتى مكاتب الشركات والمؤسسات التي بدأت تهجر بيروت وتنتقل إما الى دول الخليج أو أوروبا... ومنهم من نقل أعماله الى مصر والأردن!

الجواب عن هذا السؤال جاهز لدى القيادة العسكرية التي لم تشأ حتى الآن الدخول في جدال علني مع السياسيين وغيرهم ممن يطلقون التساؤلات وأبرزهم الرئيس الحريري، لكن مصادرها أكدت ان المؤسسة العسكرية لم ولن تتقاعس عن تأدية واجبها الوطني في حماية السلم الأهلي والمحافظة على الاستقرار الداخلي، وتضيف انه خلال الاجتماع الأمني الموسع الذي عقد في قيادة الجيش مع بداية التحركات الشعبية جرى توزيع المسؤوليات بين الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة بحيث يتولى كل جهاز أمني قطاعاً معيناً يكون مسؤولاً فيه عن حفظ الأمن وحماية الأملاك العامة والخاصة والحؤول دون قطع الطرق... وأخذت قوى الأمن الداخلي قطاع بيروت والوسط التجاري على أن تستعين بالجيش عند الضرورة، فيما أخذ الأمن العام منطقة الأشرفية والمعابر المؤدية إليها، على أن تكون للجيش مهمات في مختلف المحافظات اللبنانية...

في تلك الليالي، تضيف المصادر نفسها، أخذت قوى الأمن عبر عناصر <مكافحة الشغب> و<القوة الضاربة> على عاقتها مهمة حفظ الأمن في شوارع العاصمة، ولم تطلب مؤازرة الجيش الذي كان مستعداً للتدخل لو طلبت قوى الأمن منه ذلك، لاسيما وانه في مرات سابقة طُلب التدخل ولبى الجيش الطلب وأحكم السيطرة على جسر فؤاد شهاب المعروف بـ<الرينغ> وأوقف المواجهات التي كانت تأخذ طابعاً تجاوز حدود المنطق والمعقول. وتنطلق المصادر من هذه الواقعة لتؤكد ان لا خلفيات أو أبعاد لعدم نزول الجيش الى شوارع العاصمة لوقف التعديات على الأملاك العامة والخاصة، لاسيما وأن قوى الأمن أخذت على عاتقها هذه المهمة ولديها وحدات مدربة على مواجهات الشوارع سواء ضمن <مكافحة الشغب> أو <القوة الضاربة> التابعة لفرع المعلومات في قوى الأمن، إضافة الى انه من غير الجائز إقحام الجيش في كل مواجهة تحصل طالما ان قوى الأمن الداخلي، التي يدخل في صلب مهمتها حفظ الأمن الداخلي، تتولى هذه المهمة، علماً ان أي تدخل غير مطلوب سيكون بالتالي غير منسق ميدانياً، ما ينعكس سلباً على الوضع الأمني من جهة، وعلى سلامة العسكريين من جهة ثانية.

 

حماية حق التظاهر وعدم اقفال الطرق!

ولفتت المصادر الى ان الجيش يؤدي تلقائياً واجباته من ضمن بقع انتشاره وهو يعمل على فتح الطرق التي يقطعها المتظاهرون انطلاقاً مما كان قائد الجيش العماد جوزف عون التزم به أكثر من مرة لجهة منع قطع الطرق وحماية حق التظاهر السلمي شرط ألا يشكل أي اعتداء على حقوق الآخرين. وهذا الاجراء تطبقه قيادة الجيش منذ بدء الأحداث في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي خلافاً لما يشيعه البعض عن <تلكؤ> عناصر الجيش عن القيام بمسؤولياتهم. وقد أكد العماد عون في أكثر من مناسبة التزام معادلة حماية حق التظاهر والتجمع من جهة، ومنع اقفال الطرق من جهة أخرى. وينقل زوار قائد الجيش هذه الأيام انه يرفض أن يكون الجيش <فشة خلق>، معتبراً ان ما يقال في هذا الإطار هو اتهامات ظالمة بدليل ان عناصر الجيش واجهت المتظاهرين الذين كانوا يقطعون الطرق وتحمل الضباط والعسكريون الشتائم والإهانات والكلام النابي الذي أطلقه بعض المتظاهرين من دون أن يرد العسكريون على هذه الاعتداءات اللفظية والمعنوية حفاظاً على سلامة مطلقيها، والعودة الى تسجيلات محطات التلفزة تظهر بوضوح كم تحمل العسكريون من إهانات وتجريح وكلام قاسٍ من دون أن يردوا، بل واصلوا حماية المدنيين انطلاقاً من حرص الجيش عليهم أكثر من حرصهم على أنفسهم، وإن كانوا يضطرون في بعض الأحيان الى استخدام الشدة أو الحزم لفتح الطرق. ويضيف زوار العماد عون انهم سمعوا منه <ان القاعدة الأساسية بالنسبة إليه هي ضرورة عدم الانجرار الى استعمال العنف حتى ضد قاطعي الطريق، لكن بعض الظروف الميدانية القاهرة تفرض أحياناً استثناء غير مقصود لهذه القاعدة>.

وفي قناعة العماد عون، كما ينقل عنه زواره، ان الاعتراض على سلوك الجيش من هذه الجهة تارة ومن تلك أحياناً لهو الدليل على موضوعية الجيش وحياديته وعدم انحيازه الى طرف على حساب آخر، مكرراً المقولة الدائمة ان الجيش على مسافة واحدة من الجميع وهمه الوحيد في هذه المرحلة هو تأمين حماية حقوق جميع اللبنانيين سواء الذين يتنقلون على الطرق أو أولئك الذين يتظاهرون.

في أي حال، لا ترى مصادر سياسية متابعة ضرورة لاستمرار الجدال حول دور الجيش في هذه الأيام إذ لا فائدة من النقاش حول هذه المسألة لأن ذلك لن يغير من الواقع شيئاً، وهو ان المؤسسة العسكرية، في غياب سلطة تنفيذية مسؤولة وموحدة القرار والتوجهات، مضطرة أن تتصرف وفق تقييمها للتطورات ومدى انعكاس أي إجراء على دور الجيش التوحيدي، ناهيك عن ان مسألة الوقوف على مسافة واحدة من الجميع لا تستقيم عندما تكون في الطرف الآخر عناصر مشاغبة شوهت طبيعة الحراك الشعبي وأضرت بأهداف <الثورة> ومنطلقاتها. وتضيف هذه المصادر ان ما حصل من أعمال شغب وتحطيم في الوسط التجاري لا يمكن أن يُبقي أي مؤسسة أمنية على الحياد لأن ما يجري تحطيمه هو رزق اللبنانيين وممتلكاتهم، وان بقاء أي مؤسسة أمنية في هذه الحال على مسافة واحدة من مثيري الشغب أمر لا يجوز خصوصاً عندما تعجز هذه القوى الامنية عن الامساك بالشارع ووضع حد لما يجري فيه من اعتداءات وممارسات. وتعيد المصادر التساؤل عن مصير غرفة العمليات المشتركة التي أنشأت مع بداية <الثورة> للمحافظة على الاستقرار ومنع الفوضى وأعمال الشغب، لاسيما وان مهمتها التنسيق بين القوى الأمنية الموجودة على الأرض ومنع حصول أي خلل في أثناء عمليات حفظ الأمن وإعادة الهدوء والاستقرار الى الوسط التجاري في العاصمة. وترفض المصادر نفسها تحميل قائد الجيش العماد جوزف عون أي مسؤولية عما يقع من خلل في التعاطي مع التطورات الأمنية في البلاد، معتبرة ان حضور الجيش من الشمال الى الجنوب وفي البقاع والجبل وبيروت يعزز الثقة عند المواطنين لاسيما وان القوى العسكرية لم تتقاعس في المحافظات اللبنانية كلها وإن كان تدخلها يأتي متأخراً في بعض الأحيان.

وترى المصادر ان التنسيق بين الأجهزة الأمنية كفيل باستباق الكثير من المواجهات التي تحصل لاسيما وان أجهزة المخابرات والمعلومات منتشرة في كل لبنان وقادرة على معرفة أي تحرك في اتجاه الإساءة الى الاستقرار وقيام أعمال شغب قبل أن يحصل وبالتالي يمكن الحؤول دون حصوله... ويبقى التعاون والتنسيق بين الأجهزة الأساس في نجاح حفظ الأمن والاستقرار.