هناك أوجه تشابه بين معركة القلمون وحرب تموز (يوليو) ٢٠٠٦. ليس لأن حزب الله طرف في الجهة المنتصرة فحسب بل لأن تعريف النصر لا يأخذ في عين الاعتبار الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها الدولة السورية أو الشعب السوري تماماً كما حصل في لبنان منذ ثماني سنوات. لو كان البعد الاقتصادي موجوداً عند أي من الأطراف المتقاتلة لكانت الحرب في سوريا قد انتهت منذ زمن. ألم يكن البعد الاقتصادي السبب الأول في تراجع الولايات المتحدة عن قرار التدخل في سوريا في أيلول (سبتمبر) الماضي؟ من يحصي الخسائر في <يبرود> وغيرها من البلدات السورية؟ أو بالأحرى من سيقوم بإعادة الإعمار؟ حزب الله الذي لم يعد يحظى بالموازنات نفسها التي كان يحظى بها منذ سنوات ؟ إيران التي أمامها تحديات إنفاق داخلية جمة؟ روسيا التي تعيش فترة كساد اقتصادي إلى جانب أزمتها الجديدة في اوكرانيا؟ الجواب معروف: غطاء إعادة الإعمار في سوريا لا بد من أن يكون خليجياً. مهما تكبر المنتصرون وكفّروا من أرادوا من دول الخليج. هم لا يملكون القدرة الاقتصادية حتى على إعادة النازحين. وعودة هؤلاء ليست مربوطة فقط بوقف المعارك على الأرض أو بتسوية سياسية مع النظام بل بخطة إنسانية واجتماعية واقتصادية تؤمن رجوعهم. الانتصار الحقيقي هو في تأمين العيش الكريم والآمن لملايين السوريين. لا النظام يملك ذلك ولا حزب الله.
في كل قارة أو منطقة جغرافية من العالم هناك قوة اقتصادية مهيمنة لا يمكن استثناؤها من المعادلات والتسويات السياسية. في آسيا تتمتع الصين، القوة الاقتصادية الثانية في العالم بناتج محلي يناهز ٩ آلاف مليار دولار، بالحضور السياسي الأول وتنافسها اليابان بناتج محلي تجاوز ٦ آلاف مليار دولار عام ٢٠١٣. الموضوع نفسه ينطبق في أوروبا على ألمانيا بناتج محلي وصل إلى 3,5 آلاف مليار دولار وفي دول القوقاز وبعض أوروبا الشرقية وعلى روسيا ذات الناتج المحلي الذي يتجاوز ألفي مليار دولار. في الشرق الأوسط، هناك لاعب اقتصادي ينمو بحوالى ٥ بالمئة سنوياً ويتمتع بأكبر فائض مالي في العالم يقدر بأكثر من ٤ آلاف مليار دولار هو مجلس التعاون الخليجي. مجموع ناتج هذه الدول تخطى في ٢٠١٣ ١٦٠٠ مليار دولار (أي مجموع ناتج تركيا وإيران وإسرائيل مجتمعة) وهو في طريقه الى عبور حاجز الألفي مليار دولار قبل حلول عام ٢٠٢٠. ترجمة هذه الأرقام سياسياً تعني أنه من المستحيل تجاوز مجلس التعاون في
أي تسوية سياسية في المنطقة مهما هلل المنتصرون في معارك هنا أو هناك. أما الذين يراهنون على الاختلافات المستجدة مع قطر، فهم لا يعرفون أن النضج السياسي والاقتصادي والمالي في كل دول مجلس التعاون وصل إلى مرحلة تلزم الدول الست بحماية وحدة المجلس لأنه جزء لا يتجزأ من سيادة وكيان كل دولة عضو فيه.
الحرب في سوريا ما زالت طويلة. أولا ًلأنها أصبحت عدة حروب والجميع له مصالح فيها وثانياً لأن الحل لم ينضج بعد في ظل عدم وجود توافق دولي حوله وعدم تطور البديل السياسي للنظام الحالي. وثالثاً لأن التسوية مع إيران لم تستوِ كما يجب. ولكن حتى لو توفر كل ذلك يبقى القرار الاقتصادي سيد التسويات لأنه الضمانة الوحيدة للاستقرار. هذا القرار هو اليوم في الرياض.