تفاصيل الخبر

”التسوية السياسية“ صامدة... لكنها تحتاج الى ”انعاش“ لأن السعي الى بديل عنها... قفزة في المجهول!

13/06/2019
”التسوية السياسية“ صامدة... لكنها تحتاج الى ”انعاش“  لأن السعي الى بديل عنها... قفزة في المجهول!

”التسوية السياسية“ صامدة... لكنها تحتاج الى ”انعاش“ لأن السعي الى بديل عنها... قفزة في المجهول!

لم يشأ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التعليق مباشرة على ما كان يتردد طوال الأسبوعين الماضيين عن ان <التسوية السياسية> التي نقلته من الرابية الى قصر بعبدا <انهارت> بفعل الحملات المباشرة بين <التيار الوطني الحر> ورئيسه الوزير جبران باسيل من جهة، وتيار <المستقبل> ووزرائه ونوابه الحاليين والسابقين من جهة أخرى. كذلك لم يدخل الرئيس سعد الحريري مباشرة في أي جدال لكنه لم يبادر الى منع القياديين في <المستقبل> من الهجوم على الوزير باسيل وتياره. وكلما كانت <نار> المواجهات بين الطرفين تستعر تصريحات وتغريدات وتحليلات اعلامية ومقدمات نشرات الأخبار المتلفزة، كان الرئيس عون يتجاهل ما يجري ويمنع على فريقه الاعلامي القريب الدخول في أي <مهاترات> لا تقدم ولا تؤخر، الأمر الذي أبقى الباب مفتوحاً أمام المعالجات <الهادئة> التي مهد لها رئيس الجمهورية وتجاوب معها الرئيس الحريري على رغم ما تركته <سهام التجريح> من ندوب على أكثر من صعيد.

ومع انقضاء عطلة عيد الفطر المبارك تراجعت حدة المواجهة وأفسح في المجال أمام لغة العقل بعدما سادت <عصفورية> في أكثر من مكان، على حد تعبير أطراف المواجهة أنفسهم. وبكلمة واحدة قال الرئيس عون من ان <التسوية صامدة> ولا خطر بانهيارها، أدرك الجميع، بما في ذلك فريقه السياسي الذي يتزعمه الوزير باسيل الذي كانت مواقفه وتعليقاته وتغريداته كافية لـ<نعي> التسوية في نظر الكثير من السياسيين الذين تابعوا بشغف ما كان يدور <على سطوح بيروت> من <معارك> كلامية كانت لها آثارها العميقة والسلبية على الحياة السياسية اللبنانية، أن التسوية حية ترزق. ولعل <الحكمة> التي أدار بها الرئيس الحريري <الحرب> على <التسوية السياسية> ساهمت في ابقائها حية ترزق ولم يتم <دفنها> كما رغب كثيرون لاعتبارات مختلفة... من دون أن يعني ذلك ان رئيس <التيار الأزرق> سوف <يسلّم> بكل ما قيل خلال <الحرب> ويرتضي بعد اليوم أن <يطنّش> على ما يعتبره تجاوزات ومبالغات و<حفلات احراج للاخراج>!

ركائز استراتيجية لـ<التسوية>

 

وترى مصادر سياسية متابعة ان بقاء رئيس الجمهورية خارج السجالات والتجاذبات التي حصلت، وامتناع الرئيس الحريري عن الدخول مباشرة فيها، يؤكدان على ان مفاعيل <التسوية> مستمرة، ولن يكون من السهل النيل منها لأسباب عدة أبرزها، وفق المصادر نفسها، انها بنيت على ركائز استراتيجية، في حين ان الحملات السياسية التي ألهبت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، كانت من قبيل <التكتكة> ولم تلامس المسائل الاستراتيجية التي تبقى الأساس في صيانة هذه التسوية التي أصيبت بخدوش، لكنها لم تسقط لأنه لو حصل هذا السقوط، فإن البلاد سوف تكون في مقلب آخر. وتورد المصادر نفسها أن ما يؤكد على <صلابة> التسوية وعدم انتهاء فترة صلاحيتها، انه في عزّ الصدام الكلامي شبه اليومي، استمر تأكيد الأطراف المعنيين بالتسوية على الركائز الاستراتيجية الأساسية ومنها على سبيل المثال لا الحصر، وحدة الموقف اللبناني من مسألة ترسيم الحدود البرية والبحرية في الجنوب والخروج بصيغة واحدة حملها الموفد الأميركي السفير <دايفيد ساترفيلد> وتنقّل بها بين بيروت وتل أبيب. وكذلك إقرار مشروع موازنة العام 2019 على رغم <العلل> الكثيرة التي فيه والتي سيتولى مجلس النواب معالجتها خلال درسه لمشروع الموازنة. فضلاً عن وحدة الموقف في الدفاع عن حقوق لبنان في استثمار ثروته النفطية والغازية، وكذلك في إحياء صيغة <النأي بالنفس> عن الصراعات الخارجية والخلافات بين الدول العربية، وهو ما تأكد من جديد خلال قمة مكة الأسبوع الماضي حيث عكس الرئيس الحريري موقفاً رسمياً واحداً حيال المواضيع التي طرحت في القمة والتي لم نجد سوى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ليعترض عليها لاعتبارات تتصل بالعلاقات الايجابية القائمة بين الحزب وإيران، في مقابل العلاقات السلبية مع السعودية. وإذا كان <النأي بالنفس> عن الخلافات

العربية أبرز وحدة الموقف اللبناني، فإن من المرتكزات الاستراتيجية لـ<التسوية السياسية> عدم تطبيق هذه القاعدة على كل ما يتهدد لبنان بأمنه واقتصاده ووجوده.

 

<مظلة دولية> تحمي

 

والى الأسباب الاستراتيجية الداخلية التي تحمي <التسوية>، ثمة من يرى ان التوافق بين اللبنانيين من العوامل المهمة في حماية <التسوية>، لكن في المقابل من الخطأ تجاهل وجود <مظلة دولية> تدعم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، وتمددت هذه المظلة الى الاستقرار الاقتصادي من خلال المتابعة الدولية لوضع توصيات مؤتمر <سيدر> موضع التنفيذ، والشروع فور إقرار الموازنة في مجلس النواب الى ترجمة هذه التوصيات، خصوصاً ان كل الرسائل الخارجية التي تصل الى بيروت تشدد على ان <العين الدولية> ساهرة على لبنان ولن تسمح بأن يسقط من جديد بعدما استطاع الصمود وتجاوز ما دار حوله من حروب تركت تداعيات قاسية على اقتصاده وأمنه وشعبه على حد سواء. وتبرز أهمية المظلة الدولية من خلال <النصائح> التي تصل الى بيروت من دول القرار ومن أصدقاء لبنان، فضلاً عن ان أي مغامرة تستهدف الاستقرار السياسي الداخلي سيكون ثمنها غالياً على جميع الأطراف سواء كانوا من أحزاب المعارضة أو أحزاب الموالاة على حد سواء.

وفي هذا السياق، يجزم الرئيس عون على ان لا خطر على التسوية السياسية بكل مفاعيلها والأيام المقبلة ستظهر صوابية عدم الانجرار الرئاسي في <حفلات الهجاء> الشبيهة بحفلات الزجل التي ما أن تنتهي المواجهة بين الشعراء أمام الناس، حتى يتواعدون على لقاء آخر يتناكفان فيه بالأغنية والصوت واللحن، لكنهم في الواقع يجسدون حقيقة قائمة حول التباعد الحاصل في ما بينهم، وما يمكن أن تسببه الخلافات من ضرر محدق بلبنان. من هنا بدا أن كلام الوزير باسيل وردود الفعل عليه، وكذلك بعض الممارسات الميدانية <نجحت> كلها في خلق مناخات متشنجة وتوفير مواد تستهلك في <الحرب> الكلامية، لكنها لم تنجح في الوصول بعيداً على نحو يسيء الى لبنان واقتصاده وأمنه، لأن مناخ التأزم الذي ساد لم يحطم ما يجمع بين تيار <المستقبل> و<التيار الوطني الحر> من مصالح مشتركة يفترض أن يدافع عنها كل طرف، لأن خسارة أحدهما هي خسارة حتمية للآخر.

من يتحمل كلفة السقوط؟

في المقابل، يرى الرئيس الحريري ان سقوط <التسوية> لأي سبب كان يعني سقوطاً لخياراته الوطنية ولكل ما خطط له لإعادة النهوض بالبلاد، فضلاً عن ان لا حكم المحكمة العسكرية بتبرئة المقدم سوزان الحاج، ولا كلام الوزير باسيل عن <السنية السياسية التي قامت على جثة المارونية السياسية>، ولا محاولات التفرد في ممارسة العمل الحكومي ومفاعيله... <تستحق> مجتمعة أو منفردة بأن تخاض <الحروب> من أجلها، لاسيما وأن مثل هذه الحروب، سوف تعيد البلاد الى المربع الأول وكلفة هذه العودة كبيرة وليس هناك من الأطراف السياسيين من لديه القدرة على أن يتحملها إذا أدين سياسياً بأنه ساهم بشكل أو بآخر بإعادة عقارب الساعة الى الوراء. وما يراه الرئيس الحريري من ضرورة لضبط ايقاع المناوشات السياسية كي لا تلامس الخطوط الحمر التي تحمي التسوية، يراه أيضاً الرئيس عون الذي قال أمام مجموعة من الزوار خلال عطلة عيد الفطر: <كل اللي عم يصير... ما بيحرز وبكرا بتروق الخواطر وبترجع الأمور على ما كانت عليه من صفاء>.

وعلى قاعدة <رب ضارة نافعة>، فإن من يرى ان ردود الفعل التي صدرت من هذا الفريق وذاك خلال التجاذبات التي بلغت حداً غير مسبوق، جعلت جميع المعنيين بالمواجهة <يتهيبون> الموقف ويعيدون النظر في حساباتهم، وبالتالي في مواقفهم، لاسيما مع تمرير رسائل متعددة الاتجاهات، تارة من عند الرئيس الحريري صوب الوزير باسيل بضرورة إعادة النظر بسلوكه السياسي <الذي لم يعد مقبولاً> كما كانت الحال مع الحكومة السابقة، وتارة أخرى من عند الوزير باسيل في اتجاه الرئيس الحريري لدفعه الى ان يكون أكثر صلابة في التعاطي مع بعض فريقه السياسي لاسيما لجهة <لجم> تطرف البعض و<استقواء البعض الآخر> بحصرية التمثيل السني في البلاد، إلا ان الثابت ان المعنيين بالتجاذبات باتوا على قناعة ان <التسوية> بحاجة الى انعاش، وهذا ما سيحصل خلال الأيام القليلة المقبلة بعد جلسات <عتاب> و<غسل قلوب> متوقعة في أكثر من مكان، لئلا يؤدي استمرار اطلاق النار على <التسوية> الى نتائج سلبية خصوصاً ان امكانية توليد تسوية جديدة ليست مضمونة في ظل المتغيرات السياسية الراهنة داخلياً، ومسار التحالفات الخارجية التي قد لا تلتقي على دعم <النيو تسوية> كما حصل قبل ثلاثة أعوام وأدى الى ولادة التسوية الحالية التي تبقى، في رأي كثيرين، على رغم هشاشتها، أفضل من أي بديل غير متوافر وربما غير مضمون النتائج. ولسان حال أركان التسوية الحالية <عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة>!