القرار الذي اتخذه وزير الدفاع سمير مقبل بتمديد تأجيل تسريح مدير المخابرات في الجيش العميد الركن إدمون فاضل حتى 20 أيلول/ سبتمبر المقبل لا يعني فقط ان الشغور لا يجوز أن يتسلل الى مديرية المخابرات كما تسلل الى المفتشية العامة والمديرية العامة للإدارة والعضو المتفرغ في المجلس العسكري، بل كذلك ان الحكومة قررت عدم الاستجابة للطلبات المتكررة لرئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بوقف <مهزلة> التمديد للقادة الأمنيين والشروع بتعيين بدلاء عن الذين تنتهي سنوات خدمتهم أو يبلغون سن التقاعد.
ورغم ان الوزير مقبل يحرص في كل مرة يُسأل فيها عن موقف العماد عون على القول <الجنرال بيمون>، فإن الثابت لدى <الجنرال> ان لا رغبة لدى وزير الدفاع بوقف توقيع قرارات تأجيل التسريح، وان ما حصل مع الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع ومدير المخابرات هو خير دليل على وجود هذه الرغبة التي ستتكرر مع رئيس الأركان اللواء وليد سلمان بعد أشهر، ومع قائد الجيش العماد جان قهوجي في أيلول/ سبتمبر المقبل، إذا لم ينتخب الرئيس العتيد للجمهورية. وبالتزامن مع ذلك، فإن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق سيستند الى دراسة قانونية وضعها أحد الوزراء السابقين ليصدر بدوره قراراً يؤخر بموجبه تسريح المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص...
عون يواجه ... بالمشاورات!
وبصرف النظر عن التبريرات التي يوردها الوزير مقبل - وسيوردها لاحقاً الوزير المشنوق - حول الأسباب <الواقعية> التي أملت تأجيل التسريح، وأبرزها تعذر الاتفاق على تعيين قائد جديد للجيش ورئيس جديد للأركان ومدير عام جديد لقوى الأمن الداخلي، بسبب الخلافات السياسية داخل الحكومة، فإن ثمة من يعتبر أن هذا الملف سيحمل المزيد من الخلافات داخل الحكومة ومجلس النواب، لاسيما بعد الحملة التي قرر العماد عون خوضها مباشرة ضد قرارات تأخير التسريح والتي بدأها بإصدار مواقف علنية ضد تأجيل التسريح، واستكملها في الزيارات التي قام بها الرئيس سعد الحريري خلال وجوده في بيروت، ثم الرئيس بري وصولاً الى النائب وليد جنبلاط. ويقول متابعون لمسار تحرك العماد عون ان <المواجهة> بينه وبين الفريق الحكومي الداعم للتمديد للعسكريين لن تهدأ في المدى المنظور، وهي على تصاعد تدريجي لاسيما وان عون يعتبر ان الحكومة التي استطاعت تعيين رئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف قادرة على تعيين قادة المؤسسات الأمنية وما يتفرع عنها، في طليعة هذه المؤسسات الجيش الذي يُدار الآن - حسب عون - بصورة غير شرعية وقانونية، لأن المجلس العسكري يعمل بواسطة ثلاثة أعضاء مؤجل تسريحهم هم: قائد الجيش ورئيس الأركان والأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى، علماً أن مؤسسة الجيش زاخرة بالعمداء الأكفاء لخلافة العماد قهوجي واللواء سلمان واللواء خير، تماماً كما هو الحال بالنسبة الى ضباط قوى الأمن الداخلي من مختلف الطوائف لأن الشغور لن يقتصر على موقع المدير العام لقوى الأمن الداخلي، بل يشمل أيضاً قادة الوحدات في قوى الأمن وفي مقدمها قيادة الدرك والشرطة القضائية وشرطة بيروت إلخ...
وبدا واضحاً من خلال جولات العماد عون ان موضوع القادة الأمنيين كان من الأطباق الرئيسية التي تناولها مع الرئيس الحريري بهدف الاتفاق على تعيينات جديدة لهؤلاء القادة، وهو لم يلمس معارضة حريرية بل رغبة من الرئيس الحريري بأن يتشاور عون في الموضوع مع الرئيس بري، وقد حصل ذلك بالفعل حيث سمع عون كلاماً لا يمانع في اللجوء الى التعيين شرط التوافق المسبق عليه، لئلا يشغر أي موقع قيادي في ظل الظروف الراهنة الحساسة حيث لا مجال للترف و<الدلع>. وتلقى عون <نصيحة> من بري بالتواصل مع النائب جنبــــلاط، لاســـــيما وان التوافق يشمل تعيين خلف لرئيس الأركان الذي ينتمي الى الطائفـــــة الدرزية. وقد سمع عون في هــــذا السياق كلامــــاً غير اعتراضي من جنبلاط، لكنه ربط التغيير بالتــــــوافق تفـــــادياً لحصول أي فراغ أيضاً، وهو موقف يقترب جداً من موقف الرئيس بري.
روكز وغيره على لائحة الانتظار
وفيما يحرص عون على عدم <شخصنة> مطلبه بتعيين قائد جديد للجيش وما يقال عن انه ينطلق من موقفه بهدف تعيين صهره العميد شامل روكز قائداً للجيش خلفاً لقهوجي، يتحدث خصومه عن ان الدافع الحقيقي لتحركه هو ضمان وصول العميد روكز الى قيادة الجيش قبل أن يبلغ سن التقاعد في أوائل شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، وهو ما ينفيه عون قائلاً ان اسم صهره يطرح نفسه لقيادة الجيش نظراً لكفاءاته وخبرته وعلاقاته الجيدة داخل المؤسسة العسكرية، إضافة الى أسماء ضباط آخرين مثل مدير العمليات العميد مارون حتي والملحق العسكري في واشنطن العميد جورج نادر وغيرهم من العمداء الموارنة.
وترفض مصادر الرابية التعليق على ما تردد بقوة الأسبوع الماضي من ان عون يسعى الى <صفقة> مع تيار <المستقبل> وجنبلاط تقوم على تعيين مثلث الأضلاع يشمل العميد روكز في قيادة الجيش وضابط درزي يختاره جنبلاط في رئاسة الأركان، ورئيس فرع المعلومات العميد عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي، وأحد العمداء مديراً للمخابرات، على أن يصار الى الاتفاق مع الرئيس بري على تعيين المدير العام للإدارة في وزارة الدفاع (وهو شيعي) ومع الوزير مقبل والمطران الياس عودة على تعيين المفتش العام في الجيش (وهو أرثوذكسي) ومع الوزير ميشال فرعون والمجلس الأعلى للروم الكاثوليك على تعيين العضو المتفرغ في المجلس العسكري (وهو كاثوليكي). وتقول مصادر الرابية انها لا تملك معلومات حول هذه التسوية من دون ان تنفيها أو تؤكدها. إلا ان ما تجزم به المصادر نفسها هو ان العماد عون أبلغ الذين زارهم في جولاته الأخيرة ان الحكومة الحالية التي تضم معظم الأطراف الداخلية قادرة ورغم غياب رئيس الجمهورية على تعيين قائد للجيش ومدير عام لقوى الأمن ورئيس الأركان، إضافة الى ان عون لا يرى صوابية في القول بعدم تعيين قائد للجيش في ظل غياب الرئيس حتى لا يكون القائد مفروضاً على الرئيس المقبل الذي يفترض أن تكون له الكلمة الفصل في اختيار قائد الجيش. ويستذكر عون هنا ان رؤساء ما بعد اتفاق الطائف لم يختاروا قادة الجيش الذين تعاقبوا، ذلك أن الرئيس الهراوي لم يكن يرغب بالعماد (الرئيس في ما بعد) إميل لحود قائداً للجيش، ولا الرئيس لحود كان يريد العماد (الرئيس في ما بعد) ميشال سليمان قائداً للجيش. وإذا كانت <الوصاية السورية> تقرر اسم القائد العتيد، إلا أنه بعد زوال هذه <الوصاية> لم يكن الرئيس سليمان <حراً> في اختيار العماد جان قهوجي قائداً للجيش، بل أتى تعيينه نتيجة توافق بين مختلف الأطراف الذين تأخروا في الموافقة، بدليل ان اللواء شوقي المصري الذي كان رئيساً للأركان شغل منصب قائد الجيش بالنيابة أكثر من ثلاثة أشهر بعد انتخاب العماد سليمان رئيساً.
وإذ يشير عون الى انه سيسعى الى منع تمديد تأجيل تسريح الضباط القادة <بكل حزم>، يقول بعض المتابعين ان <الجنرال> سيجد نفسه وحيداً في مقاومة هذه الخطوة في حال استمر الخلاف حول البدلاء للقادة الأمنيين، علماً ان الاتفاق ليس سهلاً في أي حال، ذلك ان <لسان حال> الرئيس بري ومعه النائب سليمان فرنجية هو عدم ممانعة تعيين قادة أمنيين، لكن في حال تعذر ذلك، فإن التمديد للعماد قهوجي ورئيس الأركان يصبح حتمياً ضماناً للاستقرار. أما حزب الله فهو يؤثر البقاء خارج النقاش الدائر حول ملف القادة العسكريين، وهذا يعني أن الموقف داخل قوى 8 آذار ليس واحداً، في حين تبدي قوى 14 آذار تضامناً في القول انه عندما يطرح هذا الموضوع على بساط البحث، سيتم اتخاذ الموقف المناسب حياله، علماً ان تمديد تأجيل تسريح مدير المخابرات الأسبوع الماضي لم يلقَ أي اعتراض من قوى 14 آذار، فيما غضّ أركان 8 آذار الطرف عنه، باستثناء العماد عون طبعاً!
رفع سن التقاعد للضباط هو البديل؟!
الى أين سيصل العماد عون في مواجهته؟
عن هذا السؤال تجيب مصادر عليمة بأن <الجنرال> يدرس كل الخيارات ويعتمد <الخطط البديلة> ككل عسكري في ميدان القتال. ومن هذه الخطط الدفع في اتجاه إقرار قانون رفع سن التقاعد للضباط الذين لا يزالون في الخدمة الفعلية، أي ان هذا الاقتراح لا يشمل الذين مُدّد تأجيل تسريحهم، كما لا يشمل استطراداً قادة المؤسسات الأمنية، في حين ان المشروع الذي قدمه وزير الدفاع لا يستثني أحداً، أي انه سيشمل قائد الجيش ورئيس الأركان والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع وغيرهم من الضباط الذين ستزاد الى سنوات خدمتهم 3 سنوات إضافية، بحيث يتقاعد العميد في سن 61 (بدلاً من 58) واللواء في سن 62 (بدلاً من 59) والعماد في سن 63 (بدلاً من 60)، غير ان المصادر العليمة تستبعد ان يتمسك عون برفضه الصيغة المقترحة لاسيما وانها تضمن بقاء العميد روكز في الخدمة مع بقائه أيضاً في قيادة فوج المغاوير.
إلا ان المعلومات المتوافرة لـ<الأفكار> تشير الى ان رفع سن التقاعد للعسكريين لا يلاقي ترحيباً واسعاً من الأطراف السياسيين، ومن قيادة الجيش نفسها. فقد نُقل عن النائب وليد جنبلاط قوله ان رفع سن التقاعد لا يجوز أن يحصل إلا في سياق إعادة النظر في الهيكلية التنظيمية للمؤسسات العسكرية، لئلا تغرق بفائض من كبار الضباط، خصوصاً ممن يحملون رتبة عميد، فتضطر هذه المؤسسات الى وضعهم بالتصرف أو إسناد وظائف غير أساسية لهم، فضلاً عن انه سبق لمجلس النواب السنة الماضية ان أقرّ قانوناً وفّر حوافز كثيرة للعمداء والعقداء للاستقالة من الجيش لتحرير الملاك العسكري من الأعداد الكبيرة للعمداء، إلا ان النتيجة كانت على عكس ما أرادته القيادة إذ لم يستقل عمداء كثيرون، بل كان العدد الأكبر في صفوف العقداء. وبالتالي، فإن رفع سن التقاعد سيضيف عمداء على العمداء الموجودين حالياً وقد يناهز عددهم الإجمالي الـ 600 أو 700 عميد!
وفيما تؤكد مصادر حكومية <استحالة> مرور مشروع قانون رفع سن التقاعد للضباط في مجلس الوزراء بسبب التباين في المواقف بين الوزراء، تقول مصادر مطلعة ان <المخرج> الذي يُدرس حالياً يقوم على ان يتقدم عدد من النواب باقتراح قانون (هو نفسه مشروع القانون الذي أعدّه الوزير مقبل) الى مجلس النواب، بحيث يدرس مباشرة ومن دون اعتراض الحكومة. وفي هذا السياق، اندرجت الزيارة التي قام بها الوزير مقبل الى عين التينة حيث عرض على الرئيس بري ان يتبنى عدد من النواب الصيغة المطروحة تفادياً لإحراج الحكومة، مع تعهد بألا تعترض الحكومة خلال المناقشة.
وتشير المعلومات الى ان الرئيس بري يدرس مثل هذا التوجه <بعناية>، لكنه لن يقدم على أي خطوة فعلية قبل تأمين الضمانات اللازمة التي تؤدي الى إقرار القانون المقترح.
في غضون ذلك، تسعى مراجع سياسية الى عرقلة السير بمشروع قانون رفع سن التقــــــاعد للضبــــاط في الأســــــلاك العسكريـــــة بالتوازي مع رفضهـــــا لتعيين قيادات عسكرية بحجة ان رئيس الجمهورية هـــــــو القــــــائد الأعلى للقوات المسلحة ولا يجوز بالتالي تعيين قــــادة أمنيين قبل انتخابه لأن كلمته أساسية في هذه المسألة.