تفاصيل الخبر

التمديد لـ"اليونيفيل" في الجنوب مرّ بسلام لكن تنفيذ مهامها بات تحت المجهر!

02/09/2020
التمديد لـ"اليونيفيل" في الجنوب مرّ بسلام  لكن تنفيذ مهامها بات تحت المجهر!

التمديد لـ"اليونيفيل" في الجنوب مرّ بسلام لكن تنفيذ مهامها بات تحت المجهر!

[caption id="attachment_80735" align="alignleft" width="458"] قوات "اليونفيل" العاملة في جنوب لبنان[/caption]

 حقق لبنان نصف انجاز في تجديد مجلس الامن الدولي للقوات الدولية العاملة في الجنوب "اليونيفيل" الاسبوع الماضي، لفترة تمتد سنة ابتداء من 31 آب (اغسطس) الماضي، فاتى التمديد، كما أراد، لسنة كاملة (وليس ستة اشهر كما كانت تسعى الولايات المتحدة الاميركية)، لكن عدد افراد "اليونيفيل" انخفض ورقياً من 15 الف عسكري الى 13 الف علماً ان القوة الفعلية الموجودة في الجنوب لا تتجاوز العشرة الاف و 500 رجل بعد الانسحابات المتتالية التي سجلت خلال الاعوام الماضية، خصوصاً في العامين 2018 و 2019. لكن لبنان الذي اراد الا تمس مهمات القوة الدولية ولا يحدث فيها اي تعديل، لم يستجب مجلس الامن لرغبته، بل طلب القرار من بيروت تسهيل اصول القوات الدولية الى الانفاق التي تعبر "الخط الازرق" الذي يفصل بين الحدود اللبنانية الجنوبية والحدود في الارض المحتلــــة، وذلك بعدما "ماطل" لبنان في التحقيق في مسألة الانفاق التي اكتشفت العام الماضي والتي تبدأ في اراض لبنانية وتنتهي في اراض محتلة، وقد بلغ عددها ثلاثة انفاق، وثمة من يتحدث عن نفق رابع لم يكتشف بعد.

لقد دعا الامين العام للامم المتحدة "انطونيو غوتيريش" الى ان تكون القوة "اكثر مرونة واكثر قدرة على الحركة". ولفت الى ان ناقلات الجنود المدرعة ليست مناسبة للمناطق المزدحمة والممرات الضيقة والتضاريس الجبلية. نحن في حاجة الى مركبات اصغر مثل المركبات التكتيكية الخفيفة ذات القدرة الحركية العالية. كما دعا الى منح "اليونيفيل" قدرات مراقبة محسنة، من خلال استبدال مهمات المشاة الثقيلة التي تستخدم في النشاطات اليومية، بمهمات استطلاع.

كان واضحاً من الاساس ان التمديد لــ "اليونيفيل" هذه السنة لن يمر مرور الكرام ذلك ان "نغمة" اعادة النظر بعديدها ومهامها، اطلقتها الولايات المتحدة الاميركية منذ اكثر من عامين، وفي كل مرة كانت الاتصالات الفرنسية تنتهي الى اقناع الاميركيين بابقاء الوضع على حاله على امل "اصلاح" المشكو منه في السنة التالية. لكن ذلك لم يحصل منذ العامين 2018 و 2019، ما جعل واشنطن "تضغط" هذه السنة في اتجاه تعديل المهام وخفض العديد مستفيدة وذلك استكمالاً للحملة الاميركية ضد حزب الله بعد توسيع اطار العقوبات على مسؤولين وافراد منه، اضافة الى وقوع حوادث على الحدود افتعلتها اسرائيل منذ شهر تقريباً لاحداث اجواء ضاغطة على الدول الاعضاء في مجلس الامن من اجل التجاوب مع رغباتها في احداث تغيير في "اليونيفيل" يصب في الاتجاهات التي تريدها واشنطن.

"ماكرون" تدخل مع "ترامب"!

 هذا المنـاخ لم يكن غريباً عن المسؤولين اللبنانيين الذين عاشوا هاجس المساس بواقع "اليونيفيل" في كل مرة كان يزور مسؤول دولي بيروت، او يجول منسق الامين العام للامم المتحدة في لبنان "يان كوبيتش" او قائد القوات الدولية الجنرال "استيفان دل كول" على المسؤولين اللبنانيين الى التحرك في اكثر من اتجاه للحؤول دون اي تغيير يمكن ان يؤثر على الاستقرار على الحدود. الا ان مسألة الانفاق شكلت نقطة ضعف في الحجج التي كان يطلقها الجانب اللبناني لأن بيروت لم تتخذ اي اجراء عملي في ما خص هذه الأنفاق ولم تدع القوات الدولية الاشتراك في التحقيق الذي قام به الجيش من دون الاعلان عن النتائج. وفي كل مرة كان يطرح فيها اي موفد دولي هذه المسألة يسمع من اللبنانيين كلاماً عاماً كان من الصعب على الطرف السائل "تصديقه" او "الاقتناع " به الامر الذي ابقى هذا الملف معلقاً ومصدر قلق لدى اعضاء مجلس الامن الذين دعوا في اكثر من مناسبة الى مقاربته بجدية نظراً لخطورته وتأثيره السلبي على الوضع في الجنوب خصوصاً وفي المنطقة عموماً.

 لقد بلغ الأمر بواشنطن ان تصوت في مجلس الامن ضد التجديد للقوات الدولية ما يعني سقوط القرار نتيجة "الفيتو" ما لم يكن دور اليونيفيل مختلفاً عن ادوارها السابقة وان تكون فعالة في امرين: تفتيش المنازل في منطقة انتشارها عند الضرورة، وتمكينها من الدخول الى البلدات والقرى في دوريات روتينية من دون مواكبة الجيش اللبناني. ووصل الامر الى حد فرض صيغة للتمديد مختلفة عن الصيغة الفرنسية "التقليدية". الا ان الصين وروسيا هددتا باستعمال حق النقض (الفيتو) لتجميد مشروع القرار الاميركي، فآثرت واشنطن التجاوب مع التوجه الفرنسي بعد ادخال التعديلات التي اقرهـــا مجلس الامن على القــــرار. وتردد ان سبب "الليونة" الاميركية، التدخل المباشر الذي قام به الرئيس الفرنسي"ايمانويل ماكرون" مع الرئيس الاميركي "دونالد ترامب" خلال احد الاتصالات التي تتم دورياً بين الرجلين والتي تكثفت في الآونة الاخيرة، الا ان ثمة من يعتبر ان واشنطن "فرملت" اندفاعتها نحو التشدد في المطالبة بتغيير القرار وبالتالي تعديل المهام، نتيجة مؤشرات عدة التقت مع بعضها البعض وجعلت "المرونة" تحط في الموقف الاميركي ومنها:

  • ضرورة عبور المرحلة التي تتوسع فيها اسرائيل بعمليات التطبيع القائمة بينها وبين بعض الدول العربية الخليجية والافريقية في هدوء بعدما انطلقت بنسختها الجديدة من الاتفاقية مع دولة الامارات العربية المتحدة، ومشروع الاتفاقية الثانية المرتقبة مع السودان وربما البحرين او عمان في المرحلتين الثالثة والرابعة.
  • عدم القدرة على محاسبة السلطة اللبنانية الحالية التي تعاني ما فيه الكفاية من الازمات الداخلية، والتي تحول دون القيام باي مبادرة بحجم تغيير الوضع في الجنوب. وتحديدا بعدما زادته "نكبة بيروت" من مآس، في مرحلة تحتاج خلالها السلطة الى كل انواع الاوكسيجين للخروج من غرفة العناية الفائقة ومنعاً من الانهيار الشامل.
  • لا يمكن لواشنطن وتل ابيب التلاعب بالمناطق الحساسة في العالم، فلكل منهما ظروفها. الاولى تستعد لدخول مدار الانتخابات الرئاسية، ويحتاج ساكن البيض الابيض الرئيس "ترامب" للبقاء فيه لولاية ثانية، الى مزيد من النجاحات في السياسة الخارجية، للتعويض عما يعانيه في الداخل وما فقده من فشل في مبادرته الاولى المتمثلة بــ "صفقة القرن" باللجوء الى الخطط البديلة الجاري تنفيذها بالتقسيط مع الدول التي كانت تستهدفها، وتأجيل الاستحقاقات الفلسطينية - الاسرائيلية الداخلية، التي كانت تهدد وجه اميركا في المنطقة، ولتنزع عنها صورة الوسيط النزيه في عملية السلام، بتأجيل مصادرة مزيد من الاراضي الفلسطينية التي تهدد وعدها بمشروع الدولة الفلسطينية بأقل مقوماتها.

في اي حال، سنة اضافية من عمر "اليونيفيل" في الجنوب فهل يتبدل الواقع وتعدل المهام مجدداً؟ سؤال تبقى الاجابة عنه رهن ممارسة الاطراف المعنيين المباشرين بالصراع جنوباً: حزب الله وإسرائيل!