تفاصيل الخبر

”التلاسيميا“ مرض وراثي يحدث نتيجة خلل في الجينات!

17/01/2019
”التلاسيميا“ مرض وراثي  يحدث نتيجة خلل في الجينات!

”التلاسيميا“ مرض وراثي يحدث نتيجة خلل في الجينات!

بقلم وردية بطرس

 

مرض <التلاسيميا> هو مرض وراثي ينتقل من الآباء الى الأبناء، ويعتبر من أمراض الدم بحيث يصبح الجسم غير قادر على انتاج <الهيموغلوبين> بشكل طبيعي يمكنه من القيام بوظيفته بالشكل الطبيعي مثل نقل <الأوكسجين> والمواد الغذائية الى الخلايا والتخلص من الفضلات وثاني أكسيد الكربون مما يؤثر سلباً على وظائف الأعضاء الأخرى. ويتكون <الهيموغلوبين> من أربع سلاسل بروتينية: اثنتان منها نوع <ألفا> واثنتان منها نوع <بيتا>، ويعتبر الفحص الطبي قبل الزواج ضرورة محتمة وصحية اذ يجنّب الثنائي والمجتمع أمراضاً وراثية بغنى عنها، فالزواج مسموح لمريض <التلاسيميا> شرط ان يكون شريكه غير حامل للمرض، فيأتي عندئذٍ الأولاد حاملين لنوع <التلاسيميا> الصغرى التي لا تذكر ولا تنذر بمشاكل مع الوقت، وينصح الاختصاصيون المريض بالرقابة الدائمة والمتابعة لصحته.

 وان <التلاسيميــــا> مـــرض وراثي يؤثر على كريات الدم الحمراء وينتشر في منطقـــة حــــوض البحــــر الأبــــيض المتوسط، وينتج هذا المرض عن خلل في الجينات ما يسبب فقر الدم المزمن، وهو مرض قد يسبب الوفاة عند المصابين إذ يؤثر في صنع الدم، فتكون مادة <الهيموغلوبين> في كريات الدم الحمراء غير قادرة على القيام بوظيفتها، ما يسبب فقر الدم الوراثي والمزمن الذي يصيب الأطفال في مراحل عمرهم المبكر نتيجة لتلقيهم مورثين معتلين أحدهما من الأب والآخر من الأم، ويتم تشخيصه عن طريق الفحص المخبري الخاص والمعروف بالترحيل الكهربائي. كما ان <التلاسيميا> هو من الأمراض المعروفة منذ القدم في هــــذه المنطقــــة، وقد تم اكتشاف هذا المرض على يد الطبيب <كولي> في العام 1925 عندمــــا تم تشخيص حــــالات لمــــــرضى يعانون من فقر دم شديــــد ومـــن مجموعـــــة عوارض لتشوهات العظام وموت المصاب في نهاية المطاف.

وينشأ مرض <التلاسيميا> عند حدوث أمر غير طبيعي او طفرة جينية أثناء انتاج <الهيموغلوبين> ويعود أصل هذا الخلل الجيني الى الوالدين، ففي حالة حمل أحد الوالدين للمرض يطور جسم الطفل شكلاً من أشكال هذا المرض ويُسمى <التلاسيميا الصغرى>، وقد يظهر بعض الأشخاص المصابين بـ<التلاسيميا الصغرى> عوارض صغيرة. أما في حالة حمل كلا الوالدين لمرض <التلاسيميا> فيكون الطفل معرضاً للاصابة بأشكال أخرى أكثر خطورة، ويعتبر مرض <التلاسيميا> بالنسبة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أكثر شيوعاً لدى الأشخاص في قارة آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا ودول البحر الأبيض المتوسط مثل تركيا واليونان.

 

أنواع <التلاسيميا>

ويقسم مرض <التلاسيميا> الى أنواع أهمها: <تلاسيميا ألفا> و<تلاسيميا بيتا> اعتماداً على موقع الخلل، ومن المعروف ان هنالك مئات عدة من الطفرات الوراثية المتسببة للمرض، وان التقاء المورثين المعتلين من نوع <بيتا> يؤدي الى ظهور المرض، بينما في حال وجود أربعة مورثات مسؤولة عن تصنيع سلسلة <ألفا> فان الحاجة تكون لوجود اعتلال في ثلاثة من هذه المورثات او اعتلال المورثات الأربعة كلها لظهور العوارض، كما وتوجد أنواع أخرى من <التلاسيميا> مثل نوع <دلتا>، وينتقل مرض <التلاسيميا> بالوراثة من الآباء الى الأبناء، فاذا كان أحد الوالدين حاملاً للمرض او مصاباً به، فمن الممكن ان ينتقل الى بعض الأبناء بصورته البسيطة اي يصبحون حاملين للمرض، اما اذا صدف وان كان كلا الوالدين يحملان المرض او مصابين به، فان هناك احتمالاً بنسبة 25 بالمئة ان يولد طفل مصاب بالمرض بصورته الشديدة.

وكنتيجة لهذا يُقسم الأشخاص المصابون الى قسمين: نوع يكون فيه الشخص حاملاً للمرض ولا تظهر عليه عوارضه او قد تظهر عليه عوارض فقر دم بشكل بسيط ويكون قادراً على نقل المرض لأبنائه، ونوع يكون فيه الشخص مصاباً بالمرض وتظهر عليه عوارض واضحة للمرض منذ الصغر. ويعتبر المرض ذا وراثة صبغية جسدية متنحية، ولذلك يولد المصاب بمرض <التلاسيميا> نتيجة الزواج بين اثنين كلاهما حاملان للمرض، وفي بعض الأحيان الحامل للمرض لا تظهر عليه اية عوارض ظاهرة ولكن يمكن تشخيصه بالتحاليل الطبية.

وتحتفل منظمة الصحة العالمية خلال شهر أيار (مايو) باليوم العالمي لمرض <التلاسيميا> الذي يعتبر من أمراض الدم الوراثية والتي تشكل خطراً على حياة المصاب، إذ فيه يحدث اضطراب في مكونات الدم حيث يصبح الجسم أقل انتاجاً لمادة <الهيموغلوبين> ويصاب الشخص بمشكلة فقر الدم. ومسؤولية <الهيموغلوبين> في الدم هي نقل الأوكسجين والعناصر الغذائية الى جميع خلايا الجسم، ثم حمل ثاني أكسيد الكربون والفضلات الى خارج الجسم للتخلص منهما، وعند حدوث نقص في <الهيموغلوبين> يُصاب الشخص بالتعب والوهن الشديد، ويفقد الجسم القدرة على تأدية وظائفه ومهامه بصورة طبيعية، وتتضرر جميع أعضاء الجسم ويمكن ان يصل الأمر في بعض الحالات الى الوفاة. وينتقل هذا المرض من الآباء الى الأبناء بواسطة أنواع من الجينات في عمر مبكر ويصاب الشخص بفقر الدم المزمن، ويحتاج الى طرق للتعايش مع هذه المشكلة وتخفيف العوارض قدر الامكان، كما ويحتاج المصاب الى نقل دم بصورة مستمرة ودورية، وذلك للحفاظ على معدل

<الهيموغلوبين> الطبيعي داخل الدم، وهو مرض غير معد انما يحتاج الى الاهتمام والعلاج للسيطرة على عوارضه الشديدة.

وهناك فرق شاسع بين الشخص المصاب بـ<التلاسيميا> <ألفا> او <بيتا> والشخص الذي يحمل هذا المرض، لأن المصاب بالمرض يخضع للعلاج المستمر ولعمليات نقل الدم بشكل دوري، بينما الشخص الذي يحمل المرض فهو من الممكن ان لا يلاحظ ذلك لأنه لا يشعر بأية عوارض تُذكر، لذلك من الشائع ان لا تعرف المرأة انها تحمل سمة هذا المرض الوراثي اي <التلاسيميا الصغرى> الا بعد الزواج، لذلك فان الكثير من الدول تفرض على الثنائي الخضوع الى اختبارات للدم قبل الزواج للتأكد من سلامتهما. أما في حال اكتشفت المرأة انها تحمل مرض <التلاسيميا> <ألفا> او <بيتا> الصغرى وهي حامل، فإنه من الضروري ان تتوجه المرأة في هذه الحالة الى طبيب متخصص بأمراض الدم، وسيعمل على مراقبتها ورعايتها طوال فترة الحمل للتأكد من سلامتها وسلامة الجنين.

فماذا عن العلاجات الحديثة؟ وهل هناك احتمال للشفاء من هذا الاضطراب الوراثي؟

الاختصاصي في أمراض الدم والأورام وزراعة نخاع العظام لدى الأطفال في مستشفى <كليفلاند كلينك> في الولايات المتحدة الدكتور ربيع حنا يجيب عن هذه الأسئلة، اذ يعتبر ان هناك سلسلة من الفتوح الطبية الحديثة في مجال العلاج الوراثي مما يعني ان علاج مرض <التلاسيميا> قد أصبح تقريباً في متناول اليد ويقول:

- بالاستناد الى بيانات بحثية كانت قد نُشرت من قبل فإن العلاج ربما أصبح حاضراً، إذ ان العلاج الوراثي ظلّ على مدى سنوات يشير الى احتمال احداث القدرة على الشفاء من هذا الاضطراب الوراثي، لاسيما مع تحقيق قفزات واسعة في مجالات العلوم الأساسية... وأصبحنا نرى ان المشاريع البحثية الأولى في هذا المجال تتطور لتغدو طرق علاج قابلة للتطبيق، ففي اوائل العام 2018 شهدنا بيانات بحثية ايجابية نُشرت انطلاقاً من تجارب في موضوعات بشرية حيث يعمل العلاج الوراثي وتكون النتائج دائمة، وحيث لا تتجلى أية آثار جانبية مخفية لدى المرضى، واننا نتطلع بشكل واقعي الى المضي قدماً في اطار تقديم علاج ناجع في المستقبل المنظور.

ويتابع:

- يعدّ <التلاسيميا> مرضاً وراثياً يسبب لدى المريض المصاب به تشوهات في <هيموغلوبين> الدم، وهي الجزء من خلايا الدم الحمراء المسؤول عن نقل الأوكسجين، وتتراوح آثاره من فقر الدم الذي يسبب التعب وشحوب البشرة، وصولاً الى مشاكل العظام وتضخم الطحال. وتُقدّر تحليلات العبء الاقتصادي العالمي لمرض <التلاسيميا> وجود حوالى 280 مليون شخص مصابين بالمرض في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك نحو 439,000 شخص يعانون شكلاً حاداً من أشكاله، وقد أسفر المرض عن وفاة 16,800 مريض في العام 2015... ويصيب مرض <التلاسيميا> المجتمعات التي تعيش في مناطق الشرق الأوسط، والبحر الأبيض المتوسط، وجنوب آسيا، وافريقيا، وغالباً ما يتم تضمينه في الفحص الوراثي قبل الزواج في بعض هذه المجتمعات، أما العلاج الأكثر شيوعاً للحالات الشديدة فيتمثل بعمليات نقل الدم المنتظمة للتخفيف من العوارض، في حين ان العلاج الشافي الوحيد المتاح حالياً لمرض <التلاسيميا> هو زراعة نخاع العظام التي يمكن اجراؤها لنسبة صغيرة من المرضى.

 

تغيير أجزاء الشيفرة الوراثية

وعن العلاج الوراثي يشرح:

- يفتح العلاج الوراثي الباب أمام احتمالات جديدة لعلاج المرض وشفائه وذلك عن طريق تغيير أجزاء الشيفرة الوراثية التي تسببه. وقد كان لدى مرضى <التلاسيميا> في احدى تجارب العلاج الحالية التي تجري في ستة مراكز متخصصة حول العالم، خلايا جذعية غير ناضجة تم استخلاصها من نخاع عظامهم، قام الباحثون بعزلها في المختبر واستخدموا فيروساً غير ضار لاصابتها بنسخة من المورثة المرمّزة للسلسلة الغلوبينية العادية، ثم تمت تنقية نخاع المرضى من المورثات المريضة عبر العلاج الكيميائي قبل ان يُعاد ادخال الخلايا المعدّلة وراثياً الى مجرى الدم لتجد طريقها مرة أخرى الى النخاع العظمي حيث نضجت وتحوّلت الى خلايا دم حمراء تنتج <هيموغلوبيناً> صحياً.

ويتابع:

- أظهرت النتائج المنشورة في مجلة <نيو انغلاند> الطبية ان العلاج قلّل بشكل كبير من عدد عمليات نقل الدم التي يحتاج اليها كل مريض، وكان المرضى قد خضعوا للمراقبة لفترة وصلت في نيسان (أبريل) الماضي الى 42 شهراً منذ بدء العلاج الوراثي حيث انخفض عدد عمليات نقل الدم خلال تلك الفترة بنسبة وصلت الى 74 بالمئة في الحالات المرضية الشديدة في حين ان العديد من المرضى الذين يعانون حالات أقل حدة لم يعودوا بحاجة الى عمليات نقل دم. وان هذه التطورات الطبية ستستغرق بعض الوقت لتصبح متاحة كعلاجات، إلا ان التطورات باتت عند نقطة تتحول فيها الفتوح في الأبحاث الى فتوح في العلاج، وهذا الأمر يعطي أملاً حقيقياً للكثيرين من المرضى الذين يعانون من <التلاسيميا> اليوم.

 

تقنية واعدة

وبالسؤال عن تقنية <كريسبر> يقول:

- على جانب آخر ثمة تقنية واعدة أخرى تنتقل الآن الى مرحلة التجارب البشرية هي <CRISPER> أو ما يُعرف بالتكرارات العنقودية المتناوبة المنتظمة التباعد، وهي أداة يمكنها تعديل تسلسلات الحمض النووي الريبوزي منقوص الأوكسجين (دي ان اي) وتغيير وظيفة المورثات. واستناداً الى آلية دفاع موجودة في البكتيريا، تدخل الأداة <كريسبر> في نواة المورثة وتقطع الجزء المختلّ من الحمض النووي بدلاً من احلال مورثة صحية محل أخرى مريضة.

وكانت <كريسبر ثيرابيوتيكس> للتقنيات الحيوية قد حصلت على موافقة الجهات المعنية في أوروبا لاستخدام تقنية تعديل المورثات في تجربة لعلاج <التلاسيميا> حيث يتم تعديل الخلايا في المختبر واعادة المورثات المعدّلة الى الجسم عن طريق نقل الدم. وثمة برنامج منفصل آخر في جامعة <ستانفورد> يقترح تجربة لعلاج مرض الخلايا المنجلية، وهو اضطراب وراثي يشترك مع <التلاسيميا> في أوجه شبه عديدة يتم فيها اجراء التعديلات الوراثية داخل الجسم.

وعن العلاج الرئيسي المتاح يقول:

- ان العلاج الرئيسي المتاح حالياً والمتمثل بنقل الدم هو مجرد حل قصير الأمد لاسيما للمصابين بمرض شديد، إذ ان عمليات نقل الدم نفسها تؤدي مع مرور الوقت الى حدوث مشاكل صحية، ما يجعل هذه الآثار الجانبية تطيل فترة العلاج.

وانتهى الدكتور حنا الى القول بأن النجاح في التقليل من عمليات نقل الدم اللازمة للحفاظ على العدد المناسب من خلايا الدم الحمراء يعتبر نتيجة ايجابية للمريض، ففكرة وجود عدد من العلاجات الجديدة في الأفق لا علاجاً واحداً تجعلنا نأمل في الحصول على بدائل للحالات التي يكون فيها أحد الأساليب العلاجية غير فعال.