تفاصيل الخبر

الثورة تستعيد زخمها على أُسس جديدة

13/05/2020
الثورة تستعيد زخمها على أُسس جديدة

الثورة تستعيد زخمها على أُسس جديدة

 

بقلم علي الحسيني

[caption id="attachment_77916" align="aligncenter" width="613"] إذلال المصارف[/caption]

 إنطلقت ثورة 17 تشرين الاول (اكتوبر) الماضي باحتجاجات شعبيّة إثر فشل حكومة الرئيس سعد الحريري في إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية التي كانت تُبشّر بمرحلة صعبة وقاسية. وبدل أن تذهب الحكومة يومها إلى مكامن الخلل بشكل مباشر وتضع أصبعها على الجرح النازف، راحت تُعلن عن خطط لفرض المزيد من الضرائب على البنزين والتبغ، إضافة إلى استحداث ضريبة على تطبيق "واتساب" إلى أن توسّعت الاحتجاجات ووصلت بالمطالبة بإسقاط الرئاسات الثلاث.

العودة إلى يوم الإنطلاقة

 على ضفّة الأزمات وتكاثرها بشكل غير مسبوق وعلى حد السكاكين التي تُسنّ على رقبة المواطن المحاصر بالضرائب والأمراض والغلاء الفاحش الذي بدأ يتهدد جميع الأسر اللبنانية بالإضافة إلى الإرتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار مقابل هبوط حاد للعملة اللبنانية، بدأ الثوّار في لبنان بتنظيم أنفسهم استعداداً للمرحلة المقبلة وذلك من خلال تنظيم حلقات اجتماع وحوار من أجل وضع أُسس جديدة وثابتة، يُمكن أن تقود إلى الهدف مباشرة وهو إسقاط رموز الفساد والهدر، وإسقاط شبكاتهم الموزّعة كخيوط العنكبوت داخل المؤسّسات العامة والخاصة. وقد صوّب الثوّار نحو هدف مُحدّد هو، التنظيم ووضع خريطة طريق جامعة ترسم معالم وجهة السير في المرحلة المقبلة.

 بعد تحرّكاتهم الواسعة منذ 17 تشرين الأولّ (أكتوبر) الماضي  التي حصلت من دون الامتثال إلى قيادة جامعة نظراً إلى عدم وجودها أصلاً، وبعد الاحتجاجات التي عمّت المدن والشوارع رفضاً للواقع المرير، توحّد المنتفضون بمختلف طوائفهم تحت راية ​العلم اللبناني وصور لرغيف الخبز كتعبير عن حالة الفقر والجوع التي وصل اليها المواطن. ومن أجل عدم تضييع البوصلة التي كانت تتم التحركات بموجبها، يرى الثوّار اليوم أن الوقت حان لتوحيد القيادة والأهداف والخطوات والشعارات مُجدّداً، الأمر الذي قد يساعد إلى حد ما على متابعة مسيرتها المطلبيّة السلميّة ومنع دخول عناصر شغب إلى صفوفها في محاولة من بعض الجهات السياسية لخرقها وبالتالي "الترغيب والترهيب"، بهدف تشويه صورة الثورة.

الذل على أبواب المصارف

 المؤكد أن الاخفاق السياسي المُستمر منذ تأليف حكومة الرئيس حسّان دياب والذل اليومي، أعادا تشريج الثورة التي ستتكثّف تحركاتها على الارض تدريجياً في الفترة المقبلة، بحيث ستتخذ  أشكالاً متعددة من الاعتصامات أمام المرافق العامة الى التظاهرات والاضرابات، وصولاً الى قطع الطرق الرئيسية وذلك في منحى تصاعدي وتصعيدي. ووفق المصادر، فإن الدعوات تتكاثر لاطلاق هذا المسار تحت شعار "وجعنا كبير، غضبنا أكبر". كل ذلك سيكون مقابل المُكابرة التي يُبديها أهل السياسة تجاه المحن الصعبة التي يمر بها المواطن وتدهور الاوضاع المعيشية والمالية، الأمر الذي سيُحوّل الانتفاضة الى "ثورة" حقيقية.

 ومن المرجّح أن المطالب التي وضعتها الثورة ، قد لا تعود صالحة أو كافية خلال الفترة المقبلة، إذ ثمة مؤشرات فعليّة تدل على أن حجم المطالب سوف يكبر وسط ترجيحات تصل إلى حد المطالبة بإسقاط النظام برمّته، وذلك على غرار ما سبق أن حصل في العديد من الدول العربية التي سقطت أنظمتها تحت مُسمّى "الربيع العربي". وهنا تؤكد مصادر مطلعة أن التحركات في اتجاه بعبدا وساحة النجمة سوف تتكثّف أيضاً في سبيل إيصال صوت الناس إلى أعلى المستويات، على ان يكون الهدف: انتخابات نيابية مبكرة تتولى الإشراف عليها حكومة انتقالية ومن المستحسن أن تكون غير مدنية، تليها عملية إنتاج نظام سياسي جديد يسمح بضم لبنان، بعد 100 عام على انشائه، الى ركب الدول المتحضّرة.

 المؤكد أن الناس يذلون صباح كل يوم على ابواب المصارف، قبل أن  يعودوا الى منازلهم من وظائفهم هذا في حال لم يخسروها بعد ليبيتوا في الظلام والبرد بفعل التقنين الكهربائي الآخذ في الاشتداد، فيما بعض المازوت والبنزين والغاز، بات يباع في السوق السوداء ويُهرّب الى خارج الحدود، بالإضافة إلى تضاعف أسعار السلع والمواد الغذائية، ناهيك عن الإضرابات اليوميّة التي يُهدّد بها أصحاب الافران. كل ذلك والطبقة السياسيّة الحاكمة والمتحكّمة بالبلاد ورقاب العباد، تعيش في عالمها الخاص الذي بنته من عرق ومجهود وكفاح هذا الشعب الذي وكما رأينا بالأمس، أصبح يبحث بين القمامة عن بقايا طعام يُشبع بها عائلته وأهل بيته.

نادر يشرح تجدّد الثورة

[caption id="attachment_77918" align="alignleft" width="430"] العميد المتقاعد جورج نادر[/caption]

 يشرح العميد المتقاعد جورج نادر هيكليّة ودراسة الخطوات التي سوف تعتمدها الثورة في خطواتها المقبلة، ليؤكد في بداية الأمر على أننا حريصون على حسن اختيار الأسماء من دون تسرّع، لأن الثورة مخروقة بطبيعة الحال من أحزاب السلطة وغيرها، بالتالي احتمال اختيار أشخاص من غير الثوار الحقيقين مرجّح، من هنا يجب ضرورة التأني. ويقول: لقد تقدمنا شوطاً كبيراً في التنسيق وتمكنت مجموعة كبيرة من إعداد وثيقة "ميثاق الثورة" ستعرض كمسودّة على كلّ المكوّنات للموافقة عليه، وبهذا يصبح في حوزتها مستند يجمعها. كما يتم التباحث في كل المواضيع والقضايا على أساسه، ليتفق بعدها على إنشاء مجلس مركزي أو قيادة جماعية أو غيرها من الاقتراحات وكل الاحتمالات واردة...والنية الجدية موجودة لدى كلّ المكونات للقيام بخطوات توحّد الثورة".

 ويوضح نادر أن من دون التوحيد لن نصل إلى أي مكان أو إلى نتيجة مرضية لأننا لن نتمكن من مواجهة السلطة، وهذا الأساس في عملنا السياسي. لكن، لا يمكن أن نمنع بذلك دخول المندسين، وخرق الثورة أمر طبيعي وحصل لدى أقوى جيوش ودول العالم، فيما يؤكد أن فيروس "كورونا" لجم كلّ التحركات، وبعد رفع التعبئة العامة ستعود الثورة على الأكيد كما كانت وحتى بزخم أكبر، خصوصاً أن الأسباب التي تدفع إليها تفاقمت وأوّلها الجوع الذي لا يمكن لأي كان أو لأي جهة الوقوف في وجهه.

انتبهوا واطمئنوا.. الثورة لم تمت

[caption id="attachment_77919" align="alignleft" width="476"] تظاهرة ضد الجوع[/caption]

 بعد انقطاع الأمل من وعود أهل السلطة بالبدء بعمليات الإصلاح وأولها تأليف حكومة يُمكنها مواجهة الوضع المتردي وبعد العديد من الفرص التي منحها الشعب لهذه السلطة المنقلبة على ذاتها، عاد الزخم مع بداية الاسبوع الى الشارع حيث قطع المتظاهرون الطرقات في معظم المناطق اللبنانية بهدف الضغط على السياسيين لتسريع البدء بعمليات الإصلاح. والأنكى أن الطبقة السياسيّة الحاكمة، بدل ان تستفيد من الفرصة التي أعطيت لها لتحاول تبييض صورتها من جديد، استغلّت الوقت لتعويم نفسها ومصالحها السياسية والفئوية والشخصية ولفروض شروطها في ما بينها، إلى أن اختلفوا في ما بينهم حول تقاسم قالب الجبن.

 كل هذا، يؤكد أن موت الثورة، الذي حاول كثيرون الترويج له منذ تراجع حدة الاحتجاجات في لبنان بسبب تشكيل الحكومة بداية، ثم انتشار وباء "كورونا"، أثبتت التحركّات خلال الأيام الماضية عدم صحتها. ورغم انحسار الفيروس خلال الاسبوع الماضي قبل أن يعود وينفجر خلال الأيام القليلة الماضية، إلا أن المحتجين حافظوا على وتيرة وقائية من خلال تنظيم المسيرات السيّارة رفضاً للجوع الذي بدأ يطل برأسه من بوابة الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار والابتزاز الذي لم يوفر ربطة الخبز، والسياسات الخاطئة بمجملها.

 وعلى خط الثورة وثوّارها، لم يستبعد البعض أن تكون الممارسات القمعية على الأرض التي ما زالت تُمارس بحق المتظاهرين والتي كانت افتتحت ممارساتها القمعيّة مع بداية الثورة بقتل كل من حسين العطار وعلاء ابو فخر، محاولة لترهيب الثوار على الأرض ومنعهم من التزايد بشكل تلقائي في الساحات لا لأنهم يهوون النزول الى الشوارع ولا لأنهم اعتادوا على المواجهات بعد طول فترة حراكهم، بل لأنهم لم يقتنعوا بعد بالوعود السياسية التي تُقطع ولا حتّى بطرق الحلول التي تُطرح. ويقول هذا البعض إن ثمة جهات تريد للثورة أن تنتهي من خلال اللجوء الى أداة "الدم" والقتل، لاخافة المنتفضين وابلاغهم أن المواجهة دخلت مرحلة جديدة ولن تكون بعد اليوم "نزهة"، وأن التظاهر وقطع الطرقات لن يمرا بسهولة وقد تكون كلفتهما عالية. وأيضاً ثمة من يسعى إلى حفر هوّة بيننا نحن الثوار وبين الجيش اللبناني، لكن نؤكد لهؤلاء أن هذا أمر لن يحصل حتى ولو سقط منّا عشرات الشهداء.

فرحةٌ لم تدم .. وأمل يتجدد

 

[caption id="attachment_77917" align="alignleft" width="375"] التظاهرات...بانتظار موعد العودة[/caption]

مع بدء الحراك الشعبي ضدّ الطبقة السياسية في لبنان قبل أشهر، ظنّ شبان كثر كانوا يحلمون يوماً بالهجرة بإمكانية بناء مستقبلهم في بلدهم، لكن الحلم لم يدم طويلاً بعدما أطاح به تسارع الإنهيار الاقتصادي. وبعدما شاركوا في التظاهرات التي عمّت كل الأراضي اللّبنانية منذ 17 تشرين الاول(اكتوبر) الماضي رافعين الصوت ضدّ طبقة حاكمة يتهمونها بالفساد، يملأ طلاب وشبّان اليوم طلبات الهجرة للعمل أو إكمال تعليمهم في الخارج.

 وبعد أن رفعت الأمهات يوماً الصوت عالياً ضد الطبقة السياسية لأنها كانت السبب برأيهن في دفع أولادهم إلى الهجرة، أصبحن اليوم يهيئن أنفسهن لوداع فلذات أكبادهن، في بلد يشهد إنهياراً اقتصادياً متسارعاً هو الأسوأ منذ الحرب الأهلية (1975-1990) في ظل ضبابية الرؤية، إذ لا حلول واضحة في الأفق، سوى وعود حكومة جديدة وضعت الأزمة على سلّم أولوياتها.

 في هذا السياق، يقول أحد كوادر الثورة إن هذا الأمر ترك في أنفسنا حسرة وألماً، فحلقات النقاش التي تدور بين الثوّار اليوم، تتمحور بمعظمها حول الهجرة وأسبابها، مع سلبيّاتها وإيجابيّاتها. في نهاية المطاف سنصل ضمن النقاش والحوار إلى رأي موحّد، وهو أن لا سبيل عن العيش في بلدنا تحت سقف نرسمه نحن بأيدينا ومفهومنا نحن. لقد قطعنا شوطاً كبيراً في تكريس مطالبنا وفي تثبيت أقدامنا على الأرض التي نحلم بشكلها، لذلك ندعو كل شاب أو فتاة، أن يكون حلمهم ومستقبلهم في وطنهم.

صعوبات اقتصادية مستقبلية

 تؤكد مراجع اقتصادية عليا أن لبنان يحتاج إلى تخفيض إجمالي ​ديونه العامة التي وصلت الى نحو 85 مليار دولار مع الركود السياسي والاقتصادي المستمر، إذ إن إعادة الهيكلة هي الخيار الوحيد. ويقُدر الدين الخارجي بنحو190  في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2018 بحسب ​صندوق النقد الدولي. كما ان سياسة ​مصرف لبنان ​ المتمثلة في الاستمرار في سداد التزامات السندات قد ينظر إليها بشكل إيجابي من قبل المستثمرين الدوليين، لكنها في الوقت عينه تقنن ​الدولارات لاستيراد المعدات الطبية ​والمواد الغذائية الأساسية وهذا يشكل خطراً كبيراً.

 وترى المصادر أن أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي سيتطلب من لبنان تخفيض التزاماته على الديون. وهي الطريقة الوحيدة التي يعتبرها المحللون الاقتصاديون قادرة على ضمان إعادة ضبط سياسية واقتصادية كاملة تحتاجها البلاد.