وردية بطرس

حالة من الخوف والاشمئزاز اصابت السكان في منطقة الأشرفية جراء ظهور أمراض جديدة في أحياء المنطقة بعد انتشار موجة ذباب كبيرة هناك... فأزمة النفايات مستمرة ولا حلول ملموسة على الأرض حتى الآن. فلم ينجم عن جبال النفايات الموزعة في مختلف المناطق اللبنانية سوى مصائب تتراكم يوماً بعد يوم. فبعد تخمّر أطنان وأكوام الأكياس وبقايا المنازل ومع هطول الأمطار لاحت أزمة جديدة في الأجواء وهي أسراب هائلة من الذباب الأزرق التي بدأت تجتاح مناطق في بيروت، وخصوصاً في الأشرفية التي يعاني سكانها من هذه المشكلة منذ أيام ولا من يسعى لحلها... وبين نظريتين طبيتين الأولى تؤكد عدم خطورة الذباب، والثانية تشدد على العكس، تشير الجهات الرسمية الى ان أجهزتها قامت برش المبيدات لمنع انتشار الذباب. أما أهالي الأشرفية فيرون ان انتشار الذباب سببه الجرذان النافقة في أماكن جمع النفايات بالقرب من مرفأ بيروت، مع العلم بأن مشكلة النفايات لم تجد طريقها الى الحل بعد في لبنان...

ويعيش على الأرض الملايين من أنواع الكائنات الحية، ولكل نوع منها خصائص معينة تميزها عن غيرها، ومنها الحشرات، وهي عبارة عن احدى أنواع الحيوانات اللافقارية التي تتبع لشعبة مفصليات الأرجل، وتُعتبر من أكثر أنواع الكائنات الحية تنوعاً وانتشاراً على سطح الأرض بحيث يقدر عددها بأكثر من نصف جميع الكائنات الحية التي تعيش على الأرض، وللحشرات قدرة كبيرة على العيش في جميع البيئات، وتضم الحشرات ما يقارب مليون نوع وأكثر، ومن أشهر أنواع الحشرات والمنتشرة بشكل كبير حول العالم هو الذباب. والذباب نوع من أنواع الحشرات ينتمي الى الفصيلة الذبابية التي تتبع رتبة ذوات الجناحين، ويُعتبر من أكثر أنواع الحشرات انتشاراً، اذ يضم أكثر من 100 ألف نوع منتشر حول العالم الا ان 10 انواع منها فقط نراها تعيش في المنازل، ويعيش الذباب في كل مكان في العالم عدا القطبين الشمالي والجنوبي، ويُقدر طول الذبابة الواحدة البالغة بـ7,5 ملم، وتمتلك جناحين فقط، وتمتاز بأنها تتكاثر سريعاً وبأعداد كبيرة بحيث تقوم الأنثى بوضع ما يزيد عن 100 بيضة على القاذورات والنفايات وروث البهائم، ومن ثم تفقس تلك البيوض بعد مرور يوم واحد فقط على وضعها لتنتج يرقات صغيرة تتغذى من تلك القاذورات والنفايات حتى تنمو ويكتمل نموها، اذ تصبح اليرقة على هيئة الذبابة المعروفة لدينا بعد مرور أقل من أسبوعين، كما تُعتبر من أكثر الحشرات تطفلاً وازعاجاً للانسان، الأمر الذي جعل من الذبابة حشرة قذرة ومنبوذة من البشر. وبالرغم من حجم الذبابة الصغيرة فإنها حشرة تحمل في ثناياها الكثير من الغرائب.

ويُعتبر الذباب الأزرق من أشد أنواع الذباب خطورة على الجنس البشري حيث يُعتبر أكبر حجماً من أنواع الذباب الأخرى وتُعتبر الجيف او الجثث المتعفنة هي المكان المفضل لاقامة الذباب الأزرق وتكاثره. ويُعرف الذباب الأزرق أيضاً بذباب العنقود، ويُعرف علمياً باسم <كاليفورا>. فالذباب الأزرق هو نوع من أنواع الذباب الذي يتميز باللون الأزرق ويتغذى من اللحوم والجثث المتعفنة. وهو نوع من ذباب المقابر يقوم بوضع بيضة على الجثث فتفقس يرقات تقوم بالتغذية على الجيفة للتخلص من تلك الأجسام ثم تتحول الى الحشرة الكاملة لتعيد دورة الحياة على جثة أخرى، وهناك مثل شعبي شائع <لن أدع الذباب الأزرق يعرف لك طريقاً>، ولم يكن واضحاً معنى ذلك المثل الشعبي وما هي العلاقة بين الذباب الأزرق واختفاء الأشخاص حتى ظهر سر العلاقة بين هذا وذلك. فلقد كشف البحث العلمي حديثاً عن قدرة غريبة يتمتع بها هذا النوع من الذباب، اذ له القدرة على كشف جرائم القتل بسرعة متناهية بواسطة قرون الاستشعار المزود بها والتي تشبه هوائيات اللاسلكي يشم بها رائحة الجثة عن بعد أكثر من ثلاثة كيلومترات فيطير اليها ويضع عليها بيضه ومن خلال تحليل دم الذباب وأطوار وضع البيض وعمره يستطيع رجال الطب التشريحي تقدير وتحديد حيثيات عملية القتل.

وكان رئيس المجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور جورج طعمة قد أعلن انه لا داعٍ للقلق من كثرة الذباب سواء الأزرق او غيره، فهو لا يشكل خطراً على الصحة العامة، كون اللبنانيون معتادين عليه منذ ستينات القرن الماضي وسبعيناته، وقال: <الذباب عادة يهرب من الأمطار، خصوصاً بعد هطول أمطار غزيرة، ويأتي بعد ذلك في الطقس المشمس، فيتكاثر في هذه الفترة بالذات، كما ان الذباب يتكاثر بقوة أيضاً اذا وجد وكراً معيناً، لكن ذلك الوكر لا يشترط ان يكون من النفايات، والطريقة الأفضل لطرده من المنازل اشعال الفحم مهما كان نوع الذباب>.

فما سبب هجمة الذباب الأزرق على النفايات؟ وما هي الأمراض التي قد يتسبب بها اذا لم تُحل مشكلة النفايات؟ وماذا عن البعوض والقوارض؟ وهل من نصائح لتفادي انتقال الجراثيم والأمراض؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها <الأفكار> على الدكتور عيد عازار اختصاصي الأمراض الجرثومية والمعدية والذي يقلل من خطر الذباب الأزرق المتكاثر في المناطق اللبنانية، اذ يعتبر ان تكاثره طبيعي في ظل وجود لحوم مهترئة في القمامة، فهذا التكاثر نتيجة طبيعية لوجود لحوم في حالة التحلل، ونسأله عن تكاثر الذباب الأزرق في هذه الفترة فيقول:

- الذباب الأزرق كما هو معروف يتكاثر عندما تكون هناك حالات تآكل فيها اللحوم مثلاً لحوم ميتة سواء البشر او الحيوان، فالذباب الأزرق يتغذى من اللحوم والجثث المتعفنة وهو يضع بيضه على الجثث فتفقس يرقات وتقوم بالتغذية على الجيفة للتخلص من تلك الأجسام ثم تتحول الى الحشرة الكاملة لتعيد دورة الحياة على جثة أخرى... ولذلك يلجأون في الطب الجنائي الى الذباب الأزرق حيث أنه إذا كان يتم البحث عن جثة لا يُعرف مكانها فاذا تكاثر الذباب الأزرق يعرفون مكان الجثة. واليوم نظراً لتفاقم مشكلة النفايات والجرذان النافقة يتكاثر الذباب الأزرق.

العامل الممرض

ــ وهل ينقل الذباب الأمراض الى الانسان؟

- في الطب هناك ما يُسمى بـ<Vector> وهو كائن لا يسبب المرض بحد ذاته لكنه ينقل العامل الممرض من مضيف الى آخر مثل البعوض في <الملاريا>... وغالباً ما يُقصد بهذا المصطلح ان العامل الممرض يجب ان يمضي جزءاً من دورة حياته في جسم الناقل. والذباب ليس من الحشرات التي تنقل الجراثيم مثل حشرة <الطاعون> وغيرها من الحشرات، وبالتالي الذباب لا يشكل خطورة على الانسان، ولكن شكله يثير الاشمئزاز ويسبب الازعاج للناس، ولكن كما قلت ان الذباب ليس كباقي الحشرات التي تنقل الجراثيم الى الانسان. انما نحن نتفهم بالطبع في هذا الصدد قلق الناس من هجمة الذباب على النفايات وفي الشوارع، ولكنه ليس بناقل لأي مرض كما أشرت في سياق الحديث.

ويتابع:

- ولكن طبعاً هناك أمور يجب التنبه لها، فاذا غط الذباب على براز البشر فهو ينقل <اي كولاي> الى الانسان (وتخرج بكتيريا <اي كولاي> من الجسم عن طريق البراز، لذلك فان المياه الملوثة بالبراز سواء من الانسان او الحيوان تُعدّ من أشد عوامل الخطورة. كما يمكن ان تنتقل <اي كولاي> من شخص الى آخر بسبب عادات النظافة الشخصية وعدم الاهتمام بغسل اليدين)، اذاً نقول للناس لا داع للخوف والهلع من الذباب لأنه ليس بناقل لأمراض محددة مثل <الملاريا> او <الكوليرا> وما شابه.

وعن كيفية انتقال الأمراض يشرح الدكتور عازار:

- هناك ثلاث طرق لانتقال الأمراض: الطريقة الأولى: اما ينتقل المرض من شخص لآخر. الطريقة الثانية هي عبر ناقل المرض مثل البعوض او لسعات حشرات معينة مثل حالة <الملاريا> وغيرها. الطريقة الثالثة: عندما ينتقل المـــــرض عبر الطعــــام والشـــراب، وهذه طريقة أساسية لنقل الأمراض، وذلك بحسب كل جرثومة وطريقة انتقالها الى الانسان، فـ<الملاريا> على سبيل المثال لا تنتقل من شخص لآخر، بل تنتقل الجرثومة الى الانسان بشكل مباشر، والذباب الأزرق ينتشر ويتكاثر على النفايات في لبنان بسبب الجرذان النافقة التي تسمّمت اثر تناولها الفضلات التي رُشت عليها المبيدات والمواد السامة الى ما هنالك.

ــ نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لذباب أحمر وقيل بأنه يتسبب بلسعات، فما صحة الأمر؟

- أولاً غير صحيح اطلاقاً ان الذباب يتسبب بلسعات، كما انه ليس هناك ذباب أحمر في لبنان، لقد أُثير الأمر في وسائل الاعلام انما ليس صحيحاً.

الجرذ و<الطاعون> و<الكوليرا>

ــ يتفاقم الخوف من القوارض التي تتكاثر وما قد تسببه من إصابة بمرض <الطاعون> الذي يثير هلع الناس في هذه الفترة بالذات.

- كما يعلم الجميع ان مرض <الطاعون> يصيب الانسان اذا عضه الجرذ، وطبعاً هذا لا يحصل في وقتنا هذا، اذ الجميع متنبه لذلك، ولكن الخطورة الحقيقية تكمن في ان المواد الكيميائية التي تُرش على النفايات لمكافحة القوارض او الجرذان مضرة وسامة أكثر بكثير للطبيعة من ان يكون المرض موجوداً... علماً ان لا أمراض خطيرة تنتج عن النفايات العضوية التي يمكن أصلاً معالجتها داخل كل بيت لبناني كما هو القانون في مدينة <سان فرنسيسكو>، لكن الخطورة تكمن في النفايات الأخرى الصلبة او الصناعية التي تحتوي على مواد غير قابلة للتحلل والتي تسمم التربة والمياه وتسبب بعض الأمراض السرطانية. وبرأيي يجب ان تتدارك البلديات مخاطر رش المواد الكيميائية على النفايات اذ يجب ان تتبع ارشادات وزارة الصحة التي بدورها يجب ان تحدد ضمن دائرة مكافحة القوارض المواد التي يجب ان تُرش وليس بطريقة عشوائيــــة، لان مخــــاطر رش المـــــواد الكيميائية مضرة اكثر من النفايات نفسها. وبالتالي يجب التنبه لهذا الأمر وما قد ينتج عنه من ضرر على صحة الانسان والطبيعة معاً.

ــ الى اي مدى تهدد <الكوليرا> حياة اللبنانيين اذا لم تُحل مشكلة النفايات مع قدوم فصل الشتاء والأمطار؟

- ليست هناك اية حالة مصابة بـ<الكوليرا>، في الحقيقة انه قد يكون بعض اللاجئين القادمين من سوريا والعراق يحملون هذا المرض، وكما ذكرت ان المرض غير موجود في لبنان، وتنتقل العدوى عن طريق المياه الملوثة ببراز الشخص المصاب وكذلك الأطعمة الملوثة بالبراز.

ــ هل من نصائح وارشادات؟

- أهم ما يمكن النصح به هو غسل اليدين، وطبعاً غسل اليدين قبل تناول الطعام أمر ضروري ليس في هذه المرحلة وحسب بل بشكل دائم لتفادي انتقال الأمراض والجراثيم، وان يعرف الشخص مصدر الماء الذي يشربه، وأيضاً ان يكون واثقاً من اللحام الذي يبتاع منه اللحوم، والأمر نفسه بالنسبة للحليب الى ما هنالك... وبالتالي على المواطن ان يتدارك هذه الأمور لتفادي انتقال الجراثيم وما شابه.