تفاصيل الخبر

التجاذبات تجعل تشكيل حكومة جديدة مهمة صعبة وتُبقي حكومة الحريري تصرّف الأعمال... حتى إشعار آخر!

31/10/2019
التجاذبات تجعل تشكيل حكومة جديدة مهمة صعبة  وتُبقي حكومة الحريري تصرّف الأعمال... حتى إشعار آخر!

التجاذبات تجعل تشكيل حكومة جديدة مهمة صعبة وتُبقي حكومة الحريري تصرّف الأعمال... حتى إشعار آخر!

<عملاً بالأصول الدستورية، ونظراً للتحديات الداخلية التي تواجه البلاد، ولقناعتي بضرورة إحداث صدمة ايجابية وتأليف حكومة جديدة تكون قادرة على مواجهة التحديات والدفاع عن المصالح العليا للبنانيين، أتقدم باستقالة حكومتي متمنياً لفخامتكم التوفيق. وتفضلوا، فخامة الرئيس بقبول فائق الاحترام>.

بهذه الكلمات أنهى رئيس الحكومة سعد الحريري عمر حكومته التي استمرت 9 أشهر إلا ثلاثة أيام واضعاً حداً لحكومة أرادها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون <حكومة العهد العهد الأولى> وإذ بها تستقيل بعد 13 يوماً من الحراك الشعبي الذي سمي <الثورة> تخللتها مناوشات وقطع طرق وتظاهرات أوقعت البلاد في مأزق قد يكون من الصعب الخروج منه في وقت قريب.

استقالة الرئيس الحريري جاءت بعد نهار من الصدامات حصلت بين المعتصمين في ساحتي الشهداء ورياض الصلح في وسط العاصمة من جهة، وشبان ينتمون الى حركة <أمل> وحزب الله، ساءهم أن يتعرض المتظاهرون للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس حركة <أمل> رئيس مجلس النواب نبيه بري من جهة أخرى، ما أدى الى تحطيم الخيم والمنشآت التي أقامها المعتصمون في الساحتين وكادت الصدامات تتطور لو لم تتدخل القوى الأمنية وتفصل بين الطرفين. وهذه الحادثة وترت الأجواء أكثر مما هي متوترة، ودلت على ان مسار الاعتصامات والتظاهرات مقبل الى مزيد من المواجهات، خصوصاً انه سبق للمجموعات إياها أن أتت قبل أيام الى الاعتصام واصطدمت بالمتظاهرين والمعتصمين ثم تراجعت بعد تدخل الجيش وقوى الأمن. وقد اضطر يومها الرئيس الحريري الى التوجه الى قصر بعبدا ومقابلة الرئيس عون طالباً منه التدخل لدى <الثنائي الشيعي> ولاسيما قيادة حزب الله، لعدم تكرار ما حصل، لافتاً الى انه ليس في استطاعته تحمّل مثل هذه المواجهات نظراً لخطورتها ولما يمكن أن تسببه من تداعيات سلبية على الوضع الأمني الهش في البلاد.

استقالة غير منسقة مع بعبدا!

 

وتؤكد مصادر مطلعة ان <غزوة> الشبان يوم الثلاثاء الماضي على ساحتي الشهداء ورياض الصلح وما تخللها من تحطيم وإحراق الخيم التي نصبها المعتصمون، عجلت خيار الاستقالة على الرئيس الحريري والتي فاجأت رئيس الجمهورية ورئيس <تكتل لبنان القوي> الوزير جبران باسيل لأن الاتصالات التي كانت جرت قبل هذه الحادثة أوحت وكأن خيار الاستقالة لا يزال خياراً بعيداً لدى الرئيس الحريري الذي كان ينوي دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد يوم الخميس الماضي، وانشغل المعنيون في التحضير لجدول الأعمال، في وقت كان الرئيس الحريري يترأس لجنة وزارية تدرس قانون العفو العام، ودعا الى جلسة ثانية لها من أجل قراءة نهائية لمشروع القانون! ويبدو، وفقاً لمصادر متابعة، ان الرئيس الحريري وجد نفسه أمام

واقع من الصعب عليه مواجهته، مع تصاعد الدعوات الى استقالة الحكومة وتحميله مسؤولية أي تأخير في هذه الاستقالة، مع ما يمكن أن يحصل من مواجهات دامية إذا استمرت <الغزوات> من جهة، واطلاق الاتهامات من جهة أخرى.

لقد اختار الرئيس الحريري التضحية بالحكومة على أمل أن تشكل هذه التضحية ثمناً يرضي المعتصمين والمتظاهرين ويدفعهم الى فك اعتصامهم وفتح الطرق وبدء الحوار حول المطالب التي رفعوها. إلا ان هذا الأمل قد لا يتحقق بالكامل لأن

المؤشرات أوحت وكأن <الحراك الشعبي> ماض في خطواته التصعيدية لأن غالبية المشاركين فيه، اعتبرت ان استقالة الحكومة <خطوة أولى> في مسيرة تحقيق المطالب المرفوعة والتي تتدرج من استقالة الحكومة الى <اسقاط النظام>!

وبصرف النظر عما ستؤول إليه الحركة الشعبية وردود الفعل على <صدمة> استقالة الرئيس الحريري، فإن معالجة الشأن الحكومي ستتم بالتزامن مع استمرار التحركات على الأرض التي يمكن أن تشهد انفراجات محدودة علماً ان مطلب اجراء انتخابات نيابية مبكرة الذي رفعه المعتصمون لا يبدو مطلباً متناغماً مع <اسقاط النظام> واستقالة النواب ورئيس الجمهورية لأن سقوط المؤسسات الدستورية ورموزها يسقط أي امكانية في تحقيق المطلوب، إذ من يشرّع الاصلاحات المطلوبة إذا كان لا وجود للنواب ومجلسهم، ومن يصدر القوانين وينشرها ويوقع مراسيم اجراء الانتخابات النيابية وغيرها من الاجراءات التنفيذية إذا لم يكن رئيس الجمهورية موجوداً... لذلك يبدو شعار <اسقاط النظام> خارج السياق المنطقي في النظام الديموقراطي البرلماني الذي يعتمده لبنان حيث للمؤسسات الدستورية الدور الأساسي في التغيير والاصلاحات. لذلك فإن الجهد السياسي انصب بادئ ذي بدء على معالجة الوضع الحكومي التي قد يأخذ وقتاً خصوصاً ان خطوة الرئيس الحريري لم تكن منسقة مع رئيس الجمهورية الذي تريث في اصدار بيان قبوله الاستقالة وتكليف الرئيس الحريري ووزرائه تصريف الأعمال الى حين تشكيل حكومة جديدة.

 

4 خيارات حكومية!

 

إلا ان ذلك لن يحول دون <ادارة المحركات> الحكومية بغية الوصول الى تفاهم يؤدي الى صدور مراسيم التأليف في وقت قصير، وإن كان ثمة من يستبعد هذا الأمر ويتحدث عن فترة طويلة من تصريف الأعمال نتيجة عدم الاتفاق على صيغة حكومية بديلة، مع العلم بأنه سبق استقالة الحريري مشاورات بعيداً عن الأضواء حول تغيير حكومي يفرز تركيبة وزارية ترتكز على الخيارات الآتية:

ــ أولاً: حكومة لا وزراء فيها من النواب تعرف بـ<حكومة التكنوقراط> التي يطالب بها المعتصمون الذين لا يريدون للسياسيين أن يشاركوا في <حكومة ما بعد الثورة>. إلا ان هذا الخيار اصطدم برفض من حزب الله الذي يعتبر انه بعد الطائف لا مجال لحكومة غير سياسية تدير شؤون البلاد. إضافة الى ان حكومة مثل هذه سوف يغيب عنها حكماً الوزير جبران باسيل (وهو نائب) وهو أمر غير مقبول من الرئيس عون وحزب الله وحلفاء آخرين، وثمة من قال ان أحد أسباب الاستقالة الحريرية

كان رفض رغبته بحكومة اختصاصيين من غير السياسيين.

ــ ثانياً: حكومة من نصفين، نصف وزرائها من التكنوقراط والنصف الثاني من السياسيين الذين يمثلون الكتل النيابية الأساسية، على أن تكون وزارات الخدمات من نصيب التكنوقراط كل حسب اختصاصه، ويرى البعض ان مثل هذه الصيغة أقرب الى الواقع السياسي اللبناني الذي لا يمكن أن يتجاهل دور الأحزاب وحضورها في مجلس النواب. إضافة الى انه من الصعب اقناع الكتل النيابية الكبيرة التي تمثل أحزاباً سياسية كبيرة بأن تكون خارج السلطة التنفيذية التي يتولاها مجلس الوزراء.

ــ ثالثاً: حكومة تضم الأقطاب السياسيين من رؤساء الكتل النيابية كوزراء دولة، فيما يتولى الحقائب الأساسية والخدماتية وزراء من أصل الاختصاص المشهود لهم بالكفاءة والخبرة والسمعة الحسنة ويتقبلهم <الحراك الشعبي> ويثق بهم.

ــ رابعاً: حكومة تتمثل فيها الأحزاب والكتل الكبيرة من خلال وزراء قريبين منها من غير الحزبيين أو من أصحاب اللون الحزبي الفاقع.

 

توزير باسيل... مشكلة!

والى هذه الخيارات، ثمة من يطرح مسألة توزير الوزير جبران باسيل على أنها عقدة أساسية قد تعرقل ولادة الحكومة، خصوصاً ان معلومات تشير الى أن ثمة من يربط بين ترؤس الرئيس الحريري للحكومة وحتمية وجود باسيل فيها، وإلا يتم استبعاد الاثنين ما يعني عدم عودة الرئيس الحريري الى السرايا، وهو امر غير وارد انطلاقاً من ان الرئيس الحريري مرشح الطائفة السنية لتولي هذا المنصب ولن يكون هناك من ينافسه في هذا المنصب. فضلاً عن ان استبعاد الوزير باسيل عن التركيبة الحكومية لا يلقى الصدى الايجابي لدى الرئيس عون الذي لن يقبل بأن يتحمل باسيل وزر سنوات من الهدر والفساد والمحسوبية لم يشارك فيها وزير الخارجية الذي لم يدخل المعترك الوزاري فعلياً إلا بعد انتخابات العام 2009 النيابية. وهنا يلعب حزب الله دوراً أساسياً لجهة اشتراطه وجود باسيل في الحكومة العتيدة بصرف النظر عن تركيبتها، وذلك انسجاماً مع المواقف التي اتخذها الوزير باسيل حيال المقاومة في ظروف سياسية صعبة جعلته من <المبعدين> عن دول كبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية التي رفض وزير خارجيتها <مايك بومبيو> استقباله لدى وجود باسيل في العاصمة الأميركية قبل أشهر!

في أي حال، يؤكد المطلعون على ان تشكيل الحكومة العتيدة لن يكون سهلاً، وعوامل الصعوبة فيه كثيرة تبدأ من شكل الحكومة وتوصيفها، وتنتهي بهوية الوزراء الجدد، ما يعني عملياً ان حكومة الرئيس الحريري ستتولى تصريف الأعمال حتى إشعار آخر مع ما يعنيه ذلك من استمرار التدهور الاقتصادي وتجميد مشاريع <سيدر> والمخطط الاقتصادي التوجيهي (ماكينزي) وغيرها من المشاريع الواعدة التي يحتاجها لبنان بقوة لاستنهاض اقتصاده في فترة حرجة جداً من حياة الوطن. علماً ان التأخير في تشكيل الحكومة سيؤدي الى تصاعد <الحراك الشعبي> واتساعه مع ما يعني ذلك من استمرار الشلل في حركة الأسواق وفي انتظام العمل العام!

في 31 كانون الثاني (يناير) 2019 شُكلت حكومة الحريري <الى العمل> وكان مفترضاً أن تستمر حتى الانتخابات النيابية سنة 2022، لكن رياح <الثورة> جرت على غير ما تشتهيه سفن الحكم، فسقطت وكان سقوطها عظيماً!