تفاصيل الخبر

التجاوب مع "خارطة طريق" ماكرون ينقذ لبنان.... وإلا فالانهيار محتوم!

19/08/2020
التجاوب مع "خارطة طريق" ماكرون  ينقذ لبنان.... وإلا فالانهيار محتوم!

التجاوب مع "خارطة طريق" ماكرون ينقذ لبنان.... وإلا فالانهيار محتوم!

 

[caption id="attachment_80394" align="aligncenter" width="589"] الرئيس "ايمانويل ماكرون" في قصر بعبدا مع الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب خلال زيارته الخاطفة للبنان[/caption]

لم يشأ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في حديثه الى محطة "BFMTV" الفرنسية يوم السبت الماضي ان يعتبر الاهتمام الذي يبديه الرئيس الفرنسي" ايمانويل ماكرون" بالوضع في لبنان، بأنه تدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، على رغم المحاولات التي قامت بها الصحافية التي حاورته لدفعه الى توصيف اهتمام "ماكرون" بأنه تدخل. ذلك ان الرئيس عون حرص على اعتبار مواقف الرئيس الفرنسي على انها مواقف صديق يريد الخير لدولة صديقة تربطها علاقات متجذرة عبر التاريخ وهو -على حد تعبير الرئيس عون- قدم نصائح وفي هذه الحالة لا يمكن الا شكره على مبادرته وعلى ما يبديه من تعلق بوطن الارز. ولما قيل لرئيس الجمهورية متى يصبح اهتمام "ماكرون" تدخلاً، اجاب: "عندما يتدخل في تشكيل الحكومة"!

 يبدو واضحاً من سلوك الرئيس"ماكرون" حيال لبنان ان لديه رغبة صادقة باخراج لبنان من الازمة التي يتخبط بها من خلال الاتصالات شبه اليومية التي يجريها بالمسؤولين والسياسيين اللبنانيين والتي يسعى من خلالها الى التوصل الى اتفاق كي تولد الحكومة الجديدة في اسرع وقت ممكن ليتمكن من اطلاق المرحلة الثانية من الاهتمام الفرنسي وهي المساعدة في اعادة اعمار ما تهدم نتيجة انفجار المرفأ والاضرار الجسيمة في الاحياء السكنية المجاورة. وما من شك ان حادثة التفجير هي التي حركت بقوة الاهتمام الرئاسي الفرنسي، لكن ثمة رغبة فرنسية بعدم وقوع لبنان في شباك المحاور التي تنشط في المنطقة حالياً بالتزامن مع حالات سياسية جديدة وعمليات فرز في الولاءات تشهدها دول المنطقة والتي ترغب الرئاسة الفرنسية بأن يبقى لبنان بعيدا عنها، لاسيما وأن الرئيس "ماكرون" حذر مراراً من الدور التركي في المنطقة من طرابلس الغرب الى طرابلس الشام مع قلق من تكرار السيناريو الليبي في لبنان، وبالتالي كان مفهوماً الموقف التركي حيال التحرك الفرنسي تجاه لبنان عندما سارعت انقره الى مقارعة الحضور الفرنسي الرئاسي وذلك على خلفية الدور الذي لعبته باريس بداية هذا القرن في اسقاط المشروع العثماني زمن السلطنة ووراثة دورها الاقليمي. الا ان باريس ماضية، رغم كل الانتقادات التركية والانزعاج الاسرائيلي، في تشجيع الحوار الداخلي اللبناني متسلحة بالتفويض الاميركي والدولي الذي اعطي للرئيس "ماكرون" لمعالجة الشأن اللبناني.

 ويقول متابعون لتحرك "ماكرون" انه بات يعرف السياسيين اللبنانيين معرفة مباشرة ويغوص معهم في عمق القضية اللبنانية ويطلق على كل منهم التوصيف الذي يراه فيه، فيقول عن هذا إنه "مجتهد" ويقول عن ثان إنه " ديناميكي" ويـــرى في ثالث بأنـــه "كسول" او "قاصر" وفي رابع بأنه "فاسد" و"سارق" الى درجة انه لا يتردد في تقريع شديد لاحد المسؤولين، كما لا يفوته التعليق على تفاصيل داخلية سياسية واقتصادية واجتماعية وحتى شخصية، قد تبدو للوهلة جزئيات غير ذات قيمة مقارنة بكامل المشهد. وهذا الواقع دليل على الجدية التي يتعاطى بها الرجل مع الازمة، وهو الراغب في تحقيق اختراق مبين، من جهة ليقي لبنان تداعيات استمرار ازماته وتعقيداته واتصاله السلبي بأزمات المنطقة، ومن جهة اخرى ليحقق نصراً للديبلوماسية الفرنسية يتيح له العودة الى المتوسط من الباب اللبناني الواسع، بعد تراجع في الدور وضمور في الحضور السياسي، وحتى الفرانكوفوني.

 ويأمل "ماكـرون"، الذي حدّث مبادرته الاخيـرة في قصر الصنوبـر من صيغة "وحدة وطنية" الى "صيغة توافق وانقاذ"، ان يحقق اجماعاً على تشكيل الحكومة، لادراكه ان هذا الاجماع هو الكفيل في ان تصفي القوى السياسية النيات، وفي ان تقر الاصلاحات الملحة الاقتصادية والمالية والسياسية، وهي في مقدمة الشروط التي تتيح للمجتمع الدولي الانخراط في ورشة الانقاذ اللبناني.

حوار قصر بعبدا

 ويبدي من على تواصل دائم مع الرئيس"ماكرون"، ارتياحاً لافتاً للمقاربة التي وضعها لحل الازمة، لما لشخصية الرجل وقدرته على الدفاع عن فكرة يطرحها للنقاش ومقارعة الحجة بالحجة. من هنا التعويل على شخصيته الدينامية وآليات العمل التي يعتمدها من اجل تحقيق الاختراق المراد تحقيقه والذي من شأنه ان يشكل مقومات صلبة ومستدامة للمظلة الدولية الانقاذية والحامية للكيان، من غير ان يعني ذلك اغفالاً لعوامل خارجية كثيرة اقليمية ودولية قد تعرقل جهود سيد الايليزيه او تحد من اندفاعته. ويعود بعض المطلعين الى ما دار في قصر بعبدا بين "ماكرون" والرؤساء عون ونبيه بري وحسان دياب من حوار قال فيه "ماكرون" بصراحة متناهية إن هناك في لبنان ازمة اخلاقية وسياسية جعلت لبنان ضعيفاً على نحو لم يحصل سابقاً حتى في أيام الحرب. لقد بدا في هذا اللقاء الرباعي متأثراً جداً من سماعه خلال جولته في المناطق المنكوبة في الجميزة والجوار من قال له "نريد عودة الانتداب الفرنسي" ... نريد وصاية فرنسية!. هذه الدعوة وصفها "ماكرون" بأنها دليل على ان النظام أفلس.

لأجل ذلك طرح "ماكرون" ان تكون فرنسا الى جانب لبنان وتتعهد في ان تحصل ايضاً على دعم سعودي واوروبي واميركي اذا ما تحققت امور ثلاثة:

- الأمر الأول اطلاق مبادرة سياسية تؤدي الى تشكيل حكومة قوية وقادرة على القيام بالعمل المطلوب منها.

- الأمر الثاني تعمل الحكومة على تنفيذ الاصلاحات التي ينتظرها كل من شارك في مؤتمرات باريس 1و2و3 و"سيدر" في مجالات الطاقة والكهرباء والمناقصات والجمارك ومكافحة الفساد. لقد اضعتم – قال ماكرون - سنوات، علما ان التمويل في اطار "سيدر" موجود لكن يجب اقناع المجتمع الدولي بأنكم جديون. لكن اذا انتظرتم الانتخابات الاميركية او اي استحقاق آخر- فإن الانهيار سيكون اسوأ بكثير مما هو حاصل الآن.

- الأمر الثالث هو اطلاق برنامج صندوق النقد الدولي، والتدقيق الجنائي في مصرف لبنان وكذلك النظام المصرفي. صحيح هناك تردد - قال ماكرون - لكن من الضروري المضي في هذه الامور لتصحيح اخطاء حصلت. كثيرون اخطأوا وقبضوا، لكن هناك دائما آليات للعفو، لأنه اذا لم يحصل التدقيق المالي لحسابات مصرف لبنان، فإن نظامكم المالي سوف ينهار. نظامكم قائم على الاستيراد والتصدير وعلى ضمانات من البنك الدولي، لكنه انكسر بفعل انعدام الثقة، والتدقيق المالي ضروري لعودة الثقة فضلاً عن انه شرط اساسي للتفاوض مع صندوق النقد الدولي. واعتبر "ماكرون" في حديثه، كما نقل احد الحاضرين، أن إنشاء صندوق يضم اصول الدولة اللبنانية يشكل ضمانة، كما ان هناك اساليب اخرى، لكن من الضروري معرفة الواقع المالي في البلاد. واذا تم اتفاق سياسي بين القيادات يمكن تقديم ضمانات "وأنا مستعد لمساعدتكم على الصعيد التقني، وإلا فإن النظام المالي سوف ينهار..."

 نعم، بهذه الصراحة حدّث "ماكرون" الثلاثي عون- بري- دياب وهو طلب المعذرة من صراحته التي قال إنها نابعة من صداقة تفرض عليه ان يقول الامور كما هي وإلا فهو لا يكون صديقاً للبنان واللبنانيين الذين يريدون من فرنسا ان تساعدهم، لكنهم طالبوا بألا تذهب هذه المساعدات عبر الحكومة او عبر السياسيين "لأنهم كلهم فاسدون وكلهم قتلونا"- على حد تعبير اللبنانيين لـ"ماكرون"!

 لم يشأ ان يتوغل "ماكرون" اكثر في كلامه وهو بدا انه يعرف كل شيء عن الفساد والفاسدين والمفسدين، لذلك اكد لــ "الترويكا" الرئاسية انه يريد لبنان بلداً ذات سيادة وعلى اللبنانيين ان يختاروا قيادتهم وهو مستعد للعمل مع هذه القيادة للمساعدة في الخروج من النفق الذي بات فيه لبنان البلد الذي يحيا فيه التعايش المسيحي- الاسلامي الذي لم يعد موجوداً في الشرق المتوسط الا في لبنان واذا لم تحصل هذه اليقظة فإن القوى الاقليمية المسيطرة من ايران الى تركيا واسرائيل سوف تتقاسم لبنان فينهار ما تبقى من المتوسط...لذلك يجب المكافحة بكل قوانا للمحافظة على لبنان، فهو حاجة ملحة.

 ويضيف الذين التقوا "ماكرون" ان ما قاله في بعبدا، قاله ايضا في قصر الصنوبر مع القيادات السياسية التي دعاها الى لقاء جامع حول طاولة مستديرة، ما يعني ان الرئيس الفرنسي ماض في خياراته تجاه لبنان، لكنه يحتاج الى تجاوب وعمل فعلي لا كلامي للوصول الى نتائج ملموسة قبل فوات الاوان. لقد وضع "ماكرون" خارطة طريق للمسؤولين والسياسيين اللبنانيين داعياً الى اعتمادها كي يسلم لبنان من الانهيار.... فهل سوف يجد آذاناً صاغية ام ان صراخه سيبقى في وادٍ؟