بقلم علي الحسيني
في ساحة الشهداء وسط العاصمة بيروت أفرد أهالي العسكريين المخطوفين لدى الجماعات المسلحة في جرود عرسال مساحة ضيقة لخيامهم بغرض تنفيذ اعتصام بداخلها تعبيراً عن غضبهم منذ لحظة اختطاف أبنائهم في الثاني من أب/ أغسطس الماضي على يد تنظيمي جبهة <النصرة> و<داعش> في يوم عرف بـ<غزوة عرسال>.
لا توجد في علم السياسة وبحرها الواسع أية بنود أو شروط يُمنع بموجبها عمليات التواصل والتفاوض حول مختطفين محتجزين لدى أطراف متنازعة ولو كلف هذا التفاوض تنازلات من هنا وهناك قد يعتبرها البعض <مُقدسات> أو مُسلمات لا يجوز المساس بها حتى لو كانت تتعلق بأرواح جنود تم وضعهم على لوائح الموت إما قتلاً بالرصاص وإما ذبحاً بسكين سبق أن مرت على رقاب عدد كبير من الأبرياء والمظلومين.
أجواء ايجابية في ملف المخطوفين
أهالي العسكريين تعاهدوا يوم قرروا تنفيذ اعتصامهم بعدم الخروج من مساحة صغيرة تشبه مساحة وطنهم، إلا بعد إطلاق سراح آخر عسكري مخطوف على أن يكون خروج الشيعي والدرزي والمسيحي قبل السني تأكيداً على وحدتهم وعلى مواجهتهم للمصيبة التي جمعت بينهم بروح واحدة. لدى اقترابك من مكان الاعتصام تستقبلك لافتات متعددة <باقون الى حين تحرير أسرانا> وتقابلك ايضاً ابتسامة الطفل مقبل ابن الجندي المخطوف خالد مقبل حسن وهو في حضن والدته. يسأل عن والده والفرحة تعتمر ثغره بعد سماع أحدهم يقول له <البابا رح يجي يا حبيبي>.
أجواء إيجابية سرت خلال هذا الأسبوع بين جموع من الاهالي تحلقوا حول خيمهم بعد أخبار وصلت اليهم تتعلق بمصير أبنائهم نقلها اليهم بعض الوسطاء العاملين على خط التفاوض بين الحكومة اللبنانية والجهــــات الخاطفــــة، وكانت أولى بــــوادرها ما قاله وزيــــر الداخليـــــة نهـــــاد المشنوق ان هناك تقدماً في هذا الموضوع لكن من دون ان يعلن عنه ريثما تتبلور الأمور بشكل نهائي. حسين يوسف والد العسكري المخطوف والمتــــابع للمـــلف بشكل دقيــــق أكد لـ<الأفكار> ان الامــــور تسير بشكل جيد وأن حلحلــــة ما بدأت تلوح في الأفق. وإن شاء الله سنسمــــع اخبـــــاراً ســـــارة قريباً جداً.
وتابع يوسف قائلاً: هناك بادرة حل لا نستطيع الإفصاح عنها في الوقت الراهن لكنها حتماً ستؤدي إلى نهاية سعيدة لهذا الملف الذي ستطوى نهايته بالشكل الذي يتمناه الجميع، وهذا كله يعود إلى الدور الذي تلعبه كل من دولة قطر وتركيا إضافة الى الجهود التي يقوم بها مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم، كاشفاً ان الموفد القطري الذي كنا ظننا أنه تخلى عن الملف عاد منذ فترة الى تحريكه بشكل قوي وقد تبين لنا انه كان قد تابع القضية عن كثب لكن بعيداً عن الاعلام للوصول الى نتائج مهمة كتلك التي وصلتنا مؤخراً.
وفي المعلومات التي حصلت عليها <الأفكار> من مصادر موثوقة تبين ان لقاء حصل مطلع الأسبوع الماضي بين موفد اقليمي معني بشكل مباشر في عملية التفاوض ومسؤولين عن <داعش> في جرود عرسال حصل على أثرها الأول على ضمانات بالسير بشكل جدي في عملية التفاوض بحسب الصيغة التي جرى التفاهم عليها بين الموفد والحكومة اللبنانية عبر مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم. وفي هذا السياق يؤكد يوسف ان الأهالي استقوا معلوماتهم من <خلية الأزمة> التي تدير العملية بتكليف من الحكومة اللبنانية ومن جهات تقوم بالتنسيق مع تنظيم <داعش> وليس جبهة <النصرة>.
زيارات الأهالي لعرسال إيجابية
كان يوسف قد زار منتصف الاسبوع الماضي جرود عرسال للاطمئنان على ولده الذي كان قد ظهر لآخر مرة خلال شريط مصور والى جانبه شاب يتحدث باللغة الفرنسية، ومنذ ذلك الوقت لم تصله اي معلومة عن نجله. وهنا يؤكد يوسف انه التقى هناك أحد المســـؤولين في تنظيم <داعش> وكان الحوار بينهما أكثر من جيد حيث أكد له ان ابنه بخير، لكن من دون ان يتمكن من رؤيته لأسباب قال انها لوجستية تتعلق بمواعيد العبور على الحاجز التابع للجيش اللبناني. ويوسف على يقين ان موعد الإفراج عن المخطوفين أصبح قريباً جداً وأن مفاجأة يمكن ان تحصل في أي وقت بهذا الخصوص، لكنه لا يـــدري عدد الجنود الذين سيفرج عنهم في المرحلة الأولى.
بدورها زوجة الجندي المخطوف خالد مقبل انفرجت أسريرها هي الأخرى نوعاً ما، لكنها لن تعيش نشوة الفرح كاملة كي لا تصاب بخيبة أمل تماماً كما حصل معها في العديد من المرات السابقة. تتحدث عن ألم فراق الزوج والحبيب والعطوف على أولاده وتتمنى لو ان المعلومات التي وصلتها عن موعد قريب للإفراج عن العسكريين تكون صحيحة، لكنها تخشى من عامل الوقت الذي يمر بسرعة من دون الوصول إلى نتيجة فعلية. ولإزالة الشكوك من رأسها تقول <لقد فوضت أمر خالد وجميع العسكريين المخطوفين إلى الله وحده>.
الحكومة تتوحد في قرار التفاوض
حملت قضية العسكريين المخطوفين تطورات بارزة لكن لا شيء مُعلناً لغاية الساعة حول تفاصيل ما يجري باستثناء ما أكدته إحدى المصادر العاملة على هذا الملف لـ <الأفكار> ان الايام المقبلة ستحمل اخباراً سارة على صعيد هذا الملف وان الحكومة اللبنانية قد اتخذت قراراً بالاجماع بالمضي بعملية التبادل ضمن آلية تحددها الحكومة نفسها، إضافة الى الجدية التي ظهرت عن الجهات الخاطفة لطي هذا الملف بالشكل الذي يتمناه الجميع
لم يحبط انتقال ملف التفاوض مع <جبهة النصرة> من يد الشيخ مصطفى الحجيري الاخير بل بالعكس، فهو يصر على المضي به حتى لو ظل وحده في ساحة التفاوض، وما يزيد في تأكيد إزاحة الحجيري عن هذا الملف أقله لجهة الحكومة اللبنانية تقاطع المعلومات التي حصلت عليها <الافكار> والتي أفادت عن لقاء حصل بين اللواء ابراهيم ومدير الاستخبارات القطرية غانم الكبيسي في بيروت منذ أيام قليلة استكمل فيه الرجلان البحث في مستجدات الوساطة القطرية مع خاطفي العسكريين. وقد علم بهذا الشأن ان المفاوضات مع <النصرة> دخلت مرحلة التدقيق باللوائح والأسماء التي يراد مبادلتها بالعسكريين اللبنانيين الستة عشر الذين تحتجزهم تمهيداً لغربلتها من جانب السلطات اللبنانية التي تسلمت لائحة رسمية تتضمن أسماء 40 موقوفاً لديها على أن تليها لائحة ثانية في أقرب فرصة.
بين الحجيري والفليطي.. أين الجديد؟
رغم المعلومات الخاصة التي تحدثت عن كسر جمود في عملية التفاوض مع تنظيم <داعش> الذي يحتجز لديه تسعة عسكريين لبنانيين، يرفض نائب رئيس بلدية عرسال احمد الفليطي المكلف بالتفاوض مع <داعش> التحدث بالموضوع ويكتفي بالقول لـ<الافكار> <وعدت رئيس الحكومة تمام سلام بعدم التكلم في الموضوع لأسباب لها علاقة بعملية التفاوض وما زلت عند وعدي له>. ولكن ماذا عن الشيخ مصطفى الحجيري؟ يقول الرجل لـ<الأفكار> <ان المفاوضات التي أديرها شخصياً تسير في طريقها الصحيح. لكنها اليوم تحولت إلى المفاوضين القطري والتركي، هذا ما علمته لغاية الآن. لقد قمت بالأمس القريب بزيارة إلى الجرود التقيت خلالها المسؤول عن <النصرة> في القلمون (ابو مالك التلة) حيث أكد لي ان الكرة أصبحت بيد الدولة اللبنانية. ومع هذا سيبقى جهدي الشخصي في القضية متواصلاً رغم العوائق التي تعترض عملي بين الحين والآخر، سواء اتفقت الحكومة مع قطر وتركيا أو لم تتفق، فهذه القضية تعنيني مباشرة كونها إنسانية بالدرجة الاولى ولأنني تابعتها منذ بدايتها. اما شرعية عملي فأستمدها من الناس وأهالي المخطوفين لكن يبقى أن تتفق <النصرة> والحكومة اللبنانية على مواصلة عملي>.
دور حزب الله في عملية التفاوض
من المعلوم ان مطالب الخاطفين ترتبط مباشرة بعرسال واللاجئين فيها مثل توقيف الجيش عمليات دهم مخيمات عرسال التي تأوي ارهابيين وطمأنة اللاجئين فيها والا تحصل عمليات عسكرية تسهيلاً في عودة الأمور الى ما كانت عليه في السابق، اذ انه وبحسب مصادر أمنية فإن طرق عرسال الفرعية الممتدة في الوعر تعتبر الشريان الحيوي شبه الوحيد لمعركة الارهابيين مع الجيش السوري وحزب الله في القلمون، علماً ان المصادر نفسها تجزم بعدم القبول بعودة الأمور الى عرسال على ما كانت عليه قبل الثاني من آب / أغسطس العام 2014.
واذا كانت الحكومة اللبنانية معنية بالمفاوضات، وكذلك قطر وتركيا يسأل البعض عن دور سوريا وحزب الله في موضوع المفاوضات والمقايضة، خصوصاً ان الامين العام لـحزب الله السيد حسن نصرالله كان قد أعلن في خطابه الأخير تأييده المفاوضات وطالب بإظهار أوراق قوة. مصادر في الحزب تؤكد إمكانية حصول مقايضة فيما لو أبدت الجهات الخاطفة جدية في الموضوع مع تأكيدها بأن هناك عناصر ينتمون الى عدد من التنظيمات المسلحة من دون ذكر اسمها كانوا قد وقعوا في الاسر في يد الحزب خلال معارك القلمون او القنيطرة.
ومن المعروف أن عدد العسكريين المخطوفين من جيش لبناني وقوى أمن داخلي هو 25 عنصراً بينهم 16 عنصراً لدى جبهة <النصرة> والباقي يحتجزهم تنظيم <داعش>، لكن هذا العدد تقلص بعدما جرى إعدام كل من: علي السيد، عباس مدلج، محمد حمية وعلي البزال على فترات متلاحقة.