تفاصيل الخبر

التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان عقد "مفخخ" بالشروط ومنها السرية المصرفية!

09/09/2020
التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان  عقد "مفخخ" بالشروط ومنها السرية المصرفية!

التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان عقد "مفخخ" بالشروط ومنها السرية المصرفية!

[caption id="attachment_81034" align="alignleft" width="375"] وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني[/caption]

 عملية التدقيق الجنائي في مالية مصرف لبنان forensic audit التي طالب بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كمدخل للاصلاحات المنوي تطبيقها في لبنان، يصح ان تدخل كتاب "غينيس" نظراً للمراحل الكثيرة التي مرت بها "والمطبات" التي وضعت في طريقها حتى اذا ما استطاع المطالبون بها "الظفر" بتحقيقها، اتضح ان شروط نجاحها مفخخة بنصوص تجعل تطبيقها دون ما هو مأمول! مشوار طويل سلكته عملية التدقيق الجنائي اذ بدأ الحديث عنها في أوائل عهد الرئيس عـــون لكنهــــا لم تصبح ممكنة التحقيق الا فـــي شهر اذار (مارس) الماضي عندما اتخذ مجلس الوزراء قراراً باعتماد التدقيق الجنائي في مصرف لبنان وطلب من وزير المال غازي وزني التفاوض مع الشركات المختلسة لاختيار إحداها لهذه المهمة....وهنا بدأت رحلة "الآلام"، كما يسميها كثيرون في لبنان. فمن اجتماع لمجلس الوزراء الى اجتماع كان وزير المال يجد دائماً الحجج الكافية لتبرير عدم تلزيم التدقيق الجنائي.... تارة ان الشركة الفلانية غير مؤهلة، وتارة اخرى ان الشركة المؤهلة "صهيونية"، وطوراً ان الشركة الممكن التعاقد معها "تتعامل مع العدو"... الى غير ذلك من الروايات التي لم تنته.

 ويذكر احد الوزراء في حكومة الرئيس حسان دياب التي تصرف حالياً الاعمال كيف تم "تزحيط" شركة "كرول" الاشهر عالمياً في مجال التدقيق الجنائي بحجة انها تتعامل مع اسرائيل، وهو الأمـر الذي لم يتم اثباته، وصولاً الـــى الحاح من الرئيس عـــون وتهديده بـــ "فضح" المستور، لاسيما وأنه في إحدى المرات - حسب رواية الوزير نفسه - سئل وزير المال ما اذا كان الاعتراض على الشركة المختارة ام على مبدأ التدقيق الجنائي، فكان جوابه سريعاً وصريحاً : "ان الفريق السياسي الذي أمثله في الحكومة غير موافق على مبدأ التدقيق ولا على الشركة ايضاً! بهذه الصراحة بدا ان امكانيــــة الوصول الى اعتمــــاد التدقيق الجنائي "انجاز" غير ممكن في الظرف السياسي الراهن.

 إلا أن إصرار رئيس الجمهورية على تحقيق هذه العملية وإثارته الموضوع مع الرئيس نبيه بري، أديـا الى إعـــادة طرح الموضوع على مجلس الوزراء ليرسو التلزيم الى شركــــة "الفاريس ومارسال" الاميركية للقيام بهذه المهمة الجلل.... الا ان المماطلة لم تغب حتى في التفاوض مع الشركة اذ استمر ذلك اكثر من شهر ونصف الشهر. صيغة تذهب واخرى تعود... ملاحظات من هنا وملاحظات من هناك، شروحات حول الشروط، وايضاحات لها الخ.... الى ان استقالت حكومة الرئيس دياب "وتنفس" المعترضون الصعداء بأن التدقيق الجنائي ذهب مع الاستقالة!.

 الا ان ما كل ما يتمنى المرء يدركه... فقد ابقي البحث في الموضوع حياً ومورست ضغوط عدة على وزير المال للاسراع في توقيع العقد بعد انتهاء المفاوضات وارسال الملف الى هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل لابداء الرأي وفق الاصول، وبعد الحاح لا مثيل له من الرئيس عون، وقع الوزير وزني في الثاني من ايلول (سبتمبر) الجاري "احتفالية" مصورة، وتوالت ردود الفعل المرحبة والمشيدة بالخطوة الاصلاحية الابرز، واعلم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي كان في بيروت بأن التوقيع قد تم ففرح جداً لأن التدقيق الجنائي من ابرز الاصلاحات التي تضمنتها الورقة الاصلاحية الفرنسية التي سلمت الى الاطراف اللبنانيين للتفاوض على اساسها والتقيد بموضوعها... وبعد بضعة ايام ارسلت نسخ من الاتفاقية الى قصر بعبدا بناء على طلب رئيس الجمهورية الذي "اكتشف" بعد التدقيق بها ان الوزير وزني لم يلتزم بملاحظات هيئة التشريع والاستشارات وفق ما نص عليه مجلس الوزراء، وقد اختلف النص الموقع عليه عن النص الذي كان اطلع عليه الرئيس عون ووافق على مضمونه.

نصوص "مفخخة" !

 وفي المعلومات المتوافرة أن العقد الجديد يلزم الشركة بتقرير أولي، بالبدل ذاته من دون تخفيض، ويشير الى انه لا يمكن الركون اليه قضاء الا بعد موافقتها، وأن الدولة، إن رغبت بمعلومات اضافية او تقريراً نهائياً، تصبح ملزمة بدفع بدل اتعاب جديد. كذلك حرر العقد الموقع مصرف لبنان من موجب تزويد المعلومات الاضافية في حال اعتبرت الشركة ان ثمة معلومات ناقصة او غير كافية لديها، كما حرمتها من الوصول الى المعلوماتية لديه، واكثر من العطف على النصوص الالزامية او المتعلقة بالنظام العام في القانون اللبناني (والمقصود السرية المصرفية) وأزال ما ورد في المشروع من اللجوء عند الحاجة الى قواعد العمل لدى EGMONT GROUP كما أزال اللجنة المواكبة لعمل الشركة...

لقد اصبحت وزارة المالية، هي التي تتوجه اليها طلبات الشركة، فتنظر فيها وتلبيها وفق الميسر والممكن والمعقول، ولم يعد مصرف لبنان معنياً بالمباشر، في حين ان التدقيق المحاسبي الجنائي يفترض ان يحصل في دفاتره وممارساته وفقاً للاصول. الا ان المصادر المعنية ابدت رغم وجود هذه الفوارق، حرصاً على المضي في الاتفاقية وإن اقتضى الامر التفاوض على النصوص التعاقدية من جديد، وبأن يتم التدقيق المحاسبي الجنائي وفقاً للاصول المعترف بها دولياً كي يأتي ثماره ويفي بالآمال المعقودة عليه، وان يصار، تأسيساً على ذلك، الى تعميمه على وزارات الدولة ومؤسساتها.

وتقول مصادر متابعة لهذا الملف ان اعادة البحث من جديد في شروط الاتفاقية قد يعرضها للتأخير في التنفيذ علماً ان التقرير الاول يجب ان يرفع في مهلة قصيرة نسبياً، الامر الذي يؤدي الى اضاعة الوقت وهو ما لا يرغب به رئيس الجمهورية الذي سهر على ولادة الاتفاقية وبدء العمل لأنه اللبنة الاولى في مدماك الاصلاحات المرجوة محلياً ودولياً.

وزارة المال تعترف ولا تعترف

 الا ان القول إن العقد الموقع عليه اختلف عن العقد الذي وافق عليه الرئيس عون قبل توقيعه، اثار ردة فعل لدى وزير المال الذي عمم عبر مصادره الاعلامية ان العقد مع "الفاريس ومارسال" تم وفقاً للقوانين اللبنانية ومن ضمنها ما له علاقة بالسرية المصرفية وان العقد ينص على التقرير الاولي وقد تمت الموافقة على هذا الامر من المراجع العليا في الدولة التي اذا رغبت بتقرير ثان او نهائي فيجب ان يتم ذلك مقابل بدل مادي آخر. واشارت مصادر وزارة المال الى ان العقد يقول بوجود لجنـــة المراجعة الثلاثية وفي اطارها قاض من هيئة التشريع والاستشارات وتعود اسبوعياً الى وزارة المال لاطلاعها على سير العمل وما اذا كان هناك من طلبات لتلبيتها وعراقيل بمعالجتها. اعترفت المصادر ان الوزارة لم تضمن العقد تعاوناً مع مجموعة EGMONT فهي مفوضة التوقيع على عقد بين الحكومة اللبنانية و ALVAREZ ولا يحق لوزير المال ان يوقع عقداً مع مجموعة EGMONT طرف ثالث للعقد. وسألت المصادر من قال ان هذه المجموعة تقبل ان تكون طرفاً بهذا العقد ولم يجر الحديث معها بحسب مصادر وزارة المال علماً ان هدف العقد هو التدقيق الجنائي وليس ملاحقة ملفات تمويل الارهاب وتبييض الاموال وهو ما تختص به هذه المجموعة. المهام التي ستقوم بها الشركة في مصرف لبنان وفق هذا للعقد لن تتغير ولن تعدل كما انه مباح للدولة استخدام مضمون التقرير الاولي في القضاء، لكنه لا يتيح لها استخدام اسم الشركة لهذه العملية.

 وفي اي حال، كل هذه الملاحظات ولاسيما لجهة المساعدة او عرقلة كشف المعلومات والسرية المصرفية لا يمكن التحقق من مدى صحتها الا في ممارسة الشركة لعملها، وعندها يمكن التأكد ما اذا كانت فترة العقد وهي عشرة اسابيع كافية للوصول الى تقرير اولي شامل، ام ان عراقيل ستحول دون ذلك وتطيح العملية برمتها، وبالتالي تمنع امتدادها الى ادارات ووزارات ان لم تجر وفقاً للاصول. فما الذي سيتحقق عملياً، تدقيق مالي جنائي ام تدقيق مالي حسابي فقط؟ الايام المقبلة تجيب عن هذا السؤال الذي يبقى الأساس في "العقد المفخخ"!.