تفاصيل الخبر

التدخّل الروسي المباشر في سوريا ليس للحسم العسكري إنما لتسريع التفاوض وصولاً الى التسوية السياسية!

09/10/2015
التدخّل الروسي المباشر في سوريا ليس للحسم العسكري  إنما لتسريع التفاوض وصولاً الى التسوية السياسية!

التدخّل الروسي المباشر في سوريا ليس للحسم العسكري إنما لتسريع التفاوض وصولاً الى التسوية السياسية!

بقلم حسين حمية

9شهدت الأزمة السورية تطوراً جديداً تمثل بالتدخل الروسي المباشر عبر القصف الجوي لمواقع المعارضة المسلحة  بالتزامن مع إعلان موسكو عن حوار سوري - سوري، فما مدى انعكاس ذلك على مجمل الوضع في المنطقة بما في ذلك لبنان الذي يشهد بدوره التعطيل الكامل رئاسياً ومجلسياً وحكومياً؟!

<الأفكار> التقت رئيس حزب الكتائب السابق والوزير السابق أيضاً كريم بقرادوني داخل منزله في منطقة الأشرفية وحاورته في هذا الملف، لاسيما وانه خبير في الاستراتيجية السياسية على مستوى العالم ومحلل من الطراز الأول.

سألناه بداية:

ــ في تقديرك، لماذا هذا التدخل الروسي اليوم وبعد أربع سنوات ونصف السنة على نشوب الأزمة السورية؟

- التدخل الروسي استراتيجي، وهو يُدرس منذ فترة من قبل القيادة الروسية وأعقب التدخل الإيراني غير الواضح المعالم والموجود عملياً على الأرض، ناهيك عن التدخل الدولي المُعلن. وهناك سببان للتدخل الروسي الأساسي: الأول، هو الحفاظ على نظام بشار الأسد، وهذا واضح في كل المراحل منذ بداية الأزمة السورية وحتى اليوم، إذ ترفض القيادة الروسية تنحّي بشار الأسد أو سقوطه، والثاني هو تصميم الرئيس الروسي <فلاديمير بوتين> على استعادة دور روسيا في المنطقة بعدما ارتاح في الداخل عبر الانتخابات وارتاح دولياً، وبالتالي ما لم يكن في استطاعته فعله قبل أربع سنوات، بات اليوم قادراً على فعله.

<بوتين> القيصر

ــ هل أصبح <بوتين> قيصراً؟

- طبعاً. وبصورة خاصة، فإن <بوتين> يمسك بمفاصل الجيش الروسي الذي يتجاوب معه ويعرف أن سوريا موقع استراتيجي بالنسبة لروسيا، بما يتعلق بالأمن القومي الروسي، لأن الروس يعرفون أنه إذا ربح المتطرفون في سوريا حتماً سيصبحون في الشيشان، في وقت هناك تحوّل دولي في النظرة الى الأزمة السورية وهناك قناعة بأن العدو الأول هو الإرهاب <الداعشي> كخطر أكبر على الغرب عقائدياً وسياسياً، وروسيا تقول صراحة إنها تتدخل للحفاظ على النظام ومحاربة <داعش>، فيما ترى دول أوروبية أن <داعش> هو العدو، بالإضافة الى ضرورة إسقاط النظام، لاسيما فرنسا. ولكن الفارق بين <بوتين> والرئيس الأميركي <باراك أوباما> هو أن الأول يعرف ماذا يريد ولديه أدواته على الأرض لجهة التعاون والتنسيق مع الجيش السوري وقوات الحماية الكردية  على أن يضرب جواً ويتحرك هؤلاء على الأرض، في حين أن <أوباما> يريد إسقاط <داعش> وبشار الأسد معاً، لكنه لا يملك الأدوات على الأرض، وظهر جلياً أن الولايات المتحدة تضرب جواً منذ سنة ولم تستطع أن تغير في المعادلة السورية، لكن الدخول الروسي غيّر المعادلة.

ــ يقال إن الولايات المتحدة وصلت الى المأزق في سوريا ولذلك استنجدت بروسيا وإيران للتدخل وأعطت الضوء الأخضر لهما كما يقال؟

- لم تستنجد، بل سهّلت الدخول الروسي من خلال غض النظر عن الوجود الإيراني رغم ان هذه نقطة خلاف بين <أوباما> ورئيس وزراء اسرائيل <بنيامين نتنياهو>، حيث ان <أوباما> يغض النظر عن ايران ويقيم قاعدة تفاهم معها في حين أن <نتنياهو> يحذره من ان ايران هي الخطر الحقيقي. ومن الواضح أن هناك تقارباً بين الإيرانيين والأميركيين انطلاقاً من الاتفاق النووي الايراني. ولهذا السبب غض الأميركيون النظر عن الوجود الإيراني العسكري والاستراتيجي في سوريا. هذا أولاً. وثانياً، فروسيا لم تستأذن أميركا في التدخل ولم يحصل اتفاق تحت الطاولة بينهما، ولكن طالما أن أميركا محشورة في سوريا وهي تقصف <داعش> منذ سنة ولم تغيّر شيئاً، فقد تراجعت وأعطت المجال بدون اتفاق للدخول الروسي، وبالتالي اتوقع مفاوضات ما بعد الدخول الروسي بحيث ان <بوتين> يضع المعنيين أمام الأمر الواقع ويفاوضهم، تماماً كما فعل في أوكرانيا، وهو اليوم يضرب جواً كواقع جديد ويفاوض مستقبلاً على هذا الأمر الواقع، خاصة وأنه يتفاوض مع جزء من المعارضة السورية وهو يتفاوض مع ايران لأنه سيتعايش معها في سوريا، وسيتفاوض مع الولايات المتحدة، لكن كل ذلك  بناء على أمر واقع خلقه هو بالذات في سوريا، ولذلك سيكون الأقوى في التفاوض.

وأضاف قائلاً:

- واليوم أصبح هناك محور آخر في المنطقة هو المحور الروسي - السوري، العراقي الإيراني بعدما كان هناك محور واحد هو المحور الأميركي - السعودي - التركي والخليجي عموماً، وكانت هناك أحادية أميركية في إدارة منطقة الشرق الأوسط منذ حرب الخليج في التسعينات، ولكن اليوم تبدّلت المعادلة.

ــ البعض يقول إن روسيا ستغرق في الوحل السوري كما غرقت في أفغانستان. هل هذا وارد؟

- أعتقد أن الخطوة التي أقدم عليها <بوتين> تشوبها مخاطر جدية، لكنني أكيد بأن <بوتين> تعلّم من تجربة أفغانستان بعدما أرسلت روسيا جيشها الى هناك لمواجهة المعارضين. ولذلك أعتقد أن <بوتين> لن يرسل جيشه الى سوريا وقد يقوم بعمليات دون أن يكون هناك جيش ثابت على الأرض، إنما الأكيد أنه سيواصل الضربات الجوية، وهو يتكل أيضاً على الجيش السوري وقوات الحماية الكردية ليقوما بالتمشيط على الأرض.

 

لن يحصل حسم عسكري!

ــ يعني سوريا نحو الحسم العسكري؟

- الكل يدرك أن الحسم العسكري غير وارد رغم التدخل الروسي. وأنا كنت اقول عندما كان النظام يتراجع إن الحسم العسكري غير وارد ولن تتمكن المعارضة من إسقاط الأسد، وأيضاً لن يستطيع الأسد حسم المعركة عسكرياً، واليوم رغم التدخل الروسي ما زلت عند رأيي بأن الحسم العسكري غير وارد، وبالتالي فالتدخل الروسي سيسرّع التسوية السياسية.

ــ كيف سيكون شكل التسوية وهل ستكون على شكل الطائف اللبناني؟

- أي تسوية تتطلّب بعض الشروط، ويجب أن تتناول كل الأطراف بدون استثناء، وإلا إذا بقي طرف واحد خارج التسوية يستطيع خربطة الأوضاع.

ــ حتى الجماعات الإرهابية؟

- الجماعات الإرهابية أصلاً ترفض أي تسوية، ولكن التسوية تشمل كل من يرغب بالتفاوض والدخول في التسوية، وبالتالي فالقاعدة هي أن لا تسوية بدون أي فريق يرغب بهذه التسوية، ولذلك فالأمر الأول هو أن يجلس الجميع الى الطاولة بدون استثناء للوصول الى التسوية السياسية، والأمر الثاني هو أن أي تسوية يسبقها تفاوض لتحديد معالم هذه التسوية، وبالتالي هذه المفاوضات حسب تقديري ستبدأ مع الدخول الروسي المباشر، حيث سيبدأ أولاً مع روسيا حول الحلول، ولذلك هناك مرحلة تفاوض بدأت وبناء على نتائج هذا التفاوض تبدأ طاولة التسوية.

ــ يعني الكلام عن أن التدخل الروسي يصب في خانة حماية الساحل تمهيداً لإعلان الدولة العلوية، أمر غير صحيح؟

- أكيد، فلا روسيا في وارد تقسيم أي دولة من الدول وبصورة خاصة سوريا، ولا النظام السوري لديه مشروع تقسيمي لسوريا، وفي النهاية فالأسد هو ابن بيئة معينة بدأت عام 1970 ولا يستطيع التفريط بإرث والده حافظ الأسد المتمثل بالمبدأ الوحدوي، حتى أنه دخل الى لبنان عام 1976 تحت شعار منع التقسيم، وبالتالي من منع التقسيم في لبنان لن يقبل التقسيم في بلاده.

 

لبنان ليس أولوية عند أحد

 

ــ أين لبنان من كل هذا المشهد؟

- لبنان ليس  أولوية إقليمية أو دولية، وبالتالي فهناك فرصة لبنانية بأن يأتي رئيس بصناعة لبنانية لأن الجميع منشغلون عنّا، وانتظار كلمة سرّ من الخارج وهْم، وهي لن تأتي اليوم بل ستتأخر وقد تأتي بعد انتهاء الأزمة السورية، والأزمة السورية لن تنتهي بسرعة، وبالتالي فهناك مسؤولية لبنانية في إنتاج رئيس للجمهورية، لا بل هناك كما قلت فرصة لبنانية لانتخاب رئيس بدون تدخّل خارجي.

ــ كيف، وكل طرف متمسك بموقفه، وهل الحل بالرئيس التوافقي؟

- أي حل لبناني أنا معه، ولو كنت أمارس السياسة المحلية اليومية لكنت طرحت الاتفاق على أي شيء أفضل من عدم الاتفاق وانتظار الآخرين في الخارج، في وقت ليس لبنان في أولوياتهم.

ــ ألا تعتقد أن كل طرف من 8 و 14 آذار يعوّل على توظيف الخارج لمصلحته ولا يتنازل للفريق الآخر؟

- في الخيارات السياسية تبين ان فريق 8 آذار كان محقاً أكثر من فريق 14 آذار، بمعنى أن 14 آذار راهنت منذ بداية الأزمة السورية على سقوط بشار الأسد، واليوم بات سقوط بشار الأسد مستبعداً تماماً ولن يسقط عسكرياً، وهناك تسوية سيكون دوره محفوظاً فيها، لا بل ستكون التسوية معه، و8 آذار كانت تقول إن الأسد لن يسقط وثبت أنها محقّة، وبالتالي أقول إنه واهم من يعتقد أن بشار الأسد سيسقط عسكرياً ليس فقط بسبب التدخل الروسي، بل لأن هذا النظام صمد لأكثر من أربع سنوات وتبيّن أنه يختلف عن الأنظمة العربية الأخرى التي سقطت، وان الجيش السوري هو جيش آخر، وبالتالي فإن من راهن على سقوط النظام كان واهماً، وإذا استمر في اعتقاده فهو أيضاً واهِم. لا بل أقول إن النظام لو لم يثبت لأكثر من أربع سنوات لما كانت تدخلت روسيا، فلا أحد يتدخل لإنقاذ من يسقط، بل يتدخل لإنقاذ من يصمد... ونحن نتحدث هنا عن أكثر من 60 طرفاً كبيراً وصغيراً تدخل ضد بشار الأسد ورغم ذلك صمد.

ــ نفهم أن الرئاسة في لبنان في ثلاجة الانتظار؟

- طبعاً، إلا إذا اتقى اللبنانيون ربهم كما يُقال واتفقوا على انتخاب رئيس خاصة وان الدولتين المؤثرتين في المعادلة اللبنانية وهما ايران والسعودية ليستا الآن في وارد التفاهم لا في سوريا ولا حتى في موضوع الرئاسة اللبنانية، ولا يبدو في الأفق أنهما ذاهبتان الى تفاهم لا بل ساءت العلاقة بينهما بسبب حادثة الحجاج في <مُنى>.

ــ وهل يستطيع الحوار أن يفعل شيئاً على هذا الصعيد، أم ان الحوار هو لتمرير الوقت بانتظار التسوية الإقليمية؟

- من الممكن أن يكون الحوار لهذا السبب، أي إما لتضييع الوقت وهذا خسارة للبنان، لكن يمكن إثبات مرة أخرى أن اللبنانيين قادرون على إدارة شؤون بلدهم ولا يلزمهم دائماً وصيّ ويمكن الآن أن يثبتوا لمرة واحدة أنهم لا يحتاجون وصياً، وإما أن يهدي الرحمن عقول أهل الحوار ويتفقوا، وهذا ممكن.

جنبلاط وجعجع ناخبان قويان

 

ــ وهل يمكن للعماد ميشال عون أن يكون الرئيس بعد التدخل الروسي وأن يتفق عليه أهل الحوار؟

- ميشال عون سبق وطرق كل الأبواب، بدءاً من الباب الجنبلاطي الى الباب الحريري الى باب القوات وحظوظه كبيرة اليوم. ومن دون شك ولو كان ميشال عون في بلد غير لبنان لكان أصبح رئيساً بدون مشكلة وبشكل طبيعي، لكن خصوصيات لبنان ونظامه الطائفي هي أسباب تعرقل وصوله ولذلك فهو يحتاج الى الحد الادنى من التوافق. وفي تقديري أن هذه المسؤولية لا تقع على ميشال عون لأن من حق الرجل أن يترشح للرئاسة لاسيما وانه الأقوى مسيحياً والأكثر تمثيلاً، بل هناك مسؤولية حقيقية تقع على عاتق وليد جنبلاط بالذات لأنه يشكل بيضة القبان البرلمانية، لاسيما وأن الرجل ليست لديه أوامر خارجية بل علاقات خارجية ولا يتأثر بهذا الخارج أو ذاك كما حال سعد الحريري الذي وصل الى اتفاق مع ميشال عون.

وتابع يقول:

- وهنا أكشف أنه أصبح بين العماد عون والحريري بعض الودّ كما قال لي العماد عون وبعض التفاهم، وراهن عون على أن الحريري بدأ يرى صورة جديدة في ميشال عون والأخير بدأ يرى صورة جديدة في الحريري. لا بل قال عون إنه شعر أن الحريري سيسير به رئاسياً، لكن جاء القرار السعودي وخربط هذا المشروع، ولهذا السبب إذا حيدنا الحريري، فهناك مسؤولية تقع على وليد جنبلاط.

ــ ألا تقع أيضاً على سمير جعجع الذي وصل مع العماد عون الى إعلان نوايا؟

- طبعاً، لسمير جعجع دور كبير وهو قد يكون مرشحاً لا ينجح ولكن هو ناخب ناجح.

ــ يقال إن جعجع يترشح لقطع الطريق على عون. فهل هذا صحيح؟

- لهذا السبب فالأمر عند سمير جعجع. وهنا أقول إن خيار عون كان الذهاب لاتفاق مع الحريري وهذا الاتفاق سقط لكن بقي اثنان يستطيعان تشكيل أكثرية وإجراء اتفاق مع عون هما جنبلاط وجعجع، ومن هنا أتصور ان الانتخابات الرئاسية الحرة بدون تدخل خارجي كما الحال زمن الرئيس سليمان فرنجية عام 1970 هي اليوم بين يدي جنبلاط وجعجع.