تفاصيل الخبر

التاريخ اللبناني حافل بالتظاهرات والمسيرات المطلبية إلا أن القانون يحذر ألا تكون سبباً للفوضى والإخلال بالأمن!  

11/09/2015
التاريخ اللبناني حافل بالتظاهرات والمسيرات المطلبية  إلا أن القانون يحذر ألا تكون سبباً للفوضى والإخلال بالأمن!   

التاريخ اللبناني حافل بالتظاهرات والمسيرات المطلبية إلا أن القانون يحذر ألا تكون سبباً للفوضى والإخلال بالأمن!  

بقلم صبحي منذر ياغي

ابو-الفقير-معروف-سعد   اعتبرت أوساط مطلعة ان ما يشهده لبنان من تظاهرات واعتصامات مطالبة بحل موضوع النفايات، والإطاحة بالحكومة واسقاط الدولة، ليس بجديد على واقع لبناني حافل بنشاطات الحركات النقابية والشعبية والاحزاب، إلا ان المؤسف بنظر ناشطين في مجالات حقوقية خروج بعض هذه التظاهرات عن القانون وتعرضها للمؤسسات ورجال الأمن باسلوب غير ديموقراطي وباستخدام العنف، وقد جاء في المادة 13 من مقدمة الدستور اللبناني <ان حرية إبداء الرأي قولاً وكتابة وحرية الطباعة، وحرية الاجتماع، وحرية تأليف الجمعيات، كلها مكفولة ضمن دائرة القانون>، لذا فإن حرية التظاهر والاعتصام مسموحة في لبنان وفق القانون، شرط الا تكون سبباً للفوضى والاخلال بالأمن.

وقد اتصف لبنان منذ القدم وحتى في عهد الانتداب الفرنسي، بكونه بلد الحريات والتعبير عن الرأي والملاذ لكل الاحرار العرب الذين كانوا يعتبرون لبنان الملجأ والمكان الآمن من الظلم والاضطهاد. وكانت مقاهي الحمراء، وفندق <السان جورج> و<الدولتشي فيتا> في بيروت ملتقى المناضلين العرب من مختلف الاقطار العربية، بحيث كان البعض يعتبر ان هذه المقاهي كانت المكان الذي يتم فيه العمل والتخطيط لمعظم الانقلابات والثورات العربية. لذا فإن التظاهرات والاعتصامات ليست غريبة عن الواقع اللبناني، فقد شهدت بيروت اضخم المسيرات والتظاهـــــرات تأييـــداً للرئيس جمـــــال عبـــــد الناصر خلال العدوان الثلاثي على مصر، وخـــــلال حـــرب النكسة عام 1967، وكذلك تأييداً للثورة الفلسطينية والقضايا العربية والعالمية.

 وأبرز التظاهرات التي شهدها لبنان كانت في 23 نيسان/ أبريل 1969، تأييداً للثورة الفلسطينية، وكانت هذه التظاهرة ردة فعل على الاقتتال الذي دار بين الجيش اللبناني والعناصر الفلسطينية نتيجة التمدد الفلسطيني المسلح الذي بدا إشكالية في تلك الفترة في مسار الواقع السياسي والاجتماعي في لبنان. فحركة <فتح> بدأت يومذاك تنشط في لبنان منذ العام 1965، وصارت تسعى لإقامة بناها التحتية واستقطاب الانصار والمؤيدين من تجمع--في-ذكرى-14-آذارالشارع اللبناني، وأنشأت لذلك ما عرف بحركة <مساندة فتح>.

أزمة وزارية دامت

 سبعة أشهر

 

ويقول النائب الدكتور فريد الخازن في هذا الصدد وهو من ابرز اساتذة العلوم السياسية في الجامعة الاميركية انه <في أواخر الستينات كان أوان التوسع قد حان، وكذلك أوان تعديل طبيعة الوجود الفلسطيني السياسي والعسكري في لبنان. من هنا كان القرار بإعداد تظاهرة كبرى في بيروت، ولهذا الهدف شُكلت لجنة <نصرة فتح> التي كانت مهمتها التخطيط للتظاهرة، وحضر اجتماعات الإعداد للتظاهرة ممثلون عن الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة لبنان الاشتراكي وحزب البعث العراقي والحزب التقدمي الاشتراكي وعدد من اليساريين ومساندي <فتح> بالاضافة الى ممثلي المنظمات الطالبية خصوصاً من جامعة بيروت العربية>.

كانت التظاهرة في 23 نيسان/ أبريل 1969، وأدت الى اضطرابات في بيروت، وحصول مواجهات بين المتظاهرين وقوى الأمن الداخلي. كذلك ادت الاضطرابات الى سقوط عدد من القتلى والجرحى، وحصلت اضطرابات مماثلة في صيدا، وفي طرابلس وعدد من مناطق البقاع. فما كان من رئيس الحكومة رشيد كرامي إلا ان قدّم استقالته احتجاجاً، وغرقت البلاد في أزمة وزارية دامت سبعة اشهر.

 

كمال-جنبلاط-وعباس-خلف-مع-الاساتذة-المضربينمزارعو التبغ

 

وفي التاريخ النضالي للاحزاب والقوى الوطنية اللبنانية سجلات حافلة بالتظاهرات التي نُظمت دفاعاً عن قضايا قومية وقضايا وطنية واجتماعية، ومنها تظاهرة لنقابة مزارعي التبغ في الجنوب بتاريخ 28/1/1973، التي تصدرها قادة الحركة الوطنية وعلى رأسهم الزعيم كمال جنبلاط، الذي تحدى قرار وزارة الداخلية في منع التظاهرة، وأمن لها الحماية السياسية، وقد اضطرت الحكومة يومذاك الى الإذعان والسماح بالتظاهرة، وشارك في التظاهرة عدد من رجال الدين ابرزهم الراحل السيد هاني فحص، وسقط خلال هذه التظاهرة المزارع حسن الحايك أمام دائرة «الريجي» في النبطية، فخلده الشاعر الجنوبي شوقي بزيع بقصيدة مميزة.

ويذكر الباحث فواز طرابلسي خلال تناوله الحركات الاجتماعية في لبنان ودورها في تشكل المشهد السياسي قبيل الحرب الأهلية، ابرز التحركات العمالية والتظاهرات والاعتصامات التي شهدها لبنان للمطالبة بحقوق اجتماعية ومعيشية، ففي عام 1970 نظم «شركاء» الأديرة المارونية في تنورين وميفوق (جرود البترون وجبيل) إضرابات وتظاهرات واعتصامات مطالبين بحصة أكبر من المحصول وبتوزيع أراضي الكنيسة على الفلاحين. في ميفوق تدخل الجيش ضد الفلاحين. وفي الجنوب، تحولت «الريجي» الى مزرعة خاصة للزعماء التقليديين الذين حشوها بالأزلام والمحاسيب وتحكموا برخص الزراعة يوزعونها على أنصارهم الذين يؤجرونها بدورهم للمزارعين. فقامت تظاهرة شارك فيها آلاف مزارعي التبغ في 22 كانون الثاني/ يناير 1973 باحتلال مباني إدارة «الريجي» في النبطية مطالبين بزيادة قدرها 20 بالمئةعلى سعر منتجاتهم. في اليوم التالي، أطلق الجيش النار على المتظاهرين فأردى مزارعين. بعد ايام، سار 20 الفا في شوارع بيروت متضامنين مع مزارعي التبغ.

تعبير-عن-الراي ... وعمال معمل غندور

 

ومن أبرز التحركات العمالية إضراب عمال معامل غندور للسكاكر البالغ عددهم 1200 عامل وعاملة في معمل الشياح، وهم أكبر كتلة من عمال الصناعة غير منضوية في نقابة. أعلن العمال إضرابهم في تشرين الثاني/ نوفمبر 1972 مطالبين بزيادة الأجور والمساواة في الأجر بين العاملات والعمال والاعتراف بلجنة المعمل والحق في التنظيم النقابي. وخلال تظاهرة لهم في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر عند باب العمل، أطلقت الشرطة النار عليهم فسقط يوسف العطار، عضو «اللجان العمالية» المرتبطة بمنظمة العمل الشيوعي، وفاطمة الخواجه، عضو الحزب الشيوعي اللبناني، وجرح 14 آخرين. نظم الاتحاد العمالي العام يوم إضراب عام لاستنكار العنف الرسمي والتضامن مع عمال غندور فيما عمّت موجة من الغضب أنحاء البلاد. أما حكومة الرئيس صائب سلام، التي رفضت التحقيق في ظروف إطلاق الشرطة النار على تظاهرة سلمية، فقد أصرّت على استحصال الأحزاب اليسارية والقومية على إذن مسبق من وزارة الداخلية لتظاهرة الاحتجاج التي كانوا يعدّون لها. وحصلت التظاهرة وانتهت الى تجمع عارم في ساحة البرلمان خطب فيه كمال جنبلاط فيما المتظاهرون يهتفون «99 لص و17 حرامي»! (نسبة الى عدد نواب المجلس وأعضاء الحكومة). وفي 15 كانون الاول/ ديسمبر، أعلن أصحاب معمل غندور إقفال معملهم وصرف جميع العمال ثم فتحه بعد أسبوع وأعاد توظيف العمال باستثناء 100 عاملة وعامل اعتبروا قادة الإضراب والمحرضين عليه. ومع أن اليسار نظم تظاهرة جديدة يوم 25 كانون الاول/ ديسمبر إلا ان حصيلة معركة غندور لم تخلف غير المرارة والغضب. وعلّق الملحق العمالي في السفارة الأميركية على الحدث قائلاً بأن التظاهرة والإضراب العام كانا بمنزلة «نجاح متواضع» لصالح اليسار، الذي نجح في الانتقال الى الهجوم وربح «الحرب الدعاوية». إلا انه خلص الى القول ان لا اليسار ولا الحركة النقابية حقق أي إنجاز ملموس للعمال في نهاية المطاف.

الحركة الطالبية اللبنانية

 

حتى الحركة الطالبية اللبنانية كانت لها تحركاتها وتظاهراتها في لبنان دفاعاً عن حقوقها التي تعددت وتنوعت، ومنها التحركات الطلابية التي بدأت - كما يذكر طرابلسي - بإضراب طويل نظمه تلامذة الثانوي في آذار/ مارس 1967 مطالبين بخفض الأقساط وإلغاء العلامة اللاغية على اللغة الأجنبية وتوحيد الكتاب المدرسي. في مدينة صور أطلق الدرك النار على تظاهرة للتلامذة فأردوا الطالب إدوار غنيمة قتيلا. أما أيام حزيران/ يونيو 1967 والاسابيع التي تلتها، فقد شهدت نشاطا طالبيا محموما يتعلق بالنزاع الاسرائيلي - العربي ما أدى الى الإغلاق الرسمي للمدارس والجامعات واحتلال الشرطة لحرم الجامعة الأميركية في بيروت وطرد طلابها المعتصمين.

جثمان-معروف-سعد-ملفوف-بالعلم-الفلسطيني 

إضراب طلاب الجامعة اللبنانية

 

وفي نيسان/ ابريل 1968 بدأ إضراب لطلاب وأساتذة الجامعة اللبنانية استمر 50 يوما. طالب الأساتذة بزيادة الأجر وبالتثبيت، والطلاب بحرم جامعي موحد وزيادة المنح وإنشاء مطاعم جامعية. لم تستجب إدارة الجامعة لأي من هذه المطالب إلا أن الطلاب نجحوا في انتزاع الاعتراف بـ«الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية» الذي ما لبث أن فاز بأكثرية مقاعده تحالفٌ يساري (ضم الحزب الشيوعي والحزب التقدمي الاشتراكي ومنظمة العمل الشيوعي) ... وفي آذار/ مارس 1972 أعلن الاتحاد إضرابا للضغط من أجل تحقيق مطالبه. وقد أقفلت الجامعات الخاصة، الأميركية واليسوعية إضافة الى الجامعة العربية، تضامناً مع زملائهم في الجامعة الرسمية. وتجدد إضراب الجامعة اللبنانية في العام التالي ولم يتوقف إلا بعدما تدخلت الشرطة وطردت الإدارة عددا من الأساتذة.

ثلاث مرات في العام 1969، أضرب تلامذة وأساتذة التعليم الخاص والرسمي مطالبين بزيادة الأجور وإنشاء صندوق التعاضد، ولكن ما من مستجيب. ولم تغب الجامعات الخاصة عن التحرّك من أجل مطالبها الخاصة. فقد أعلن طلاب الجامعة الأميركية في بيروت الذين ينتمي معظمهم الى الطبقات الوسطى والعليا، الاضراب عام 1971 ضد زيادة الأقساط، واحتلوا المباني وساروا في تظاهرة حاشدة، فتدخلت الشرطة النائب-معروف-سعد-خلال-مهرجان-جماهيريمدعومة بعناصر من حزب الكتائب، وطردت الطلاب المعتصمين من الحرم الجامعي.

 

اضراب الاساتذة

عام 1972

في عام 1972 شهد لبنان إضراباً على المستوى الوطني العام شمل 16.000 أستاذ في التعليم الرسمي يطالبون بزيادة الأجور والحق في التنظيم النقابي والتقاعد بعد 25 سنة من الخدمة. استمر الإضراب شهرين قبل أن يجري تعليقه بعدما أعلنت وزارة التربية التوقف عن دفع المعاشات للأساتذة. لكن عندما تجدد الإضراب منذ كانون الثاني/ يناير وحتى تموز/ يوليو 1973، أعلن رئيس الحكومة صائب سلام فصل 324 أستاذاً باعتبارهم «المحرضين» على الإضراب، وانطلقت موجة من تحركات الاحتجاج والتضامن مع الأساتذة شملت كل أنحاء البلاد، فيما تحوّل اعتصام الأساتذة المصروفين والمضربين عن الطعام في بيروت الى محجة تتقاطر اليها وفود من مختلف قطاعات الحركة الاجتماعية، حتى الكنيسة المارونية تدخلت للمطالبة بإعادة الأساتذة المصروفين الى مدارسهم، ولكن دون جدوى.

هكذا باتت التظاهرات الطالبية مشهداً يومياً مألوفاً في شوارع بيروت والمدن اللبنانية، يصل حجمها أحياناً الى 25,000 طالب وطالبة. ولم يولد المنع الرسمي والقمع البوليسي غير المزيد من التظاهرات «الطيّارة» التضامن-مع-عمال-غندورالى درجة ان الرئيس سليمان فرنجية فكّر في إقفال الجامعة اللبنانية خلال عام دراسي كامل خوفاً من أن يؤدي الغليان الطالبي الى اندلاع «حالة ثورية».

 

معروف سعد

 

ثم كانت تظاهرة صيادي الأسماك في صيدا في 26 شباط/ فبراير 1975 من ابرز التظاهرات التي ربما كانت سبباً لبداية غليان الحرب الاهلية التي انفجرت مع حادثة عين الرمانة في 13 نيسان/ أبريل 1975. بدأت هذه التظاهرة احتجاجاً على تشريع الدولة لاحتكار شركة <بروتيين> صيد السمك على طول الساحل اللبناني، وكان على رأس هذه التظاهرة المناضل الصيداوي معروف سعد الذي فارق الحياة متأثراً بإصابته في 6 آذار/ مارس 1975، وشهدت البلاد إضرابات وإقفالاً عاماً احتجاجاً على مقتله الذي كان بمثابة الشرارة الاولى لاندلاع الحرب الاهلية.

وشهد لبنان طيلة الحرب تظاهرات من كل الانواع، وابرزها تظاهرة الدواليب الشهيرة في 9 ايار/ مايو 1992 التي أودت بحكومة الرئيس عمر كرامي ... وتظاهرات عدة للاتحاد العمالي العام.

اعمال-الشغب-في-حملة-طلعت-ريحتكم 

تظاهرة الرابع عشر من آذار

 

اما عام 2005، فقد كان من الاعوام المفصلية في تاريخ لبنان الحديث. ففي الرابع عشر من شهر شباط/ فبراير من هذا العام استشهد الرئيس رفيق الحريري، وشهد لبنان مسيرات واعتصامات في ساحة الشهداء مطالبة بخروج القوات السورية وإنهاء الوصاية، فكانت تظاهرة الثامن من آذار/ مارس 2005 التي نظمها حزب الله تحت عنوان <شكراً سوريا>، الا ان الرد كان سريعاً من قبل المعارضة آنذاك، فكانت التظاهرة المليونية الكبرى في ساحة الشهداء يوم 14 آذار/ مارس من العام نفسه حيث اجتمع اللبنانيون من مختلف الطوائف والاحزاب والتيارات هاتفين <حرية، سيادة، استقلال>، ليتمكنوا من تحرير لبنان من عهد الوصاية السورية التي استمرت حوالي الثلاثين عاماً، فكانت دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري شعلة الاستقلال الثاني ومنارة للحرية.